صفحة الكاتب : احمد الخالدي

الأحجارُ الكريمة بين الموروث الديني والبعد الجمالي
احمد الخالدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تبدأ قصة الأحجار مع بداية الإنسان، فقد عرف الإنسان الحجارة منذ وجد على الأرض، فكانت مُعينه على قضاء بعض احتياجاته، فصنع منها آلآت القطع التي يستخدمها في ضروراته اليومية، وصنع منها آلات صيده، وصنع منها السلاح الذي يدافع به عن نفسه، ومنها بنى بيته، ثم ارتقى بعد ذلك ليتخذ من بعض الأحجار زينة يتزيّن بها.. ولاشك أن الأحجار تتنوع وتختلف في شكلها وصلابتها حسب الموضع الذي أُخذت منه، والعوامل البيئية التي أثّرت فيه.. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بعض هذه الأحجار، فوصفها مرة بأن بعضها يتفجّر منه الأنهار وبعضها يهبط من خشية الله كما في قوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)الآية: (74) من سورة البقرة، (.. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً..) الآية: (160) من سورة الأعراف.. وذلك دليل على أن في الأحجار أسراراً لا يعلمها إلا خالقها، وقد أطلَعَ أولياءه على ذلك، فمن ذلك كان لبعض الأحجار قيمة وأثر لدى الناس... فمع الأحجار الكريمة كان لصدى الروضتين هذا التحقيق...
الحاج موسى المعمار - صاحب محل لبيع وشراء وتثمين الأحجار الكريمة -:  
 موضوع الأحجار الكريمة ليس كباقي المهن، فليس هناك أماكن لتعليم الناس كيفية التعرف على الأحجار واقتنائها وتقييمها, إذ أنها تبدأ كهواية ثم تتحول بعد ذلك الى عشق، وبمرور الزمن ومع الاستمرارية في هذا المجال، تصبح عند الإنسان المهتم بهذه الأمور خبرة عملية يتمكن من خلالها تقييم ومعرفة الأحجار الكريمة.. وقد صرفنا أموالاً كثيرة على اقتناء الأحجار الكريمة، حتى وصلنا الى هذه الخبرة الموجودة الان.. وليس لي أستاذ وانما كنا مجموعة من الأصدقاء لدينا نفس الهواية، ونتبادل الرأي فيما بيننا، ومن هؤلاء الأصدقاء المرحوم السيد أمين المؤذن، والمرحوم مهدي مصباح، والأخ هادي عابدين.. وكنا نتداول فيما بين اذا شككنا بحجر، ونتفق على رأي واحد ونخرج بتقييم للحجر.. وبالتأكيد هناك فوائد كثيرة للأحجار الكريمة، وإلا لما اقتناها الناس.. ومن الفوائد التي تترتب على التختم إنها إحدى علامات المؤمن كما ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله)، وقد سُئل أميرُ المؤمنين عليه السلام عن التختم وبماذا يتختم الإنسان؟ فأجاب بأن التختمَ يكون بالعقيق اليماني، فأنه يسبح بيد الإنسان وهو لا يعلم, فضلاً عن كون الأحجار لها قيمة مادية وحسب نوع الحجر الكريم، لذلك تعتبر الأحجار رأس مال لصاحبها..
 كذلك هناك موازين وضوابط خاصة لمعرفة الأحجار.. وقد انتشرت في سوق الأحجار الكريمة الكثير من الصناعات المماثلة للعقيق اليماني ومن مناشئ مختلفة كالصين وايران.. ولا يستطيع إلا صاحب الخبرة أن يميز بين العقيق اليماني الأصلي والعقيق المُقلَّد فضلاً عن العقيق الهندي والخراساني المتوفر بكثرة.. وهناك أمور كثير يعتمد عليها الحجّار لمعرفة حجر العقيق اليماني منها اللون، وهناك أثنان وسبعون لوناً للعقيق اليماني أفضلها الأحمر، ويسمى كذلك بـ(الكبدي) و(الدموي)، وهناك بعض الخصائص لبعض الأحجار النادرة منها ما يقطع النزيف وهو نادر جداً... وعموماً أكثر إقبال الناس على حجر العقيق اليماني بأنواعه والياقوت بأنواعه، وأكثر إقبال الناس في هذه الفترة على (در النجف)؛ لأن من خصائصه أن جعله الله سبحانه وتعالى هدية لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام، وقد روي أن بالنظر إليه والسلام على أمير المؤمنين عليه السلام تعتبر زيارة كاملة لصاحبه، وهناك مزايا أخرى لهذا الحجر.
السيد وسام الطويل - أحد المشتغلين في مهنة بيع وشراء الأحجار الكريمة -:
بدايتي كانت كهواية، فمنذ التسعينيات كنت أذهب الى شارع العباس (ع) والى باب قبلة الإمام الحسين (ع)، إذ كان (الحجّارة) الذين يأتون من المحافظات، يلتقون في هذه الأمكنة، فكنت أشتري من هؤلاء بعض الأحجار الغريبة، كالجزع وغيره من الأحجار النادرة.. وهناك فوائد للأحجار مروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، منها عن الصادق (ع): (من نقش على فص عقيق يماني أحمر الأربعة عشر معصوم وجعل معه في قبره آمنه الله من ضغطة القبر)، و(من نقش على فص فيروزج دعاء زكريا  - رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين – لطلب الولد)، وهذه الروايات نقلاً عن البحار للعلامة المجلسي، فلكل حجر خاصية، فالياقوت للهيبة، واليماني للظفر، وقيل أنه سُئل الإمام الحسن (ع) ما كان يتختم أبوك، فقال ما معناه: (كان يتختم بأربعة اليماني لحرزه، والفيروز لظفره، والياقوت والزمرد لنبله، والحديد لقساوة قلبه)؛ والحديد المذكور في الرواية هو الحديد الصيني وله عدة خصائص، منها للدخول على السلطان، وقضاء الحاجات، وتسهيل المهمات، وكذلك لتسهيل الولادة عند النساء.. وفي بعض الروايات الشريفة ان أول جبل أقرّ بالوحدانية لله وبالنبوة لمحمد  (صلى الله عليه واله)، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام هو جبل العقيق اليماني...
 أما بالنسبة للأحجار الكريمة لا تخضع لضابطة محددة؛ لأن الأحجار الكريمة سلعة كمالية ليست من الضروريات في حياة الانسان، وتعتمد على الوضع الاقتصادي بالبلد عموماً، فكلما زادت القدرة الشرائية للفرد انتعشت سوق الأحجار الكريمة والعكس بالعكس، والسعر يخضع لأمور منها قدم الحجر وصفاؤه ورغبة المشتري والندرة وأمور اخرى.. وفي كربلاء حوالي خمسة أشخاص من القدماء في مجال الأحجار الكريمة ومنهم تعلمنا الكثير، منهم الحاج موسى المعمار، والحاج هادي عابدين من القدماء في المهنة ومن اصحاب الخبرة، وموفق الخطاط من الجيل الجديد بحكم كونه نقاشاً ولديه خبرة، وكذلك مهدي المعلم وابو تيسير...
 ثم إن هناك علاقة وثيقة بين الحجّار وصائغ الفضة والنقّاش، لما لهاتين الصنعتين أو المهنتين من تداخل كبير مع مهنة الأحجار الكريمة، فبعض الأحجار قد ورد فيها أن من نقش عليها نقوشاً معينة أحدثت تأثيراً في مجالات معينة، مثلاً في رواية مضمونها انه من كتب على الفيروزج (الله الملك)  للأمن من السباع والضواري، وكذلك در النجف إذا كتب عليه (نادِ علياً مظهرَ العجائب) الى آخر الأبيات، يكتب للأمان ولإيجاد الرحمة والسكينة بين الزوجين...
موفق النقاش - خطاط ونقاش على الأحجار الكريمة -:
 لكوني خريج فنون جميلة واختصاصي خط وزخرفة، شاركنا في معارض ومسابقات كثيرة في الخط العربي، ثم بعد ذلك اتجهت الى النقش على الأحجار الكريمة، فأصبحت لدي خبرة لا بأس بها في هذا المجال.. ليس هناك ضوابط ثابتة لتقييم ومعرفة الأحجار، وإنما تعتمد المسألة على الخبرة والممارسة، وقد كنا في زمن النظام السابق لا نرى أنواعاً كثيرة من الأحجار، أما بعد السقوط، دخلت إلينا أنواع الأحجار التي كانت قليلة أو غير موجودة، مثل الياقوت والزبرجد والعقيق اليماني بأنواعه.. في السابق كانت تأتينا عن طريق التجار الأفغان او الإيرانيين من الأحجار الكريمة من الصنف الرديء إلاّ ما ندر، أمّا بعد السقوط سافرنا الى الخارج ورأينا المسألة مختلفة من ناحية الأسعار، ومن ناحية الجودة، وحتى من ناحية الكمية. أما من ناحية الطلب على الأحجار، فهناك من يبحث على النوعية الجيدة حتى وان كانت غالية الثمن، وهناك من يبحث عن النوعيات الرخيصة. أما الإقبال على الأحجار فيعتمد في العراق على عوامل أهمها العامل الاقتصادي والعامل الأمني، فكلما ازادت رفاهية الناس كلما زاد الطلب على الأحجار الكريمة وكذلك الوضع الأمني يؤثر بشكل كبير على كل السوق العراقية ليس فقط على سوق الأحجار الكريمة..
 أما بالنسبة لفوائد الأحجار الكريمة، فنحن لدينا بعض الروايات ذكرت بعض الأحجار مثل العقيق اليماني والفيروزج والزمرد ودر النجف والحديد الصيني.. وغيرها. أما ما لم يرد فيه حديث عن معصوم فهناك ما يجعل له قيمة كتجربة الناس، أو ندرة هذا الحجر، وقد يتخذ للزينة المجردة، وحتماً قد جعل الله له فائدة وخاصيّة...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد الخالدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/04



كتابة تعليق لموضوع : الأحجارُ الكريمة بين الموروث الديني والبعد الجمالي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net