صفحة الكاتب : محمد السمناوي

شرح الفقرة رقم(3) من المعاهدة
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قوله عليه السلام: ((تقوله غدوة وعشية)).

ورد في القرآن الكريم والسنة النبويّة المطهرة أن أوقات الذكر المهمة تقع في وقتين، وأنَّها من السنن المؤكدة التي ينبغي الإلتزام بها وإحيائها ومعاهدتها، كما أنَّ الذكر والتسبيح والتحميد والتهليل وغيرها من الأذكار التي تعد من الأسلحة النافذة في استجابة الدعاء وقضاء الحاجة، وقد انجى الله تعالى نبيه يونس بن متى من بطن الحوت بسبب ذكره وتسبيحه قال تعالى: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[ سورة الانبياء/ الآية : 87]، وإن الكثير من المخلوقات تسبح الله تعالى بأوقات خاصة كما هو حال الطيور ومن أبرز ذلك هو الديك الذي ينبه لأوقات الصلاة كما ورد ذلك في بعض الأخبار(1)، أما القرآن الكريم فقد وردت العديد من الآيات في فضل التسبيح في وقتين في اليوم منها:

قال تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)[ سورة مريم/الآية: 11]. وقيل : أراد التسبيح بعينه كما هو الظاهر، أي: نزّهوا ربّكم. ( بُكْرَةً وعَشِيًّا ) طرفي النهار. ولعلَّه كان مأموراً بأن يسبّح ويأمر قومه بأن يوافقوه(2).

وقال تعالى: (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[سورة الأحزاب/الآية42: ]. وقوله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[سورة الفتح/الآية: 9 ]. وكذلك قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[سورة الإنسان/ الآية: 25]. (بُكْرَةً وَأَصِيلًا) يعني غداة وعشياً، والأصيل العشي؛ لأنه أصل الليل وأوله(3).

وقوله تعالى: (فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)[ سورة الروم/ الآية: 17 ] .(فَسُبْحان الله) معناه: الأمر بتنزيه الله تعالى عمّا يليق به والثناء عليه في هذه الأوقات الَّتي يظهر فيها قدرته وتتجدّد فيها نعمته .((حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ)) الإمساء الدخول في المساء، والإصباح الدخول في الصباح . وآثار القدرة فيها ظاهرة . فإنّ المساء وقت زوال النور الكامل المنتشر في جميع الآفاق في زمان يسير، والصباح وقت انتشار النور في زمان يسير أيضاً (4).

وقوله تعالى: ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ)[سورة ص/ الآية: 18]. ومعنى يسبحن بالعشي و الإشراق أي : إنها كانت تسير بأمر الله معه حيث سار بالغداة والعشي فسمى الله ذلك تسبيحاً لما في ذلك من دلالته على قدرته وغناء من خلقه وصفاته التي لا يشاركه فيها غيره، والإشراق وقت طلوع الشمس يقال: شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت(5). وكان نبي الله داود ( عليه السلام) إذا سبح جاوبه الجبال والطير بالتسبيح واجتمعت الطير مسبحة بذلك حشرها كل واحد من الجبال والطير له لأجل داود اي لأجل تسبيحه تسبح؛ لأنها كانت تسبح بتسبيحه(6).

وقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) [سورة الطور/ الآية: 49]. وقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)[سورةآل عمران/ الآية: 41].

دلت هذه الآية الكريمة على ان الذكر الالهي في وقتين مختلفين وهما بالغداة والعشي ويقال بالليل والنهار، أي صباحاً ومساءً، وقيل: ( وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار) معناه: صل بحمد ربك و( بالعشي ) معناه: من زوال الشمس إلى الليل . و( الإبكار ) من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس(7).

وقوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ)[سورة النور/الآية: 36]. وقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)[سورة الاعراف/ الآية: 24]. (بِالْغُدُوِّ والآصالِ) أي: بأوقات الغدوات والعشيّات أوّل النهار وآخره وقت العصر فإنّهما أفضل الأوقات وأبعدها عن الرياء لعدم اطلاع الناس بهما . إذ أكثرهم مشغولون بحالهم في منازلهم بخلاف سائر الأوقات . فتكون الآية جامعة لما ينبغي في الذكر من الفعل والوقت، ويحتمل أن يكون المراد بهما الدوام على الفعل(8).

وقوله تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)[سورة طه/الآية: 130]. وقوله تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)[سورة غافر/ الآية : 55].

دلت الآيات السابقة على أهميّة المواظبة على التسبيح في هذين الوقتين تحديداً، وفي السنة المطهرة جملة من الأحاديث الشريفة التي دلت على إستحباب التسبيح في وقتين الأول قبل طلوع الشمس، والثاني عند الغروب، ومن أهم الأدعيّة في الوقتين المذكورين هو دعاء العشرات الذي هو من المستحبات المؤكدة في هذه الأوقات المعينة، ولعل السر في ذلك ساعتي الغفلة التي ورد ذكرهما عن الأئمة (عليهم السلام) من خطورة الغفلة وترك الذكر؛ لأن في هذه الأوقات تكون الشياطين منتشرة من أجل الوسوسة والتلاعب في بني آدم من نافذة عقولهم وأفكارهم وقلوبهم، ولهذا ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنه قال: (( إن إبليس إنما يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ويبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس))، وذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: (( أكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله تعالى من شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة))(9).

إن الكثير من الآداب والسنن أصبحت مهجورة في المجتمعات الإسلاميّة، منها الإنشغال بالتسبيح والذكر في أوقات الغفلة، كما أن الذي يطلع على الروايات يجد أن الأئمة (عليهم السلام) بينوا أن هناك أجيال سوف تأتي تحيي هذه السنن، وتعمر الديار بالتسبيح والتهليل والتكبير . فعن عليٍّ ( عليه السلام): ((وَالَّذي نَفْسي بيَدِهِ لا تَبقَى قَريةٌ إلاَّ ويُنَادى فيها بِشَهَادَةِ أَن لاَ إلهَ إلاَّ الله بُكْرةً وعَشِيّاً))(10).

المصادر والهوامش

[1] كما في مرسلة الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام): (( إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس، ودخل وقت الصلاة ))، وأورده أيضّاً ابن بابويه (طاب ثراه) في الفقيه، وظاهره الإعتماد عليه. وصار إليه بعض العامة إذا علم من عادة الديك مصادفة الوقت. انظر: الشهيد الأوّل، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج2، ص391.

[2] ملا فتح على الكاشاني؛ زبدة التفاسير: ج4، ص 165.

[3] الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: ج7، ص 472.

[4] الكاظمي الجواد ؛ مسالك الإفهام إلى آيات الاحكام: ج1، ص 151.

[5] الطوسي؛ التبيان في تفسير القران ج9 ص 549.

[6] ابن طاووس؛ سعد السعود ص82.

[7] الطوسي؛ التبيان في تفسير القران: ج9، ص78.

[8] الكاظمي؛ مسالك الافهام: ج1، ص 303.

[9] الكاشاني؛ ملا محسن، الوافي: ج26، ص 140.

[10] الطبرسي؛ تفسير جوامع الجامع: ج3، ص554.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/26



كتابة تعليق لموضوع : شرح الفقرة رقم(3) من المعاهدة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net