صفحة الكاتب : عامر هادي العيساوي

لا تركيا مع السنة ولا إيران مع الشيعة
عامر هادي العيساوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن من سوء حظ العراق انه جار لدولتين كبيرتين وعظيمتين هما تركيا وإيران اللتان لا تريدان الاعتراف بإمكانية أن يكون العراق دولة مستقلة ذات سيادة وإنما ترى كل واحدة منهما أن العراق يمثل الحديقة الخلفية لنفوذهما , وكثيرا ما كانتا تتحاوران وتتفاوضان وتتفقان على شكل الأوضاع في هذا البلد والذي يتفق ومصالحهما  أو تتصارعان إذا لم يكن الاتفاق ممكنا ,
لقد استغلت هاتان الدولتان التفاوت المذهبي والعرقي فاتخذت منه منفذا للدخول والاحتلال فكان الأتراك يحتلون العراق بحجة حماية السنة فيستبيحون المناطق الشيعة وتجري الدماء انهارا وتنتهك الأعراض وكانت إيران تحتل العراق بذريعة حماية الشيعة وتستبيح المناطق السنية بنفس الطريقة والأساليب 0
وحين احتلت بريطانيا العراق  عام 1917 وحاولت برعايتها تشكيل الدولة العراقية الحديثة  غرقت في فوضى عارمة ومكلفة حيث اتحدت إيران وتركيا من اجل نشر الفوضى وعرقلة ذلك المشروع وقد نجحتا نجاحا باهرا في ذلك الحين  حيث اتحد السنة والشيعة والأكراد في مقاومة البريطانيين الذين تكبدوا خسائر فادحة في ثورة العشرين كما هو معلوم مما اضطر البريطانيين إلى الركوع والتفاهم مع الدولتين من اجل تهدئة الأوضاع وترتيبها فكان لها ما أرادت 0
لقد كانت إيران قلقة على منابع النفط في عبادان فتم إطلاق يدها في تلك المنطقة فأدارت ظهرها للعراق وانشغلت عما يجري فيه وتم إسقاط إمارة المحمرة وتم إعدام الأمير خزعل الذي لم تشفع له شيعيته وهو يواجه مصيره المحتوم 0
أما تركيا فقد كانت تدير صراعها مع بريطانيا من خلال بقاياها في العراق ممن كانوا يسمون زورا (بالضباط العرب ) وقد كانت في البداية تريد تسليم السلطة لهم بالكامل عبر قيام جمهورية دكتاتورية تحكم بالحديد والنار ولكن بريطانيا رفضت ذلك ولجأت الى حل وسط رضيت به تركيا فيما بعد وهو قيام ملكية دستورية يكون الملك فيها احد أنجال الشريف حسين وتكون رئاسة الوزراء الى ضباطها العرب 0
وهكذا خمدت ثورة العشرين وهدات الأوضاع وتشكلت الحكومة وحوكم الثوار على مرأى ومسمع من الدولتين فأين حماية الشيعة أو حماية السنة يا تركيا ويا إيران؟ 0
ومنذ الأيام الأولى لقيام الدولة العراقية الحديثة تنازع تياران على السلطة احدهما يمثله نوري السعيد ومن خلفه الملك فيصل يعمل ببطء من اجل تشكيل الهوية الوطنية من خلال الإنصاف التدريجي للمكونات المهمشة كالشيعة والأكراد يقابله تيار طائفي متطرف ومتوحش يمثله ياسين الهاشمي وبكر صدقي وعلي جودت والكيلاني وغيرهم وقد سقط العراق مع الأسف الشديد وبإرادة من حكماء بني صهيون في قبضة هؤلاء لاحقا فعاثوا في الأرض فسادا واحرقوا الحرث والنسل وكانوا سببا مباشرا للاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 0
لقد صدق من قال بان التاريخ في العراق يعيد نفسه فقد غرقت أمريكا في المستنقع العراقي بعد احتلاله عام 2003 كما غرقت بريطانيا في السابق وبجهود الدولتين الجارتين نفسيهما مضافا اليهما المال السعودي وقوى إقليمية ودولية أخرى لا مجال لذكرها الى أن وجدت أمريكا نفسها مضطرة للتفاهم وترتيب الأوضاع بما يضمن مصالح الجميع وهكذا انبثقت حكومة الشراكة الوطنية ,وفي هذه الحالة فان على العراقيين أن يضعوا في حسابهم بان استقرار بلدهم وأمنه مرتبط برضا أمريكا وبريطانيا وتركيا وإيران والسعودية والكويت والأردن وسوريا وإسرائيل وقد تطول القائمة لتشمل الصومال وارتريا وجيبوتي ولذلك لا ينبغي الاستغراب من العربدة التركية تحت شعار حماية السنة من العرب الذين تراهم تركيا في أدبياتها  هم وأشقاءهم الشيعة لا يصلحون لشيئ0 كفانا سذاجة وعلينا الاعتراف بان وجه الأرض لم يحمل بعد ذلك النوع من البشر المستعد لتوفير الحماية للآخرين لوجه الله ودون أي مقابل0 فحتى الله سبحانه وتعالى الغني عن العباد لم يسخر الكون ويجهزه بمختلف الحمايات مجانا وإنما مقابل الشكر والعبادة 0
اذن ما هو الحل ؟ إن هناك حلين لا ثالث لهما  إما أن يحتمي العراقيون بقوة عظمى تبعد عنهم تدخلات دول الإقليم وتمنع الصراعات الداخلية وهذا حل لن يقبله العراقيون لأنفسهم رغم انه اقل الحلول خسارة . وإما أن يتوكلوا على الله ويضعوا أيديهم كردا وعربا سنة وشيعة بأيدي بعضهم البعض وهذا أكثر الحلول ربحا ولا وجود فيه لأية خسارة وبذلك سيضمنون أن العالم بأسره بعظيمه وصغيره سيركع عند أقدامهم لان الله قد أعطاهم الكثير


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر هادي العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/26



كتابة تعليق لموضوع : لا تركيا مع السنة ولا إيران مع الشيعة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net