صفحة الكاتب : ابراهيم العبادي

الانتخابات العراقية … الفرصة الضائعة
ابراهيم العبادي


 بين التأجيل والمضي باجراء الانتخابات ،يتأرجح الفاعل السياسي العراقي بين خياراته المحدودة ،ويتأرجح معه الوسط الاجتماعي الذي تقلصت دوافعه للمشاركة .
سيكون اجراء الانتخابات في موعدها ،العاشر من تشرين الاول ،ابراء لذمة الحكومة واداء لاكبر مهمة تحملتها غداة تكليف رئيس الوزراء ،فاذا جاءت الانتخابات مقبولة بمعايير الديمقراطيات ،وتحصلت على درجات الشرعية المطلوبة تكون الحكومة قد اوفت بالتزاماتها وحققت  اكبر اهداف تشكيلها وهو اجراء انتخابات نزيهة ذات صفة تمثيلية واسعة ،تساعد في ترميم صورة النظام السياسي واخراج العراق من حالة الانسداد والجمود .
كان هدف اجراء الانتخابات المبكرة ،هو تحسين شروط التمثيل السياسي وشمول قوى الاحتجاج والاصلاح والتغيير والثورة بمظلة التمثيل والمشاركة والفاعلية القادرة على ترسيم مكونات السلطة بأفق جديد يستجيب لداعي السخط والاحتجاج الكبير الذي ابتدأ في تشرين الاول 2019، لكن حينما تطلب الامر عاما ونصف العام لكي تستجيب القوى الماسكة بالسلطة لشرط اجراء الانتخابات كمخرج من حالة التعارض والاختلاف وهيمنة فاعلين سياسيين محددين على المشهد السياسي ،تضاءلت اهمية الانتخابات كاداة من ادوات التغيير ، واصبح الذين تحمسوا بالامس لاجراء الانتخابات متثاقلين ومتباطئين،  لانهم اكتشفوا ان التغيير المنتظر لن يأتي عبر صندوق الاقتراع كما كان متوقعا  ،فيما أندفعت  القوى التي كانت تخشى الانتخابات ونتائجها ،  لتغدو متحمسة للديمقراطية ومخرجاتها  بعدما تيقنت  ان (شرعيتها) لن تُخدش كثيرا ،  بل انها ستكسب من اجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، فاتجهت الى بناء ستراتيجيتها الانتخابية برص  الصفوف وتوجيه الشارع المؤيد لها ، وشحنه بشحنات الحماسة المطلوبة . في ظل هذه الاجواء صار الذهاب المبكر الى الانتخابات مشكلة وعدم اجرائها مشكلة اكبر ،وفي كلا الحالتين كان النظام السياسي هو الذي يخسر ويستمر نزيف البلاد سياسيا وامنيا وسياديا .
تحتاج الديمقراطيات الناشئة الى سنين طوال لتتعلم ثقافة الديمقراطية وفكرها واشتراطاتها الكثيرة ،وتذهب الدول الى اجراء انتخابات مبكرة كلما شعرت ان الاختلاف  بين الاحزاب المشاركة صار كبيرا وان التمثيل الحزبي لم يعد معبرا عن قوى الشارع واتجاهاته الجديدة ومطالباته المتغيرة المتكاثرة  ،تاتي الانتخابات لتعيد  التفويض مجددا الى الاحزاب والقوى الفائزة ولترجح رؤية قبال اخرى ،فالدورات الانتخابية هي في جوهرها اعادة تشكيل للسلطات وفق معايير التمثيل النسبي عن الاتجاهات السياسية العامة . 
ولان الانتخابات المزمع اجراؤها في الخريف القادم ،  يراد لها حسم الصراع السياسي في البلاد عبر الية الاقتراع  العام ،فان فتور الحماسة الشعبية ومقاطعة قوى سياسية كبيرة وصغيرة والتشكيك المبكر بعدم النزاهة واليأس من توقع تغيير جدي وحاسم في الخريطة السياسية التي ستنبثق  عنها ،كل ذلك سيترتب عليه شروخ في التمثيل السياسي ،  ونقص في الشرعية ، وضعف في قاعدة النظام السياسي  الجماهيرية،  وتراجع عن  الممارسة الديمقراطية (على الاقل في شقها المتعلق بصندوق الانتخابات ) ، اي ان ماأُريد  منه ليكون مدخلا لاصلاح احوال البلاد ، لم يكن بمستوى ماعُول عليه ،وان التركيبة السلطوية التوافقية ستعيد انتاج الحكم بالطريقة التي الَفَتْها  ،فلا كتلة كبيرة وازنة تقود ،ولا اتفاق واضح بنحو الصيغ الائتلافية التي تتبلور لقيادة البلاد الى مسار جديد، يستجيب للالحاح الشعبي،  ويفتح نافذة في جدار العمى السياسي الذي يحيط  بالبلاد بلا بصيرة،  ولا رؤية تعيد وصل الاجزاء المتنافرة المتباعدة .
ان السلطة هي مايوحد ويجمع القوى التي تسعى الى الحكم بكل قوتها واموالها واجهزة دعايتها ،واذا شعرت كتلة او حزب ان حصتها من هذه السلطة في طريقها الى التغيير ،فانها لن تتوانى عن استخدام ادوات العنف السياسي الناعمة والخشنة لوقف هذا السيناريو ،لذلك لامناص من جهد كبير وحوار عقلاني لتقريب اراء الاحزاب او الكتل قبل اجراء الانتخابات ،اذ من شان المقاطعات الواسعة والمشاركة المتدنية ، ان تعيد بناء الازمة السياسية بصورة اكثر  استحكاما واشد انقساما ،وهذا هو السيناريو الاكثر خطورة ،الذي سيترتب على اجراء انتخابات باردة مطعون  بها .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابراهيم العبادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/09



كتابة تعليق لموضوع : الانتخابات العراقية … الفرصة الضائعة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net