صفحة الكاتب : نزار حيدر

في ذِكرى المَبعث النَّبوي الشَّريف
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

*خيراً فعلت العتبة الحُسينيَّة المُقدَّسة بإِعلانِها الذِّكرى يوماً عالميّاً للقُرآن الكريم للمُساهمةِ في إِنقاذِ البشريَّة من الجهالاتِ والظُّلمِ

*البعثةُ النَّبويَّةُ الشَّريفة أَعظمُ حدَثٍ في تاريخِ البشريَّة، وهي نُقطةُ تحوُّلٍ عُظمى وانعطافةٌ في التَّاريخ، فلقد ختمَ الله تعالى بها الرِّسالات وأَكملَ بولايةِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) دينهُ وأَتمَّ بها نِعمَهُ على عبادهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

*وكُلُّ ذلكَ يعتمِدُ على أَربعةِ مُقوِّماتٍ أَساسيَّة ذكرتها الآية الكريمة {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوامِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.

أ/ التفكُّرُ بآياتِ القُرآن الكريم واتِّخاذُ هُداها خارطةَ طريقٍ في كُلِّ حياتِنا، ففيها أُفُق المُستقبل وفيها حلولُ الأَزَماتِ والمشاكِل.

ب/ التَّزكيةُ بتطهيرِ كُلِّ ما يتعلَّق بِنا من أَدرانِ الجاهليَّةِ والتخلُّفِ والفسادِ والفشلِ، خاصَّةً على الصَّعيدِ العقَدي والفكري والثَّقافي.

ج/ التَّعليمُ الذي هو ضدَّ الجهلِ، وهوَ أَصلُ كُلِّ خيرٍ وعلى كُلِّ المُستوياتِ ولقد قالَ تعالى {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا} و {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.

د/ الحكمةُ التي يوصي بها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَافِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ} والتي تستنِدُ إِلى مبدأ سِعَةِ الصَّدر والصَّبر والرُّؤية الإِستراتيجيَّة التي تنطلقُ من الواقعِ والإِمكانيَّاتِ والتَّجاوُز والعَفو ما لم يكُن سبباً في الفسادِ، حتَّىوصفَها القُرآنُ الكريم بقَولهِ {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.

*ولا تتحقَّق هذهِ المُقوِّمات على أَرضِ الواقِع إِلَّا بالتفكُّر، فهوَ المرآةُ الصَّافِية كما يصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {الْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ} الأَمرُ الذي يحتاجُ مِنَّا إِلى أَن لا نغفلَلحظةً عن أَعظمِ نِعَمِ الله تعالى على الإِنسان أَلا وهوَ العقلُ الذي بُعِثَ رسولُ الله (ص) للتَّذكيرِ بهِ كما يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُلِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ}.

ولقد خلقَ الله تعالى كُلَّ شيءٍ وضربَ الأَمثالَ وقصَّ القصصَ وفصَّلَ الآياتِ ليتفكَّرَ الإِنسان {كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} {كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْتَتَفَكَّرُونَ} {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فبالتَّفكيرِ ينشطُ العقلُ وبهِ يحيا الإِنسانُ ويُبدِعُ ويُنتِجُ.

*وإِنَّنا اليَوم أَحوَجُ ما نكونُ للعَودةِ إِلى القُرآن الكريم لنتمكَّنَ من تحدِّي أَمواج الفِتن التي تتقاذف سفينتَنا، فهوَ كما يصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {آمِرٌ زَاجِرٌ وَصَامِتٌ نَاطِقٌحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ وَارْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ، أَتَمَّ نُورَهُ وَأَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ} وقوله (ع) {فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاسْتَضِئْبِنُورِ هِدَايَتِهِ} وقولهُ (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ وَعَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ وَضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ هَذَا مَاءٌآجِنٌ وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا وَمُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ}.

*وإِنَّ مكارِم الأَخلاق هي حجر الزَّاوية في كُلِّ قَصصِ البِناء الحَضاري الرِّسالي، حتَّى لخَّصَ رسولُ الله (ص) فلسفةَ بعثتهِ الشَّريفة بقولهِ (ص) {إِنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَمَكارِمَ الأَخْلاقِ} فيما وصفهُ ربُّ العِزَّةِ بقولهِ {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ}.

وليسَ المقصُودُ بالأَخلاقِ تلكَ الصِّفات الحَسَنة والحميدة المُتعلِّقة بالإِنسان الفَرد فقط، وإِنَّما هيَ أَشملُ وأَوسعُ من ذلكَ بكثيرٍ جدّاً.

إِنَّها تعني الحدُود المرسُومة لكُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ كالعلاقاتِ الأُسَريَّة والعلاقاتِ في العَمل وفي المحلَّةِ والمُجتمع وفي السِّياسة والإِقتصاد والإِجتماع والتَّنمية والإِستثماروالإِدارة وفي العلاقةِ مع الآخر بكُلِّ هويَّاتهِ وخلفيَّاتهِ وفي العلاقةِ بينَ الأَجيالِ وفي كُلِّ شيءٍ.

إِنَّ كُلَّ ذلكَ ينهارُ في لحظةٍ إِذا لم يتُمَّ الإِلتزامِ بالحدُودِ [الأَخلاق].

قالَ تعالى على مُستوى الفرد {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} و {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وعلى مُستوى المُجتمع قالَ تعالى {تِلْكَحُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} و {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} و {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .

السُّؤَال؛ أَينَ نقِفُ [فرداً وجماعةً] من كُلِّ هذهِ الحدُود [الأَخلاق]؟!.

إِنَّ الجوابَ الدَّقيق يكشفُ لنا المَسافةَ الحقيقيَّةَ بَيننا [فرداً وجماعةً] وبينَ المبعث النَّبوي الشَّريف.

*أَخيراً؛ خيراً فعلت العتبة الحُسينيَّة المُقدَّسة بإِعلانِها ذكرى المَبعث النَّبوي الشَّريف يوماً عالميّاً للقُرآن الكريم، للمُساهمةِ في إِنقاذِ البشريَّة من الجهالاتِ التي تعيشهاوالتي أَنتجت كُلَّ هذا الظُّلم المُتمثِّل بالتَّمييزِ والطبقيَّةِ والذي يتعرَّض لهُ الإِنسانُ على كُلِّ المُستويات، فزادت نِسَب الفَقر والإِنتحار والقَتل والعُنف المُجتمعي، خاصَّةً ضِدَّالمرأَة والطِّفل، وفُرَص الحرُوب العبثيَّة وحالات الإِغتصاب والتحرُّش والشُّذوذ الجنسي.

والآيةُ الكريمةُ دقيقةٌ جدّاً في تشخيصِ السَّببِ وأُفُقِ الحلِّ بقولهِ تعالى {ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

إِنَّ الإِحتفاءَ بمثلِ هذا اليَوم يفتح عيُونَ العالَم إِلى جواهرِ القرآن الكريم وقبلَ ذلكَ يُنبِّهنا إِليها لنعودَ لها ننتهِلَ من معينِها الصَّافي.

ولا يُؤخَذُ القرآن الكريم ولا يُفهم إِلَّا بأَميرِ المُؤمنينَ (ع) فهوَ {مَعَ القُرآنِ والقُرآنُ مَعَ عليٍّ} كما يقولُ صاحبُ الذِّكرى العطِرة رسولُ الله (ص) وأَضافَ {إِنِّي تارِكٌ فيكُمالثَّقلَينِ ما إِن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضلُّوا بَعدِي؛ كِتابَ اللَّه وعِترَتِي أَهلَ بَيتِي، لَنْ يَفتَرِقا حَتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ}.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/02/28



كتابة تعليق لموضوع : في ذِكرى المَبعث النَّبوي الشَّريف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net