صفحة الكاتب : ابو جعفر الكربلائي

مذكرات متوفى
ابو جعفر الكربلائي

ثمانون يوماً مضت على خروجي من غرفة الاعدام نِصفَ ميّتٍ يحوم فوق الأزقة ..

ملوحة دموعي هي الشاهد الوحيد على عدم موتي فدموعي لا تزال حارقة ومالحة ...

وذلك الفراغ الذي في قلبي.. لا يزال يهتف بموتي ولا أزال اتجاهله .. سأقاوم موتي .. سأُنكِرُهُ .. سأتغافل عنه لئلا تتمزق صورة المعشوق التي نحتُّها على كل خلية من خلايا دماغي ..

تسرَّب الظلام من قلبي .. كلّ الأزقة صارت مظلمة إلا الزقاق الذي ينتهي بدار معشوقي .. لا يزال مضيئا بزيت دموعي وآلامي ..

على رأس الزقاق ستنتعش ذاكرتي .. سأستعيدها رغماً عني وعن حرّاس الموتى ..

أتذكّر جيداً لقائنا الأوّل ... أتذكر سحر جماله الذي أخرس لساني وشلّ عقلي حتى رجِعتُ أدراجي منبهراً ...

أتذكَّرُ أنّه مولَع بتعذيبي مذ لقائنا الأوّل ..

أتذكَّر أنّ حزني بدأ مذ اسبوعنا الأوّل ..

القلقُ حطَّمَني .. كلّ مَن حولي فرحون به إلّا أنا .. جالسٌ في زاوية في الأطراف بلا طعام ولا شراب ..

القلقُ طعامي .. ودموع الحزن المكتومة في صدري شرابي ..

أتذكر جيدا أنّي لم أفهم همهمتهم ولا صراخهم ...

ثمّة سؤالٍ قاهرٍ قد قتل عقلي : لماذا وافَقَ هذا الملاك على لقائي؟

لماذا أعلَنَ أمام الملأ قبولي؟

لماذا الآن يبكي خوفاً منّي؟

إن لم أكن لائقا به لِمَ لَمْ يرفضني ؟

كيف يفسر خوفه وأنا أسيرٌ بين يدي جمال روحه لا حول ولا قوّة لي ؟

سؤال أعرفُ مبدَأهُ دون منتهاه .. ومتاهة عرِفتُ كيف أدخلها ولكن أضَعتُ مخارجها ..

كلّ رهاني كان على الوقت .. نعم على الوقت !

بمرور الأيام سيُدرك حبّي وإخلاصي وستندثر على أعتاب الحب كل مخاوفه ومعها كلّ أحزاني.. هذا كلّ رهاني ..

مرَّت أيّامٌ وأيّام .. ولا أزال عالقاً في متاهتي ...

 يا لحسرتي إذ لم يُحسِن الحبيب سماع نبضات قلبي ..

يا لحسرتي إذ أشاح بوجهه وأنا أبوح بمشاعري ..

يا لحسرتي وأنا أراه يفتح قلبه للوشاة الذين مزقوني بسكاكين يتسترون عليها في افواهٍ مسمومة ..

يا لحسرتي وأنا أراه يبتعد عني فأبوح له بمخاوفي ولن يزداد إلا بعدا ..

يا حبيبي إذا استمعتَ لأصدقاء السوء أخشى أنّك لن تبقى معي ..

يا حبيبي إذا لم تستمع لدقّات قلبي أخشى أنّك ستمقتني ..

مرّت الأيام سراعاً وكلّ مخاوفي قد تحققت .. ظلّ يُجالِسُ الوشاة ... ظلَّ يُكذِّبُ مشاعري ... ظلَّ يهزأ بي ويستخفُّ بمظهري ...

في آخر الزقاق ... على عتبات باب داره سأتذكر مشهد اعدامي ! حينما أدار ظهره لي وقرر أن يتخلّى عنّي ...

سأطرق الباب بكفّ ميّتٍ لن يسمعها الأحياء ! سأسقي القبر الذي أحمله بين ضلوعي بآخر ما تبقى من مالح دموعي

سأعود أدراجي أحمل نعشي بنفسي .. أسير في هذه الأزقة وكلّ الأزقة مظلمة إلّا الزقاق الذي يضيء بزيت دموعي وآلامي ...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابو جعفر الكربلائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/12/23



كتابة تعليق لموضوع : مذكرات متوفى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net