صفحة الكاتب : شعيب العاملي

فرحة الزَّهراء.. عيدٌ وسُرورٌ لآل الرَّسول !
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
تَلهَجُ الزَّهراء عليها السلام بالحقّ، وتُتِمُّ حجَّتها على الحاكم الأول، فيكتب لها كتاباً بِرَدِّ فدك !
 
تخرُج فيستقبلُها الآخر، يأخُذُ الكتاب منها.. يتفُلُ فيه ويمزِّقُه !
 
تخاطبُه الزهراء عليها السلام: مَا لَكَ؟ لَا أَمْهَلَكَ اللَّهُ، وَقَتَلَكَ، وَمَزَّقَ بَطْنَك‏ (دلائل الإمامة ص120).
 
كلامُ سَيِّدَةِ النِّساء هذا هو دُعاءٌ بالانتقام من الظالم، وليس الإنتقام نَقصاً أو عيباً، بل هو الكمالُ بعينه عندما يستند إلى العدل، فيُكافَأ الظالمُ عقوبةً على ما جَنَت يداه.
 
قال تعالى: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة22).
 
والانتقام قد يبدأ من دار الدُّنيا، كما في قصة آل فرعون: (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ).
ثم ينضمُّ إليه انتقام الآخرة: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى‏ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ).
 
والنّقمة هي (المكافأَة بالعقوبة)، والبطش هو (الأخذ الشديد).
وقد تكون النِّقمة في الدُّنيا عذاباً مباشراً ينزله الله تعالى، أو يسلِّط الله على الظالمين من يعاقبهم انتقاماً، كما سَلَّطَ على قاتل الزَّهراء عليها السلام من ينتقم منه.
 
كانت يداً نجسةً مَزَّقت للزهراء كتابها، ثمَّ امتدّت إليها سلام الله عليها، مِنَ الرَّجل الذي: (لَطَمَ وَجْهَ الزَّكِيَّةِ !).
فما كان إلا أن دَعَت عليه، واستجابَ الله تعالى دعاءها، ثم جَعَلَ يوم الاستجابة يوماً عظيماً مُقابلَ أيام الظلامة والمآسي..
 
واتَّصَفَ هذا اليوم في روايات آل محمدٍ بصفاتٍ جليلة منها أنّه:
 
1. يَوْمُ نَزْعِ السَّوَادِ !
 
أحزانُ آل محمد عليهم السلام عظيمةٌ، وأشدّها على قلوبهم أيام الحسين عليه السلام، فيبدأ حزنهم من عاشورائه إلى أربعينه، حتى شهادة الرَّسول صلى الله عليه وآله، وما تلبث الأحزان أن تتجدَّدَ بالهجوم على الدّار وإسقاط الجنين..
لا يُنزَعُ السواد عند الشيعة منذ بداية محرم إلا في تاسع ربيع، في اليوم الذي يلي شهادة الإمام العسكري (ع)..
 
فما الذي جرى حتى نَزَعَ الشيعةُ السوادَ في هذا اليوم ؟
 
إنّه اليوم الذي: أَقَرَّ اللَّهُ بِهِ عَيْنَ آلِ الرَّسُولِ ! كما عن أمير المؤمنين عليه السلام (بحار الأنوار ج‏31 ص127).
 
هُوَ يومٌ مباركٌ كان النبي (ص) يهنئ فيه الحسنين ويبارك لهما فيه ويقول:
كُلَا، هَنِيئاً لَكُمَا بِبَرَكَةِ هَذَا الْيَوْمِ، فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يُهْلِكُ اللَّهُ فِيهِ عَدُوَّهُ وَعَدُوَّ جَدِّكُمَا، وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ دُعَاءَ أُمِّكُمَا ! (بحار الأنوار ج‏31 ص122).
 
عندما يُهلِكُ الله تعالى عدواً له مستجيباً لدعاء الزَّهراء عليه السلام، ينزعُ المؤمن السواد استبشاراً بانتقام الله تعالى لها، واستجابةِ دعائها، ونصرها، كيف لا وهي التي ( اسْمُهَا فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَة) !
 
فأوَّلُ ما يُفعَلُ في هذا اليوم هو نَزعُ السواد.. حباً لمحمد وآل محمد عليهم السلام.
 
2. يَوْمُ عِيدِ الله الْأَكْبَرِ !
 
ينزعُ المؤمنون السوادَ في هذا اليوم، ثم يَتَعيَّدون كما كان يفعل أئمتهم الأطهار، فقد روي أنَّ الإمام المعصوم عليه السلام: قَدْ أَوْعَزَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَدَمِهِ أَنْ يَلْبَسَ مَا يُمْكِنُهُ مِنَ الثِّيَابِ الْجُدُدِ، في مثل هذا اليوم..
 
إنَّهُ الإمتثال لأمر الله تعالى، وقد أوحى عزّ وجل إلى خير خلقه صلى الله عليه وآله:
 
يَا مُحَمَّدُ! .. إِنِّي قَدْ أَمَرْتُ‏ مَلَائِكَتِي فِي سَبْعِ سَمَاوَاتِي (وشيعتك ومحبّيك‏) أَنْ يَتَعَيَّدُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي أَقْبِضُهُ إِلَيَّ ..
 
يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ وَلِمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَشِيعَتِهِمْ، وَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي بِعِزَّتِي وَجَلَالِي وَعُلُوِّي فِي مَكَانِي لَأَحْبُوَنَّ مَنْ تَعَيَّدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْتَسِباً ثَوَابَ الْخَافِقَيْنِ ! (بحار الأنوار ج‏31 ص125).
 
الآمرُ هو الله تعالى، (وَاللَّهُ عَزيزٌ ذُو انْتِقامٍ)، وقد حانَت ساعة الإنتقام الأوَّل في دار الدّنيا.
 
رَبُّ السماوات والأرض هو الذي جَعَلَ هذا اليوم عيداً، لا يختص بالملائكة، بل هو عيدٌ لخير خلقه وأحبِّهم إليه (ص)، ولأهل بيته (ع)، ومَن شايعهم وأحبهم واتّبعهم، ليثيبهم على ذلك عطاءً جزيلاً..
 
فماذا يعني ذلك ؟!
لسنا نزعمُ الإحاطة بما يستبطن التعيُّد في هذا اليوم من حِكَمٍ على كثرَة ما يظهر منها، ولكن يكفينا قولُ أمير المؤمنين عليه السلام في نهجه الشريف: كُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ !
 
فكيف يكون اليومُ الذي يُقتلُ فيه من كان رأساً لكلّ المعاصي، وقد ورد عنهم عليهم السلام:  وَمَا مِنْ مِحْجَمَةِ دَمٍ تُهَرَاقُ إِلَّا وَهِيَ فِي رِقَابِهِمَا !
 
لقد قبضَ الله في هذا اليوم من أسَّسَ أساس الظُّلم والجور على آل محمد، ومَن فتح باب أعظم المعاصي على مصراعيه، وأبشع الظلامات على آل محمد، فكان يوم الانتقام منه (عيد الله الأكبر)، وكان (يَوْم فَرَحِ الشِّيعَةِ)، و(يَوْم سُرُورِ أَهْلِ الْبَيْتِ) !
 
فهنيئاً لمَن تعيَّدَ فيه وتقرَّبَ إلى الله تعالى بذلك.
 
3. يَوْمُ الْغَدِيرِ الثَّانِي !
 
لَقَد وُصِفَ هذا اليوم بأنَّهُ (يَوْمُ الْغَدِيرِ الثَّانِي)، وبما وصف به الغدير الأول، فالغدير المعروف هو: عِيدُ اللَّهِ الْأَكْبَر (تهذيب الأحكام ج3 ص143)، ويوم فرحة الزَّهراء كذلك !
 
فلماذا اشتركا في هذين الوصفين ؟! وماذا يعني ذلك ؟!
 
لقد وُصِفَ الغدير على لسان أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه: يَوْمُ دَحْرِ الشَّيْطَانِ ! (مصباح المتهجد ج2 ص756).
وعلى لسان الإمام الرضا عليه السلام بأنّه : يَوْمُ مَرْغَمَةِ الشَّيْطَانِ ! (إقبال الأعمال ج1 ص464).
 
وشابَهَهُ يومُ فرحة الزهراء لأنَّهُ: يَوْمُ هَدْمِ الضَّلَالَةِ !
ولأنّه: الْيَوْمُ الَّذِي يَتَكَسَّرُ فِيهِ شَوْكَةُ مُبْغِضِ جَدِّكُمَا ! كما عن النبي (ص) للحسنين عليهما السلام.
 
فقد عَظُمَ أمرُ عيد الغدير الأوَّل حيث أرغمَ أنفُ الشيطان فيه، وقد صار رَمزاً للولاية الحقة، والإمامة العظمى.
وعَظُمَ أمرُ عيد الغدير الثاني حيث قُتِلَ فيه من أسَّسَ أساس الظُّلم والجور وفَتَحَ بابَ الضلالة، وانكسرت شوكته، وقد صار رمزاً للبراءة.
 
وقد روي عَنِ الرِّضَا (ع) أَنَّهُ قَالَ: كَمَالُ الدِّينِ:
1. وَلَايَتُنَا.
2. وَالْبَرَاءَةُ مِنْ عَدُوِّنَا (مستطرفات السرائر ص266).
 
فالغديرُ الأول رمزُ الولاية الأعظم.
والغديرُ الثاني رمزُ البراءة الأوضح.
 
وبالولاية والبراءة يكمُلُ الدِّين، وينقص بنقصان أحد هذين الركنين.
 
بهذا صار يوم التاسع من ربيع الأول عيداً عظيماً من أعياد الله، ورمزاً للبراءة من أعداء الله.
 
ولا يزال المؤمنون يستذكرون وليَّ أمرهم وإمام عصرهم الحجة بن الحسن المهدي عليه السلام، وينتظرون طلعته البهيّة، ويعلمون أنّ تمام هذا السُّرور في أخذه بالثار، وانتقامه من ظالمي آل محمد في الدُّنيا قبل الآخرة.
 
اللهم أقرَّ عيوننا برؤيته.. واجعلنا من جنده.. الذين تُدخل بهم السرور على أوليائك، بالانتقام من أعدائك، يا أرحم الراحمين.
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/06



كتابة تعليق لموضوع : فرحة الزَّهراء.. عيدٌ وسُرورٌ لآل الرَّسول !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net