منشأ الهوية وسبيل العنف المحتمل ( 2 )
صدى الروضتين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صدى الروضتين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الضياع الذي تعاني منه البشرية اليوم، أبعد ما يكون عن ان يسمى ضياعا دينيا، او كما يحلو للبعض تسميته تطرفا دينيا، ذلك ان الدين ذاته هو ذوبان روحي وتربية أخلاقية بنـّاءة، بيد ان الذي يحصل هو تشويه القيم الجمالية في الفكر الإسلامي، وضياع الفرد بين هويتين ـ على الأقل ـ العصبية القبلية، والتطرف الفكري إزاء المعتقد والأفكار التي يتبناها، وهنا تتوالد بسرعة مخيفة النقائض التي من شأنها ان تقتل هوية الذات الفردية والجماعية الخالصة، فيبدأ الأمر كما أسلفنا في الحلقة الأولى باحتقار الذات، والشعور بالتهميش والضياع، ثم الانسلاخ عن المكون الإنساني، وعدم القدرة على صنع آلة التعايش مع الآخر.
وهذا يرجع إلى أمور عدة نلخص منها:
• النشأة الأخلاقية للفرد القابل للانجراف وراء العنف والتطرف الفكري.
• الأفكار التي يدين لها بالولاء، أفكار لا تؤمن بالآخر، ولا تؤمن بالحوار والانفتاح الإنساني.
• الشعور بالدونية في التعامل مع الآخر، او النقص الكامل في مؤثث الشخصية الذي يُلقي بظله على الفرد.
• الأفكار التي يتبناها التطرف في عدم احترام الذات الإنسانية، والتحقير المستمر لهذه الذات، مما يجعل لحامل هذه الأفكار أداة قتل متحركة لا تحترم الإنسانية، فهي بنظره، مجرد كائن محتقر لا أهمية له.
• التربية وفق الأفكار القبلية البدوية القابلة للتأجيج والعصبية ومظاهر العنف، وصنع العدائية والمطالبة المستمرة بالثأر.
من هذه النتائج تتكون الشخصية القابلة للتمحور والإنجرار كما قلنا وراء التطرف والعنف، فالدخول عرضة في صميم التصدي للتشريع وتكفير الآخر، يجر وبالا على صاحبه أولا وعلى الإنسانية ثانيا.
فالمجتمع العربي او أي مجتمع آخر، له مكون هوية معينة، يتشكل وفق آلياتها التي تغذي مفردات حياته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها، واذا ما كان هناك تداخل في صيغة الهوية فإن هذا من شأنه ان يكون تعارضا نفسيا قاسيا، خصوصا حين يكون هذا التداخل محط رفض الآخر لا وسيلة جذب له أو تعايش معه، ومن هنا يمكننا القول ان لا مشكلة في التعددية التي تنضوي تحتها البشرية حتى وان كانت هذه التعددية تحت سقف مجتمع واحد، بل المشكلة في كيفية التفاعل والتلقي مع هذه الافكار.
لقد ضمن الاسلام ولسنين طوال عملية التعايش هذه بين المكونات المختلفة والتقاليد والاعراف، والهويات المتباينة، بيد ان ما لم يمكن تذويبه، هو الهوية القبلية البدوية، فهي أشد ما يكون في التعصب، كونها مبنية على أسس غير منطقية ولاتقبل لنقاش الآخر، او تفهم وحوار الآخر، وهذا يخلق بحد ذاته مشكلة كبيرة، وقد عانى من ذلك الرسول الأكرم محمد (ص) حين جاء برسالة ربه، فأخذتهم العزة بالاثم، ونجد هذا جليا وواضحا في خلافة امير المؤمنين (ع) وقبلها، فقريش قد فهمت الدور الرسالي بشكل مختلف جدا، فهمت القضية على انها ملك ورئاسة، وهذا ما حذر منه (ص) وما شدد عليه في أكثر من مكان حيث أكد ذلك بقوله لقريش بأن عليا (ع) هو اختيار سماوي، لا تنصيب وضعي في خلافة البيت الهاشمي.
لذا دأبت المنظومة القبلية العصبية العربية ومنذ ذلك الوقت على تحريف هذا المفهوم، وترويضه الى الشأن الذي يصب في صالحها، بيد انها اصطدمت بجدار الفكر الإسلامي، المتمثل بأفكار أهل البيت (ع) وفي أكثر من مكان.
يتبع حلقة (3)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat