صفحة الكاتب : جودت العبيدي

طاحونة الاقصاء...تاكل العراقيين
جودت العبيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الإقصاء عملية سياسية وثقافية بغيضة، تبدأ بحالة خلاف غير صحية، وتنتهي بنفي احد الاطرف لصالح طرف آخر، ويصل الأمر بهذا المرض إلى أن يقوم الطرف القائم بالنفي بإنكار حقوق الطرف المنفي أو موضوع الإقصاء. وهذا النمط من أنماط نفي الحقوق يتراوح في راديكاليته ما بين الحذف من حق الحياة او بحرمانه من أبسط درجات الحقوق الوطنية والانسانية.

ومنذ تاسيس الدولة العراقية الحديثه في اوائل القرن الماضي1921 م فلقد اقصي الملك فيصل الثاني والعائلة الملكية الهاشمية الحاكمة عام 1958 م من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اقصاه القومين عام 1963 م على يد عبد السلام عارف ولقد اقصي عبد الرحمن عارف من قبل البعثيين عام1968 على يد احمد حسن البكر الذي اقصاه عام 1979م رفيقه صدام حسين الذي بدوره قام بتاسيس مدرسة جديدة للاقصاء بحق كل من يخالفه و يعارضه وفيها استخدم كل انواع الدسائس والتخوين والاتهامات واسقاط الجنسية والهوية الوطنية عن كل من يخالفه بالراي. ولقد اقصي هو من قبل القوات الامريكية عام 2003 م بعد ان تيقنوا انه اصبح مجرد دمية لاينفع في اي دور. ومن المؤسف جدا للعراق والعراقيين ان يروا اليوم ان طاحونة الاقصاء مازلت مستمرة تطحن ابناء العراق من الوطنين من الذين ضحوا في سبيل العراق وشعبه فترات طويلة من الزمن وقارعوا الظلم لالشيء الا انهم لايتفقون مع مباديء الاخر .فلقد شاركت جميع الفئات والاطراف الوطنية في مواجهة الطغيان والديكتاتورية السابقة وقدموا الكثير من التضحيات على هذا الطريق . طاحونة فارغة الا من الهواء ابعدت العراقيين عن العمل الوطني الحقيقي, ونئت الدولة بنفسها عن خدمة المواطن وعن وضع اسس الدولة الحقيقية التي ميزانها العدالة الاجتماعية والمواطنة لا الانتماء الحزبي , فالكثير من العراقيين لايحبذون الانتماء للاحزاب مثلا وعندما تربط الدولة عمله ولقمة عيشه بالانتماء الى الاحزاب يعني انها فقدت احد الركائز الاساسية كدولة مسؤولة عن كرامة الانسان ومعيشته.
ومن اهم المراحل التي مرّ بها تاريخ الإقصاء عند العرب والمسلمين بدأ من اقصاء الامام علي \"ع \" بعيد وفاة الرسول الكريم \"ص\" سنة 11 للهجرة من الحكم والادارة سنين طوال , ثم نفي الصحابي أبي ذر الغفاري إلى صحراء الربذة ومنع الناس حتى من توديعه حتى توفي هناك سنة 32 للهجرة..
ولم يسلم من الإقصاء كبار مفكري وفلاسفة المسلمين , فلقد عاش الفيلسوف ابن رشد في قرطبة في القرن الثاني عشر الميلادي، و كان عالما في الطب والفلك و فقيهاً عالماً في الشريعة، شغل منصب قاضي القضاة , وكان أحد ضحايا الإقصاء فقد أقصاه السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور، ثم اتهمه بالكفر والضلالة والمروق وزيغه عن دروب الحق والهداية , وحرق جميع مؤلفاته الفلسفية وحظر الاشتغال بها وبالعلوم الاخرى وأبعده إلى مراكش حتى توفى هناك عام 595 للهجرة , فالاقصاء لادين له ولامذهب.
كذلك عانى الفيلسوف العربي الأول الكندي من الإقصاء، وهو صاحب المقولة الشهيرة (يجب أن نأخذ الحقائق حتى لو كان قائلها من ملة غير ملتنا، وأن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع، وأن الفرد لا يستطيع أن يحصل العلم وحده، ويجب أن نستفيد من السابقين)، وكان الخليفة المتوكل قد أساء معاملته كثيراً وأخذ كتبه منه بسبب آرائه، وقد أثبتت الأيام صحة فلسفته، فالحضارة لا بد أن تحتك بالأمم الأخرى وإلا فمصيرها الفشل. والجدير بالذكر أن مؤلفاته تجاوزت الألف، فقد كان عقلاً مبدعاً وعالماً أضاء عصره بالعلم وكان مثالا للعقلية المستنيرة حتى توفي عام 252 للهجرة.
قد يظهر منهج الإقصاء في أوجه عدة، منها الاتهام بعدم التخصص وبالجهل والتسفيه ، ثم الدعوة للحجر أو النفي، أو المنع من الظهور،او التهجير , كذلك يدخل فيه الدسائس وإسائة سمعة المخالف بين الاخرين، وفي ذلك تاريخ طويل لا يمكن حصره في هذه السطور.
تحكم حياتنا العصبيات والمصالح الضيقة والاصطفافات الفئوية وفوق ذلك كله ترتسم سياسة الحذف والاستبعاد والإقصاء كشكل من أشكال الإنكار وعدم الاعتراف بالاخر . كأننا نقول لبعضنا إن عدم اعترافي بك يعني أنك غير موجود وهو غير متحقق على أي صعيد، وقيامي باستبعادك ينفيك تماما ويحولك إلى العدم.
هذه بالطبع رؤية شاذة مشوهة للواقع ، ومن يؤمن بها يجهل أن العالم أوسع بكثير من دوائر الجماعات والاحزاب الضيقة . والأثر الذي يتركه شخص أو جماعة او حزب في موقع أو مجال بعينه يراه الآخرون حتى لو لم يره من يقوم بفعل الإقصاء والاستبعاد والحذف القسري للآخرين.
لقد أدت ثقافة الإقصاء، من ضمن ما أدت إليه، إلى الاضرار بالثقافية الوطنية، وأضعفت حيوية البحث والتجدد والإبداع، وشغلت الكثير من المسؤولين بالتقاتل على الفتات المرمي هنا وهناك. تتصارع على من يمثل من، ومن يصلح للكلام في الندوات والمؤتمرات والمناسبات دون غيره , دون أن يعني المسؤول بأي إنجاز حقيقي في مجالات العلوم والثقافة والفنون. فما فعلناه في الحقيقة هو أننا كنسنا المواهب الفعلية إلى الظل، وتربع الرجال الجوف على اغلب مراكز الادارة والحكم.
المبداء واحد وهو\"انا على حق وانت على باطل...انا المجاهد وانت المتقاعس...انا ابن العراق وانت طاريء عليه...انا اذهب الى الجنة وانت الى النار...ألخ
ويتجمع أفراد هذه الثقافة على شكل مجموعة الشلل الفكري تتناغم وفق ثقافة التخوين والتشويه والشطب مما يعزز من مساحة الاختلاف الاقصائى بديلا عن ثقافة الاختلاف الاثرائي الضروري الذي يحتاجه المجتمع لإثراء البيئة الثقافية بالتنوع في الطرح الفكري اللازم لمناقشة القضايا الوطنية والاجتماعية المختلفة.
اهداف الاقصاء
1. الهيمنه على السلطة.
2. نهب ثروات الشعوب.
3. تنفيذ الاجندات غير الوطنية.
4. ابقاء الاوضاع كما هي بسبب الخوف من التغيير.
ادوات الاقصاء
1. الجهل والتخلف.
2. الفقر والجوع والمرض.
3. الارهاب والخوف.
4. الازمات.
دعاة الاقصاء
1. المصابين بالشلل الفكري.
2. المتازمين نفسيا.
3. الضعفاء الذين لايملكون مقومات القيادة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جودت العبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/01



كتابة تعليق لموضوع : طاحونة الاقصاء...تاكل العراقيين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net