صفحة الكاتب : مهند البراك

نواب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ح1 
مهند البراك

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 النيابة الخاصة: تُعتبر النيابة الخاصة من المناصب الخطيرة ذات الأهمية الكبرى، ولا يليق بهذا المقام السامي إلاّ من تتوفر فيه الصفات المطلوبة، والمؤهلات اللازمة، كالأمانة (بجميع معنى الكلمة) والتقوى والوَرَع، وكتمان الأمور التي لا ينبغي إفشاؤها، وعدم التصرُّف - في القضايا الخاصة - بالرأي الشخصي، وتنفيذ الأوامر والتعليمات الواصِلة إليه من الإمام، وغير ذلك من الشُروط.

ولا يخفى أنَّ النيابة الخاصة أهم وأعلى من النيابة العامة، التي هي مرتبة الاجتهاد المحفوفة بالشروط اللازمة، كالعدالة، ومخالفة الهوى، وشدَّة التمسك والالتزام بالموازين الشرعية، وغير ذلك من الصفات التي يجب توفرها في المجتهد المذكورة في الرسائل العملية والمقصود - هنا - التحدُّث عن النواب الأربعة، وبيان شيء من ترجمة حياتهم.
النائب الأول
 اسمه: عثمان بن سعيد، كُنيتُه: أبو عمرو، لقبه: العمري، السمان، الزيات، الأسدي، العسكري، وكان يلقب بـ(السمان) و (الزيات) لأنه كان يتَّجر بالسمن والزيت، تغطيةً على مقامه، وتقيةً من السلطة، فكان الشيعة يحملون إليه الأموال والرسائل، فيجعلها في جراب السمن وزقاقه- كي لا يعلم بذلك أحد - ويبعثها إلى الإمام، ولا يُهمُّنا التحقيق في لقبه بالعمري، ولا في انتسابه إلى بني أسد، وإنما نكتفي بما يلي: لقد كان للعمري شرفُ خدمة الإمام الهادي (عليه السلام) يومَ كان عمره إحدى عشرة سنة، وهذا يدل على ما كان يتمتَّع به من الذكاء، والعقل، والرشد الفكري المبكر، والمؤهلات التي منها العدالة والوثاقة والأمانة، والله يختصُّ برحمته من يشاء. والآن..إليك الحديث التالي: رُوي عن أحمد بن إسحاق قال: سألت الإمام الهادي (عليه السلام) وقلت: منْ أعامِل؟ وعمَّنْ آخُذ؟ وقولَ من أقبل؟ فقال الإمام: (العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون).
و بعد وفاة الإمام الهادي (عليه السلام) زاد الله العمريَّ شرفاً على شرفه، إذ صار وكيلاً للإمام العسكري (عليه السلام) أيضاً فقد روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال لأحمد بن إسحاق: (العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعنِّي يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان).
وقد كَتَب الإمام العسكري كتاباً مفصَّلاً إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري، نقتطف منه كلمةً تتعلق بالمترجم له: (... فلا تخرجن من البلدة حتى تلقى العمري (رضي الله عنه برضاي عنه) وتسلِّم عليه، وتعرفه ويعرفك، فإنه الطاهر الأمين، العفيف، القريب منا وإلينا...) وروي عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله السجستاني، قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رأى، وبين يديه جماعة مِن أوليائه وشيعته، حتى دخل بدْرٌ خادمُه، فقال: يا مولاي.. بالباب قومٌ شُعْثٌ غُبْر فقال لهم (أي: قال الإمام للحاضرين عنده): (هؤلاء نَفَرٌ من شيعتنا باليمن)... إلى أن قال الإمام الحسن لبدر: (فامضِ فأتنا بعثمان بن سعيد العمري). فما لبثنا إلاّ يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد (صلى الله عليه وآله): (امضِ يا عثمان فإنَّك الوكيل، والثقة المأمون على مالِ الله، واقبِض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال)...ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا.. والله إن عثمان بن سعيد لمن خيار شعيتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وإنه وكيلك وثقتك على مال الله؟ قال (عليه السلام): (نعم.. واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأن ابنه محمداً وكيل ابني: مهديكم).
وروي عن جماعة من الشيعة، منهم: علي بن بلال، وأحمد بن هلال، والحسن بن أيوب، وغيرهم - في خبرٍ طويلٍ مشهور - قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) نَسْأله عن الحجة من بعده، وفي مجلسه أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد العمري فقال له: يا بن رسول الله أريدُ أن أسألك عن أمرٍ أنت أعلمُ به منِّي؟ فقال الإمام (عليه السلام): (أخبركم بما جئتُم)؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: (جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي)، قالوا: نعم.. فإذا غلام كأنَّه قطعة قَمَر، أشبه الناس بأبي محمد (العسكري)، فقال: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرَّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه بعد يومكم هذا حتى يتمَّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله...)
وقد سبَقَ أن ذكرنا أن الإمام العسكري (عليه السلام) أمر العمري - بعد ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) - أن يشتري آلاف الأرطال من اللحم والخبز، ويوزعها على الفقراء، ويعقَّ عدداً من الأغنام عن ولده الإمام المهدي (عليه السلام) وكان العمري يسكن في بغداد، ويُكثِر السفر إلى سامراء ليلتقي بالإمامين: الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) ويُستفاد من بعض الروايات أن العمري حضَرَ تغسيل الإمام العسكري (عليه السلام) وتحنيطه وتكفينه ودفنه. ولا نقول: إنه باشَرَ ذلك بنفسه، فالإمام لا يُغسِّلُه إلا الإمام. ولا يُهمُّنا إن كان التاريخ أهَمَلَ تغسيل الإمام المهدي أباه، ولم يتعرَّض لذلك، فالعقيدة ثابتة.. سواء ذَكَرَ التاريخُ ذلك.. أو لم يَذْكُره وبعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أبقى الإمامُ المهدي (عليه السلام) العمريَّ على وكالته، وعلى هذا.. يُعتبر العمري النائب الأول للإمام المهدي، وهكذا.. كان العمري همزَةَ وصلٍ بين الإمام المهدي وشيعته، في مُراسلاتهم وقضاياهم، وحلِّ مشاكلهم.
ويعلمُ الله تعالى عدد لقاءاته مع الإمام المهدي (عليه السلام) وتشرُّفه بالمثول بين يديه، ويعلم الله كيفية تلك اللقاءات ومقدارها يومياً؟ أسبوعياً؟ شهرياً؟ أو حسب الظروف والحاجة، في حين كان الملايين من الشيعة محرومين عن هذا الشَرَف، وفاقدين لهذا التوفيق، نعم.. إنَّ الأمانة والمصلحة كانتا تفرضان على العمري أن لا يبوح بهذا السِرّ للناس، ليبقى السرُّ مكتوماً ويُدفَن مع صاحبه.
وقد رُويَ أنَّ عبد الله بن جعفر التقى بالعمري - بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (عليه السلام) - فأقسم على العمري وحلَّفه قائلاً: فأسألك بحقِّ الله وبحقِّ الإمامين الذين وثقاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحبُ الزمان؟ فبكى العمري من هذا الإحراج، واشترط على عبد الله بن جعفر أن لا يخبر بذلك أحداً مادام العمري حيّاً، وقال: قد رأيته (عليه السلام)... إلى آخر كلامه، وخلاصة الكلام: إنَّ العمري كان من النوابغ.. فكراً وعقلاً، أضِفْ إلى ذلك مزاياه الخاصة كالتقوى والورع والأمانة، وغيرها من الصفات التي جعلته أهلاً للنيابة الخاصة والوكالة العامَّة، و (هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم) فالعمري كان مغموراً بالسعادة وشرفِ خدمة الأئمة قبل أن يبلُغ الحُلُم، إلى أن فارق حياته السعيدة المباركة، ومن الواضح أنَّ الأئمة الثلاثة (سلامُ الله عليهم) إنما انتخبوه واختاروه لهذا المنصب الخطير والمكانة السامية لوجود المؤهلات فيه، ولقد أمره الإمام المهدي (عليه السلام) أن ينصِّب وَلَدَه محمد بن عثمان من بعده، وليتولى الأمور بعد وفاة أبيه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهند البراك
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/09



كتابة تعليق لموضوع : نواب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ح1 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net