صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

الوهابيّة منشأ الإرهاب التكفيري الذي يتهدد الشعوب
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مسألة التكفير كدعوة منتشرة بين المسلمين، هي من أخطر القضايا التي ابتليت بها الأمة الإسلامية، وتحتاج إلى علاج يبرئ المكون الإسلامي من موبقة، تُعتبر عارا على أتباعه، إذ كيف يمكن استيعاب ما يحصل في بلادنا بين الفينة والأخرى، ونحن ننتمي إلى إله واحد، ونبي واحد، ودين تأسس على الرحمة والموعظة الحسنة؟ ولم يدع إلى استعمال القوّة، إلا في صورة تعرّض أهله إلى عدوان، فما الذي دعا طائفة الوهابية، التي أُنشأت منذ ما يزيد على القرنين(1)، على يد مبتدعها المتطرّف محمد بن عبد الوهاب (1703/1791 م)، ورؤيته العقائدية المتشددة، والبعيدة عن فهم حقائق التوحيد القرآنية، إلى الحد الذي جعله يصدر أحكامه بضلال عامة الفرق الإسلامية فيكفرهم ويستبيح دماءهم رغم انهم أهل قبلة وشعائر واحدة؟ ومع تعدد جرائم أتباعه وتكاراها، بحيث أصبح وجودهم يشكّل خطرا على البقاع المقدّسة، خصوصا على الحجاج والمعتمرين، دفع بالدولة العثمانية للحرّك لإخماد فتنة الدّعوة الوهابية عام 1818 م، بقيادة ابراهيم باشا، في جيش مصريّ دمّر عاصمة الوهابية الأولى الدّرعيّة(2)

لم ينتهي وجود الوهابية بذهاب دولتهم الأولى والثانية، فقد تمكنوا من الظهور في دولتهم السعودية الثالثة التي قامت بدعم بريطاني مكنها من بسط نفوذها من نجد على الحجاز والمنطقة الشرقية، ومن خلال مواسم الحج، أوهموا من صدّقهم من المسلمين بأنهم دعاة تصحيح عقيدة التوحيد، وتخليصها من الشّرك حسب زعمهم، وسمحوا لأنفسهم بإصدار أحكام تكفيرهم على من لم يتبعهم من المسلمين، ومنذ ذلك الزمن والمسلمون يعانون الويلات من فظاعة جرائمهم.

واليوم لم يتغيّر شيء من عقلية هؤلاء الخارجين عن ناموس الحياة، الداعين إلى قتل الأنفس المحترمة بغير وجه حق، لمجرد كونهم مخالفين لهم في التفكير والعقيدة، فبقيت عقليّتهم جامدة على فكر مؤسّسها وآرائه الشّاذة التي أطلقها معتبرا أنها تنزيهية من الشرك، الذي رآه بعقله منطبقا في تعاطي المسلمين إيجابا مع شعائر الله، مستشفّا منه إنحرافا عن حقيقة التوحيد، فسلكوا نهجه وعملوا بتنفيذ فتاواه وأحكامه بقتل كل من خالفهم مهما كانت معاذيره وأدلّته، فابتليت الشعوب بالوهابية شرّ ابتلاء، فلم يسلم كبير ولا صغير وإمرأة سقطوا ضحايا تفجيراتهم ومجازرهم التي كثرت بحيث لم يخلو منها مكان ولا زمان معاصر.

إلى متى يبقى دم المسلمين يراق بفظاعة هكذا؟ إن مواصلة نهج التكفير الوهابي والإستمرار في سفك دماء المسلمين الأبرياء، وازهاق أرواحهم بغير وجه حق، لهما من أكبر الكبائر التي يمقتها الله، ذلك أن قتل النفس، جرم خطير يخلد مرتكبه في النار، قال تعالى: (...من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)(3)

ومن أجل التحذير من جريمة قتل النفس بغير وجه حق جاء قوله تعالى:
وقاله تعالى: ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) (4)

وهو جلّ شأنه قضى بحَكَمَه، أن المؤمن أشد حرمة من كعبته المشرفة وبيته الحرام، كما قال ابْن عَبَّاسٍ‏: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: "مَرْحَباً بِكِ مِنْ بَيْتٍ مَا أَعْظَمَكِ وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَاللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً، وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلَاثاً: دمه وماله وأن يُظنّ به ظنّ السوء(5) وما جاء في الأثر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) (6) بل وشدّد على القيمة الانسانية للبشر بقوله: (لو أنّ رجلاً قُتِل بالمشرق، فرضي بقتله رجلٌ في المغرب، لكان الراضي عند الله (عزّ وجلّ) شريك القاتل) (7) كل هذه النصوص وغيرها من الأحكام الواضحة، التي تحبس كل مؤمن عند حدّه، فلا يذهب بنفسه بعيدا عما أراده الله أن يكون سلوكا مُمارسا بين عباده فلا يعتدي أحد على آخر دون وجه حقّ كأن ينصّب المعتدون أنفسهم قوّامين على دينه وحاكمين بنزواتهم وأفكارهم القاصرة على بقية الناس بالتكفير والتفسيق.

واليوم يتواصل الإجرام بعصابات الوهابية فيقومون بمهاجمة مسجد (بازار قيسة خواني) تقام فيه صلاة الجمعة بمدينة (بيشاور) الباكستانية بانتحاري أول، فجر نفسح وسط المسجد، ثم قام مهاجمون آخرون بفتح نيران بنادقهم الرشاشة، من مدخل أبواب المسجد، مستهدفين المصلين بوابل من الرصاص، ثم ختموا المجزرة بتفجير انتحاري ثان، ليوقع أكبر عدد ممكن من الضحايا، فأي شياطين هؤلاء الوهابية؟ ومن أي طينة خلقوا ؟

وقد اشتهرت بيشاور الباكستانية بوقوع أكبر عدد من التفجريات الانتحارية، آخرها تفجير سوق المدينة الذي أوقع أكثر من 300 ضحية(8) ويبدو أن ذلك عائد لكونها مركزا وهابيا، كان يشرف عليه من قبلُ بن لادن مع وهابييه العرب، الذين ساعده الخبراء الأمريكيون في صناعة الإرهاب التكفيري على استقدامهم إليه، وجمعهم في بيشاور مركز تنظيم القاعدة لمحاربة الغزو السوفييتي على أفغانستان.

جريمة تقتيل المصلين بمسجد (بازار قيسة خواني)، مرّت في صمت دولي مُدان قانونا وأخلاقا، ولعلّ لهذا الصّمت دلالة على تواطئ دول عربية، لها مصلحة غض الطّرف والسكوت على مصدر الإرهاب، إرضاء لدولة تحالف أوّل مؤسسيها مع صانع الفكر الإرهابي، واستمر تحالف الأسرتين إلى اليوم ولا يمكن فصلهما عن بعضهما إلا بزوالهما معا، لتتخلّص البشرية من شرّ فرقة دعيّة إسلام، اثبتت وحشيّة لا مثيل لها في التّاريخ، ولن ينفع الدول المتواطئة بالسكوت على مصدر الإرهاب الوهابي التكفيري، ما أُعطِاه لها آل سعود من مكاسب مادية، وقد سجّلت حكوماتهم خيانتهم لشعوبهم، بترك باب البلاء مفتوحا في وجوه شعوبها، وماذا تساوي الماديات أمام مبادئ حفظ أمن وسلامة الشعوب؟

المصادر

1 – محمد بن عبد الوهاب https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – الدعوة الوهابية https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – سورة المائدة الآية 32

4 – سـورة الـفـرقان الآيتان 68-69.

5 – سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب حرمة دم المؤمن وماله ج5ص429ح3932

6 – الترمذي أبواب الديات عن رسول الله باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن ج3ص69ح1395/ سنن النسائي كتاب تحريم الدم باب تعظيم الدم ج7ص82ح3987/سنن ابن ماجة كتاب الديات باب التغليظ في قتل مسلم ظلما ج4ص213ح2619

7 – تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ج16ص 138 ح 21180 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

8 – بيشاور الباكستانية .. هجمات تلو الهجمات

https://www.bbc.com/arabic/worldnews/2009/12/091231_am_pakistan_assad_tc2

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/05



كتابة تعليق لموضوع : الوهابيّة منشأ الإرهاب التكفيري الذي يتهدد الشعوب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net