صفحة الكاتب : مريم حميد

طفولة لم يتسع لها الرصاص 
مريم حميد

في ذلك التاريخ كنت في الرابعة من عمري وبطبع لم أك أعرف

 كم عمري وقتها  ولا اعرف التواريخ ولا حتى العد ولم أسمع أو أعرف  غير شخصيات أفلام الكارتون التي يذيعها التلفزيون العراقي وكذلك اخي علي الذي يصغرني بسنة واحدة 
أما والدتي فكانت تنتظر مولودا ثالثا تظن إنه ولد  أو توئم كما خمنت جاراتها جرت عادتنا في المساء أن تتمدد امي على كنبة قديمة ربما من ستينيات في حوش بيت جدي السيد عناية لله 
وننام أنا وعلي عند قدميها الى أن يختم التلفاز برامجه تتولى هي سرد القصص علينا لتسليتنا  أو تشرح لنا قصة الفيلم الذي تعرضه القناة وقتها سواء كان فيلم اجنبي أو فيلم عربي اسود وابيض او تقص لنا ما حفظته في خزانتها الادبية الثرية  حد مضاهة الثريا  في التاسع عشر من فبراير  أكملنا برنامجنا وذهبنا لننام متقاسمين يدي امي أنا أنام على يدها اليسرى ربما لأنني عسراء  وعلي على اليمنى  ودميتنا المحشوة بالقطن ارنوب تتوسطنا 
 في تلك الليلة نمنا لكن لم نستيقظ في الثامنة موعدنا المحدد لبدء يوم جديد 
لا  
استيقظنا في الخامسة صباحا على صوت جلبة لم نتبينها وقبل أن يتيح لنا الوقت لنسأل فتح ضوء الغرفة لم تك امي بيننا الأرنب وحده يتوسطنا أنا وعلي  وقبل أن نستوعب غياب امي وجهت علينا ثمانية بنادق ثمانية بنادق يحملها رجال بزي موحد لا أعرف أهم شرطةأم جيش ورجل واحد بزي مدني وشعر ابيض  فما كان مننا  إلا إن نحتضن بعضنا أنا وعلي ولعبتنا أرنوب وصوت أمي يهدر الله أكبر اطفال 
الله أكبر عليكم 
قبل أن يطلق الرجال  لا أعرف  لم يجعلون  أنفسهم في هذه المواجهة المرة  رجال بسلاح  أمام طفلين  لا يعرفان  عمرهما حتى  
 حانت إلتفاتة من رجل المدني  لصورة لأبي بزي البحري معلقة على أحد جدران الغرفة 
فسأل امي وهي لا تزال في باحة المنزل 
 هل هذا زوجك ؟
حميد عناية ؟
نعم 
أشار الى رجاله أن يخفضوا  بنادقهم ويغادروا المكان 
السيد رجل طيب خدمت معه فترة في تدريبات بحرية 
وهو بعيد عن  هذي الامور 
لولا صورته كنتم صفيتم جميعا 
وهذه الأوراق لن تنفعك 
مشيرا الى آيات الحفظ المعلقة على جدار غرفة المعيشة 
فأجابت امي( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ )

غادر الجند وقد احتضنتنا امي ونهارت في ساحة الدار اصيبت ببداية جلطة حضرت الجارات لمواساتها  
ونقلت احداهن خبر إلقاء القبض على موظفين في الميناء من بينهم ابي وقد يكون  قتل  
مساءا عاد  ابي إلى  البيت   وتبين إن هناك اشتباه قد حصل وخبر خاطئ فأبي ليس بين من ألقي القبض عليهم 
بعد هذه الحادثة بثلاثة أيام أكد الفحص الطبي اصابة اخي علي بمرض السكري الذي لا يزال يعاني منه حتى يومنا هذا وقد تسبب له بمفضاعفات مريرة لا يطيقها بشر 

فيما بعد روت لي امي تفاصيل لم تسجلها ذاكرتي 
والحديث لها إنه في تمام الخامسة صباحا سمعت ضربا قويا على باب درج  أرتديت عباءة الرأس والجوارب بسرعة  وخرجت من الغرفة الى الساحة إذا كان البيت شرقي تتوسطه ساحة مسقوفة وحولها الغرف والمطبخ وقبل أن اتوسط الساحة نزل الجند من الدرج واقتحم باب الدار الرئيسي وتوزعوا في الغرف قبل أن أقول كلمة شدهت لدرجة لم استطع أن اسبقهم للغرفة وأقول إن فيها اطفالا 
والأمر الآخر الذي كاد أن يودي بنا جميعا 
إنهم وجدوا في الثلاجة حقيبة اسعافات أولية فطلبت من الرجل أن يقرأ  تاريخها  ١٩٧٨ امستردام هولندا 
نعم   كان زوجي في دور بحرية في هولندا وتضنتت دورة اسعافات اولية  وتستطيع أن تلاحظ إن كل ما فيها اكسباير 
منتهي الصلاحية 
لم تحتفظون أنا لا أحتفظ بها زوجي يحتفظ بها للذكرى 
في هذه الاثناء دخلوا غرفتكم والضوء مطفئ رأوا البطانية ترتفع فظنوا إننا نخبئ أحد المطلوبين لهم .
لسنوات طويلة رافقتني هذه الحادثة وسببت لي رعبا كبيرا 
لكن لم أعرف سببها لم كانت الحكومة تفتش وتعتقل وتقتل مالذي حصل لم أنا وأخي نهدد أمنها ولم نكمل الخامسة بعد 
لتأتي الإجابة لا دخل لكم بذلك كله 
إنها ليلة استشهاد الصدر الثاني 
التي ختمت التسعينيات
رجل قال لا لظلم  

للأسف الشديد كانت هذه الحادثة أول ما  خط في ذاكرتي أو ما تفتحت عليه كما يتفتح القداح على قبح الدخان  كما تفتحت أنهار البصرة على الالوان الآسنةللموت في ذلك اليوم  لتنفي صفائها ونقاء صفتها وعلو انتسابها لأعظم نهرين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مريم حميد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/31



كتابة تعليق لموضوع : طفولة لم يتسع لها الرصاص 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net