صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

الابتلاء ودوره في بناء االانسان (ح 19) ارهاصات عصر موسى (عليه السلام) 
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تناسل بنو اسرائيل وتكاثروا حتى اصبحوا مجتمعا كبيرا، ومن الطبيعي في مجتمع كبير يعيش الى جنب مجتمع اخر يختلف عنه ثقافياً وحضارياً ان يحصل التأثير المتبادل بين المجتمعين وبالتالي انتقال بعض الصفات الخلقية السلبية الى المجتمع الذي يفترض فيه انه نما على قيم دينية حقة، والى ذلك تشير الرواية عن ابن عباس حيث قال" ان بني اسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي، ووافق خيارهم شرارهم، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، فسلط الله عليهم القبط، فاستضعفوهم وساموهم سوء العذاب وذبحوا ابناءهم" 
من خلال النصوص الواردة حول المجتمع المصري الذي يتألف من الاقباط وهم سادة الارض في مصر وطبقة العبيد وبني اسرائيل. نجد ان المصريين وعبيدهم عاشوا ابتلاءات فكرية ومادية حيث انهم بتسلط الملك توت عنخ آمون بعد الملك اخناتون  عادت عبادة الاوثان وبالتالي عادت سلطة الكهنة مضافا الى سلطة الملك وما يستتبعه ذلك من هبات وضرائب تقدم للسلطة والمعبد.
كما ان رغد العيش الذي كان يتمتع به المصريون كان سببا في فتنتهم ايضا، وزيد في البلاء ادعاء فرعون انه هو الاله الخالق الرازق لأهل مصر، فالله تعالى ابتلى اهل مصر بما على الارض من زينة، فافتتنوا وفتنهم الملوك فعبدوا الاصنام ثم عبدوا الملوك والهوهم، فالمصريون حازوا السلطة والمال والهيمنة على الشعوب المجاورة والتطور والحضارة والثقافة فكانت نتيجة كل هذه المكاسب التي حازوها الكفر بالله والشرك به وعبادة الاصنام والفراعنة.
واما مجتمع بني اسرائيل فقد تعرض لعدة ابتلاءات فكرية ومادية، فمما ابتلوا به قتل الاولاد الذكور واستبقاء الاناث واستعباد الاقباط لهم ومصادرة حرياتهم، وعلى الصعيد الفكري ابتلوا بسريان الافكار المصرية لهم التي وان لم تبلغ الى مستوى العقيدة الا انها اثرت في المجتمع الاسرائيلي وتركت اثارها واضحة بعد الانعتاق من نير الظلم الفرعوني حتى عبدوا العجل واصبحت عبادته مستقرة في قلوبهم.
ومضت الاجيال بعد الاجيال بعد وفاة يوسف (عليه السلام) حتى ولد موسى (عليه السلام) في السنة التي يذبح فيها الاولاد الذكور، لتُبتلى بذلك عائلته بلاءاً خاصاً، فأخفته امه ووضعته في تابوت والقته في اليم الذي اوصله الى قصر فرعون.
(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ،  وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) 
في هذه المرحلة من قصة موسى (عليه السلام)  نجد ان هناك تشابهاً من ناحية الاعداد الالهي للمجتمع بين يوسف وموسى (عليهما السلام) فالله تعالى اراد لكل منهما ان يترعرع بين ابناء البلاط في مصر وان يعيش الى جوار ارقى الطبقات الاجتماعية في المجتمع المصري.
وهناك جهة فرق بينهما (عليهما السلام) فيوسف (عليه السلام) بعث لنشر التوحيد في ارض مصر وتأسيس مجتمع التوحيد الذي ورثه بنو اسرائيل، واما موسى (عليه السلام) فبعث لإنقاذ بني اسرائيل من الذل والظلم والهوان بعد ان عاشوا بين المصريين اربعمائة سنة، وللتأسيس لإقامة الدولة الدينية الاولى في تاريخ المجتمع الانساني.
وكما ان يوسف (عليه السلام) غيب عن المجتمع المصري الذي بعث اليه بعد ان اودع السجن، فكذلك موسى (عليه السلام) غاب عن بني اسرائيل بعد ان خرج خائفا يترقب ليعود لهم بعد عشر سنين، وكما احب مستضعفي المصريين يوسف (عليه السلام) لأنه انقذهم بحسن ادارته وتدبيره من سنوات الجدب احب المستضعفون موسى (عليه السلام) لأنه كان يخفف عنهم شدة وطأة المتسلطين من الاقباط.
(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ، وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ  ، فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ، فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) 
ويكمن الفرق المهم بين مجتمع يوسف (عليه السلام) ومجتمع موسى (عليه السلام) ان اخناتون ملك المصريين آمن بيوسف (عليه السلام) وحارب الشرك، على العكس من فرعون موسى (عليه السلام) الذي كان يدعي الربوبية، ففي عهد اخناتون هجر الناس عبادة الاوثان ووحدوا الله، اما في عهد فرعون موسى (عليه السلام) فانه عمل كل ما وسعه للقضاء على موسى (عليه السلام) وعلى جميع بني اسرائيل لانهم اصحروا له بالعداوة واثبت موسى (عليه السلام) ان الوهية فرعون ودينه محض خيال باطل.
كان القرار صعبا بالنسبة للبلاط الفرعوني الذي وقف عاجزا امام الابتلاءات المادية التي اصابتهم نتيجة تكذيبهم موسى (عليه السلام) المؤيد من الله تعالى بأعظم القدرات، فعصاه اثبتت للسحرة ـ الذين كانوا يمثلون الى جانب كهنة المعابد الركن الداعم لسلطة فرعون على الصعيدين الفكري والثقافي ـ صدق دعوى موسى (عليه السلام) بعد ان كانت تلقف ما يأفكون ومعجزة يده التي اذا ادخلها جيبه تحولت الى يد بيضاء من غير سوء مع ان موسى (عليه السلام) كان اسمر البشرة, فاذا اعادها عادت كما هي وعندها اعلن السحرة ايمانهم بموسى (عليه السلام) بعد ان تيقنوا ان ما جاء به موسى (عليه السلام) خارج اطار القدرة البشرية وانه حق لا يعتريه الباطل.
(قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ، قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ، وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ، قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ، قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ، وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) 
كان ايمان السحرة طعنة نجلاء للبلاط الفرعوني، اذ ان ايمان السحرة بموسى (عليه السلام) يعني الاعلان على الملأ عن بطلان الديانة الفرعونية واكذوبة الوهية فرعون وعبادة الاصنام، فلم يكن امام فرعون الا القضاء عليهم، وتسخير الاعلام المضاد لاتهام موسى (عليه السلام) بالسحر وانه يريد استعباد الاقباط والسيطرة عليهم.
لم يقف الامر بين الاقباط وبني اسرائيل عند هذا الحد، اذ اصبح المجتمع القبطي امام امتحان خطير فهو اما ان يقبل دعوة موسى (عليه السلام) وبهذا يتحول المجتمع القبطي الى مجتمع خاضع لزعامة بني اسرائيل ويتحولون الى عبيد بعد ان كانوا هم سادة الارض، وبين الرفض والتمسك بعبادة فرعون صاحب السلطة والقدرة والامكانيات الواسعة. ولم يسع رؤساء الاقباط قبول دعوة موسى (عليه السلام) باي وجه من الوجوه ولذا عمل زعماء الاقباط بكل ما لديهم من طاقة للسيطرة على المجتمع القبطي لمنع تأثره بموقف السحرة الذين امنوا بموسى (عليه السلام)، وبمجريات الاحداث في يوم الزينة فعملوا بكل جهدهم لتكذيب موسى (عليه السلام) واتهامه بالسحر واثارة النعرة القومية والاجتماعية والتمجيد بفرعون ودينه، وفي المقابل كانوا يشعرون بالعجز امام موسى (عليه السلام) بسبب القدرة التي منحتها اياه العصا المعجزة، فلم يبق امام المصريين طريق الا الاستمرار في اذلال بني اسرائيل ومحاولة القضاء على موسى (عليه السلام) بجميع الوسائل.
اصطف المجتمع القبطي خلف فرعون وجهازه الاعلامي والاداري، وكان المستضعفون يُسترهبون فكريا بواسطة السحرة والكهنة الذي بقوا على ولائهم لفرعون، ويُسترهبون امنيا بواسطة عساكر فرعون واجهزته القمعية.
طالب موسى (عليه السلام)  فرعون ان يسمح لبني اسرائيل بمغادرة مصر، الا ان فرعون لم يسمح بذلك لان بني اسرائيل كانوا يمثلون جزءا مهما من اليد العاملة في المجتمع المصري وفي المؤسسات التابعة لإدارة فرعون نفسه، وخروجهم يعني اختلال الوضع في البلاد بشكل كبير، ولذا زادت السلطة الفرعونية من اساليب القهر والتعذيب والتوهين والاذلال لبني اسرائيل، وكانت الارادة الالهية للمجتمع الفرعوني بالمرصاد فتعرضوا لمختلف انواع الابتلاء وفي كل مرة كان فرعون والاقباط يطلبون من موسى (عليه السلام) ان يدعو ربه في ان يرفع عنهم العذاب ويتعهدون بالسماح لبني اسرائيل بالمغادرة وما ان يرفع عنهم العذاب حتى ينكثوا العهد الذي عاهدوا عليه موسى (عليه السلام)، وحتى اذا تبين للعيان ان المجتمع القبطي ليس له اهليه الايمان وترك عبادة فرعون اهلكهم الله تعالى بإغراقهم في اليم.
(وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ، قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ، فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ، وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ۖ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ، فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) 
واما بنو اسرائيل ففي هذه الفترة عاشوا حالة الطمأنينة في الجانب الروحي والعقائدي اذ انهم يشاهدون بام اعينهم المعجزات الباهرة لموسى (عليه السلام) التي اذلت فرعون وبلاطه لتثبت لهم حقانية دين النبي ابراهيم (عليه السلام) وبطلان دعاوى فرعون وقومه، واصبحوا يعيشون مرحلة الامل بالانعتاق من الظلم بظهور بشارات الامل مع عودة موسى (عليه السلام) من غيبته وهو البشارة التي انتظروها مئات السنين وورثها الابناء من الاباء منذ ان اخبرهم يوسف (عليه السلام) ان الاقباط سيظهرون عليهم ويسومونهم الوان العذاب حتى ينقذهم موسى (عليه السلام). 
اما على الصعيد النفسي فان بني اسرائيل كانوا يعيشون الهزيمة الداخلية امام المجتمع القبطي خاصة وانهم عاشوا مستعبدين من قبلهم اربعمائة سنة نشأت على ذلك الاجيال تلو الاجيال.
فكان الامل الذي انتظروه والقهر الذي عاشوه يدفعهم دفعا لاتباع موسى (عليه السلام).
شاء الله تعالى ان ينقذ بني اسرائيل مما هم فيه ويهلك فرعون واتباعه، فامر موسى (عليه السلام) ان يخرج ببني اسرائيل من مصر رغما عن ارادة فرعون، فخرج موسى بهم من مصر دون علم البلاط الفرعوني الذين لما علموا بخروجهم اعلنوا النفير العام للحاق بهم ومنعهم من مغادرة ارض مصر حتى ادركوهم عند اليم، فكان ذلك ابتلاءاً اخر لبني اسرائيل الذين كادوا ان يهلكوا من شدة الرعب، اذ ان جيوش فرعون ان ظرفت بهم اذاقتهم الوان العذاب والتنكيل، خاصة وان فرعون قد جند كل المصريين للقضاء على بني اسرائيل، ومعروف في الامم السالفة ما تقوم به القوى المنتصرة من ابادة جماعية للقوى الخاسرة واسترقاق النساء والاطفال والمتبقين من الرجال.
في تلك اللحظة العصيبة من نشوة فرعون وجنده، وانهيار بني اسرائيل امر الله تعالى موسى (عليه السلام) ان يضرب البحر بعصاه ليفتح طريقا يبسا بين فرقي الماء الذي كان كل فرق منه كالطود العظيم، وهنا ايضا تظهر القدرة الالهية في خرق نواميس الطبيعة، فالنار لم تتمكن قبل اكثر من خمسمائة سنة من احراق النبي ابراهيم (عليه السلام) وعصى موسى (عليه السلام) تتحول الى ثعبان تلقف ما يأفكون والماء يتحول الى دم اذا اراد الاقباط شربه والجراد والقمل والضفادع تغزو مزارع وبيوت المصريين ولا تتعرض لمزارع وبيوت بني اسرائيل، وبضربة من عصا موسى (عليه السلام) تقف حركة الماء الافقية لتتحول الى حركة عمودية وكأنما جعل سد منيع امام حركة المياه الافقية التي يقتضيها قانون الطبيعة.
وعبر بنو اسرائيل البحر الى الطرف الاخر، وفي قمة الغرور يدفع الطغيان فرعون ليلحقهم فيغرق الله فرعون وجنده كما اهلك قوم نوح وعاد وثمود، لتبدا مرحلة اخرى من مراحل الاعداد لبني اسرائيل لإقامة دولة التوحيد في بلاد الشام بعد اربعين سنة من التيه في الصحراء.
(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ، كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ، فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ، وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) 
لمتابعة مقالاتنا على التلكرام يمكن الانضمام عبر الرابط                                                                                                                                                                                                              https://t.me/abdulsettarquranstudys


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/19



كتابة تعليق لموضوع : الابتلاء ودوره في بناء االانسان (ح 19) ارهاصات عصر موسى (عليه السلام) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net