صفحة الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني

قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي /القسم الأول من/ح5
رائد عبد الحسين السوداني
مهداة للكاتب صائب خليل مع التحية 
نصل في هذه الحلقة مع الباحث الموسوعي صالح الطائي إلى قضية حساسة وفي غاية الخطورة ،ألا وهي استغلال الدوائر الأجنبية للفرقة المذهبية والطائفية في بلادنا الإسلامية ،فقد ذكر في صفحة 30"إن دراسة الأسس التي قامت عليها النظرية (يقصد نظرية فارسية التشيع ) يكشف لنا بعض أسرار الحياة الإسلامية التي طبعها بطباعها المعروفة أمران هما :أمتهان بعض العرب لمهنة السياسة واتخاذها حرفة ،والتدخلات الأعجمية الخارجية والداخلية ،وهذا ما نكتشفه عند دراسة هذه الأسس نقطة نقطة وبتوسع" وسأنطلق من مفهومي الخاص للتدخلات الأعجمية الخارجية،وأترجمها على إنها تدخلات أجنبية في جسد العالم الإسلامي استغلت التنوع الفكري لدى المسلمين وحولته من علامة قوة إلى علامة ضعف وقد وظفت هذه الدوائر سياسيين يتسمون بضيق أفق حاد ليبنوا منهجهم الاحتلالي في هذه المنطقة المهمة في  العالم ،وبطبيعة الحال إن لكل احتلال منهج يرغب في تطبيقه في البلد الذي يسيطر عليه،هذا فضلا عن الجوانب الاقتصادية والعسكرية ،ولا يختلف الاحتلال البريطاني للعراق عن هذه المعاني ،ولذلك تراه رعى وأقام حكما فيه قائم على تكريس حكم الطائفة الواحدة وتهميش باقي الطوائف وفي مقدمتها الطائفة الشيعية (الطائفة الأكبر)،(وفي هذه الحلقة سيكون الاعتماد على ما جاء في كتاب حكم الأزمة لكاتب هذه السطور)  وقد كان عبد الرحمن النقيب أحد هؤلاء السياسيين الضيقي الأفق الذين صاغوا مرحلة ما بعد 1920والذي كان لديه موقفا معاديا للطائفة الشيعية صرح به للمس بيل صاحبة التوجه المنوه عنه في الحلقة الرابعة فقد ذكرت في كتابها فصول من تاريخ العراق وقد أوردناه في كتاب (حكم الأزمة) يقول هذا التصريح أو بالأحرى الموقف وفي صفحة 156" أقول لك أن تكوني حذرة من الشيعة .وإنني ليست لي خصومة مع الطائفة الشيعية .واستطرد قائلا ((إنهم يودونني ويحترموني ،وهم يعدونني بمنزلة شيخهم .لكنك إذا رجعت إلى صفحات التاريخ ستجد أن أبرز ميزة تميز الشيعة هي خفتهم .ألم يقتلوا هم أنفسهم الحسين بن علي الذي يعبدونه الآن كما يعبدون الآن كما يعبدون الله ،فالتقلب والوثنية تجتمعان فيهم إياك أن تعتمدي عليهم )) " كان هذا الكلام قبل ثورة العشرين ،ولم يتغير موقفه بعد أن تبوأ منصب رئيس الوزراء بل ازداد تصلبا وفي لقاء مع أمين الريحاني يذكره في كتابه ملوك العرب نجد ص857 من المفيد أن ننقل نصه هنا "ولما صدر أمر الحكومة بمباشرة الانتخابات للمجلس التأسيسي ،وأصدر على إثره أحد المجتهدين في النجف فتوى بأن الانتخاب مخالف لقواعد الإسلام ،رأيت فضيلة  النقيب مضطربا وسمعته غضوبا :- في البلاد وطنيون كثيرون وكلهم رجال سياسة .ولكن ليس في رؤوسهم عيون تريهم ما هم فيه  .أين هم من البلاد ،وأين البلاد منهم ؟ كانوا أمس تحت أقدام الترك ،واليوم يبيعون البلاد إلى الترك بفلس لينتقموا ممن يظنونهم أعداءهم .نحن أخذنا الأمر على عاتقنا ،ولا نسأل  التوفيق من غير الله ،ولا نتوكل إلا عليه سبحانه وتعالى ..........أما اجتمعت أمس بالوطنيين يا أفندي وسمعتهم يتبجحون ؟غدا تجتمع بكبارهم في كربلاء والنجف ...نصف هذا الاجتهاد جهل ،ونصفه عناد .ذكرني كلامه (يقول الريحاني)وتغيظه بالكلمة الإنكليزية المأثورة التي قالها الفيلسوف جونسون فترجمتها لفضيلته : إن حب الوطن ملجأ المنافقين الأخير .فسر بها جدا :- خوش كلام خوش حكمة .الإنكليز يا أفندي أمين أحكم الناس بالرغم من سيئاتهم كلها .هم ينافقون ولا شك ولكنهم لا يسمون نفاقهم اجتهادا ولا يخلطون الدين بالسياسة .هم يحبون أنفسهم ولا شك ولكن حب الذات يختلف عندهم عما سواهم .عند الألمان مثلا حب الذات نيء بارد .أما عند الإنكليز فهو ناضج وفيه شيء من الأبازير هي لبعض الناس مثل السم .عند الإنكليز العلم ،وعندهم المال ،وعندهم الحكمة.أما الوطنيون في البلاد فأي شيء عندهم ؟هل هم يحبون البلاد أكثر منا وهي بلادنا قبل أن تكون بلادهم؟وأكثرهم لا يزالون من الأجانب ...أعد المثل الإنكليزي .حب الوطن آخر ملجأ للمنافقين – خوش كلام ،خوش حكمة" هذا الكلام صادر من رئيس وزراء جعل من نفسه ومكانته الدينية وزعامته جسرا لتعبر عليه بريطانيا لتكمل فيه الصورة التي تريدها للعراق ،وبتطوع منه،ودراية. ولم يكن فيصل بأقل قسوة وشدة من كوكس وعبد الرحمن النقيب والسعدون على من تزعم معارضة إجراء انتخابات المجلس التأسيسي الذي كانت أهم مهامه التصديق على اتفاقية 1922 ،ففي البدء أسر  فيصل إلى الصحف المقربة إليه والموالية لسلطته للترويج لفكرة بأن من يدعو إلى مقاطعة الانتخابات فكرة دخيلة تقف ضد القومية العربية ،وإن القائلين بالمقاطعة دخلاء لا حق لهم بالتدخل في أمور القوميين العرب ،هذا ما ذكره السيد عبد الرزاق الحسني في تاريخ الوزارات العراقية الجزء الأول صفحة 168،وفي هذه الأثناء آثر فيصل الابتعاد عن بغداد وهو عازم على ضرب المعارضين للمعاهدة والانتخابات وعلى مستووين ،الأول الاستمرار بالعزف على وتر القومية العربية والقضية العربية والدخلاء الذين يدعون إلى المقاطعة ،وفي مأدبة أقيمت له ولوفده في البصرة ألقى وزير العدل توفيق السويدي بين فيها أن الحكومة ستردع كل محاولة ترمي إلى حرمان الأمة من استحقاقها في سيادتها وبالوسائل القانونية وقد أثر هذا الخطاب في نفوس الموالين للحكومة الذين أقاموا الحفلات لفيصل في مدن الناصرية والديوانية والحلة وأعلنوا أنهم متأهبون لقتل كل دسيسة وفكرة تريد المساس بمصالح البلاد العليا أو المساس بالقضية العربية ،ونجد هنا تكرار مفردة القضية العربية ،والقومية العربية مقابل الدعوة للمقاطعة .أما المستوى الثاني فهو قرار إبعاد زعماء الدعوة للمقاطعة أثناء جولة فيصل المنوه عنها آنفا الذي نفذته حكومة عبد المحسن السعدون التي أصدرت بيانا في 27/6/1923فيه من الدلالات الكثيرة فهو يحمل خطوة متقدمة والحقيقة جريئة جدا في السير نحو (تجزيء المجتمع) من خلال نشر بيان رسمي جاء فيه إن من يقاطع ويدعو للمقاطعة هم أصحاب " الأهواء الأجنبية تحت ستار السلطة الدينية في الأمور الحيوية المتعلقة بحقوق الأمة" وقبل هذا البيان بما يقرب العشرة أيام أي في 17/6/1923اتخذت حكومة السعدون موقفا ينم عن ستراتيجية مرسومة بعناية ومخططا لها بدقة تامة تهدف إلى إقامة نظام حكم شوفيني مقيت ،وبطبيعة الرسم والتخطيط بريطانيان والتنفيذ أدواته عراقية .كانت الخطوة الأولى التي اتخذتها الحكومة تمثلت في بيانها الصادر في التاريخ أعلاه وفيه قرار بتأديب المقاومة التي سماها مجلس الوزراء بغير المشروعة وادعى أن التأديب سيكون بصورة قانونية وشديدة ،تتمثل بإخراج الأجانب منهم ،وإيداع المجرمين الوطنيين إلى المحاكم ،ويلاحظ هنا استخدام مفردة مجرمين قبل أن يدين القضاء أيا من الذين سيتهمون بالمقاومة غير المشروعة وهذا إن دل على شيء إنما يدل على موقف مسبق وأن الحكومة ستتعامل مع هذه القضية وما يتبعها بسياسة هي الخصم وهي الحكم والجلاد بنفس الوقت ،ثم أصدرت الحكومة بيانا أشارت فيه أنه رغم ما بذلته من جهود ورغم سعيها المتواصل كي تصان حقوق الشعب وتثبيت أركان الدستور ،قام نفر أسمتهم بالدخلاء ،ووصفتهم بأن لا دخل لهم بالقضية العراقية والذين لا تهمهم مصالح الشعب والبلاد الحقيقية باختلاقهم أقوالا زاعمين إنها مستنبطة من الشرائع الدينية .أما ما هي مطالب الداعين للمقاطعة (الدخلاء بنظر فيصل وحكومته ) ،كان المطلب الأول هو إلغاء الإدارة العرفية ،وطالبوا بإطلاق الحرية للمطبوعات وكذلك الاجتماعات ،ومن المطالب أيضا طالبوا بسحب المستشارين من الألوية إلى بغداد وأن يتم السماح بتأليف وتشكيل الجمعيات ،ويلاحظ إن هذه الطلبات ليس فيها نفس طائفي أو عرقي أو قومي ،بل هي تؤكد على حرية العمل السياسي فقط .وليس فيها أي اتجاه ديني خاص ،وليس فيها دعوة لاستخدام العنف ،أو المقاومة المسلحة ،وأعتقد أن هذا هو الذي أخاف الملك ومن ورائه الإنكليز،فهذه الطلبات تؤسس لمجتمع متماسك ،لأنها تحمل المشتركات ولا تذكر عوامل الفرقة أو الخلاف ،وبالفعل أعلن رجال الدين السنة تأييدهم لما جاء في هذه المطالب ،وإعلانهم لمقاطعة الانتخابات ،ولم يقتصر الأمر على رجال الدين المسلمين ومن الطائفتين ،بل تعداه إلى رجال الدين المسيحيين الذين أمروا أتباعهم بمقاطعة الانتخابات ((تمسكا بالجامعة الوطنية ،وحفظا للمصالح المشتركة ،وتأييدا للحقيقة الواضحة والحق الصريح )) وفق ما جاء ببيان التحريم ،هنا شعرت المجموعة الحاكمة أمام هذا الإجماع إنها أمام خطر حقيقي ،ولا بد لها أن تتحرك ،فكان تحركها المستند إلى البيانات الحكومية المذكورة أعلاه وموقف فيصل والصحافة الموالية له ،فاختاروا لتأكيد نظريتهم القائلة ب(أعجمية ) قيادات المجتهدين أحد أكبر الداعمين لعرش فيصل في باديء الأمر ،والذي عارض فيما بعد المعاهدة وبقوة (الشيخ مهدي الخالصي) العربي الأصل ليسفروه ويبعدوه خارج العراق وتبعتها عمليات تسفير أخرى لرجال الدين الشيعة . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رائد عبد الحسين السوداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/14



كتابة تعليق لموضوع : قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي /القسم الأول من/ح5
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : صالح الطائي ، في 2012/04/14 .

الأستاذ الباحث والمؤرخ الكبير رائد السوداني
كان لي شرف قراءة كتابكم القيم (حكم الأزمة) الذي جاء بعد كتابيك الرائعين (العراق بين احتلالين) و (الاستشراق) وقد وجته زاخرا بالتحليلات والآراء الصائبة، وها انا أراك اليوم تبحث في كتابي (نظرية فارسية التشيع) عما يتساوق مع رؤاك وآرائك حول الطائفية والدور الخبيث للأجانب المستعمرين والدعم الذي قدمه الطائفيون لمشاريع الفرقة والعداء، فكأننا اجتمعنا سوية لنطلق صرخة تحذير تنبه الأمة من مغبة ما ينتظرها إذا آمنت باقوال العاة على أبواب جهنم
بارك الله فيك وزادك فضلا ووفقك في مسعاك الكبير
سابقى منتظرا باقي أجزاء هذه القراءة المتأنية
دمت بخير




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net