شهر رمضان فرصة سنوية مميزة لمزيد من الجد والاجتهاد والتزوّد والاستعداد؛ بقلم السيد محمد باقر السيستاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إنّ حياة الإنسان هي مجال اختبار وفرصة استثمار ومضمار سباق، وكيف لا يكون كذلك إذا كان كل ما يأتي به الإنسان زرع يغرسه ليحصد ثماره غداً سواء كان خيراً أو شراً، وكل ما يهمله من خير فسوف يفتقده في وقت لا يستطيع له تدارك ما فات ولا الاستزادة مما ترك.

ولكنّ شهر رمضان لهو فرصة سنوية مميزة قدرها الله سبحانه بما يسره فيه من البركات والنفحات والاستجابة والاقبال وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، حتى يكون موعداً لمزيد من الجد والاجتهاد والتزوّد والاستعداد.

وليساعد ذلك على مراجعة الانسان لجوامع اموره وترتيب اوراقه وتهذيب نفسه واصلاح خصاله وترتيب أوراقه واتخاذ خطوة عميقة في اتجاه الاستعداد للقاء الله سبحانه والقدوم على الدار الآخرة.

وقد فرض الله سبحانه في هذا الشهر على المؤمن الصيام عن الرغبات المادية لتتلطف روحه ويزداد إحساسه بما يهب في هذا الشهر من النسيم الإلهي على قلوب الطالبين ويكون عونا له على تقوى الله سبحانه.

ولا غنى للإنسان في هذه الحياة بجنب اهتمامه الدائم والعام بالتصبر والتيقظ والاستعداد والاستغفار من تخصيص مدة في كل فترة ليشد فيها على نفسه، ويسعى أن يغير فيها أموراً في حياته تحتاج إلى مثابرة ومتابعة وتوالٍ للعمل واتصال للجهد، فجلّ أعمال الإنسان وإن بدت اختياراً له في وقتها لكنها تتأثر بخصال الإنسان وقواعد نفسية تتيح وتسهل له أموراً وتعسر عليه أموراً أخرى، فلا بدّ للإنسان مضافاً إلى اهتماماته الدائمة واليومية والشهرية بالجوانب المخلّدة المعنوية والروحية والأخلاقية من أن يكون له تفرغ سنوي لنفسه ليكون بمثابة دورة تربوية له يتقدم فيها في هذا الشأن.

وذلك ما خصّ الله سبحانه لأجله هذا الشهر الفضيل.

فعلى الإنسان المؤمن أن يستحضر أهمية هذه النعمة الإلهية وينتبه إلى ما يتجلّى فيها من حكمة وتدبير، وأن ينتفع بهذا الشهر انتفاعاً ملائماً مع الفرصة التي أتاحها الله سبحانه للإنسان وأكرمه بها. وليسعَ أن يزداد إيمانا ويقيناً بالله سبحانه حتى يستحضره في أحواله كلها استحضار من يراه ويشهده ويزداد يقيناً بالوفود عليه والدار الآخرة حتى كأنه محمول إلى شفير قبره ومحل غربته. وليصلح من أخلاقه كل ذميمة ونقصان ويتحلى بدلاً عنها بكل خلق فاضل وكريم. وليهتم بالناس مثل ما يحبه من الاهتمام به فيما لو كان على مثل حالهم من يُتم وفقرٍ ومسكنة وسغب ومرض وعوز ومن فقدان عمل وتعذر زواج والحاجة إلى مأوى ومثل ما يحب من عناية الله تعالى به في هذه الحياة وما بعدها في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة. وليستعن على ذلك بدوام الطهارة وكثرة الشكر، وليتلو القرآن بتدبر وإمعان مشعراً في نفسه أنه كلام الله سبحانه معه. وليقرأ الأدعية المأثورة قراءة سؤال وإلحاح وتضرع والتماس. وليوقن حقاً أنه قد نودي عليه بالرحيل وأمر بالتزود وأن غده لأقرب مما يظن وليذكر من انقضى من آبائه وإخوانه وزملائه فانقطعت علائقهم من الدنيا وخلفوا ما فيها وراء أظهرهم وأقبلوا على ما أرسلوه من قبل من الأعمال الباقية والخصال الخالدة. ألا وإنّ أفضل الأمور في هذا الشهر هو الورع عن محارم الله في السر والعلن وتقوية مقومات الورع في النفس حتى تكون ملكة راسخة يبقى أثرها ويلقى الله تعالى بها.

ومن لم يستطع أن يتقدم إلى الأمام في هذا الشهر الفضيل في مزيد من التبصر والتربية والتزوّد مع ما أتيح له فيها من مزايا ميسرة وإعانات مسهلة لن يستطيع في أية فرصة أخرى من أن يتقدم فيها.

فهنيئاً للذين عرفوا سنن الحياة وقواعدها واعتبروا بالتعاليم الإلهية وانتفعوا بالنفحات الربانية في هذا الشهر الفضيل، ليزدادوا إيماناً وتبصراً وصلاحاً وخلقاً كريماً ويتزودوا بمزيد من الذكر والشكر والعبادة والإحسان.

اللهم وفقنا في هذا الشهر لما وفقت له أوليائك، وصُنّا عما صنتهم، وهيئ لنا فيه سيرة ترضى بها عنا وتوجب لنا الكرامة لديك والزلفى عندك وهيئنا فيه للقائك حتى نفد عليك كريما عليك مرضيا عندك انك ودود رحيم.

السيد محمد باقر السيستاني 

المصدر : شفقنا العراق 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/14



كتابة تعليق لموضوع : شهر رمضان فرصة سنوية مميزة لمزيد من الجد والاجتهاد والتزوّد والاستعداد؛ بقلم السيد محمد باقر السيستاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net