صفحة الكاتب : ا . د . صباح علي سليمان

التناص  النصي في رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين بن الحسين – عليهما السلام –
ا . د . صباح علي سليمان

     عرف التراث الأدبي العربي التناص بعدة مسميات ، وهي ( السرقات الأدبية ، والاقتباس ، والتضمين ، والعقد ، والحل ، والتمليح ) ( ) إلا أنَّ التناص النصي في اللسانيات النصية قد أخذ موضعاً متغايراً فقد عرّفه الدكتور تمام حسان من خلال ترجمته لكتاب بوجراند أنّه:" العلاقات بين نص ما ونصوص أخرى مرتبطة به وقعت في حدود تجربة سابقة"( ) ، فهو إذن تفسير لشيء غامض ، أو تفصيل لمجمل ، أو جواب عن سؤال ، أو تحديد لمعنى محتمل ( )  ؛ ولهذا اعتمد التناص على المنهج التفكيكي وهو انفتاح النص بعضه على البعض الآخر لا على المنهج البنيوي المغلق ( ).
     وعلى هذا المنوال  نستطيع أنْ نطبق هذه النظرية على النصوص  ، ومن  النصوص التي اخترتها (رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين بن الحسين – عليهما السلام –) ؛ إذ يقول السيد الجلالي في توثيق الرسالة :" اتفقت المصادر الحديثية كافة على نسبة هذا الكتاب إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب برواية أبي حمزة الثمالي ( ت 150 هـ  ) ( ) .
   اجمل الإمام زين العابدين – عليه السلام- في بداية الرسالة كافة الحقوق بصورة مختصرة جداً ، إذ قال : "إعْلَــــمْ رَحِـــــمَكَ اللهُ أَنَّ للهِ عَلَيْكَ حُــــقُوقًا مُحِيطَةً بكَ فِي كـُلِّ حَرَكَة تَحَرَّكْتَهَا، أَوْ سَكَـــــنَة سَكَنْتَهَا، أَوْ مَنْزِلَة نَزَلْتَهَا، أَوْ جَارِحَة قَلَّبْتَهَا وَآلَةٍ تَصَرَّفْتَ بهَا، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْض. وَأَكْبَرُ حُقُوقِ اللهِ عَلَيْكَ مَا أَوْجَبَهُ لِنَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ حَقِّهِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْحُقُوقِ وَمِنْهُ تَفَرَّعَ. ثُمَّ أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ لِنَفْسِكَ مِنْ قَرْنِكَ إلَى قَدَمِكَ عَلَى اِختِلافِ جَوَارِحِكَ. فَجَعَلَ لِبَصَرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِسَمْعِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِلِسَانِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِيَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِرِجْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِبَطْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِفَرْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَهَذِهِ الْجَوَارِحُ السَّبْعُ الَّتِي بهَا تَكُونُ الأَفْعَالُ. ثُمَّ جَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ لأَفْعَالِكَ عَلَيْكَ حُقُوقًا فَجَعَلَ لِصَلاتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِصَوْمِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِصَدَقَتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِهَدْيِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَفعَالِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. ثُمَّ تَخرُجُ الْحُقُوقُ مِنْكَ إلَى غَيْرِكَ مِنْ ذَوِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبــَةِ عَلَيــْكَ. وَأَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حُقُوقُ أَئِمَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَعِيَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَحِمِكَ. فَهَذِهِ حُقُوقٌ رَحِمِكَ. فَهَذِهِ حُقُوق يَتَشَعَّبُ مِنْهَا حُقُوقٌ: فَحُقُوقُ أَئِمَّتِكَ ثَلاثَةٌ أَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حَقُّ سَائِسِـــكَ بالسُّـــلْطَانِ ثُمَّ سَائِسِكَ بالْعِلْــــــمِ، ثُمَّ حَقُّ سَائِسِكَ بالْمُلْكِ، وَكُلُّ سَائِسٍ إمَامٌ. وَحُقُوقُ رَعِيَّتِكَ ثلاثَةٌ أَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالسُّلْطَان، ثُمَّ حَقُّ رعِيَّتِكَ بالْعِلْمِ، فَإنَّ الْجَاهِلَ رَعِيَّةُ الْعَالِمِ، وَحَقُّ رَعِيَّتِكَ بالْمُلْكِ مِنَ الأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكْتَ مِنَ الأَيْمَانِ. وَحُقُوقُ رَحِمِكَ كَثِيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بقَدْرِ اتِّصَالِ الرَّحِمِ فِي الْقَرَابَةِ فَأَوْجَبُهَا عَلَيْــكَ حَقُّ أُمِّكَ ثُمَّ حَقُّ أَبيكَ ثُمَّ حَقُّ وَلَدِكَ ثُمَّ حَقُّ أَخِيكَ ثُـــــــمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ وَالأَوَّلُ فَالأَوَّلُ. ثُمَّ حَقُّ مَوْلاكَ الْمُنْعِمِ عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مَوْلاكَ الْجَارِيَةُ نِعْمَتُكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَقُّ ذِي الْمَعْرُوفِ لَدَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مُؤَذِّنُكَ بالصَّلاةِ، ثُمَّ حَقُّ إمَامِكَ فِي صَلاتِكَ، ثُمَّ حَقُّ جَلِيسِكَ، ثُمَّ حَقُّ جَارِكَ، ثُمَّ حَقُّ صَاحِبكَ، ثُمَّ حَقُّ شَرِيكِكَ، ثُمَّ حَقُّ مَالِكَ، ثُمَّ حَقُّ غَرِيمِكَ الَّذِي تُطَالِبُهُ، ثُمَّ حَقُّ غَرِيمِكَ الَّذِي يُطَالِبُكَ، ثُمَّ حَقُّ خَلِيطِكَ، ثُمَّ حَقُّ خَصْمِكَ الْمُدَّعِي عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ خَصْمِكَ الَّذِي تَدَّعِي عَلَيْهِ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَشِيرِكَ، ثُمَّ حَقُّ الْمُشِيرِ عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَنْصِحِكَ، ثُمَّ حَقُّ النَّاصِحِ لَكَ، ثُمَّ حَقُّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ، ثُمَّ حَقُّ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْكَ، ثُمَّ حَقُّ سَائِلِكَ، ثُمَّ حَقُّ مَن سَأَلْتَهُ، ثُمَّ حَقُّ مَن جَرَى لَكَ عَلَى يَدَيْهِ مَسَاءَةٌ بقَوْل أَو فِعْل أَوْ مَسَرَّة بذَلِكَ بقَوْل أَوْ فِعْل عَنْ تَعَمُّد مِنْهُ أَوْ غَيْرِ تَعَمُّد مِنْهُ، ثُمَّ حَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ عَامَّةً ثُمَّ حَقُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ، ثُمَّ الْحُقُوقُ الْجَارِيَةُ بقَدْرِ عِلَل الأَحْوَالِ وَتَصَرُّفِ الأَسْبَاب. فَطُوبَى لِمَنْ أَعَانَهُ اللهُ عَلَى قَضَاءِ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِ وَوَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ" ( ).
  أمَّا تفصيل هذا المجمل فنجده في محتويات الرسالة ، وهي (فأمَّا حق الله الأكبر عليك فأن تعبده لا تشرك به شيئا، ... ، وأما حق نفسك عليك : أن تستعملها في طاعة الله ...، وأما حق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك... ، وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم ... ، وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا... ، وأما حق مملوكك فأن تعلم أنه خلق ربك وابن أبيك وأمك ولحمك ودمك تملكه... ، وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا... ، وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شره...، وأما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك ... ، وأما حق مولاك المنعم عليك فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وانسها ، وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجابا لك من النار... ، وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه ... ، وحق المؤذن أن تعلم أنه مذكر لك ربك عز وجل... ، وحق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك وبين ربك عز وجل....،  وأما حق جليسك فأن تلين له جانبك... ، وأما حق جارك فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا ونصرته إذا كان مظلوما... ، وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف ... ، وأما حق الشريك فإن غاب كفيته ... ، وأما حق مالك فأن لا تأخذه إلا من حله ...، وأما حق غريمك الذي يطالبك فإن كنت موسرا أعطيته ... ، وحق الخليط أن لا تغره ولا تغشه... ، وحق الخصم المدعي عليك، فإن كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك ... ، وحق خصمك الذي تدعي عليه إن كنت محقا في دعواك أجملت مقاولته... ، وحق المستشير إن علمت أن له رأيا أشرت عليه...، وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك... ، وحق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة... ، وحق الناصح أن تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك... ، وحق الكبير توقيره لسنه، وإجلاله لتقدمه في الإسلام قبلك... ، وحق الصغير رحمته في تعليمه والعفو عنه والتستر عليه والرفق به والمعونة له... ، وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته... ، وحق المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضلة، وإن منع فاقبل عذره... ، وحق من سرك الله تعالى به أن تحمد الله عزوجل أولا ثم تشكره... ، وحق من ساءك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت ...، وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم والرحمة لهم... ، وحق أهل الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عز وجل.
    فالمتتبع لكلام الامام علي زين العابدين -عليه السلام – يجده أنَّه قد اختصر الحقوق في رسالته ، وهي حقوق جوهرية على أساسها تبنى المجتمعات  السليمة ،  وهذا يدلُّ على سعة ومعرفة الإمام الجليل علي زين العابدين – عليه السلام – بأصول الدين والحياة بشكل عام ، وهذا نابع من بيت النبوة الذي تربى فيه بيت الدين والعلم . 

.....
( 1 ) التناص وأثره في انسجام النص د. بو عمامة (بحث).
( 2 ) ترجمة كتاب النص والخطاب والإجراء 103.
( 3 ) نحو النص بين الأصالة والحداثة د. أحمد محمد 94.
(4 ) مقاربة نظرية في تقنية التناص ، بو بكر غرابي – سعيد تومي 69-70 .
(5 ) رسالة الحقوق .
( 6 ) رسالة الحقوق.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . صباح علي سليمان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/12



كتابة تعليق لموضوع : التناص  النصي في رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين بن الحسين – عليهما السلام –
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net