رسالتها الأخيرة أقلقتني كثيراً (أريد أن أراك حالاً)، بالله ما الذي جرى لهذه المرأة الكبيرة الخاطر، ما الذي جال في خاطر أم حسين العبد الله أن تطلب رؤيتي في مثل هذا الوقت المبكر؟ لماذا لم يتصل بي هو؟ لماذا لم يخبرني بنفسه، ليس لدي الخيار بالأمر، لا بد أن أستجيب، وأن أذهب لها وخاصة جملتها الأخيرة التي مزقت القلب: (تعال أنا لا أحد لديّ سواك).
كنت أتحدث عن أشياء كثيرة متناقضة علّي أصل الى تخمين مناسب يقنعني بحاجة أم حسين اليّ في هذا الفجر، لم تكن أم حسين امرأة عادية بالنسبة لي، فهي أم بمعنى الكلمة، كانت كلما تتصل بولدها تسأل عني، اقتسمنا معاً طعم الغربة، واقتسمنا معاً قلق المعيشة، واقتسمنا معاً قلق الأمهات، وقلق الوطن، لم تقنعنا (فنلندا) وجمالها المغري أن نترك العراق، حملناه في القلب وعشنا حبه في واقع حياتنا، وهكذا قررنا أن نعود لنلتحق بالحشد الشعبي لتحرير العراق من مليشيات الدواعش، حررنا معاً ناحية المعتصم والحاوي، وأشهد أني كنت أراه شامخاً، كنت أغبط جرأته وشجاعته، يقول لي حكمته البليغة: نحن شهداء وان لم نُقتل، صدقني فعلاً عند كل حرب أراك شهيداً يا حسين، ومن يوم اعتصبت راية العباس (عليه السلام) التي أهديتك إياها، كنت تعتصب بها ليلاً ونهاراً، وتوصيني: (مروتك علاوي لا تدع أحداً يخلعها من رأسي اذا استشهدت، واياك اياك أن تبكيني).
المشكلة التي سلبت عقلي هي مصيبة اليوم ماذا تريد منا والدتك, الامر غريب ولا استطيع أن أفسره، وهي تعرف ان السفر متعب، كنت أظن اخباري انقطعت عنك فلم تعد تكلمني منذ زمن, عند كل معركة كنت تقول لي: حان الآن موعد اللقاء في قاطع الاسحاقي، قلت لي: أشعر بقرب الشهادة مني، وأكدت أن لا بد أن أمضي شهيداً لا أريد من الحياة سوى الشهادة, وخرجنا منها سالمين، وانتهت الحرب، واندحر الغزاة، فما الذي بقي في جعبة الدهر لتخبرني به والدتك.
اليوم لديّ استعداد لتقبل رزايا الحياة كلها إلا أن أسمع نادبة تمسك شيئاً مؤلماً لا أطيقه، اليوم ابتدأ اللقاء، قرأت في عين أمك المأساة كلها، كيف من لم تصرعه الحرب صرعته الكورونا، ولهذا اشتقت أن أراك بعينه يا ولدي، قلت لها: أماه نحن حين دخلنا الحرب دخلناها لنقاتل ضد ارادة الشر، ورفضنا ارادته، أما اليوم فنحن مؤمنون بالله راضون بقدره، رحم الله صديقي حسين الذي انتصر على الحرب مرتين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat