صفحة الكاتب : عمار عبد الكريم البغدادي

من وحي شهريار وشهرزاد (74) العين مرآة الروح ودليل عشقها
عمار عبد الكريم البغدادي

شهرزاد : آراك تحلق في سماء العاشقين أكثر فأكثر ، وإني أسألك وأنت تنظر الى أحوالهم في ذلك العالم الفسيح : كيف تُرانا نصل الى الحقيقة الغائبة فندرك أن من يقف أمامنا يُخبئ خلف طبائعه البشرية النفس التوأم ؟!.

شهريار: كل أنواع المحبة آنفة الذكر في أصلها محبة ظاهرية متعلقة بصورة جميلة تلتقطها عين المحب أو رائحة جميلة تنفذ الى القلب ، او لمسة صدفة ساحرة تجتاح المكامن العميقة في الجسد ، أو صوت عذب تتراقص على نغماته السرائر ، فالحواس الأربع مدخلات الى النفس ، ومخرجات لعالمها الخفي ، ولو كان المحبوب يُذاق ابتداءً ،قبل أن تتأكد محبة العشق ، لقلنا : بالحواس الخمس .

ومع تحقق اللذة الأولى عبر مدخلات النفس الأربعة يبدأ البحث عن أسرار النفس الشبيهة وطبيعتها المخفية ، خلف العادات والسلوكيات الأرضية ، عبر مرآة النفس (العين) ، فإن وجدت نفسُ المحب ما يشابهها في نفس المحبوب ويناظر طبيعتها العلوية - التي قد لا يدركها هو نفسه - بدأ الإمتزاج ولاح العشق . 

يقول إبن حزم : (وأمّا العلّة التي توقع الحب أبداً في أكثر الأمر على الصورة الحسنة، فالظاهر أن النفس تولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المتقنة، فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه، فإن ميزت وراءها شيئاً من أشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية، وإن لم تميز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة، وذلك هو الشهوة؛ وإن للصور لتوصيلاً عجيباً بين أجزاء النفوس النائية) .

شهرزاد : مهلا يارجل !.. أنتَ تقول : إن الحواس الأربع مدخلات للنفس ومخرجات لها ، ثم تستند الى العين بوصفها المرآة للبحث عمّا يشاكلها في نفس المحبوب ، هل نستلذ ، في بادئ الأمر ، بحواسنا الأربعة ،ثم نبحث عن العشق بعيوننا وحسب ؟! .

شهريار : دعيني أولا أؤكد لك أن الحواس الأربع مدخلات محبة أولية ولنأخذ مثلا السمع ، فكثير ما يتعلق المرء بصوت جميل ، ولا تخفى عليك محبة غامرة في قلوب ملايين الناس لمطرب او مطربة مشهورة ، فكل مُلذٍ محبوب ، لكن تلك المحبة تبقى متعلقة بالصوت وحسب ، بدليل أن أحدنا لا يرضى أن يرى مطربه الأفضل صامتا أو مطربته الفضلى لا تغني لتنعش سرائره ،ولذا كانت الأذن مدخل محبة الى النفس لكنها لن تبلغ مراتب العشق بدون مُشاكلة وتمازج ،ونادرا ما يحصل ذلك ، فالمشاهيرُ أحلامُ عشقٍ طالما أودت بعقول عاشقين أقدموا على الإنتحار ، أو أصابهم مس جنون ، لأنهم أدركوا أن من المحال بلوغ الغاية ، وفي الحالات كلها فإن المشاهير لا ينظرون الى تلك المحبة المتعاظمة إلا كإعجابٍ مفرط يزيد من إحساسهم بالعظمة والتفرد ،وهم يعانون ،في أكثر الأحيان،  من علاقات مضطربة وقلّما ينالون سعادة العشق .

لكن ذلك الصوت الجميل الذي يداعب مكامن النفس المخفية لايكون بالضرورة صوت أحد المشاهير ، ورُبّ كلمة حانية بصوت محبوب ساحر كفيلة بان توقظ في النفس إحساس المحبة المشتهاة ، وتبعث فيها شغف البحث عن النفس الشبيهة ،  فحواسنا مُدرِكاتٌ لطبائع النفس المخفية التي قد لا نعلمها علم اليقين .

يقول بشار بن برد: 

(ياقومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقةٌ .. والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا) .

وهكذا ياشهرزاد تكون بقية الحواس مدخلات دالّة على محبة قد تصح ،أو لا تتجاوز حد لذة السمع ،  البصر ، اللمس ، أو الشم ، لكنها في الحالات كلها تُهيّج في النفس رغبة البحث عن الشبيه المكمّل  ، ومن هنا تلجأ النفس الى مرآتها العين ، فهي الكاشفة لأسرارها ، المعبرة عن مكامنها ، الباحثة عن شبيهتها ،وإن للحظ العين أحوالا ولغاتٍ ، فهي ترشد الى مايجول في نفس صاحبها ،وتستقبل من اللحظ المقابل أعمق التعابير عن القبول والمشابهة أو المنافرة ، ولذا نجد أن المُحب يطيل النظر الى محبوبه ولا ينصرف إلا بعد إنصرافه علَّ مرآة نفسه تبلغُه بطباعه المخفية ،وحديث العيون في هذه المرحلة الحرجة تدركه النفوس دون العقول ،  ولذا فهو غير موصوف بأدق كلام ولا مُدرَكٌ لدى الأنام ، ولأن الصفات العلوية للنفوس صفات مخفية ، فهي كأثير شفاف يقابل آثيرا مجانسا،  فاذا إمتزجا عكسا بريقا في العيون،  وهو أول علامات الحب المعلومة لدى أصحاب العقول النيّرة  ، حتى أن أحدهم يصف العاشق بقوله : (رأيت بريق الحب يملأ عينيه) .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار عبد الكريم البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/19



كتابة تعليق لموضوع : من وحي شهريار وشهرزاد (74) العين مرآة الروح ودليل عشقها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net