صفحة الكاتب : ابو جعفر الكربلائي

مذكرات متوفى (2)
ابو جعفر الكربلائي

في وحشة الطريق الذي لا نهاية له، وفي خضّمِّ معركة المشاعر المنكوبة، ألتفتُ يمينا وشمالاً، فلا أرى أنيساً ولا رفيقاً غير كتابٍ من تأليفي أنا وبقلمٍ لا أملكهُ !!
الخطّ خطّي أنا أعرفه، والسيرة سيرتي أنا لا أنكرها بكلّ ما بين سطورها من نجاحٍ وفشلٍ، من بكاء وفرح، من نصر وهزيمة، من إحباط وعزيمة، فأنا لم ولن أخجل يوماً من كلّ ذلك .. وهل رأيتم يوماً نجاحاً بلا فشل؟؟
لكن مهلاً ! هذا الفصل الأخير من الكتاب لم أعد فيه أنا الذي أعرفه .. إقرؤوه جيداً ..هل رأيتم؟ لقد تركوني خلفهم دمية مسروقة المشاعر، تقف برأسٍ شامخ ولكن بلا روحٍ، ولا أمَل !
بمقدار ما أدمنتُ قراءة هذا الفصل من كتابي كرهتُه ! .. نعم كرهتُه لأنّهم كتبوه بالنيابة عنّي .. كل قراراته ليست من وحي خاطري .. كتبوه ليرسموا فوق نقاء صفاحته خطة إعدامي ..
لا بأس سأذهب إلى المشنقة كبريء يُقاد إلى ساحة الاعدام ولا يشعر بالخجل فالذنب لم يكن ذنبي فحسب ...
كلّما انتهيتُ من قراءة هذا الفصل سأعيده عسى أن أتمكّن من تعديل مساره .. 
بدلاً من صعود المشنقة أردتُ صعود مدرَج أحلامي التي ذبحوها وتركوني نصف ميّت يحوم وحيداً في هذه الأزّقة .. ربما هذا هو سبب إدماني النظر في هذه الصفحات السوداء التي كرهتُها !! ربما سأتمكن من إعادة كتابتها .. ولكن مهلاً.. حتى إن حدث ذلك من سيُعيدُ لي الزمن؟ .. يا إلهي هذا السؤال يقتُلني..
ربما لهذا السبب كرهتُ هذا الفصل من حياتي.. أريد أن أعيش على كرهه وأذوب فيه كما تذوب الشمعة في حرارة نار رأسها ..
لِمَ لا أكرهه وهو يقصُّ عليَّ كيف باعني أحبُّ الناس إليّ بثمنٍ بخس .. بخس جداً ..
ذاك الذي كان ولايزال يجري في دمي وأنفاسي .. ذاك الذي ما غابت ملامحه عن ذاكرتي باعني بقطعة!! قماش ربما سيهديها عن قريب لمحبوبه الجديد!! ألا ترون تفاهة هذه الدنيا أيها الكرام؟ ألا ترون كم أن كراهيتي لهذه الخاتمة مبررة وعقلانية!
يا إلهي أنا الذي تركت رغيد العيش وورطتُ قلبي في هذه المتاهة .. لا أتذكّر جيدا من أين تعلّمتُ ذلك .... ربما من ذلك الصديق الفرنسي اللعين .. أتذكر أنّ اسمه كان بلزاك ... نعم  بلزاك الذي ربما سألتقيه بعد قليل في هذه الديار الخالية رميماً يصارع عذابات مجونه وخلاعته .. 
بلزاك الذي رافقتُه طويلاً أسير معه في حكاياته وخيالاته.. هو المذنب الوحيد هنا.. 
هو من أخبرني يوماً أن العبقري بأمسّ الحاجة إلى زوجة شرقيّة... لأنّ الشرقيّات يفهمنَ وبنظرة واحدة ما في خاطر أزواجهنَّ... هذا ما همسَ به صديقي اللعين يوماً في أذني..
 تعال وانظر لحالي الآن لتعرف كم أنكّ واهِمٌ يا بلزاك .. واهِمٌ كبير .. فمعشوقتي شرقية لكنها لم تفهم مشاعري ... ولأنصفك ربما كنتَ صادقاً .. ربما فهمتها وتجاهلتها.. فأنا أعرفها شرقية متفهِّمة لكنّها عنيدة أيضاً ..
بلزاك.. أتدري يا صديقي ما الفرق بيني وبينك.. إنّه شاسع بمقدار الفرق بين الحقيقة والتمثيل .. بمقدار ما بين السراب والماء ...
أنتَ يا صاحبي عشتَ الألم والتشرّد في مخيَّلتك وأوهامك، لترسمه لنا على بياض الورق قصصاً وروايات كادت سطورها أن تهتف بالتصنّع، وكلّ كلمة فيها تخبرنا بجموح خيالك وتمثيلك ..
أمّا أنا فها هو الألم أعيشه في قلبي.. وها هو التشرّد يحاصر فكري .. أنت تكتبُ خيالك وأنا أكتب سيرتي ومذكراتي .. حبكتك من نسج الخيال.. وحبكتي رصاصات عدّاد الثواني في ساعتي اتجاه رأسي ..
بلزاك... لم أعد واثقاً بخيالك.. لم تعد كلماتك تسعفني ... سأهجرك يا رفيقي وإلى الأبد .. رواياتك باتت باهتة جداً أمام مذكرات ساعةٍ من أيّامي ..
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابو جعفر الكربلائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/01/08



كتابة تعليق لموضوع : مذكرات متوفى (2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net