من ثنائيات الوجود صراع الخير والشر
سندس الكوفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  الصراع بين الخير والشر صراع أزلي بدأ منذ بدء الخليقة واول قضاياه تجسدت بصورته الأولية في الصراع بين قابيل وأخيه هابيل، الذي انتهى بقتل قابيل لأخيه هابيل، فقضية الصراع بين الخير والشر قضية محيرة أرهقت الإنسان، وبددت قواه العقلية، فإذا كان الخير موجوداً ويعد غاية، فلماذا وجد الشر؟ وما هو مصدره؟ ولماذا ينتصر الشر أحياناً؟

 كل تلك التساؤلات نجد الإجابة عنها من خلال الخوض في أسباب ونتائج الصراعات في جميع الأزمنة التي نقلها لنا التاريخ، وفي بحوث ودراسات العلماء والمفكرين في العالم، فإذا تصفحنا كتب التأريخ سنجدها مليئة بالصراعات والحروب والقصص التي تتغنى بالشر وتمجده، وإذا نظرنا إلى عالمنا المعاصر سنجد لا شيء قد تغير رغم التقدم العلمي والمعرفي الذي تم تحقيقه.
 وقد تكفينا بضع دقائق في مشاهدة القنوات الفضائية وتصفح بعض المواقع الإخبارية لنقف على حجم الشر الموجود حولنا، حرب أهلية، عمليات إرهابية، سطو مسلح، فساد، سرقة، وغيرها... هي مشاهدات واحداث نتابع اطوارها كل يوم ضمن حلقات مسلسل بطله الإنسان يتم تصويره على كوكب الأرض منذ القدم.
لو أردنا أن نأخذ أحد الصراعات التي امتدت منذ هجرة الرسول (ص)، كأبسط مثال والتي امتدت إلى يومنا هذا، ولأننا نمر بذكرى هدم قبور ائمة البقيع (عليهم السلام) في بقيع الغرقد سوف نرى هذا الصراع المتجذر وما يحمل من سموم الحقد والشر.
 ففي زمن العثمانيين وفي سنة ١٢٢٠ للهجرة قام الوهابية بمحاصرة المدينة المنورة وهدموا القباب التي في البقيع، ماعدا قبة الرسول الاعظم (ص)، بأمر من الملك سعود بن عبد العزيز، فأرسل السلطان محمود الثاني العثماني جيشاً إلى المدينة لمحاربتهم وتمكن من اخراجهم في سنة ١٢٢٧ للهجرة والتي اطلق على هذا الحدث (بقطع دابر الخوارج)، فقد استباح الوهابية مقدساتها وعثوا في آثار البقيع تخريباً وهدماً.
 وقد تكررت عملية تهديمهم للقبور مرتين، الأولى في عام ١٢٢٠ والثانية ١٣٤٤ للهجرة، وإذا اطلعنا على أسباب هدمهم القبور واقتحام الوهابية للبقيع، ترجع إلى أن قضية دفن أموات المسلمين والشخصيات الدينية في البقيع والعناية الفائقة للمسلمين وتأكيدهم على استحباب زيارة القبور، فهي تعد قبلة للزائرين والسياح من كل البقاع، ولأن دُفن في بقيع الغرقد عدد من كبار المسلمين وشخصياتهم وعلى رأسهم أربعة من أئمة اهل البيت (عليهم السلام)، مضافا إلى بعض أولاد النبي (ص)، وزوجاته، ومن المحتمل ان يكون قبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد دفنت فيه ليلاً وعفي قبرها، الأمر الذي جعل قوى الشر من الوهابية وغيرهم وما يضمرون من حقد دفين لهذه البقعة وهذه السلالة من بيت النبوة، أصبحت عرضة للهدم والتخريب.
 إن قوى الشر لها دوافع وأهداف وغايات شريرة في هدم تلك القبور، ومن تلك الغايات نستذكر حادثة في زمن السلاجقة حيث تم إعادة بناء مقبرة أئمة البقيع، حين أرسل مجد الملك البلاساني القمي عام ٤٩٢ للهجرة وزيره بكياق السلجوقي في تاريخ ٤٩٨للهجرة المعمار القمي من أجل عمارة قبة أئمة البقيع لكن حينما قتل الوزير، قتل أمير المدينة المعمار بعد أن أعطاه الأمان، من تلك الحادثة نفهم آن المؤامرات تحاك منذ ذلك الوقت، وصراع الشر مستمر.
فالخير موجود والشر موجود في داخل كل إنسان، ومما زاد الأمر تعقيداً، هو ربط هذا الصراع أمام المعتقدات التي اعتقدها الإنسان قديماً والتي لم تستطع أن تجد حلاً لهذه المشكلة.
فهناك عقيدة ترى أن الإنسان عبد لقوى مسيطرة وهي قوى الشر، وأن الخير يقف عاجزا امام طغيانها ولا طاقة له بمواجهتها، وعقيدة أخرى ترى أن الوجود ما هو إلا حرب سجال، وصراع دائم بين الخير والشر.
اما الإسلام، فقد نظر إلى الإنسان نظرة موضوعية، وربط القرآن بين النفس الإنسانية، وآفاق الكون نفسه، بأنهما قرينان أكثر من موضع وآية، من مثل قوله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ...» {فصلت/53}.
 ومن هنا، رفض الإسلام كل العقائد اللا دينية وسفهها وأثبت زيفها وضلالها، فليس هناك شر محض ولا خير محض. وإنما نفس الإنسان تولد صالحة مؤمنة، فإن ضلت فهي ضالة كافرة، ولعل ذلك من الأسباب الجوهرية التي من أجلها لم يأتِ في دستورنا الرباني ذكر للخير والشر في موضع من المواضع الا وكان ذكر الخير سابقاً على ذكر الشر كما تسبق الحسنات السيئات، وكما يسبق الثواب العقاب، وهذا منهج ثابت في كلام الله خالق العباد وواهب الحياة.
فصورة الإنسان في نظر الإسلام صورة خير ونظرته إلى أنه خير بطبعه وجبلته وما خلق عليه بدلالة قوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» {التين/4}. والشر طارئ عليه، دخيل على حياته وأفعاله، لم يختلف به أبداً، بدلالة قوله تعالى: «ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ» {التين/5}.
وهكذا أكد القرآن الكريم أن الإنسان خُلق صالحاً قابلاً للخير، قادراً على اتيانه والسير في طريقه، فإذا سقط في هوة المعاصي فلأنه لم يقاوم الغاية التي أتته من خارج نفسه، لذلك أمر بأن يتحصن أمامها بالإيمان والتقوى والعمل الصالح لتعصمه تلك الصفات الحميدة من التردي في الآثام.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سندس الكوفي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/01



كتابة تعليق لموضوع : من ثنائيات الوجود صراع الخير والشر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net