صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان"ـ الجزء الأول
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كثير من المسلمين يواظبون على قراءة القرآن في اليوم والليلة وهناك من يختمه في الشهر ما شاء الله من المرات ناهيك عمن يحفظه عن ظهر غيب ويحسن تلاوته وتجويده، لكن القليل منا وأنا أولهم مَن يقرأ القرآن ويتدبر آياته ويجعلها دستورا لحياته، لأقواله وأفعاله،  لحركاته وسكناته فيعمل بما أمر الله تعالى به، ويتجنب عما نهى سبحانه عنه. لا بل ترانا نسهوا في الصلاة الواجبة التي هي عنوان المؤمن وعماد دينه والتي "إن قٌبِلَتْ قُبِلَ ما سواها... ". أقول إن كان القلب مدبرا في الصلاة الواجبة والفكر مشتتا عند وقوفنا بين يدي الخالق سبحانه فما هي روحانية تلك الصلاة وما هو تأثيرها في النهي عن الفحشاء والمنكر! 
كيف لصلاة هكذا حالها ان تكون علامة فارقة للمسلم عمن لا يؤمن بالله واليوم الآخر!
كيف لصلاة يكون وجه المصلي فيها مستقبل القبلة وقلبه مستدبرا لها أن تطهر قلبه وتهذب خلقه!
كيف لصلاة تكون الغيبة والنميمة هي أول التعقيبات عند الإنتهاء من أداء الصلاة أن تجسد ما قلناه عند إبتداء الصلاة : يا محسن قد أتاك المسيء! 
لم نكتب هنا من وحي الخيال ولا من باب الإفتراض إطلاقا. لقد عايشت كل هذه الحالات وغيرها أمثالها مما لا يسع المقام لذكرها جملة وتفصيلا. بل لا يسع المقام لذكر سهوي أنا (أنا قبل غيري وأنا  ليس غيري، أنا أنا..) في الصلاة وكثرة غفلتي وإدبار قلبي الذي لا زال مدبرا وكأنّ الكتابة هنا لا تعنيه ولا تخصه! قلبي الذي يظن ان نُصْح الغير يعفيه غدا عن المساءلة ويبررله إدباره حين تقبل قلوب المؤمنين عند الصلاة وهي وجلة خائفة ترجوا النجاة يوم الفزع الاكبر!!! إن حالي يزداد سوءا يوما بعد يوم مع قلة حيلتي وقلة حيائي. لا زلت أكتب عن إصلاح الأحوال وحالي خراب في خراب والله هو المستعان وعليه المعول في الشدة والرخاء.
صلاة كهذه هي مجرد حركات نمارسها، قيام وركوع وسجود ثم تشهد وتسليم وإنتهى الأمر ثم نلتفت لمن حولنا : تقبل الله منكم!! تقبل الله ما ذا سيدي المحترم؟! لقد كنت (منقطعاً إلى نشرة الأخبار) وأنت في الصلاة!! لقد كنت مشغولا بالنظر الى (الموبايل) لأنك تنتظر مكالمة مهمة قد شغلتك أثناء صلاتك فأفسدت عليك حلاوة وجمال وعذوبة الإنقطاع إلى الله تعالى. لم يخشع قلبك لمن تخشع له قلوب المؤمنين الذين"وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا". ثم هل الإنقطاع إلى الله هو بالشكل أو بالمضمون؟ بمعنى هل الإنقطاع  الى الخالق سبحانه هو إنحناء الرأس أثناء الصلاة بحيث يكاد المصلي يختنق من شدة (الخشوع) إنحناء الرأس بحيث يلامس أسفل الذقن أعلى الصدر مع تشنج عضلات الرقبة من شدة الضغط عليها؟! أم أن الإنقطاع إلى الله تعالى هو قلبيّ، يشعر المصلي بالرهبة وهو يستقبل القبلة وقد خشع قلبه وجميع جوارحه لله الواحد الأحد. هذه المقدمة تخص مَن يصلّي وهو مدبر القلب فلا يعلم ما يقول في صلاته، وإن عَلِم ما يقول فلا يعمل بما يعلم لأنه يقوم بحركات ويتكلم بأصوات وألفاظ لاغير، على تعبير أحدهم (مجرد إسقاط فرض). فما هو حال مَن لا يصلي ولا يقرأ القرآن ولا يعرف إتجاه القبلة مثلما يعرف إتجاه الصحن (الدش)؟! هذه قصة أخرى سنخوض في بعض فصولها بإختصار بإذن الله تعالى.
الشاب المغرور.. 
حان وقت الصلاة وكنت في أحد المساجد وكان هناك شاب في العشرين من عمره بقي جالساً في مكانه كأنه خشبة جامدة لا حِراك فيها فلم يهرع للوضوء عندما سمع الأذان ولم يتقدم ليقف مع المصلين المحترمين بخشوع بين يديّ المولى الحنّان المنّان ولم يأسر قلبه ذكر الله ولم يعتنِ لقول "أياك نعبد" ولم يقلّب وجهه يميناً وشمالاً بحثا عن معين ومنقذ وهو يسمع "وإيّاك نستعين" ولم يحاول ان يزحزح الشيطان الذي يراه مَن يراه جاثياً على ركبتيه امامه وهو يسمع "إهدنا الصراط المستقيم"! كان واضحا أن ذلك الشاب جاء برفقة أحد المصلين وبقيّ يتلهى عن الصلاة وينتظر صديقه المصلي. إنتهت الصلاة فوجدته لا زال جالساَ يقرأ كتابا لأحد الصحفيين المعروفين وقد ذاب في الكتاب كما ذاب المصلون قبل قليل في حب الله ومخافته. دنوت منه وقلت : ربما لم تكن ثيابك طاهرة فعندي ثياب نظيفة وطاهرة معي في السيارة يمكنك إستعارتها للصلاة فهي لهذا الغرض حصراً. قال لي وقد وبدت على وجهه أمارات عدم الرضا من فضولي : ومَن قال لك إني من المصلين؟ قلت : لم افهم قصدك أيها المحترم؟ قال : أنا لم أصلِّ ولا مرّة في حياتي. قلت : وهل ان  حضرتك مسلم ؟ قال : نعم أنا مسلم والحمد لله. قلت : كيف تكون مسلما ولا تصلّ لربك الصلوات التي أمرك تعالى بإقامتها في أوقاتها. "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا"؟ قال : أنا لا افعل المنكر وأساعد الفقراء وأقضي حوائج المحتاجين وغيرها من الاعمال الصالحة التي تحل محل الصلاة في الأجر والثواب؟! 
تعليق..
إقامة الصلاة واجبة وليست لطلب الأجر والثواب. وهي عنوان المسلم وهويته وكرامته وشرفه هذا التوضيح للشباب الذين يلتبس عليهم الأمر فيظنون أن الصلاة مستحبة ولهذا نرى الكثير من شبابنا لا يصلي الصلاة المفروضة ولكنه يحرص ان يصلي صلاة العيد وان يصلي الجمعة ويطلب من الله الأجر والثواب!! أمّا بالنسبة لأولئك الذين يجحدون نعم الخالق سبحانه ولا يشكرونه فاقلّ ما يُقال عنهم بأن هؤلاء لا يخجلون ممن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، فتمتعوا بها على أحسسن وأتم وجه ولكن وجوههم مسودة مع مَن منحهم تلك النِعَم فأنكروها وجحدتها انفسهم فخسروا شكر الله تعالى وذلك هو الخُران المبين.
نقرأ ونسمع ونشاهد يوميا قصصاً كثيرة عن نكران البعض للإحسان والمعروف وعدم المجازاة بهما، وأحيانا تكون الإساءة هي مقابل الإحسان وهذه أقبح المقبحات خاصة عندما تكون الإساءة إلى من تكرّم وتفضّل وأنعم.
من القصص المؤلمة والصادمة التي إعتدنا على سماعها بشكل متكررهي تمرد الأولاد على الوالدين وعدم مجازاتهم خيرا ولو بكلمة شكر متواضعة. أظن أن بجعبة القاري الكريم كمّاً هائلا من تلك القصص والأخبار التي يقشعِّر لسماعها البدن وتدمع لقساوتها العيون وتدمى لبشاعتها القلوب. واحدة من تلك القصص هي أني كنت يوما قاصدا إحدى المكتبات في شارع الرسول في النجف الأشرف، في الطريق شاهدت رجلا شيخا كبيرا قد جلس على قارعة الطريق وتبدو على وجهه أمارات العوز والحاجة. قصدته مسرعا وكأني أعرفه، جلست امامه وجها لوجه : كأني أعرفك أيها المحترم؟ أجابني ولم يرفع رأسه ليراني : ليس مهما إن كنت تعرفني أو لا تعرفني، المهم أن تكون بخير. قلت : جزاك الله خيرا سيدي الكريم ثم قلت له : أجل لقد عرفتك أنت فلان الفلاني؟ قال : لا، انا لست ذلك الذي تقصده أنا فلان. قلت : الآن عرفتك جيدا ومعذرة على سوء الذاكرة. قال : من أنت ؟ قلت : أنا خادمكم فلان ابن فلان. عندها إغرورقت عيناه بالدموع وقال : رحِمَ الله أباك كان صديقاً لأبي. تألمت كثيرا لحاله فقد عرفته منذ الصغر وهو من المحسنين وكان ينفق على عياله ويوسّع عليهم ويردد :" التوسعة على العيال أفضل من الصدقة". كبر الأولاد وانهوا تحصيلهم العلمي وحازوا على العلامات الممتازة وكانوا من المتفوقين في دراساتهم بفضل الله تعالى وبمداراة وعناية ذلك الوالد الذي كان يؤثرهم على نفسه في كل مفردات الحياة. أتذكر جيدا قبل أربعين سنة أني رأيته في أحد الأعياد وهو مرتديا ثوبا خلقا بينما يرتدي أولاده الملابس الفاخرة والجديدة. قلت له حينها : هلاّ ساويت نفسك مع الأولاد بأن تلبس لبس أقلهم شأنا؟ قال : عكس ما تقول تماما. هذا لباس يليق بيّ وتلك ملابس تليق بهم، أفرح كثيرا حينما أرى الأولاد وعليهم آثار نعمة الله وقد أنفقت عليهم كل ما أملك من مال ووقت وعافية وسهر الليالي مع والدتهم فقد كنت أشاركها اتعابها فنحن (أنا وزوجتي ) شركاء في الحياة. قلت حينها : معذرة أيها الفاضل فقد أفحمتني. أخذت الدرس وأنصرفت عن صديق والدي رحمها الله ورحم أمواتكم جميعا. إنصرفت عنه وأنا (دايخ) بتضحية وحسن تدين ذلك الوالد المجاهد بحيث لم أنتبه لطريقي فإصطدمت جبهتي بعامود الكهرباء فكانت بمثابة تنبيه وتحذير من عدم الوفاء للوالدين مستقبلا. إنصرفت عنه ولم إلتقه إلاّ وهو يفترش الرصيف منحني الرأس يخجل من المارّة وهو لا يملك قوت يومه ويمنعه من السؤال الحياء وماء الوجه.
تعليق..
لأولاد ذلك المحترم وأمثالهم أقول: سوف لن اتحدث هنا عن مخافة الله تعالى فبدهي ان الذي يؤذي والديه ويحجد حقوقها هو لا يخاف الله ولا يتقه ولا يحسب له حساب ولا يفكر بيوم الجزاء نستجير بالله من غضب الله. لكني أقول لهم انتم كاللصوص ولكن سرقتكم هي من نوع آخر وهي اشد واقبح ممن سرق مالا من شخص لا يعرفه وهرب وتوارى عن الأنظار. أنتم سرقتم العمر وسنواته وايامه ولياليه ثم تكبرتم فأعرضتم بوجوهكم عن ذلك الوالد العظيم الذي لم يدّخر جهدا في الإنفاق عليكم وتعهدكم بحسن التربية وأحسن إليكم وكان رحيما رؤوفا بكم فأنفق ما بوسعه من أجل إدخال السرور على قلوبكم. سألت والدهم أخيرا : وأنت على هذه الحال، لو سمعت بعوز أحد الأولاد فماذا تصنع؟ قال أقترض المال وابحث عنه لأنقذه مما هو فيه.. مشهد يحتاج للتأمل كثيرا!!!
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/11/20



كتابة تعليق لموضوع : هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان"ـ الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net