صفحة الكاتب : حسن هادي العطار 

من مذكرات انسان (حلاّق الوالي)
حسن هادي العطار 

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أدخلني صاحب الديوان وهو المعني بشؤون القصر الخاصة إلى الداخل وكان القصر العملاق يحتل مساحة شاسعة قدرتها بأكبر من الحي الذي اسكن والحي المجاور وما أن وطأت قدماي داخل القصر وهذه المرة الأولى في حياتي ادخل فيها قصرا رأيت العجب العجاب من تحف ولوحات ورسومات ومهارة في البناء ودقة في الهندسة وروعة في التنفيذ أراني صاحب الديوان غرفتي الخاصة فقد كانت أفضل من منزلي ومنزل كل من عرفته في حياتي واخذ صاحب الديوان يذكرني بالتعليمات الأخيرة ومواعيد حلاقة سيدي الوالي وبعد أن انصرف جلست استرجع شريط ذاكرتي وما حدث بالأمس حينما ابتسم لي الحظ أخيراً بقبول صاحب الديوان ملفي وخبرتي وشهادتي الجامعية من بين أكثر من 30 ألف جامعي متقدم لهذه الوظيفة بعد أن اقرّ الوالي بتخصيص مهنة الحلاقة لأبناء وطنه ورعيته فقط وهذه إحدى مكارمه الكثيرة علينا نظرت إلى الساعة وقد قاربت الخامسة وهذا هو موعد حلاقته، وماهي سوى لحظات حتى دخل الوالي كان رجلاً ضخماً جدا وصاحب بطن (كرش) لم أر مثله في حياتي، بحيث أستطيع السكن داخل بطنه! وكذلك رأسه كرأس الثور من ناحية الحجم وليس الشكل فالثور أكثر وسامة، دخل وجلس فوق الكرسي الفاخر المخصص لحلاقته وأنا واقف احتراما وخوفا لم التقِ في حياتي بوالينا وهذه أول مرة وقد تكون الأخيرة فولاتنا الخارج من قصورهم مولود والداخل مفقود فقال لي أين كنت تعمل يا غلام قبل أن أمنحك هذا الشرف العظيم الذي لم تكن تحلم به في حياتك شرف حلاقه ذقن الوالي؟ وكم كنت تتقاضى أجرا؟ فقلت أدام الله عزّك يا مولاي وجعلنا أمواساً تحلق بها رؤوس أعدائك قلت في نفسي (كان يجب عليّ أن أنافق لأضمن البقاء) فقلت له: كنت اعمل يا سيدي في سوق الخضار كبائع للخس والبقدونس وأحيانا الفجل بلونيهِ الأحمر والأبيض وأتقاضى مابين الثلاثين والسبعين تكفيني أنا وعائلتي. وما كدتُ أن انهي جملتي حتى اهتزّت الغرفة بمن فيها وكأن زلزالاً أصابنا واتضح لي أن هذه الهزة كانت بسبب قهقهة وضحك الوالي حينما سمع بالمبلغ الزهيد الذي اتقاضاه وبعد أكثر من دقيقة من الضحك الهستيري. قال: أتعلم يا غلام إن ابنتي {زهرة الزمان} والتي لا زالت تدرس في الصف الثاني الابتدائي قد ابتعت لها قطاً سيامياً بمناسبة نجاحها إلى الصف الثالث وخصصت له طائرة (جامبو) لإحضاره من مملكة تايلاند وقد كلفني أكثر من نصف مليون وأكله يأتي خصيصاً من فرنسا بطائرة خاصة تكلف العلبة الواحدة مثل راتبك ألف ألف مرة فقلت: صدقت يا مولاي. وهل تقارن سيدي القط الخاص بسيدتي وسيدة الفتيات بصعلوك مثلي لم يحصل إلا على شهادة جامعية خرقاء فقال لي: وماذا يعمل والدك يا مواطن فقلت: البقاء لله ثم لك يا مولاي والدي كان يعمل فلاحاً ومزارعاً وقد توفّاه الله منذ زمن طويل وأنا أعيل والدتي وإخوتي الثمانية وأصرف عليهم من بعده وإذا أراد مولاي أن اجعل أحد إخوتي الصغار قطاً عربياً لأبنتك {زهرة الزمان} فأنه يسرني ويسر عائلتي ونتشرف بهذاّ!! ومرة أخرى يطلق ضحكة قوية مزمجرة لم اسمع بمثلها وخُيّل إليّ أن الكرسي الذي يجلس عليه الوالي استجار منه قائلاً (ويحكم من أطلق نكتة لهذا الحقير إنني أكاد اختنق (ناهيك عن بعض الأصوات التي يطلقها بين فواصل الضحك وغازات مسيلة للدموع وما أن انتهى من ضحكته قال لي اقترب وإبدأ في حلاقتك يبدو لي أنني منحتك بعض عطفي وهذا يكفيك وما أن اقتربت ووضعت رغوة الصابون على خده وإذا سواها الحظ معي (ها ها ها أتسووووا) عطست عطسة قوية وكبيرة أطلقتها مما تركتْ عطستي أثرها على وجه الوالي فأصبح لزجاً ورطباً رأيت الشرر يتطاير من عينيه فوضع راحة قدمه في بطني وقذف بي مخترقا النافذة إلى خارج القصر فأوعز لحراسهِ وكلابه وحاشيته أن الحلاق قد عطس في وجه الوالي فخذوه وغلوه وبالسياط اجلدوه وفعلوا ما كانوا يأمرون وبعد أن انتهت حفلة التأديب خرجت مسرعاً عائداً للشارع من حيث أتيت وأنا احمد الله تعالى على نجاتي الحمد لله انه لم ينفني من الأرض ولم يقتلني وعائلتي لقد شملني بعطفه وحلمه (أطال الله عمره) الحمد لله فقد فقأ الوالي عينا وترك لي الأخرى لأبصر بها الحمد لله لقد كسر الوالي رِجْلاً وترك الأخرى لأمشي بها الحمد لله لقد قطع الوالي يداً وترك الأخرى لكي أتسول بها من الغد سأذهب أتسول في الأسواق والطرقات والأزقة لقد منحني الوالي شهادة بأنني مسكين ومتسول بدرجة امتياز و يستحق الصدقة:
لله ... لله ... لله يا محسنين لله ...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن هادي العطار 
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/16



كتابة تعليق لموضوع : من مذكرات انسان (حلاّق الوالي)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net