صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

وطاعتي قليل، ومعصيتي كثير.. إلى متى؟
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فقرة أخرى من فقرات المقطع الأخير التي إعتدنا قراءتها قبل الشروع في قراءة دعاء كميل ليلة الجمعة. الملفت أن القاريْ يكرر بأعلى صوته: يُستحب السجود يرحمكم الله ولكن بعضنا يجلس مستدبرا القبلة بوجهه أمّا القلب فعلمه عند ربي تعالى. أظن أنني سمعت بعضنا يردد بعد سماعه عبارة يستحب السجود: آمين آمين. . نحن مرهقون جدا فلا عجب أن ننام أثناء الدعاء ونتثاءب في الصلاة. مرهقون ومعذورون طبعا، نكد لعيالنا الذين لم نرهم لا في ليل ولا في نهار. لافي صيف ولا في شتاء.
صديقي الكاد لعياله:
 كنت جالسا ذات مرّة عند بعض الأصدقاء فجاء إبنه وكان عمره عشر سنوات فأخذ أبوه ينظر إليه بإستغراب وسأله: متى إشتريت هذا البنطال. ضحك الصبي ضحكا شديدا وأجاب والده:صباح الخير يابابا، لقد إشترته لي أمي قبل أسبوع.سألتُ صديقي: وأنت أين كنت ياترى ولم تعلم بذلك. أجابني بشيء من الإنزعاج: ياأخي لِمَنْ كدي وشقائي أليس لهم. انا أخرج منذ الفجر وهم نائمون وأعود في وقت متأخر من الليل وهم نائمون. هذا حالنا أيها السادة ومن كان هذا حاله فلماذا لم نعذره. غائب طوال الوقت عن العيال ويزعم أنه يعمل جاهدا لإسعادهم. أنت أيها السيد المحترم تسعى لجمع المزيد من المال ولا تريد سعادة العيال. العيال بحاجة إليك وليس لأموالك التي تبخل بها عليهم وتصرخ بوجه الزوجة والأولاد:المالُ مالي وقد جمعته بعرق جبيني.
صديقٌ آخر:
تعرفت عليه في القطار فشكى لي سوء أخلاق زوجته التي تقربه: إشتريت لها بيتا رائعا وأقول لها إشترِ ما تشاءين من الملابس وغيرها ولكنها تأبى ذلك وتقول لم أتزوجك لمالك ولبيتك الجميل هذا. ولو فسرتَ قبولي بك على هذا الأساس فإنك تجرح كرامتي، فلم يتركني خالقي جائعة لتشبعني أنت، ولم ينساني بارئي لتذكرني أنت، ولم يتركنِ شريدة لتأويني أنت ولم أكن ذليلة عند أهلي لتعزني أنت وأخذ صديقي ينقل لي الحديث الذي دار بينهما وأنا أفكر بإيمان هذه الزوجة ووعيها وكيف أن هذا الزوج قد سلبها حقها وهو وقتها معه أو وقته معها. أليس للزوجة حق في وقت زوجها أيها المحترم سألته مقاطعا. الزوجة بحاجة إلى زوج تخرج معه في وقت معين على أقل تقدير. الزوجة تشعر بسعادة لا توصف حينما تكون مع زوجها. إنها تشعر بالأمان والسكينة والطمأنينة كما أنها تشعر بالسرور.
هذا حالنا أيها السادة، فلِمَ لا تكون "وطاعتي قليل ومعصيتي كثير". بلا شك سنأتي المجلس ونكرر هذه العبارة ونحن نتثاءب، وهل التثاءب له حكم شرعي كما سألني أحدنا يوما (مع أني لست بمقام الإجابة على أقل الأسئلة الشرعية أو الفقهية) وإستأنفَ: لو كنت تعمل مثلي ليل نهار لأخذتك سنة أو نوم وأنت في الحمّام. ولتناولت وجبتك وأنت تسير وسط الزحام. مابالنا أيها السادة. كلّ مرّة أصل إلى فقرة (وطاعتي قليل ومعصيتي كثير) أقول متى تُبّدَّلَ هذه مكان هذه فأنجو ولكني سرعان ما أعود إلى طبعي الذي يغلب التطبع: هوائي غالب فتكون النتيجة هي أن طاعتي قليل ومعصيتي كثير.
التمارين الرياضية:
يحرص الرياضيون على ممارسة التمارين اليومية أو شبه اليومية ويلتزمون بالبرنامج الذي وضعه لهم مدربهم المحترف. فتراهم يلتزمون بالوقت المخصص للتمرين، ولا تحول سوء الأحوال الجوية دون ذلك مهما كانت قاسية أحيانا. فلا غزارة الأمطار المفاجئة ولا حرارة الشمس المحرقة تمنعهم مزاولة وممارسة تمرينهم الذي ينتظروه بشوق كبير. كما أنهم إعتادوا أن يأكلوا وجبات معينة ذات سعرات حرارية تناسب تمارينهم التي يحرصون على مزواولتها بلياقة بدنية عالية. لا تكاد نظرات مدربهم المحترف تغفل أحدا منهم. فهو يتابع حركاته وسكناتهم طوال الوقت. يستبدل المتعب منهم بغيره من الناشطين ويبدأ بمساءلة هذا المتعب: هل نمت ليلتك، كم ساعة نمت؟ ماذا تناولت من طعام قبل ساعة؟ هل بدأت تدخن، أرني أسنانك لِأتأكد. هل شربت شيئا من الماء قبل التمرين. أراكَ قد إزداد وزنك هذا الشهر!! هل بدأت تفرط في تناول اللحم الأحمر والنشويات. ألم أنصحك بالإقلال من تناول المنبهات والنشطات التي تحوي الكثير من الكافائين. أنذرك لآخر مرّة وإن لم تلتزم بالتعاليم فسأجعلك في عداد الإحتياط  فقط، وربما إستغنيت عنك وإن زدتنا زدناك. المدرب المحترف همه الأول والوحيد هو أن يخرّج لاعبين رياضيين محترفين مثله، يريد لهم الفوز الساحق والنصر الذي فيه رفعتهم. كذلك المبلغ الرسالي الذي يؤمن بالله ويتقْهِ. إنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولهذا لم نحضر درسا أو مجلسا قال فيه أستاذنا يوما: أنتم الأحسن وأنتم الأفضل  وأنتم الأكمل. بل يقول دائما:" عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله".ويقول: قال الله تعالى:" ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ (الأحزاب). 
تمارين رياضية منتظمة يزاولها الرياضيون أو أولئك السادة الذين ينصحهم طبيب العائلة بممارستها كعلاج للتخلص الوزن الزائد الطاريء منه أو الدائم، ولشد الترهلات وإخفاء التجاعيد، ولحرق نسبة معينة من الدهون وبالإعتماد على الدهون المخزونة لتحرير الطاقة اللازمة.
 وهذه النفس أليست لها تمارين روحية لأستعادة لياقتها التي فقدتها منذ زمن بعيد.
وهذا لقلب متى نجلي الرين الذي تراكم منذ فترة طويلة فاصبح محجوبا.
أين مدربنا نحن الذ ينطالبه بتدريبنا لنكون مثله كما يفعل ذلك المدرب الرياضي المحترف.
لماذا نكره الرياضة والتمرين؟
يعجبني جدا مشاهدة التمرينات الرياضية وخاصة على أرض الملعب. لقد تعلمت الكثير، منها تلك التي وضعتها تحت أيديكم قبل قليل. أسرح بعيدا عن الملعب حينما أرى الفريق الذي أحرز النصر بعد جهد جهيد. قلت لصاحبي الذي إصطحبني هو لأرض الملعب: ونحن أيها العزيز الغالي متى نحرز النصر على أنفسنا. إلى متى أيها السيد نردد (وطاعتي قليل ومعصيتي كثير).
نحاول جاهدين إخفاء التجاعيد وربما أرّقت بعض البطرانين حينما ينظر إلى وجهه في المرآة، وتجاعيد هذه النفس الأمارة بالسوء المزينة لنا الدنيا وحطامها وزينتها متى نراها من خلال أخوتنا(المؤمن للمؤمن كالمرآة) وتؤرقنا، فنعمل جاهدين على إزالتها بالتمرين، تماما كما يتدرب أولئك الرياضيون. متى نروّض نفوسنا بالتقوى كما قال سيد البلغاء ومولى الموحدين عليه السلام. أيها السيد هل أعجبك حرص ذلك المدرب على اللاعبين. إذن لنبدأ التمرين حتى نصل إلى مرتبة ذلك المدرب الرائع.أيها السيد ليس لدينا المزيد من الوقت فهناك من يحاول إشغالنا بأسوء مما نحن عليه. وهل هناك أسوأ من الشيطان عليه لعائن الله. إن محاسبتنا أنفسنا بإستمرار هي صفعة  مؤلمة وموجعة بوجه اللعين الذي أقسم وقال لربه تعالى:"وعزتك وجلالك لاحتنكنهم الا قليلا منهم". أنظر إلى قوة سحب(لَلأحتنكنهم) الموكدة باللام والميم.
نحن خلاف الرياضيين تماما:
ليس لدينا برنامجا واحدا محددا. الوقت عندنا ليس له ثمن إطلاقا وإحترامه يعني أنك تحترم شيئا مجهولا لم تره بعينك كما يقول الذي لا يؤمنون إلاّ بالذي تراه أعينهم القاصرة. قلت لأحد الأخوان لقد تأخر الوقت كثيرا فمتى نبدأ البرنامج فقال وكأنه ينهرني: ياسيد ألم تر القاعة لا زالت فارغة. قلت له: وهل القاعة ياسيد هي  سيارة أجرة(ماتتحرك إلاّ تقبط). ياسيد ليكن لنا وقتا معينا (كأخوتنا في الرياضة) نحترمه ويحترمنا. إن أحسن وأجمل الظروف الجوية تحول بيينا وبين حضور مجلس الذكر والدعاء. فلا الربيع ولا الخريف ولا كلّ الفصول ولا وقت تفتح الأزهار ولا وقت حصاد الثمار تحملنا على الذهاب إلى (أوطان تعبدك طائعة).
جاري في النجف:
لم يكن شيخا كبيرا طاعنا في السن وإنما كان شابا في مقتبل العمر. أثار هذا الشاب فضولي أنا الطفل الصغير حينها، فأخذت أدرس تصرفاته من حركات وسكنات، حينما يتكلم وحينما يلتزم الصمت. كنت أظنه قد هبط من السماء لنقاء سريرته، ولغنى نفسه وهو من أسرة متواضعة فقيرة ولكنها من الأسر القانعة بما قسم لها وراضية به. أبوه بائع متجول لا يملك إلاّ تلك العربة(العربانة) التي إشتراها بمساعدة أحد المحسنين وفاعلي الخير. أتذكره جيدا حينما قال لذلك المحسن رافعا رأسه: أنا لست متسولا فلا أريد منك صدقة وواصل حديثه: يمكنني أن أدلك على من هو أحوج مني ويستحق الصدقة. إلتصقتْ قدماي في الأرض وقلت لن أبرح مكاني حتى آخذ حصتي من هذا الدرس البليغ وإن تأخرت عن والدي الذي ينتظرني للذهاب معه إلى إحد المجالس التي كان يحاضر فيها الشيخ عبد الحسين الخراساني رحمه الله برحمته الواسعة، وهو من الخطباء الذين كانوا يستقطبون الشباب الصغار لأنه يتكلم بلغتهم البسيطة. فلا تعقيدات لغوية ولا مناقشات فلسفية ولا إبراز عضلات منتفخة في علم الكلام والحديث والخطابة. كنت أسمع إصرار ذلك المحسن على شراء عربة بثلاث عجلات كبداية لمشروع تجاري متواضع لوالد ذلك الشاب جاري وصديقي وأستاذي منذ نعومة أظفاري. ولكن ياحجي، أردت أن أقول له من سيكون ياترى أحوج منك فأنا مطلّع على وضعكم، لكني تداركت الأمر وإلتزمتُ الصمت وقلت في نفسي إنه درس وفي الدرس لا يتكلم التلميذ هكذا ومن غير إستإذان. لم يكن لدى ولديه الأثنين إلاّ ثوبا واحدا فإذا خرج أحدهم إنتظره الآخر حتى يعود ليعيره(الدشداشة) التي لا يملكون سواها. أتذكر لونها وأعرف الخياط الذي خاطها لهما وكيف إنه قد إحتار وقتها، هل سفصلها على أطولهما أم أقصرهما..  قصة جاري وصديقي هذا طويلة ربما ذكرتا بتفاصيلها يوما. الشاهد في هذه القصة أن ذلك الشاب دعاني يوما إلى بيتهم الذي يسمى بيتا على أية حال. بيت يشبه كوخا في بساطة أثاثه وتجهيزاته، ولكن أكبرَ وأجملَ القصور لا تساوي باب ذلك البيت المتواضع. مصلاة ذلك الشاب مدهشة حقا. ماشاهدت ولن أشاهد مثيلا لها، لم تكن مصلاة بل كانت مكتبة ومكان للدرس ومحاسبة النفس. لم يكن لديه المال لشراء كتاب مفاتيح الجنان أو غيره من كتب الأدعية والزيارات والمناجات، فأخذ يستنسخ بخط يده الكتاب كاملا من مكتبة الحضرة العلوية والتي كانت في الرواق آنذاك.ونفس الشيء من الصحيفة السجادية ولأول مرّة علمت أن هناك صحيفة علوية أيضا. هذا الشاب هو في مقتبل العمر هل يستوي مع ذلك الرجل العجوز الذي يتفاخر ويتغنى بخمرته. كلا وألف كلا. 
إنّ المقبلين على الله تعالى يقبل عليهم ربهم ويؤيدهم بتأيداته ويجعل لهم نورا يمشون به في الناس ويهديم سراطه الأقوم ويغفر لهم ذنوبهم ماظهر منها وما بطن وما تأخر منها وما تأخر.
إلهي طاعتي قليل ومعصيتي كثير فجد عليَّ بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين وياأرحم الراحمين.
نسألكم الدعاء
أقل العباد
محمد جعفر

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/06



كتابة تعليق لموضوع : وطاعتي قليل، ومعصيتي كثير.. إلى متى؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ابو محمد ، في 2012/04/10 .

السلام عليكم سيدنا الغالي
فعلا سيدنا
نحن مقصرين اتجاه انفسنا في جميع مايترتب عليها
من عبادات ومعاملات اتجاه الاخرين
اقتبس من مقالكم
إلهي طاعتي قليل ومعصيتي كثير فجد عليَّ بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين وياأرحم الراحمين

ارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net