صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

ونفسي معيوب.. إلى متى؟
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

فقرة أخرى من فقرات المقطع الأخير من دعاء الصباح لمولى الموحدينوأمير المؤمنين عليه السلام التي يستحب السجود عند قراءتها لأن العبد أقرب مايكونلله تعالى وهو في حال السجود. 
 كما ذكرنا فيما مضى فإننا نعيش الأدبار الحقيقي حتى في حال السجود. لست مبالغا لأني لم أقرأ ذلك في كتاب ينقد أو ينتقد تصرفاتنا نحن الذين ندعيالأيمان ونتظاهر به. لقد عشت تجارب عديدة لما يقرب من ثلاثين سنة مضت ونحن نلهج : ونفسي معيوب إلى أن قرأها أحدهم يوما : وَنَفَسي معيوب. لم أذكر يوما أننا قدتذاكرنا بعد الأنتهاء من قراءة  دعاء كميل بعيوب النفس المعيوب إلاّ مارحم ربي. لقدأصبح حضورنا إلى الدعاء كما الصلاة والصيام  روتينيا : حركات وعبارات نرددها ونسألالله الفرج.
 
الندم وطلب العفو :
 إختلفت مع أحد الأصدقاء يوما فأسمعني كلاما ـ إعتبره هو نابيا ـ . إنصرفت عنه طالبا الهداية من الله تعالى لي وله. بعد ساعة من الزمن إتصل بالهاتفوأخبرني بأن هناك أمرا مهما يريد أن يحدثني به.
 قلت : لاتزاحم نفسك وتأتي في هذا الوقت المتأخر والشقة بعيدةعليكم. أبى ذلك وأصر على المجيء.
جاء هذا الصديق العزيز وطرق الباب بإستحياء وحينما فتحت له البابوجدت دموعه تسيل بغزارة على محياه الكريم. ظننت أنه يشكو من نازلة قد حلت به لاسمحالله ، فقد تركته قبل ساعة على أحسن حال. إحتظنته ومسحت دموعه بيدي وأدخلته الداروقلت له : أرجوك أن تحدثني بصدق عما جرى لك. أجابني دون أن ينظر بوجهي : سامحنيأيها العزيز فقد أسأت ولم أحترز من لساني فصدر مني ما لاأضمره من الحب لك في قلبي. قلت له : أيها العزيز لم يصدر منك مازعمت ونحن إخوة يحمل بعضنا بعضا على سبعين محمل، ثم لماذا ـ وهذا الذي أريد أن أصل إليه من خلال ذكري لهذه الحادثة ـ  تزاحمتبالمجيء إلى هنا. أجابني:
طلب الصفح وأنا قريب منك ليس كما في البعد عنك. 
تعليق:
عبدٌ فقير لاأملك جنة أسكن فيها المحبين ، ولانارا أحشر فيهاالمبغضين. عبدٌ فقير لاحول ولاقوة له وقد جاءني هذا الصديق العزيز إلى البيت ليجلسقريبا مني ويشكو لي حاله ويطلب الصفح والمسامحة. فما بالنا أيها السادة الأعزاءحينما نطلب العفو والصفح والمسامحة من المولى الغنيّ ذي القوة المتين. إن مجيء هذاالصديق العزيز وهوعلى تلك الحالة من الشعور بالندم كان درسا عرفانيا بليغيا تعلمتهمنه وهو التقرب لله تعالى بالسجود الحقيقي الذي يجب ألاّ يكون بسجود الجباه فقطوإنما بسجود كلّ عضو فينا ، فهذا القلب  المدبرعليه أن يسجد قبل الجبهة ، وهذهالعين الجامدة عليها أن تسجد مع القلب وتنهمر منها دموع الندم والتوبة ، وهذااللسان الطويل الذي مأنفك يغتاب البعيد ويجرح القريب حتى غدا أشد وقعا على النفس منالسهام والسيوف ، فجراحاته لاتندمل وسقطاته لاتعد ، عليه أن يسجد مع بقية الجوارح. وماذا ياترى بعد هذا السجود الذي نسجده ـ وللأسف الشديد ـ  لبضع ثوان. بعد السجودلايختلف عندنا كثيرا عمّا كان قبله : عودٌ على بِدأ.
 
بعد السجود :
لا شيء جديد ، وربما يكون حالنا ممتازا إن بقينا نراوح مكاننا ولانتقهقر أكثر من ذلك. تماما كما يفعل الطفل الصغير ـ حاشا القاريء الكريم ـ حينمايخرج من الحمّام طاهرا نظيفا ليعود بعد لحظات إلى اللعب بالوحل والتراب من جديدفيفسد طهارته ونظافته وبريقه. نسجد ولكننا لانعيش السجود إلاّ ثواني أو دقائق ونعودكما ذلك الطفل الصغير إلى الكبرياء والتكبر وإلى الغيبة والنميمة وإلى الظلم وبخسالناس أشياءهم وقد كنا قبل قليل نقف بين يدي المولى سبحانه ونررد : يامحسن قد أتاكالمسيء. أنت المحسن ونحن المسيؤون. تجاوز اللهم عن سيئات ماعندنا بحسن ما عندك. أمرنا غريب فعلا ، نردد تلك الكلمات العظيمة الشأن وقلوبنا مدبرة تماما ، نلتفتيمينا وشمالا أو نلهوا بأزرار أثوابنا أو نحاول إغلاق الموبايل ونبتدأ صلاتنا : يامحسن قد أتاك المسيء!!
ومع هذا كله تشملنا الرحمة الآلهية الواسعة ولكننا نعود فنظلمأنفسنا وندبر أكثر من ذي قبل.
 
أيام الوصال :
يروى أن شابا كان منقطعا لله سبحانه وتعالى وكان يدعو بما يشاءفيستجيب الله تعالى له. مع تلك المنزلة القريبة التي كانت عنده من الرحمن الرحيمإلاّ أن الشيطان لم يترك ذلك الشاب العابد وشأنه. بل أغراه بما يبعده عن ذلك القربالآلهي ، فمر عليه وقت طويل ولم يذكر الله تعالى فغرته الدنيا بإقبالها عليه وأخذهالغرور فإبتعد عن طريق الصواب إلى أن نسي ذكر الله تعالى. في أحد الأيام وقع ذلكالشاب المسكين في معظلة كبيرة فتوجه إلى الذي رباه صغيرا ورعاه يافعا ورحمه كبيرا. سأل الله تعالى أن ينجيه ويخلصه مما هو فيه من الكرب العظيم. إستجاب الله تعالىدعاءه وأعطاه مراده. تعجب ذلك الشااب كثيرا من هذا الأمر وقال في نفسه : كنت أيامشبابي أدعو الله فيجيبني لأنني كنت أتقرب إليه زلفى بأعمالي وأقوالي وأنقطع إليهوأشكره كثيرا ، أمّا الآن فأنا مدبر عنه مقبل على سواه ، فكيف إستجاب لي. بينما هوكذلك يتساءل مع نفسه وإذا به يسمع هاتفا يهتف :
 
أيام الوصال بيننا قديمة نسيتها وحفظناها.
 
إن طول السجود والتضرع بين يدي الله تعالى ليس هدرا للوقت الثمين. بل هي لحظات إختلاء العاشق بمعشوقه الأوحد. السجود غسيل روحي يطهر النفس من عيوبهاالتي لاتعد ولا تحصى.
التكبر: عيب بالغ الخطورة وعدو فتّاك ، يفتك بنا أحيانا من حيثلانشعر..
إن مصيبتنا الكبرى وسوء أحوالنا هي في عدم تواضعنا وعدم أعترافنابأخطائنا.
إننا أقوياء جدا ونملك كل وسائل الرد العنيف عند مواجهتنا لغيرنا. نوظف كل مالدينا من لباقة وسرعة بديهة وشعر ونثر وخطابات رنانة من أجل الأنتصار علىهذا الغير ولايهمنا أبدا إن كان الأنتصار حقا أم باطلا. المهم هو أن نخرج منتصرينأمام الأهل والأصدقاء. 
إننا وللأسف الشديد لم ندخّر ولا سلاحا واحدا عند مواجهتنا لأنفسنا، كي نخرج منتصرين عليها أمام الله والملائكة الشاهدين وأمام الأخوة الأحبة.
لازلنا وللأسف الشديد نرتدي أقنعة مختلفة ، بعضها يسقط بملامسةالريح لها والبعض الآخر لايسقط إلاّ بضربة ملاكم محترف. نحاول الظهور بالمظهراللائق بين الآخرين وفاتنا أن نظهر بالمظهر اللائق أمام الله ورسوله والمؤمنين.
حتى حينما نعترف بأخطائنا يكون ذلك من باب مكره أخاك لابطل. نشفعذلك الأعتراف بكلمة ـ لكن ـ لنوحي أن هناك أسبابا أدت إلى اخطائنا فيكون عندهاإعترافنا لاقيمة له.
نغفل أحيانا عن فضيلة الأعتراف بالخطأ ونظن أن الفضيلة تكون بمجردالكلام دون العمل. الأعتراف بالخطأ يوجب عدم تكراره مرة بعد أخرى.
سوف لم ولن يتغير حالنا إلى احسن منه مهما كتبنا وإنتقدنا ونقدناوبكينا ولطمنا وشكونا وإستغثنا وتوسلنا بألأولياء وتشفعنا بهم وقدمناهم بين يدي سوءحالنا. كلّ ذلك لاينفع وهومضيعة للوقت الثمين دون التوجه إلى أنفسنا وإصلاح عيوبهاوحملها على الأعتراف بالخطأ وأخذ الهعود والوعود منها بعدم تكرار ذلك الخطأمستقبلا.
 
الشاب العاشق :
قبل عشرين عاما وفي ليلة جمعة ، خطر ببالي أن أعيش أجواء دعاء كميلمع أحد الأصدقاء وكان شابا عارفا حقا. ذهبت إلى بيته  المتواضع وكان النظر إلى وجههالكريم يذهب عني الهم والكرب.
 بإختصار، عندما بدأ بقراءة : ونفسي معيوب أخذ يبكي بكاء شديداويتوسل إلى الله تعالى بأن يعينه على نفسه. إنتهى دعاء كميل. ذهبنا للنوم في غرفةفيها سرير متواضع وبعض قطع الكارتون على الأرض. أشار بإصبعه إلى السرير وقال : هذامكانك إنه للضيوف الكرام. وأشار إلى قطع الكارتون وقال : هذا مكاني إنه يناسبني. لمأفلح في إقناعه بتغيير أمكنتنا. أطفأ الضوء وإستأذن مني للنوم. لاأظن أنه قد ناملحظة واحدة. كان يعيش الدعاء كل الوقت فكان إذا أراد أن ينقلب ذات اليمين وذاتالشمال قال :" الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلقالسماوات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ". وكلما ذكر النارإستوى واقفا وكأن النار قد علقت باثوابه. بإختصار أيضا ، كان قد قضى تلك الليلةبالبكاء والدموع متوسلا إلى الله تعالى بفكاك رقبته من النار، بينما كنت أنا ـالعبد الفقير ـ أنام على ذلك السرير وأنعم بالدفأ والأسترخاء وأشعر بأني ذلك القريبمن الله تعالى لأني حضرت دعاء كميل وقد بكى وشكى صديقي نيابة عني.
إن تكرار " ونفسي معيوب " كل صباح لايصلح من الحال شيئا  دون النظروالوقوف أو التوقف قليلا  عند تلك العيوب والشروع بإصلاحها قبل فوات الأوان.
نشكوا كثيرا وندعوا الله كثيرا ولكن لايستجاب لنا. مالسر في ذلك؟
 
سائق سيارة الأجرة :
حدثني أحد سائقي ـ التاكسي ـ  في كربلاء المقدسة في بداية شهر رمضانالمبارك المنصرم وقال لي من جملة ماقاله : أننا ندعوا الله في الصيف ونشكر اللهكثيرا إن إستجاب لنا في الشتاء. كان يمازحني بألم شديد ويشكو من عدم إستجابةالدعاء. قلت : ياأخ إن الله  أمر بالدعاء وضمن الأجابة ولم يجعل إجابته لنا أمرامستحيلا أو تعجيزيا. إن أبواب السماء مفتحة للداعين. ألم تقرأ في زيارة أمين الله " ودعوة من ناجاك مستجابة... ". إن الخلل ياأخ يكمن فينا. لقد أهملنا أنفسنا ولم نتبعالحق.لم نجتهد لمعرفة الحق وأهله.
 كم  من مرة وقفنا فيها وسط الطريق لخيبة زيد أو عمر.
 كم من مرة ظلمنا أنفسنا وتسرعنا بأحكامنا قبل أن نتبين أنه الحق ،والله تعالى ينادينا : " إعدلوا هو أقرب للتقوى ".
 كم من مرة قلنا " ياليت لنا مثل ماأوتي قارون إنه لذو حظ عظيم ".
 كم من مرة  تمنينا زوال نعمة الغير لأننا نعيش الفقر.
كم من مرة إبتعدنا عن الفقير المحروم نخاف ونحذر العدوى لأنناأثرياء.
كم من مرة نحضر مجالس الدعاء والزيارة ونستخف بالصلاة إن لم نسهوعنها.
 كم من مرة  نحضر المجالس ونحن لانفقه أحكام الوضوء. كم مرة .. كممرة... .
أخذت أعدد له عيوبي إلى أن أجهشنا بالبكاء سوية.
 
إلهي نفسي معيوب..

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/21



كتابة تعليق لموضوع : ونفسي معيوب.. إلى متى؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 3)


• (1) - كتب : اسماعيل المصلاوي ، في 2012/04/12 .

شكرا للكاتب المبدع محمد جعفر الموسوي على هذه الكلمات الذهبية الرائعة وفقك الله لخدمة التائهين في هذه الدنيا والتاركين عبادة الله وحب الشهواة

• (2) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2012/03/24 .

جناب الأستاذ الفاضل عراقي دامت توفيقاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نورتم صفحة العبد الفقير بمروركم وتعايقكم الكريم.
دعوتم لنا أيها العزيز بالخير فجزاكم الله خيرا وجعل لكم بكل كلمة حسنة وضاعفها لكم أضعافا كثيرو وثبتها في سجل اعمالكم الصالحة ونغعكم بها في الدارين.
أسأل الله أن يريكم بمحمد وآله السرور والفرج وان يدخلكم في كلّ خير أدخلهم فيه وأن يخرجكم من كل سوء اخرجهم منه وأن يصلح بالكم ويزيدكم علما وفهما وتقىً وبركات.
دمتم لنصرة الحق واهله

تحيات أخيك الأقل ودعواته

محمد جعفر



• (3) - كتب : عراقي ، في 2012/03/23 .

جناب الاستاذ المبدع والفاضل الرائع والاخ الورع محمد جعفر الكيشوان...
لا يسعني الا ان اتقدم لكم بجزيل الشكر والتقدير على كل ما تخطه يداك الكريمتين
وفقكم الله في الدنيا والاخرة ... وزادكم شرفا بحق محمد وآل الاطهار




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net