صفحة الكاتب : عبير المنظور

لكل قلم رسالته... حوار مع الكاتبة المبدعة (فاطمة الركابي)
عبير المنظور

  حينما يكون القلم صادقاً، والحرف مؤثراً في نفس المتلقي، فذلك يعني أن القلم قد أوصل رسالته، وبلغ هدفه المنشود، خاصة إذا ما أترع هذا القلم بنور الثقلين، ونقل ذلك النور للقراء.

 مسؤولية القلم الرسالي الملتزم قد تختلف عن بقية الأقلام، وقد تكون من أصعبها؛ لأنها تجذر العقيدة والايمان في نفس المتلقي، وتزرع تلك الثقافة في المجتمع الواحد ذي التوجهات المتعددة والمختلفة والمخالفة لذلك القلم.
 ومن باب تسليط الضوء على رسالة القلم الملتزم في مجتمع تتعدد فيه الايدولوجيات والأفكار والتوجهات، واحتواء تلك الاختلافات، كان لنا هذا اللقاء مع الكاتبة المجيدة (فاطمة الركابي):
- قبل كل بداية عنوان وتمهيد، قبل البدء عنوني لنا فاطمة الركابي بسطور؟ 
 ولدت في ذي قار، من عائلة محبة للحياة وللعيش بسلام ولله الحمد، هوايتي في الرسم وشغفي وحبي لعلم الرياضيات، جعلني أنجذب لعلم الهندسة، لم أعمل فيه بعد التخرج، لكن اعتبره مقدمة وبوابة للدخول في عالم الكتابة. 

- كيف يمكن لتخصصك في الهندسة أن يكون بوابة لدخولك عالم الكتابة؟ 
 المسألة بداية كانت مسألة بحث عمّا هي رسالتي، وأين أجد نفسي نافعة أكثر للمجتمع، الشيء الذي لم أجده في تخصصي حيث فرصة العمل الاداري. 
لذا هنا بدأت رحلة البحث، فكان بوابة من ناحية تنمية وتوسعة قدراتي الذهنية، الدقة، وفن الادارة والتخطيط، التعرف على المجتمع، الاختلاط بشخصيات مختلفة ومتنوعة بالفكر والثقافة، كذلك تعلمي للبرمجة، سهلت عليّ أن أبدأ مشواري التعليمي والبحثي بشكل فردي.
- لكل كاتب فترة سبقت احترافه عالم الحرف، قرأ فيها موهبته وأدواته قبل قرار الولوج عالم الكلمة فعلياً، كيف قيّمتِ موهبتكِ، وقرأتِ أدواتكِ في تلك الفترة؟ 
 حقيقة قراري للولوج بعالم الكتابة، لم يكن قراراً مخططاً له في وقتها؛ لأنني كنت أجد أن الوقت مبكراً، إنما هي اقدار الله تعالى وفرص وضعت أمامي، جعلتني أخوض التجربة، وأظهر قلمي للعلن، والحمد لله تعالى كانت تجارب موفقة وناجحة. 
أما قراءتي لموهبتي، فكانت من خلال خوضي لتجربة تقريرات البحوث التي وفقت لكتابتها والتي صنفت بالممتازة، كانت هذه أبرز العوامل التي شجعتني لأدخل هذا العالم. 
- لكل زرع حصاد، وللحصاد مقدمات من غرس وسقي وتعهد وعناية، كذلك كتاباتنا هي غرسنا، كيف اعتنيتِ بغرسكِ في بستان الكلام، وكيف نمّيتِ موهبتكِ وطورتها؟ 
 حب المعرفة والسعي لبناء قاعدة فكرية سليمة تجاه ما نؤمن به، الحاجة الى فهم غاية وجودنا، البحث عن صنع الوعي كلها أمور تحتاج الى التعلم، والاطلاع، والبحث، وهذا ما أدخلني لعالم الكتابة، إذ عملت بفضل الله تعالى على تقرير قرابة (٥٠) بحثاً (فكرياً، أخلاقياً، عقائدياً)، خلال سنين مضت تفرغت لأجلها، مع تلخيص الكتب التي كنت أطالعها، تلاوتي وتأملي لكتاب الله، وكلمات أهل البيت (عليهم السلام) بشكل مستمر طورني كثيراً، وجعلني أنمّي موهبتي وقدراتي في هذا المجال بحمد الله تعالى. 
- هل الكتابة برأيكِ قطرات حبر تتساقط على قرطاس؛ لتنفث المشاعر المختزنة داخلكِ وتبثينها لأوراق خرساء، أم لها دلالات أو أهداف أعمق من شخصنة الحرف والتجربة؟ وهل يمكن الجمع بين الاثنين؟ وما الفرق بينهما؟ 
 الكتابة بالنسبة لي هي زكاة نور القلب الذي رزقته من التعلم والوعي الذي وصلت اليه ولازلت في طور الاستزادة، خاصة فيما يتعلق بتوجهي ونوعية ما دخلت عالم الكتابة لأجله، فربط القارئ بالثقلين هو أقصى الغايات التي أروم نوالها، ولنوسع بذلك دائرة تقريب الناس من نهج أهل البيت بإذن الله تعالى، قلبياً وسلوكياً. 
- لكل كاتب بصمة يُعرف بها، كيف تتأتّى تلك البصمة؟ وكيف يميّزها القارئ؟ وكيف ترينَ بصمتَكِ؟ 
أعتقد أن بصمة الإنسان في أي ميدان يحتاج الى وقت كبير، وتجربة طويلة، ونتاجات متعددة، ليتمكن أن يقول: هذه بصمتي، أو أن يعرفها بها، وسؤالكم الكريم مبكراً جداً لكاتبة لازالت في بداية مشوارها، شاكرة لثقتكم وحسن ظنكم. 
وإن كنت أطمح لبصمة أبلغها او أستشعرها الآن أو لاحقاً، هي أن أكون مسددة، ومقبولة عند إمام زماني(عج) وأهل البيت(عليهم السلام) في كل خطواتي. 
- عالم الكتابة جزء من كل الكتابة، وجزء من القراءة، ما هي أهمية القراءة للكاتب في تكوين خزينه المعرفي؟ وكيفية استثماره في الكتابة؟ 
 بالنسبة لي فإنني أكتب لأقرأ، لا العكس؛ لأنني أؤمن أن طبيعة الكتابة تحرر أفكارنا، وأسئلتنا، واستفهاماتنا، وهذا ما يعطيني حافزاً أكبر للقراءة والبحث دون ملل وتعب للحصول على ما أريد الوصول اليه. 
وهذا بلا شك لا يتعارض مع أن يطالع الإنسان كل ما يجده امامه نافعاً، ويضيف له شيئاً، وخاصة بوجود الوقت، فهو شيء ممدوح جداً، ويوسع من ثقافة الكاتب. 
- يقال: إن للكاتب ثلاث قراءات لنصه، قراءة أولى ككاتب، وثانية كمتلقٍّ، وثالثة كناقد، كيف ينقد الكاتب كتاباته قبل المتلقي؟
أعتقد أن شعور الكاتب بالحاجة لتطوير أدواته وأسلوبه في ما يطرح يجعله حازماً وجاداً في تقييم ما يكتب، فكل كاتب لا يمكن أن يخلو من حسّ النقد لكتاباته قبل كتابات الآخرين، وكذلك الخروج من حالة العجب والشعور بأن ما كتبه نصّ مثالي أو خالٍ من أي نقص، أعتقد أن هذين الأمرين يسهّلان عليه نقد ومحاسبة نصّه بشفافية وصدق. 
- ما هي رؤيتك للمشهد الثقافي عموماً، والواقع الثقافي النسوي خصوصاً؟ وما هي سبل تطويره والارتقاء به؟ 
 المشهد الثقافي بشكل عام إذا ما قارناه فيما سبق هو جيد وأفضل، وفي حالة تطور بلا شك، لكن يبقى هناك تلكُّؤ ملحوظ في مستوى التغيير الواقعي على المستوى الحياتي؛ لما تتلقاه النسوة من تثقيف، وهنا ليس بالضرورة الخلل في مَنْ يثقف، بل غالباً الأمر يحتاج الى قرار وحزم من نفس المتلقية للانتفاع ممّا تتلقاه من تثقيف وتوعية. 
أما سبل الارتقاء، أعتقد من أهمها هي أننا نحتاج الى روح الاحتواء والمتابعة في من انبرت للقيام بهذه المسؤولية، فهذا غالباً ما يُعطي دفعة معنوية للمتلقية؛ لتحدث تغييراً حقيقياً في حياتها. 
 
- كيف تنظرين لمن ينظّر أو يؤيد فكرة (الأدب النسوي) وأنه أقل إبداعاً من نظيره (أدب الرجال)؟ وهل هناك فرق بين الأدبين؟ وما هي الأسباب التي دفعت بعض المهتمين لهذا التوجه؟ 
الشق الأول من سؤالكم: أعتقد أن الكتابة بشكل عام هي حالة معنوية روحية لا ترتبط بكون الكاتب رجلاً او امرأة، فمن يملك ثقافة وتعمقاً ومعرفة أكثر سوف يبدع ويثري الساحة الأدبية بشكل اكبر. 
أما الشق الثاني: الأمر لا يخلو من فروقات أكيداً، فطبيعة المرأة تمكنها اكثر وتسهّل عليها أكثر في صناعة محتوى أدبي أجمل وأقرب لوجدان القارئ، ولكن يبقى لكل مجتهد نصيب. 
أما الشق الثالث: لعل طبيعة مجتمعنا الذكوري، والنظرة القاصرة في المجتمع الشرقي للمرأة عبر تحجيم أدوارها على أدوار معينة، صنع هذه النظرة، كذلك نحن نشأنا في مجتمعات -كثيراً ما- لا تعطي للمرأة هذه الفرصة في التعبير عن رأيها، ووجهة نظرها، أو حتى تناقش، لذا أصبحت هذه النظرة ثقافة عامة، لكن نأمل خيراً الآن، إذ بدأ الأمر يقلّ، والوعي يزداد، وتبقى المرأة قادرة أن تثبت وجودها، وتؤدي دورها، وتثق بقدراتها وهذا هو الأهم. 
- في ظل موجة التحرر التي طالت حتى الأدب، ما هو دور الأدب الملتزم في ترسيخ العقيدة بأسلوب أدبي رصين، وكيفية تفعيل هذا الدور؟ 
بلا شك أن للأدب دوراً كبيراً ومهماً، خاصة أن ميول هذا الجيل الآن كثيراً ما نرى أنه يتوجه للكتابات الأدبية، فهو يجدها أقرب لنفسه، وهنا المسؤولية بالدرجة الأولى تُلقى على اجتهاد الكاتب فيما يقدّمه ليقنع ويجذب المتلقي. 
أما كيفية تفعيل ذلك، أعتقد أننا نحتاج أن نكتب لا بقصد ردة الفعل، لأن هذا الجيل هو واعٍ لهذه الدوافع، ولعله لن يتجاوب بالمستوى المرجو، لذا أعتقد أن علينا أن نكتب؛ لأن تراثنا، ثقافتنا، أصالة فكرنا تستحق أن تبرز، وتُطرح بشكل يليق بها، وبما تحمله من قيم ترتقي بالمجتمع الانساني. 
كما أننا نحتاج الى اهتمام اكبر فيما يخص أدب الطفل، فهي فرصة عظيمة لو اغتنمت لتمكنا أن ننشئ جيلاً بفكر أسلم، ومحصناً أكثر، وقادراً على التمييز لما سيقرؤه في الكبر.
- هل من كلمة أخيرة تحبين توجيهها للكاتبات على ضوء تجربتك الشخصية؟
 لكل قلم رسالته، فإن وُفقتِ لوجود تلك الرسالة في قلمكِ، لا تتوقفي عن بثها في روح تلك السطور التي تكتبينها، مهما كانت الصعوبات والمسؤوليات أمامك، فمن الوفاء أن تجعلي لرسالة قلمكِ أولوية لا تزاحم أولوياتك الأخرى، ولا تكون هامشية.
خاتمة الحوار:
 من محصلة هذا الحوار الشيق، ندرك أهمية ومسؤولية القلم الواعي في ترصين القاعدة الفكرية في المجتمع المتعدد الأطياف والألوان، وكيفية احتواء تأثير تلك الأطياف دون التغلغل والولوج الى عقيدتنا المحصّنة بنتاج ذاك القلم الواعي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبير المنظور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/05/25



كتابة تعليق لموضوع : لكل قلم رسالته... حوار مع الكاتبة المبدعة (فاطمة الركابي)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net