صفحة الكاتب : نزار حيدر

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (٩) [النِّفاق أَو إِزدِواجُ الشَّخصِيَّة]
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

       النِّفاقُ يحتاجُ إِلى قُدُراتٍ خارِقةٍ ليتميَّزَ بهِ المرءُ، فليسَ من السُّهولةِ أَن يتلوَّن الإِنسانُ كالحرباءِ حسبَ الظُّروف والحاجة ولذلكَ فليسَ بإِمكانِ كلِّ النَّاس أَن يُنافِقُوا إِذاأَرادُوا ومتى ما أَرادُوا!.    

       إِنَّهُ بحاجةٍ إِلى إِمكانيَّاتٍ شخصيَّةٍ تُمكِّن المُنافق من تغيير شخصيَّتهِ بينَ ليلةٍ وضُحاها، فتراهُ في النَّهارِ يظهرُ بشخصِيَّةٍ ليُبدِّلها في اللَّيلِ بأُخرى على النَّقيضِ تماماً منشخصيَّتهِ الأُولى! وهكذا.    

       والنِّفاقُ أَو إِزدواجِ الشخصيَّة أَحد أَبرز الأَسباب التي أَنتجت عاشوراء، فالذين تعاملَ معهُم الحُسين السِّبط (ع) منذُ لحظةِ وصولِ نبأ هلاك طاغِية الشَّام الطَّليق مُعاويةإِلى المدينةِ المُنوَّرةِ وحتَّى لحظةِ استشهادهِ في كربلاء، كانت شخصيَّاتهُم مُتلوِّنة ومُتقلِّبة ومُنافِقة لا تعرف ما الذي تُريدهُ؟ ولماذا يختارُونَ هذا المَوقف دونَ غيرهِ؟ ولماذا ومتى     

     يغيِّرونَ مواقفهُم.    

       هذهِ النَّماذج ابتُليَ بها من قبلُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ يصفهُم {أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَتَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ}    

       ولقد عرِفهُم الحُسين السِّبط (ع) حقَّ المَعرفة وخبرهُم ولذلكَ كانَ يَفسحُ لهُم المجالِ ليتركُوا قافلتهِ الربانيَّة كُلَّما تغيَّرَ المَوقف السِّياسي والأَمني والعسكري في الكُوفةِ التيكانَ يُراقبَها بدقَّةٍ وينتظرُ مِنها أَخبار سفيرهِ الأَمين مُسلم بن عقيلٍ(ع).    

       هو (ع) يعرفُ جيِّداً أَنَّ المُنافق لم يلتحقَ بهِ إِيماناً برسالتهِ وإِنَّما طمعاً بالمغانمِ التي ظنَّ أَنَّ الحُسين السِّبط (ع) ذاهِبٌ ليتمتَّعَ بها عندَ استلامهِ السُّلطةِ!.    

       كان (ع) يفعلُ ذلكَ لتطهيرِ صفُوفِ أَنصارهِ من المُنافقينَ والمُتلِّونينَ والمُتقلِّبينَ وأَصحاب الشخصيَّة المُزدَوجةِ.    

       وبالفعل فلقد تمَّ تطهيرِ صفُوفِ الحقِّ من كلِّ هذهِ الأَنواع التَّافِهة من البشرِ ولم يبقَ معهُ (ع) إِلَّا [الأَشوَس الأَقعَس] الذي [يَستأنِسُ بالمَنيَّةِ دونهُ (ع) استِئناسَ الطِّفلِ بلَبَنِأُمِّهِ].    

       لقد طهَّر الحُسين السِّبط (ع) صفوفَ جبهتهِ من هذهِ النَّماذج القَذِرة لأَنَّهم سببٌ مُباشِرٌ لتسريعِ الهزيمةِ إِذا بقِيَت فيها، وقد يُسلِّمُونَ جبهة الحق بالكاملِ إِلى جبهةِالباطِل!.    

       لذلكَ يحُثُّ المنهجُ القُرآني على الفصلِ بينَ المُؤمنينَ والمُنافقينً خاصَّةً في وقتِ الأَزمات.    

       يقولُ تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِالْعَالَمِينَ* وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}.    

       وإِنَّ من أَسبابِ النِّفاقِ؛    

       *سعيُ المُنافق الحصُول على كلِّ شيءٍ في كلِّ وقتٍ، فهوَ يُحاوِلُ أَن يكونَ معَ جبهةِ الحقِّ كواجبٍ شرعيٍّ وأَخلاقيٍّ لينالَ مرضاة الله تعالى، وفي نفسِ الوقتِ هوَ لا يُريدُأَن يخسرَ عطاءات جبهة البَاطل لأَنَّ [الرَّيَّ مُنيتهُ] كما برَّرَ عُمر بن سَعد قتلَ الحُسين السِّبط (ع).    

       هوَ معَ الإِصلاحِ ولكنَّهُ يودُّ الإِستمرارِ في لحسِ قِصاعِ الفاسدينَ والفاشلينَ!.    

       هوَ معَ عاشوراء ولكنَّهُ لا يجِدُ ضَيراً إِذا جدَّد معها البَيعةَ تحتَ رايةِ فاسدٍ كذَّابٍ مُنافقٍ يهتِفُ لهُ [علي وياك علي]!.    

       *وهو يتمنى لَو تنتصر جبهة الحَق ليظلَّ معَها ولكنَّهُ في نفسِ الوَقت ليسَ مُستعِدّاً للمكُوثِ فيها إِذا رأى أَنَّ كفَّة ميزان المعركة بدأَت تميلُ لصالحِ جبهةِ الباطِل.    

       يتمنَّى لو أَنَّ الله تعالى يُنزِّل ملائكةً تُقاتِل معَ جبهةِ الحقِّ لتنتصرَ على الباطِلِ فلا يضطرَّ لتركِها فيرتدَّ عن دينهِ فيُستبدلُ بغيرهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِفَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.    

       *ولكَونهِ كذلكَ ساعياً لجمعِ المُتناقِضات في يدٍ واحدةٍ، لذلكَ فهو يكذِب ويهَوِّل ويدَّعي ولا يحسِب الأُمور بشكلِها الصَّحيح ليخدعَ نفسهِ ليضعَ بذلكَ أَوَّل حجر في الزَّاويةوالتي ستُنتج النِّفاق وازدواجِ الشخصيَّة.    

       لذلكَ نُلاحظ أَنَّ الشخصيَّات المُؤمِنة الحقيقيَّة الثَّابتة والمُستَقيمة التي كان تشيُّعها للحُسين السِّبط (ع) حقيقيّاً عن بصيرةٍ لا شائبةَ فيهِ ولا شك كانت كُلَّما أَراد النَّاسُ أَنيمضُوا على كتابٍ للحُسين السِّبط (ع) سواءً في الكُوفةِ أَو في البصرةِ، يُؤَكِّدُونَ فيهِ استعدادهِم لنُصرتهِ والوقُوفِ بجانبهِ ضدَّ سُلطة الأَمويِّين، كانُوا يُلحُّون بالسُّؤَالِ منهُمليتثبَّتوا قبلَ أَن يبعثُوا الكتابَ، قائلينَ لهُم؛ تأَكَّدُوا قبلَ أَن تتورَّطُوا وتُورِّطُوا! إِلَّا أَنَّهُ وكما يبدُو فإِنَّ أَثر النِّفاق وازدواجِ الشخصيَّة كانَ أَقوى منهُم ولذلكَ تورَّطُوا وورَّطُوا، حتَّىوصلَ بهِمُ الحال أَنَّ عدد الذين صلُّوا المغرِبَ خلفَ مُسلم (ع) كانَ [١٨] أَلف وأَنَّ العدد الذي أَدَّى العِشاء معهُ نصفَ ذلكَ ليهبِطَ إِلى الصِّفر بعدَ انتهاءِ الصَّلاة!.    

       فهذا الصَّحابي الجليل الصَّادق سُليمان بن صُرَد الخُزاعي خاطبَ القَوم الذين اجتمعُوا في منزلهِ بالكُوفةِ بعد هلاكِ مُعاوية ووصُولِ خبرِ رفض الحُسين السِّبط (ع) لبيعةِالطَّاغية يزيد [إِن كُنتُم تعلَمُونَ أَنَّكُم ناصِرُوه ومُجاهِدُو عدوِّهِ فاعلِمُوه، وإِن خِفتُم الفشلَ والوَهنَ فلا تُغرُوا الرَّجُلَ في نفسهِ}.    

       لقد وصفَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) دواءً لمرضِ النِّفاقِ وازدواجِ الشخصيَّة خاصَّةً فيما يتعلَّق بالتصدِّي للشَّأنِ العام بقولهِ {أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ وَعَرِّجُواعَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ وَضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا وَمُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِأَرْضِهِ}.    

       فإِذا لم تكُن مُستعدّاً للتصدِّي أَو للنُّصرة ولأَيِّ سببٍ كانَ فلا تُورِّط نفسكَ ولا تُورِّط غيركَ، ولذلكَ اعتبرَ القُرآن الكريم الاستعداد أَهم مراحِل المَسؤُوليَّة والتصدِّي لها، فإِذاقصَّرتَ في الإِستعدادِ فأَنتَ أَعجز من أَن تتحمَّل المسؤُوليَّة أَو أَن تُعينَ عليها.    

       يقولُ تعالى {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ}.    

       من ظنَّ أَنَّهُ مُستعِدٌ وهو ليسَ كذلكَ فاليتحمَّل وِزرَ الفشلِ مُضاعفاً.    
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/18



كتابة تعليق لموضوع : عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (٩) [النِّفاق أَو إِزدِواجُ الشَّخصِيَّة]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net