صفحة الكاتب : رشا عبد الجبار ناصر

نداء عقائدي..
رشا عبد الجبار ناصر

  تنتابني حالة من الذهول عندما اصغي لهذا النداء العجيب (هيهات منا الذلة)، إنه نداء سماوي لذا أغبطهم تارة، وتارة أتمنى لو كنت نسيماً يداعب وجوههم، أو ماء فرات يروي عطشهم، إنهم أولادي أو بالأحرى هم بعمر ولدي علي الذي كان في المرحلة الأولى من كلية العلوم عندما التحق بصفوف الحشد المدافع عن الوطن والمقدسات إبان سيطرة ما يسمى داعش على المناطق الشمالية من وطني.

 كان تأهبه ليلتحق بصفوف الوجوب الكفائي يزيدني ثقة بأن سنيّ عمري لم تذهب سدى، لم يكن لأحد أن يتنبأ أو يفكر بما سيحدث إذ كان حماس الشباب وعنفوانهم يمسح على قلوب الامهات بمرهم لطيف، وكأنهم يتحينون الفرصة للتحليق في عالم الايثار.
 فتية اتخذوا من سيدهم وسيدي علي الأكبر (عليه السلام) قدوة صالحة، كنت أراقب تحركاته وكأنني أستعد لشيء ما، أو هو احساس الأم عندما يختبر ولدها شعورها بالبعد عنها أيام أو اشهر، وكان دائماً يطمئنني: "امي حبيبتي لا تقلقي".
 كانت كلماته الحانية كبلسم شافٍ، ثمرة عمري التي سقيتها بالصبر بعد استشهاد زوجي (رحمه الله)، كان قد مر على زواجنا سبع سنين ولم نرزق بأطفال بعد، ولم أكن أعلم بأنني حامل، مر شهران فقط حتى علمت بأمر حملي، كنت سعيدة وحزينة في الوقت ذاته، فقد أضفى نبأ حملي أملاً جديداً لهذه العائلة المنكسرة، اذ امست حياتنا بعد استشهاد حسين (رحمه ألله) مظلمة.
 لم اعد كالسابق، وكذلك والد حسين ووالدته، فقد كان ابنهما الوحيد وعندما علموا بأمر حملي عادت الحياة الى روحيهما وعادت السعادة تملأ ثنايا البيت الذي أطفأ صدام وزمرته الخبيثة قناديله بظلمهم وطغيانهم.
 ازداد خوفي واضطرابي من هذه الذكرى الأليمة التي عصفت بكياني، ولكنني حاولت اخذ نفس عميق لأبعد عن خاطري هذا الحزن والأسى، هنيهة واذا بهاتفي يرن، انه علي "الو علي كيف حالك بني"؟ 
_ السلام عليكم كيف حالك امي الغالية؟
_ تفديك امك يا علي.
_ امي لقد تحررت أجزاء كبيرة من المناطق المحتلة، كنت اسمع تتمة كلامه بحذر وكأن شريط حياتي يعرض أمام ناظري.. 
امي، اننا نخطو نحو النصر، لا بل النصر هو من يخطو نحونا، وكأنه يربت على اكتافنا بفخر لينقل البشرى على لسان الحقيقة، امي.. الو.. 
نعم حبيبي انا اسمعك مبارك لكم هذا النصر يا ولدي.. كنت اسمع صوت رفاقه يضحكون مستبشرين.. 
باركت له هذا التقدم وهذا الفوز ولكن ماذا أفعل بهذا القلب المضطرب الذي يخفق بوجل، وكأن كل شيء حولي يوحي لي بالفراق من رنين الهاتف إلى رفرفة هذا القلب إلى صوت التلفاز وعيني التي تتراقص لقراءة الكلمات التي تكتب بخط صغير أسفل الشاشة خشية أن تهرب الكلمات وكل كلمة كنت أقرأها كانت تنقل لي الحدث بألف صورة وصورة.
 كنت أطمئن روحي الهائمة بفتح كتاب الذكر الحكيم وقراءة آياته، عندها ترفل روحي بالأمان وأنام قريرة العين تلك الليلة، وفي نفس الليلة رأيت رؤيا عجيبة استيقظت على إثرها لأسمع صوت القرآن الكريم من الجامع الذي في منطقتنا، قمت لأتهيأ لصلاة الفجر، توضأت واحضرت سجادة الصلاة وما أن حان وقتها حتى صليت الفرض ورفعت يدي بالدعاء" الهي.. بدأت أطياف رؤياي تطوف حولي... نعم تذكرت اني رأيت حسينا (رحمه الله) وهو يقف على باب كبير وخلف تلك الباب حديقة أسرتني من شدة جمال الزهور فيها واختلاف ألوانها وعطرها الأخاذ.
 سلمت على حسين ولكنه لم يكن ليوليني انتباها، أمعنت النظر واذا بِعَلي ولدي يقف مقابل حسين، كانا يتحدثان بكل ود وشوق وكأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات، دموعي كانت تنهمر كالسيل لكني تضرعت الى الله تعالى: "الهي وربي، انت ترى مقامي وتسمع كلامي وحاشا لوجهك الكريم ان تغفل عني، اذا كان قدري فراق ولدي بنيل الشهادة فأمسح على قلبي بصبر من صبر تلك الهاشمية التي صبرت لفقد اخوتها واولادها وابناء عمومتها قربانا لرضاك وما قولها "اللهم تقبل منا هذا القربان" إلا برهان واضح على ايمانها وصلابتها في سبيل الله -عز وجل-".
 لم اخلد بعد صلاة الفجر ابدا ولم ترَ عيني النوم الهنيء، مرت ثلاث ساعات فقط واذا بالباب تطرق، ارتديت عباءتي وفتحت الباب التي اسميتها باب الوداع، كان مصطفى صديق ولدي علي، رأى كيف أن عيوني قد تورمتا من البكاء والسهر، بعدها اطرق برأسه إلى الأرض: "خالتي.. أعظم الله لك الاجر بعلي".
 في تلك اللحظة جفت دموعي وكأنها لا تريد أن تنهمر مجددا، وكأنني أدركت عندها رحيل علي بالشهادة وإن هذا هو قدرنا، عندها توجهت إلى نعشه، كان مسجى ووجهه يتلألأ كفلقة القمر والعطر الزكي الذي يفوح منه وكأنهم زرعوا الزهور في ثنايا النعش.
 كنت أنظر إليه بتمعن وكأن عليا كان يخبرني انه لا بد من السفر، وإن كانت الشهادة هي مفتاح ذلك السفر فأهلا ومرحبا، اما انا فكل ما رجوته أن ارضى بقضاء الله صابرة محتسبة مؤمنة، كنت اتوق إلى أن أصبح جدة وأربي احفادي ولكن الله (عز وجل) قدَّر لي أن أكون زوجة شهيد وأم شهيد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رشا عبد الجبار ناصر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/09



كتابة تعليق لموضوع : نداء عقائدي..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net