صفحة الكاتب : علي الصفار الكربلائي

المسكوكات في العتبة العباسية المقدسة الدرهمان المضروبان في عهد الأمين العباسي سنتي 195هـ و196هـ
علي الصفار الكربلائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تحدثنا في ست حلقات سابقة في جريدة صدى الروضتين عن قسم من المسكوكات الإسلامية التي تمتلكها العتبة العباسية المقدسة وهي:
1-  الدينار الذهبي المضروب في عهد المهدي العباسي سنة 158هـ في دار السلام.
2-  الدينار الذهبي المضروب في عهد المأمون العباسي سنة 200هـ في بغداد.
3-  الدينار الذهبي المضروب في عهد الظاهر لاعزاز دين الله الفاطمي بمصر (411-427)هـ.
4-  الفلس المضروب في عهد عمر بن عبد العزيز سنة 100هـ في الكوفة، وهو نادر جداً وذو أهمية تاريخية كبيرة.
5-  الدرهم الفضي المضروب في عهد الوليد بن عبد الملك سنة 87هـ بدمشق.
6-  الدرهم المضروب في عهد عبد الملك بن مروان سنة 77هـ بدمشق وهو نادر جداً، إن لم يكن الوحيد المُعلن عنه في العالم.
أما حلقتنا هذه فسيكون مدار بحثنا وتحقيقنا درهمين من القرن الثاني الهجري، في عهد الأمين العباسي، ضُرب أحدهما سنة 195هـ، والآخر سنة 196هـ.
وسبب اختيارنا للدرهمين في حلقتنا هذه أنهما ضُربا في عهد الأمين، ولكن أحدهما يُوضح أن الحكم والسلطة بيده، والآخر - وكما سنثبت في بحثنا - يشير الى أن الوضع السياسي كان مضطرباً، وان بوادر الإنقسام في دولة بني العباس ظاهرة، وأن المأمون قد ضرب السكة باسمه كخليفة في بعض المدن دعاية اليه ونكاية بأخيه.
بدأت دولة بني العباس بالظهور من خلال دعوة أبي مسلم الخراساني الذي ظهر سنة 129هـ داعيا الى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وقد بذل الخراساني جهداً كبيراً في ذلك، فأجابه الناس، وقد نجح وسلم على عبد الله بن محمد بن علي المعروف بـ(أبي العباس السفاح) بالخلافة، وبُويع بالكوفة في (3/ع1/132هـ) كما في تاريخ الخلفاء وأخبار الدولة، وفي(13/ع1/132ه) كما في وفيات الأعيان، وحياة الحيوان.. وهكذا بدأ حكم بني العباس وقيام دولتهم؛ ثم تسلم السلطة المنصور الدوانيقي أخو السفاح سنة 137هـ بعد موت الأول بالجدري، وأول ما فعل المنصور قتل أبا مسلم الخراساني صاحب دعوتهم، ومؤسس دولتهم، وممهد مملكتهم.
ودانت الأقطار والأمصار لحكم المنصور إلا الأندلس التي غلب عليها عبد الرحمن الأموي إلا انه لم يُلقّب إلا بالأمير فقط.. وبعد موت المنصور سنة 158هـ تولى ابنه المهدي العباسي الحكم وكان كسابقيه يشرب النبيذ كما يذكر الكاظمي في (دوائر المعارف ص50) عن التاج للجاحظ، وتاريخ الخلفاء، وقد نهاه يعقوب بن داود الذي كان يدبر أمور المملكة، وفي ذلك يقول الشاعر للمهدي العباسي:
فدعْ عنك يعقوبَ بن داود جانباً  * واقبِلْ على صهباء طيبةِ النشرِ
مات المهدي سنة 169هـ في خربة، وقيل مسموماً، وحُمل على باب لعدم وجود نعش، ودُفن تحت شجرة، وحكم بعده الهادي العباسي، وقال الذهبي: وكان يتناول المسكر، ويلعب ويركب حمارا فارها،.. وفي أخبار الدول وحياة الحيوان: كان ذا ظلم وجبروت، وقد قتل كثيرا من السادات والعلويين، ومات سنة 170هـ، ويُقال أن أمه الخيزران قد سمته لما عزم على قتل أخيه الرشيد.
وبدأ حكم خامس سلاطين بني العباس أبي جعفر هارون الرشيد سنة 170هـ، وهارون ولد في الري سنة 148هـ، وقيل 145هـ، وقيل 149هـ، ومات بطوس ودُفن بها سنة 193هـ تاركا عهدا بين ولديه الأمين والمأمون اللذَين سرعان مادبّ الخلاف بينهما، ونزع الأمين ثوب ولاية العهد عن المأمون ونصب ابنه محله، فقام الأخير بخلع أخيه، ووصل الأمر الى الاقتتال على منصب الخلافة، الى أن أحاطت جيوش المأمون ببغداد، وقُتل الأمين سنة 198هـ، لينفرد المأمون بهذا المنصب حتى سنة 218هـ.
وعليه فان محنة الاخوين ابتداءً من نشوب الخلاف بينهما الى مقتل الأمين منحصرة ما بين (194هـ-198هـ)، في هذه السنوات الأربع أو التي مزقت الأمة من خلال الصراع على عرش السلطة، والمسكوكان ضربا ضمن هذه المدة (195-196)هـ، وهما يبيّنان ذلك من خلال النصوص التي لا تقرأ قراءة تاريخية ذات دلالات واضحة من دون الرجوع الى تلك الحقبة العصيبة، وقبل أن ندخل الى قراءة ما دُمغ على الدرهمين قراءة وافية، لابد لنا أن نتعرف على شخصيتي الأمين والمأمون.
•  أبو عبد الله وهو محمد بن الرشيد، وأمه زبيدة بنت جعفر بن المنصور وُلِدَ سنة 171هـ كما في العقد الفريد، وكان ولي عهد أبيه، وولي الخلافة بعده.. وفي الفخري: كان الأمين كثير اللهو واللعب منقطعا الى ذلك مشتغلا به عن تدبير مملكته.. وقال ابن الاثير في تاريخه: لم نجد من سيرته ما يستحسن ذكره من حلم أو مَعدَلة او تجربة حتى نذكرها.. وجاء في تاريخ أبي الفداء: وكان منهمكا في اللذات وشرب الخمر حتى ارسل في جميع البلاد في طلب الملهين وضمهم إليه. ويقول الكاظمي في دوائر المعارف: إن الأمين كان سيء التدبير، كثير التبذير، لا يصغي الى قول مشير، ضعيف الرأي أرعن، ووقعت الوحشة بينه وبين أخيه المأمون، وصار بينهما من الحرب ما لا يسعنا ذكره.
•  أبو العباس المأمون: وهو عبد الله بن الرشيد ولد سنة 171هـ كما في تاريخ الخلفاء، وبويع بالخلافة في عهد أخيه بعد أن دبّ الخلاف بينهما عندما نزع الأمين ولاية العهد عنه وقلدها ابنه بدلا عنه، فقام هو بخلع أخيه، وكان اعلم بني العباس واكثرهم حزما وعزما ودهاء.. استطاع السيطرة على الامصار بعد حروب دامية مع أخيه انتهت بقتل الأخير في بغداد سنة 198هـ واستطاع بدهائه جلب الانظار اليه من خلال جعل ولاية العهد للامام الرضا (ع)، واستطاع بهذه الحيلة - التي لم تغب عن الامام الرضا (ع) وقبلها مُكرهاً - أن يسيطر على البلاد، ويحكم رقاب العباد، بعد ان صفى مراكز القوى واصحاب القرار والنفوذ حتى الذين خدموه وولوه الرقاب، وسلموه مقاليد الحكم كالفضل بن سهل وزيره الأعظم، وأخيه الحسن بن سهل والي العراق اللذين قتلا على يديه في سرخس سنة 200هـ؛ وليس هذا بغريب، فقد ورثه من اسلافه، فقد قتل المنصور صاحب دعوتهم الخراساني، وقتل الرشيد اهل الحل والعقد في مملكته وهم البرامكة، وقتل المأمون وزراءه وقواده من آل سهل، بعد أن وطدوا سلطان مملكته.. وأن من يقتل أخيه من أجل السلطة لاغرابة أن قتل كل من يقف في طريقه، ولو كان على الظن والشبهة.
هذه هي سيرة الأخوين الحاكمين تخوم البلاد ورقاب العباد.. أما قراءتنا للدرهمين المضروبين من قبلهما فكما يأتي:
أولا: الدرهم المضروب سنة 195هـ:
وهو وان ضرب في عهد الأمين (193-198)هـ إلا أنه يعني من خلال النصوص المضروبة على الوجه الثاني ان دعوة الخلافة للمأمون، ومثل هذه النصوص لم تكن تكتب في بغداد والامصار التي تقع تحت حكم الأمين، بل ظهرت في الامصار التي يحكمها المأمون، وغالبا ما تكون المشرق، مثل الري وخراسان ونيسابور.. وغيرها. وقد بدأ هذا النوع من الكتابات على سكة المأمون منذ سنة 194هـ عندما نشب الخلاف بين الاخوين؛ أما سنة (193هـ) لم يكن ما يدعوا الى ذلك.
فالدرهم المضروب سنة 193هـ في سمرقند، وهي من المدن التي تخضع لحكم المأمون باعتبارها في الشرق، والذي تحتفظ وزارة الثقافة والشباب في الامارات بواحد منه تختلف كتابته عما سكه المأمون سنة (194هـ) وما بعدها، بل إن الدرهم المضروب في بخارا سنة 194هـ والموجود ضمن مقتنيات وزارة الثقافة الاماراتية تؤكد نصوص مركز وجهه الثاني أن المأمون لم يدع الخلافة بعد حيث جاء نص المركز: (لله – محمد رسول الله – مما أمر به الأمير المأمون – ولي عهد المسلمين – عبد الله بن أمير المؤمنين الفضل).
وكذا درهم سمرقند للسنة ذاتها، ودرهم المحمدية سنة 195هـ الذي ضربه طاهر بن الحسين.
 أما نصوص الدرهم - مدار البحث - فان فيه تصريحا بأن المأمون (إمام)، وهذا يشير الى منصب الخلافة، فقد ضربت العبارة على مركز الوجه الثاني: (مما أمر به الإمام المأمون). أما كلمة (الفضل) على هذا المسكوك، فهي لقب وزير المأمون الفضل بن سهل المعروف (بذي الرياستين).
ثانياً: الدرهم المضروب سنة 196هـ:
أما الدرهم الثاني - مدار بحثنا - وهو المضروب بمدينة السلام سنة 196هـ، فهو من مسكوكات الأمين، أي انه ضرب في عهده وتحت سلطة حكمه، لكون بغداد عاصمة خلافته آنذاك، وقد ضرب هذا الدرهم فيها؛ ولأن النصوص التي دمغت على هذا الدرهم تؤكد ذلك.
فقد جاء النص على مركز الوجه الثاني للدرهم: (... مما أمر به عبد الله الأمين محمد أمير المؤمنين...). أما كلمة (العباس) التي ضربت آخر نص المركز هذا، فهي تشير الى العباس بن الفضل بن الربيع الذي استعمله الأمين على دار الضرب، فأمر الأخير بوضع عبارة (ربي الله) أعلى مركز الوجه الثاني للمسكوك.
وقد ذكر المقريزي في شذور العقود ذكر النقود ما نصه: (فصير دور الضرب الى العباس بن الفضل بن الربيع، فنقش في السكة بأعلى السطر (ربي الله)، ومن أسفلها (العباس بن الفضل). انتهى.
ولكن المسكوكات لم تظهر الا الاسم الاول وهو: (العباس).
ومن المهم جدا أن نذكر:
في الوقت الذي صدر فيه هذا الدرهم (196هـ مدينة السلام)، يثبت أن الأمين خليفة، كان هنالك مسكوك آخر وفي نفس السنة ضرب في المحمدية عليه اسم (طاهر بن الحسين)، وعلى الوجه الآخر (الفضل) وهو وزير المأمون، وفي مركز الوجه الثاني عبارة تثبت أن المأمون خليفة ونصها (... مما أمر به عبد الله المأمون أمير المؤمنين...).
ومن خلال النصوص المدموغة على الدرهمين - مدار البحث - والرجوع الى تلك الحقبة التاريخية، ومراجعة نصوص المسكوكات الاخرى الموجودة في المتاحف، نعرف أن الدرهمين يشيران من خلال نصوصها الى:
أولا: انقسام دولة بني العباس آنذاك الى قسمين؛ يسيطر على المشرق المأمون الذي خلع اخيه ونصب نفسه خليفة، في حين مازال يسيطر على بغداد وغرب الدولة الأمين.
ثانياً: هنالك عبارة تميز مسكوكات الأمين، أضافها المسؤول على دور الضرب العباس بن الفضل بن الربيع وهي (ربي الله)، اضافة الى ضرب اسم (العباس) على المسكوك.
أما ما يميز سكة المأمون اضافة الى اسمه، فهو وجود اسم وزيره (الفضل) على الوجه الثاني للمسكوك.
والخلاصة: إن العتبة المقدسة تملك درهمين من عهد الأمين يشيران من خلال نصوصهما الى انقسام الدولة آنذاك، مما أدى الى الاقتتال.. وهما يسلطان الضوء على تلك الحقبة، ويكشفان عن اسماء مهمة مثل الوزراء ومسؤولي دور الضرب وما إلى ذلك، مما لا يسع المجال لذكره.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي الصفار الكربلائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/17



كتابة تعليق لموضوع : المسكوكات في العتبة العباسية المقدسة الدرهمان المضروبان في عهد الأمين العباسي سنتي 195هـ و196هـ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net