صفحة الكاتب : ا . د . موفق عبدالعزيز الحسناوي

رؤية اكاديمية واقعية لتطوير التعليم العالي
ا . د . موفق عبدالعزيز الحسناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   مما لاشك فيه ان مؤسسات التعليم العالي ممثلة بالجامعات والمعاهد التقنية والمراكز العلمية والبحثية التابعة لها تعتبر ذات اهمية كبيرة وريادية في المجتمع ، نتيجة لما تمثله من دور قيادي بأعتبارها قمة السلم التعليمي والموقع الذي يلتحق فيه الصفوة من الطلبة الذين استطاعوا اكمال مشوارهم الدراسي بنجاح لكي يصلوا الى هذه المرحلة الدراسية المتقدمة والتي يعول عليها كثيرا في بناء وتطوير المجتمع والتأثير فيه بقوة في ضوء أتجاهات وأفرازات التطور العلمي والتكنولوجي في العالم المعاصر. 
   فالجامعات والمعاهد التقنية تمثل ورش عمل حقيقية فيما لو أدت رسالتها بنجاح لأعداد الطلبة قادة المستقبل لبناء البلد وتسلم زمام القيادة الفاعلة فيه والمساهمة في تطويره بما يتناسب مع احتياجات المجتمع والظروف العالمية المستجدة المحيطة به ونتائجها وتأثيراتها عليه .
   وفي ضوء ذلك لابد من العمل على محاولة تطوير مؤسسات التعليم العالي بما يتناسب مع تلك الظروف المتغيرة ونتائجها وأفرازاتها . وهذا يتطلب اعادة النظر بين مدة واخرى بفلسفتها واهدافها وطرائق التدريس والتدريب فيها وتوصيف خريجيها وبصورة متكاملة ومتوازية بما يتناسب مع تلك المتغيرات لكي تتمكن من القيام بواجباتها بصورة صحيحة وتجعلها عاملا مؤثرا وقياديا في المجتمع .
   وبما ان العملية التعليمية في الجامعات والمعاهد التقنية تعتمد بدرجة كبيرة على كل من الاستاذ الجامعي والطالب والمنهج الدراسي اضافة الى المستلزمات والامكانيات المادية شأنها شأن المؤسسات التعليمية الاخرى لذا ينبغي العمل على وضع برامج تطويرية محددة ومنظمة ومتكاملة تسير جنبا الى جنب لتطوير جميع هذه العناصر ، لأن حدوث أي خلل في أي منها سوف يؤثر سلبيا في العناصر الاخرى .
   أن الاستاذ الجامعي له مكانة كبيرة ومؤثرة ، فهو يمتلك فرصة التأثير في طلبته ، حيث ان الطلبة يميلون الى الانجذاب الى شخصية اساتذتهم والاقتداء بهم ويهتمون بالمادة الدراسية ويبدعون فيها اذا أحبوهم . ولذا تتعاظم هذه المسؤولية على الاستاذ الجامعي لكونه يقوم بتدريس اجيال عديدة من الطلبة ، وعليه أن يسعى لأداء هذه المسؤولية المناطة به بكل اخلاص وتفان وأن يكون انسانا مؤمنا تقيا ملتزما بأوامر الله سبحانه وتعالى ومبتعدا عن معاصيه . وبذلك يستطيع ان يجعل طلبته يتأسون به ، واذا صلح الاستاذ الجامعي من هذه الناحية فأن ذلك سوف يؤثر كثيرا في شخصيته العلمية والمهنية والانسانية ، وعليه اداء دوره بشكل واعي ويؤدي مسؤوليته تجاه طلبته بصورة كاملة لأنهم امانة كبيرة في عنقة لابد من ايفاءه بمتطلباتها .
   ولكي يستطيع الاستاذ الجامعي ان يؤدي دوره بشكل صحيح وايجابي لابد من القيام بعملية تطويرية واسعة ومؤثرة تشمل جميع العناصر المؤثرة في العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي ومنها الاستاذ الجامعي من خلال اختيار العناصر المتفوقة من حملة الشهادات العليا وزجهم في دورات تدريبية وتأهيلية بعد اتخاذ القرار بتعيينهم ، وأطلاعهم بصورة تفصيلية وجدية على الانظمة والتعليمات الجامعية النافذة في حينها وتفسيراتها . والتأكيد على ضرورة اجتياز الاستاذ الجامعي لدورات متخصصة ومعمقة في طرائق التدريس والتدريب واستخدام التقنيات التربوية الحديثة مثل الحاسوب والانترنت في التعليم للاستفادة من امكانياتها الكبيرة في الحصول على المعلومات العلمية بسهولة وجعل عملية التدريس ممتعة وشيقة للطلبة . وزجه في دورات تدريبية تخصصية داخل القطر وخارجه مع ايجاد عدد من الحوافز المادية الكافية لغرض تشجيعه للالتحاق بهذه الدورات والمساهمة في وقائعها بصورة فاعلة . وضرورة تحديد ميزانية خاصة لغرض دعم البحوث العلمية وتغطية نفقاتها المادية وتشجيع الباحثين معنويا وماديا والاهتمام بدرجة كبيرة بالبحوث العلمية التطبيقية ذات العلاقة المباشرة والمؤثرة باحتياجات المجتمع ومتطلبات التطور والاستفادة من نتائج وتوصيات رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه وعدم جعلها حبيسة الرفوف في المكتبات الاكاديمية المتخصصة فقط  . وتسهيل الاجراءات الروتينية المتبعة في تقييم وتعضيد البحوث العلمية ونشرها والاهتمام بالفائدة التطبيقية لهذه البحوث وتحديد مبالغ مجزية وكافيه للقائمين بهذه العمليات تتناسب مع الجهد المبذول فيها لكي يتم اتباع الاجراءات الصحيحة عند العمل والاهتمام الجدي بها . وكذلك تسهيل عملية اكمال الدراسات العليا للتدريسيين ومنتسبي الجامعات وهيئة التعليم التقني ووضع امتيازات خاصة لهم عند المنافسة لغرض القبول فيها . كما يتطلب ذلك اعادة النظر من جديد بقانون الخدمة الجامعية وتطويره بمايتناسب مع المكانة العلمية والاجتماعية للاستاذ الجامعي وجعله يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية . وضرورة اعتماد معايير دقيقة للترقيات العلمية للتدريسيين ، واضافة معايير الكفاءة والمثابرة وتقييم الاداء والجهود العلمية والتربوية المبذولة من قبل التدريسي عند الترقية العلمية . بالاضافة الى ذلك ضرورة العمل بصورة جدية على تحسين المستوى المعاشي للاستاذ الجامعي واعتماد معايير موضوعية ودقيقة وعلمية في تحديد سلم الرواتب لمنتسبي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسساتها كونها تتمتع بمكانة علمية وريادية في المجتمع تتميز فيها عن الدوائر والمؤسسات الحكومية الاخرى ، وهذا يتطلب جعل الراتب يتناسب مع اللقب العلمي اولا والشهادة الدراسية ثانيا وسنوات الخدمة الفعلية في التدريس والبحث العلمي ثالثا وليس العكس من ذلك لكي تكون حافزا للتدريسيين للبحث العلمي والترقية العلمية واكمال الدراسة للحصول على الشهادات العليا . ومنح امتيازات خاصة للاساتذة الجامعيين وبما يتناسب مع الرواتب والامتيازات التي يتقاضاها اقرانهم في البلدان الاخرى اذا لم تتفوق عليها وذلك لمنع هجرة الاساتذة الجامعيين الى خارج البلد في الوقت الذي يكون البلد في حاجة ماسة لخدماتهم ونشاطاتهم العلمية والاجتماعية والبحثية ، ومحاولة ايجاد وسائل كسب وتحفيز مناسبة لعودة الاساتذة المهاجرين . وكذلك منح امتيازات خاصة بحملة الالقاب العلمية العليا مثل توفير السكن المناسب والسيارة وشبكة الانترنت لهم داخل المؤسسة التعليمية وأي امتيازات اخرى تراها الدولة مناسبة لرفع شأن الاستاذ الجامعي في المجتمع والحفاظ عليها . ولغرض تطوير الامكانيات العلمية للاستاذ الجامعي يتطلب العمل على على تفعيل موضوع الاستاذ الزائر الى الجامعات والمؤسسات العلمية والبحثية في البلدان الاخرى وخاصة المتقدمة منها للاطلاع على تجارب الاخرين في الاختصاصات المتناظرة ، وتسهيل عملية حصولهم على جوازات السفر التي تمكنهم من زيارة جميع البلدان بصورة ميسرة وسهلة واعتماد معايير مرنة وفعالة تبتعد عن الروتين عند الايفاد . وايضا يتطلب منح الاستاذ الجامعي الحصانة اللازمة وعدم الاعتداء عليه وحسب ضوابط محددة ودقيقة ،وتوفير الحماية الامنية للاستاذ الجامعي للمحافظة على سلامته بالوسائل التي تراها الدولة مناسبة كونه يمثل ثروة وطنية كبرى . وضرورة العمل على اعتماد تقاليد جامعية رصينة تليق بالاستاذ الجامعي تتحدد فيها مكانته ومركزه في ضوء اللقب العلمي والشهادة التي يحملها ، والابتعاد عن حالات التداخل في فهم مركز الاستاذ الجامعي ومسؤليته القيادية في المؤسسة التعليمية . مع ملاحظة العمل على مراجعة القوانين والتعليمات والامتيازات الادارية والمالية والعلمية التي تتعلق بالاستاذ الجامعي بين مدة واخرى واعادة النظر فيها . ولغرض تطوير الكفاءة العلمية للاستاذ الجامعي ينبغي العمل على زيادة الاهتمام بأيفاد التدريسيين الى المؤتمرات العلمية والتربوية الخارجية وحثهم على المشاركة الفاعلة فيها ودعمهم ماديا عند الاشتراك فيها وتحمل تكاليف السفر والاقامة عند حضورهم لهذه المؤتمرات والنشاطات . وكذلك الاهتمام بالبعثات والزمالات الدراسية والاعارات للتدريسيين الى البلدان المتقدمة والتأكيد على الجانب النوعي في ضوء حاجات البلد لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي واطلاعهم على المستجدات العلمية .
   وبالنسبة للعنصر الثاني من عناصر العملية التعليمية وهو الطالب ، فهو يشكل عنصرا اساسيا وعاملا مؤثرا فيها كون ان جميع مايجري في المؤسسات التعليمية هو لخدمة الطالب وتوفير افضل الظروف الدراسية له من اجل ايصال المعلومات العلمية له بشكل فعال وكفوء ، وبذلك تبقى العملية التعليمية بكل مرافقها وامكانياتها عملية عديمة الجدوى اذا لم يحصل التعلم لدى الطلبة بصورة جيدة ووفق الاهداف المحددة لها مسبقا .
   ونظرا للظروف الحالية التي يعيشها مجتمعنا الان ، فأن هذا قد فرض تحديات اضافية وكبيرة على الطلبة وعلى القائمين بأعدادهم علميا وتربويا ومهنيا . وكان لابد من الوقوف لتحديد بعض الملامح والاجراءات التي من الممكن القيام بها لغرض تطوير نوعية الطلبة في مؤسسات التعليم العالي . وبالتالي تطوير مؤسسات التعليم العالي من الجامعات والمعاهد التقنية والمراكز العلمية والبحثية المرتبطة بها .
   ونحن نرى من وجهة نظرنا الاكاديمية نرى انه اذا اردنا العمل على تطوير مؤسسات التعليم العالي فعلينا البدء اولا الاختيار الجيد لمدخلات هذه المؤسسات وذلك بالالتزام بالخطط الموضوعة من قبل الكليات والمعاهد والاقسام العلمية الخاصة بتحديد اعداد الطلبة المقبولين في كل منها ونوعيتهم في ضوء الطاقة الاستيعابية لها ومامعمول به عالميا في هذا المجال ، وذلك من خلال اعتماد المعدلات التنافسية المناسبة لكل تخصص وعدم قبول جميع الطلبة المتخرجين من المرحلة الاعدادية بنوعيها الاكاديمي والمهني في الجامعات والمعاهد التقنية دون الاخذ بنظر الاعتبار المعدل . وضرورة الاهتمام بوضع اسس تربوية وعلمية دقيقة يخضع لها الطلبة في الدراسة الاعدادية والعمل على تطوير الانظمة التعليمية في المرحلة الاعدادية لتكون متوافقة مع متطلبات الدراسة في مؤسسات التعليم العالي . وتطوير المناهج الدراسية في المراحل الاعدادية كافة من خلال جعل مفرداتها تتلائم مع احدث التطورات العلمية والتكنولوجية ومع مفردات المناهج في الدراسة الجامعية في التخصصات المناظرة لغرض اعداد الطالب المهيأ للالتحاق بالمرحلة الجامعية . كما ينبغي العمل على التطبيق الدقيق والصارم للتعليمات والانظمة الامتحانية وتعليمات انضباط طلبة التعليم العالي والعمل على تعديلها وتطويرها بين مدة واخرى استجابة للتطورات العالمية في هذا المجال ، لغرض خلق جيل واعي وملتزم من الطلبة يتميز بالانضباط العالي واحترام القانون وجعله قيمة عليا فوق كل شيء . كما ينبغي العمل على وضع ضوابط دقيقة ومحددة عند البدء بتوزيع الطلبة المقبولين في الجامعات وهيئة التعليم التقني في ضوء المعايير العالمية المعتمدة بهذا الخصوص وعدم التهاون في تطبيقاتها استجابة للمجاملات والامور التي تتنافى مع تطبيق القانون على الجميع بصورة موحدة وعادلة . ويجب العمل منذ اليوم الاول للدراسة على المتابعة الجدية والفاعلة لغيابات الطلبة عن حضور المحاضرات وتطبيق التعليمات النافذة بهذا الخصوص عند تجاوز الطلبة للحد المسموح به قانونا وعدم التهاون في ذلك مهما كانت الظروف لتعويد الطلبة على الالتزام التام بالدوام لتقليل حالات الهدر عند رسوب الطلبة نهاية السنة الدراسية نتيجة لذلك . وهناك موضوع مهم واساس ينبغي على المؤسسات التعليمية  بتدريسييها واداراتها الالتفات اليه ومحاولة العمل على تفعيله واعطاء قيمته الكبرى واشعار الطلبة بأهميته ، وهو الارشاد التربوي لكونه يسهم في حل العديد من مشاكل الطلبة من خلال السماح لهم بالاطلاع على خبرات التدريسيين الاكبر سنا وتوجيهم نحو الاعتماد على انفسهم في حل المشكلات التي تواجههم من خلال الاستئناس بآراء الاخرين وعدم تقديم حلول جاهزة لمشكلاتهم ، ويتم ذلك من خلال تحديد لجنة تربوية متخصصة في كل كلية ومعهد وعلى مستوى الاقسام العلمية وتحديد الاشخاص المتخصصين الذين يتميزون بشخصية جذابة ومحببة عند الطلبة للقيام بدور المرشد التربوي وعلى مستوى كل شعبة دراسية والعمل على عقد لقاءات دورية مستمرة مع الطلبة ، ومحاولة تعميق الوعي الديني والوطني والاخلاقي عند الطلبة .
كما يتطلب العمل بين مدة واخرى على عقد ندوات تربوية وعلمية وارشادية وتوجيهية معمقة مع الطلبة بحضور المختصين واصحاب القرار وتفعيل النتائج الحاصلة من جراء هذه الندوات واللقاءات واتخاذ القرارات المناسبة في حينها لحل مشكلات الطلبة ، وان يتم من خلالها بيان العلاقة االابوية والتربوية التي يتمتع بها الاستاذ الجامعي للطالب وان تكون العلاقة بينهما مبنية على الاحترام المتبادل من قبل الطرفين وامتنان الطالب الكبير لجهود الاستاذ الجامعي ودوره التربوي في خلق قادة المستقبل من الطلبة . وفي هذه الظروف والملابسات الكثيرة التي يعيشها البلد وعدم وضوح الرؤية الصحيحة لدى الكثير من الطلبة مما قد ينعكس سلبيا على تصرفاتهم وافعالهم يجب العمل وبصورة فاعلة على توعية الطلبة بضرورة الابتعاد التام عن ممارسة النشاطات والشعارات السياسية والطائفية داخل المؤسسة التعليمية وعدم الترويج لها بأي شكل من الاشكال داخل المؤسسات التعليمية ، لكونها تتعارض مع اهداف هذه المؤسسات والدور الذي يجب ان تؤديه . وعلى التدريسيين المتابعة الدقيقة لانجاز الطالب للامور المكلف بها من قبل التدريسي اوادارة القسم العلمي من كتابة التقارير والبحوث العلمية والنشاطات العلمية والتربوية واللاصفية الاخرى . وهناك حاجة ماسة لقيام الطلبة بزيارات علمية ذات اهداف محددة مسبقا الى المؤسسات والمنشآت والدواءر الحكومية والخاصة والمعامل وغيرها ذات العلاقة بمجال تخصصهم واطلاعهم على تفاصيل العمل فيها وماهيته ومتابعة نتائج هذه الزيارات العلمية بدقة لغرض الاستفادة من نتائجها ، وضرورة العمل على زج الطلبة في القطاعات والمؤسسات الانتاجية ذات العلاقة بتخصصهم اثناء الدراسة لزيادة خبرتهم العملية والادارية وتطبيقهم مستلزمات السلامة المهنية في هذا المجال .
   وبالنسبة للعنصر الثالث من عناصر العملية التعليمية وهو المناهج الدراسية ، فكما هو معروف ان التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم حاليا وبصورة متصاعدة بقفزات كبيرة وجوهرية يؤثر بدرجة كبيرة على المناهج الدراسية ، وهذا يتطلب استجابة هذه المناهج لمتطلبات ذلك التطور وتفاعلها معه لكي تكون قادرة على اعداد الخريجين القادرين على التعامل مع هذه المستجدات واستخدامها بكفاءة اثناء انخراطهم في الحياة العملية المستقبلية . ونحن نرى انه لابد من اعادة النظر في فلسفة واهداف التعليم العالي بين مدة واخرى وبما يتناسب مع التطورات الحاصلة في المجتمع والتوجهات العالمية بهذا الخصوص ، كما ينبغي العمل على تحديد توصيف عمل الخريج الجامعي في كل تخصص بصورة دقيقة وواضحة وان يكون ذلك واضحا للتدريسيين والطلبة ، وان يكون ذلك متوافقا مع احتياجات سوق العمل ومتطلباته الحالية والمستقبلية ، من خلال تزويد الطلبة بالمعلومات العلمية بصورة فاعلة ومتناسبة مع مايسمى بحافات العلم وليس بما موجود ومتداول الان . والعمل على تطوير محتوى الكتب المنهجية والمفردات الدراسية بين مدة واخرى عن طريق اللجان العلمية المتخصصة في مجال التخصص وبما يتلائم مع التطورات الحديثة ومستلزماتها . وضرورة حث الطلبة على الاستفادة من مصادر المعلومات والاتصالات الحديثة مثل الحاسوب والانترنت وغيرها للحصول على المعلومات العلمية التي يحتاجونها وعدم الاعتماد الكلي على التدريسي فقط في ذلك .وحث التدريسيين على استخدام طرائق تدريس حديثة ومتنوعة والابتعاد عن الطرائق والاساليب الاعتيادية والتقليدية في التدريس ، وجعل طرائق التدريس مشوقة ومثيرة للطلبة وتحفزهم للتعلم . والتأكيد على ان يتعلم الطالب كيف يتعلم ، أي يتعلم طرائق الحصول على المعرفة وليس تلقيها فقط من الاستاذ الجامعي ، واتباع طرائق تدريسية تعمل على تنمية التفكير العلمي عند الطلبة وتثير دافعيتهم للتعلم . وينبغي العمل على اطلاع المتخصصين والتدريسيين على تجارب الدول المتقدمة في مجال تطوير المناهج الدراسية ونوعية المفردات المستخدمة في تلك البلدان ضمن الاختصاصات المتناظرة عن طريق ايفاد الطلبة الى تلك البلدان للاطلاع على تجاربها التخصصية المتطورة .والعمل على وضع اسس تقويم دقيقة ورصينة للتمييز بين الطلبة المتفوقين والضعفاء وعدم الاعتماد على اساليب الامتحانات فقط ، وابتكار اساليب قياس وتقويم حديثة للطلبة تستطيع تحقيق معظم الاهداف العامة للتعلم بفعالية . مع التأكيد على ضرورة اعطاء المزيد من الحرية للاستاذ الجامعي في أعطاء المفردات الدراسية للطالب وفق مايراه هو مناسبا ووفق مايستطيع الحصول عليه من معلومات علمية حديثة من مصادر المعلومات والاتصالات الحديثة مثل الانترنت والقنوات الفضائية التعليمية الرصينة علميا ومن الاقراص المدمجة التي يستطيع استخدامها في المحاضرة او اعطائها للطلبة لتنمية تعلمهم الذاتي ، وعدم تقيده الصارم والحرفي بالمفردات المقررة من الجهات التخصصية العليا فقط لان هذا يخلق حالة من الجمود وتضعف حالة الابداع والبحث العلمي المستمر للحصول على كل ماهو جديد في مجال تخصصه . ونرى انه من الواجب قيام الاقسام العلمية بتفعيل موضوع الحلقات الدراسية للتدريسيين وجلسات عرض المستجدات العلمية الحديثة للطلبة واقامة المؤتمرات العلمية الطلابية سنويا اضافة الى الندوات العلمية والتربوية بهدف اغناء الجانب العلمي لدى الطلبة وجعلها منابر حقيقية لاستفادة الطلبة علميا وعدم تحويلها الى نشاطات روتينية مفروضة من قبل الجهات العليا ، والاهتمام الكبير بالجانب النوعي لها من حيث نوعية المعلومات التي يتم تناولها فيها وحداثتها واستجابتها لحاجات المجتمع والطلبة واهميتها بالنسبة لهم .
   اما بالنسبة للعنصر الرابع من عناصر العملية التعليمية وهو المستلزمات والامكانيات المادية ، فمما لاشك فيه ان هذا العنصر يتميز بأهمية كبرى لان جميع النشاطات والفعاليات العلمية التي يتوجب القيام بها من قبل العناصر الاخرى المكونة للعملية التعليمية تصبح غير ممكنة اذا لم تتوفر المستلزمات والامكانيات المادية لغرض تنفيذها بفعالية وكفاءة ، وعليه يتطلب النظر الى هذا الموضوع نظرة شمولية متكاملة ومتوازية مع بعضها عند التفكير بوضع الخطط لتطوير مؤسسات التعليم العالي كونها تتميز عن المؤسسات التعليمية في المراحل الدراسية الادنى لاحتياجها الى كم كبير ومتنوع وحديث من هذه المستلزمات يوازي التطور العلمي والتكنولوجي في العالم وعليه لابد من العمل على اعداد دراسات تفصيلية ومتكاملة وموحدة تشترك فيها جميع الجهات ذات العلاقة بهذا الموضوع ، لغرض انشاء أبنية جامعية جديدة تتوفر فيها ارقى التقنيات الحديثة المعمول بها في جامعات الدول المتقدمة . واستقدام الشركات العالمية المتخصصة وذات الخبرة الطويلة والمشهود لها بالعمل الكفوء في هذا المجال ، وعدم التعامل مع اقامة أبنية ومنشآت جامعية بصورة آنية ومجزءة مما يجعل الاعمال عشوائية وغير منظمة وتؤدي الى زيادة الهدر في المبالغ المخصصة لهذه المشاريع ، والعمل من اجل الحصول على النوعية الجيدة قبل الكمية الرديئة . والعمل على انشاء بنايات متخصصة للاقسام الداخلية للطلبة تكون داخل الحرم الجامعي للحفاظ على سلامة الطلبة ووضعهم تحت السيطرة والمراقبة . وضرورة زيادة التخصيصات المالية المرصودة للجامعات والمعاهد التقنية بشكل يتناسب مع اهميتها ودورها القيادي في المجتمع ونوعية الاجهزة والمستلزمات والمختبرات المطلوبة . وعدم اعتماد الرصد العشوائي وغير المخطط للاموال ، واعطاء المدة الكافية للجان المشتريات لغرض البحث عن المناشيءالاصلية والجيدة وذات الاختصاص لهذه المستلزمات . مع استمرار العمل على التعاقد مع شركات عالمية متخصصة في مجال تصميم وتصنيع الاجهزة والمستلزمات المختبرية التعليمية لأنشاء مختبرات متكاملة تضم جميع الاجهزة المطلوبة ومن نفس الشركة المصنعة ، والابتعاد عن الاسلوب العشوائي في الشراء والتجهيز . وضرورة اشاء قاعات دراسية نموذجية وواسعة تستوعب اعداد الطلبة المتزايدة بشكل مثالي في الجامعات والمعاهد التقنية تتضمن احدث التقنيات التربوية مثل الحاسوب المربوطة بشبكة الانترنت والفيديو وغيرها لاستخدامها في تدريس الطلبة من قبل الاستاذ الجامعي اثناء المحاضرة الاعتيادية .
   الان وبعد التطرق الى العناصر الاساسية للعملية التعليمية ، فأن هناك عنصرا اساسيا ومهما اخر ينبغي التطرق اليه والنظر اليه بأهمية كبيرة وجدية وهو مخرجات مؤسسات التعليم العالي من الجامعات والمعاهد التقنية ، حيث ينبغي العمل بصورة فاعلة على ضرورة ايجاد فرص عمل كافية وحقيقية وفاعلة لهؤلاء الخريجين تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية وشهاداتهم وتخصصهم اثناء الدراسة الجامعية ، لان عملية التطوير تصبح عديمة الجدوى مهما بذل من جهود كبيرة اذا لم يزاول الخريج العمل المناسب لشهادة وتخصصه بعد التخرج ، لان خلاف ذلك سوف يؤدي الى هدر كبير في نواتج العملية التعليمية والاموال والجهود الكبيرة التي بذلت اثناء عملية اعداد الطلبة للحياة العملية في ضوء احتياجات المجتمع الفعلية . وهذا لايتم الا من خلال التنمية الشاملة في جميع قطاعات المجتمع الصناعية والزراعية والاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية والخدمية بصورة تمكنها من استيعاب جميع الخريجين ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب للعمل .
   ونظرا لما يمثله الاعداد التقني للطالب من اهمية كبرى للمجتمع للمساهمة في بناءه ، لذا ينبغي الاهتمام بهذا الجانب بدرجة كبيرة . ونظرا لكون هيئة التعليم التقني ممثلة بالكليات والمعاهد التقنية والمؤسسات الاخرى التابعة لها هي المسؤولة عن الاعداد التقني للطلبة ، لذا ينبغي العمل على الاهتمام بهذه الهيئة بصورة مشابهة لما يتم القيام به اثناء محاولة تطوير العملية التعليمية وعناصرها في الجامعات الاخرى هع التأكيد الكبير على ضرورة اعطاء هيئة التعليم التقني أهمية مضاعفة نتيجة لطبيعة عملية التدريس فيها وحاجتها الى الاجهزة والمستلزمات المختبرية لتدريب الطلبة كونها تتعامل مع الجانب التقني بدرجة قد تكون مختلفة عما هو عليه الحال في الجامعات الاخرى وكذلك نوعية مدخلاتها من الطلبة وطبيعة توصيفهم ، والعمل على تطوير النظرة الاجتماعية لخريجي هذه الهيئة من خلال عقد العديد من الندوات والبرامج الاعلامية لبيان اهميتها في بناء المجتمع وكون خريجيها لايقلون اهمية عن خريجي الجامعات الاخرى ، وتفعيل العمل في لجان التوعية باهمية التعليم التقني ومتابعة الخريجين فيها . وبصورة متوازية مع ذلك ينبغي العمل بصورة فاعلة على زيادة كفاءة وتطوير مدخلات التعليم التقني وهم الطلبة من خريجي المدارس المهنية ، من خلال العمل الجاد والفاعل لتطوير المناهج الدراسية في مؤسسات التعليم المهني وفق احدث التطورات العالمية وجعلها متوافقة ومتلائمة مع المناهج الدراسية في هيئة التعليم التقني بحيث تكون مقدمات اساسية لها مما يجعل المناهج الدراسية فيهما متكاملة مع بعضها ، وضرورة الاهتمام بعملية تدريس المواد الاساسية مثل الرياضيات واللغة الانكليزية خاصة والمواد الاخرى بما يتناسب مع كل تخصص . وزالتأكيد بدرجة كبيرة على تشكيل لجان متخصصة مشتركة بين هيئة التعليم التقني وهيئة التعليم المهني لوضع الخطط الكفيلة والواقية للقيام بعملية التطوير  ، مع مراعاة عقد لقاءات دورية ومستمرة بينهما والاستفادة من نتائج هذه اللقاءات ومتابعة اساليب تنفيذ هذه النتائج ومدى فاعليتها لغرض النظر في تعديلها بين مدة واخرى في ضوء تلك النتائج ، مع اهمية النظر بصورة جدية الى اعادة توصيف خريجو التعليم المهني وجعلهم معدون بصورة جيدة للالتحاق بهيئة التعليم التقني واستمرار الدراسة فيها بتفوق ، وضرورة وضع جدية وصارمة لقبول الطلبة في هذه الهيئة وعدم التهاون في هذا الموضوع لان ذلك سوف يؤدي الى وجود طلبة غير مؤهلين اكاديميا ومهنيا بصورة جيدة مما يساهم في زيادة نسبة الهدر وحالات التسرب وترقين القيد في هذه الهيئة وبالتالي يؤدي الى خسارة كبيرة في الثروة الوطنية وطاقات الشباب في الوقت الذي يكون فيه البلد في حاجة ماسة وكبيرة لجميع هذه الطاقات والعناصر البشرية العاملة والكفوءة .
   أن هذه المتطلبات الواردة نراها قد تكون واقعية ومناسبة لتطوير العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي ، وهي بحاجة كبيرة الى جهود مكثفة وعمل دؤوب ومستمر وتعاوني ومتكامل وفي نفس الوقت معا من قبل الجهات ذات العلاقة وخاصة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية ووزارة المالية .
   أننا نأمل من خلال هذه الدراسة الارتقاء بمؤسساتنا التعليمية الجامعية بجميع مكوناتها وعناصرها وجعلها ترقى الى مصاف الجامعات الرصينة في الدول المتقدمة التي تضع العلم شعارا اساسيا ووحيدا لها قبل كل شيء . أننا نهدف الى بناء عراقنا الجديد الذي يرى في العلم والمعرفة سلاحا قويا يستطيع به حماية شعبه والنهوض من جديد واللحاق بركب البلدان المتقدمة ومن الله العلي القدير السداد والتوفيق . 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . موفق عبدالعزيز الحسناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/12/10



كتابة تعليق لموضوع : رؤية اكاديمية واقعية لتطوير التعليم العالي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net