صفحة الكاتب : الشيخ حسن الصفار

لماذا تواجهنا تحدّيات الحياة؟
الشيخ حسن الصفار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عند ذهاب الانسان إلى أيّ مكان ينبغي أن يتعرف على طبيعة ذلك المكان، وأن يحدّد المهمّة التي جاء إليه من أجلها، حتى يتهيأ ويكيِّف وضعه مع أجواء ذلك المكان، ويتجه إلى إنـجاز تلك المهمّة، حيث تختلف طبيعة الأمكنة والمهام.
فحين تسافر إلى بلدٍ، تحتاج إلى معلومات أوّلية عنه، لتوفر المستلزمات المناسبة للسفر إليه. كما تحتاج إلى تحديد غرضك من الذهاب إليه، هل هو الدراسة أو التجارة أو العلاج أو السياحة. فقد يستلزم كلّ غرض وسائل وبرامج تختلف عن الغرض الآخر.
بل حتى المواقع التي تذهب إليها، قد تستلزم تهيئًا واستعدادًا خاصًّا لكلّ موقع، فإنّ تهيئك للذهاب لصالة رياضية، يختلف عن تهيئك للذهاب للمسجد، أو لصالة اجتماعات.
وتشبّه كثير من النصوص الدينية وجود الإنسان في الدنيا بالسفر، فهي رحلة، ما تلبث أن تنتهي.
ورد عن الإمام علي (ع): «إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ بَيْنَا هُمْ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا».
وفي كلمة أخرى عنه (ع): «إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا كَسَفْرٍ سَلَكُوا سَبِيلاً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ».
معرفة طبيعة الحياة
ورحلة الإنسان في هذه الحياة تتطلب معرفة بطبيعتها، وتهيؤًا واستعدادًا لتحقيق الغرض من هذه الرّحلة، وهذا ما توضحه الرسالات السماوية، ويدركه الإنسان بضميره وعقله السّليم.
وأول ما توضحه الرسالات السماوية هو تبيين طبيعة هذه الحياة للإنسان، فهي رحلة مقرّرة للإنسان من قبل الله تعالى، في بدئها ونهايتها ومقوماتها. وهي رحلة كفاح، وبذل جهد، وليست رحلة راحة واستجمام.
يقول تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}. 
أي في مشقة ومعاناة، و (في) تفيد الظرفية، وتعني أنّ الإنسان في هذه الحياة، يعيش في ظرف ووعاء المعاناة والمشقّة، تحيط به كما يحيط الظرف بالمظروف.
إنّها معاناة تبدأ من وقت الولادة، والتكيّف مع الحياة الجديدة، وتستمرّ إلى معاناة الخروج من هذه الحياة.
إنه يعاني من الصّراع في داخل نفسه، بين أهوائه ورغباته المختلفة، ويعاني في وضع جسمه، حيث تعتوره الآلام والأسقام، ويعاني في توفير متطلبات الحياة.
ويعاني في علاقته مع محيطه الاجتماعي، وفي عيشه في أحضان الطبيعة.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}، والكدح: بذل الجهد وتحمّل العناء، فهو كدح مستمرٌّ إلى ملاقاة الله تعالى.
وقد يتصور الإنسان أنّ هناك في الحياة من لا يناله التعب والمشقة، لأنه يرى ظاهر حياتهم، وذلك وهم، فكلّ إنسان يحمل همومه وأتعابه، صحيح أنّها تتفاوت لكنّها تشمل الجميع، العالم والجاهل، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم. وفي هذا البلد وذاك البلد.
لا للرؤية التشاؤمية
ورد عن النبي محمد (ص) «إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَضَعْتُ اَلرَّاحَةَ فِي اَلْجَنَّةِ وَاَلنَّاسُ يَطْلُبُونَهَا فِي اَلدُّنْيَا فَلاَ يَجِدُونَهَا».
وورد عن الإمام علي بن الحسين السّجاد (ع): «اَلرَّاحَةُ لَمْ تُخْلَقْ فِي اَلدُّنْيَا وَلاَ لِأَهْلِ اَلدُّنْيَا إِنَّمَا خُلِقَتِ اَلرَّاحَةُ فِي اَلْجَنَّةِ وَلِأَهْلِ اَلْجَنَّةِ». 
ويقول الشاعر أبو الحسن التهامي (ت: 416 هـ): 
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها        صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ 
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها        مُتَطَّلِبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ
لماذا التأكيد على هذه الطبيعة للدنيا؟ 
هل ذلك لبثّ حالة التشاؤم والضّجر؟ 
كلّا؛ فالنصوص الدينية لا تصنع رؤية تشاؤمية عن الحياة، بل تتحدّث عن نعم الله التي أفاضها على الإنسان في الحياة.
يقول تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}. 
ويقول تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}. 
كما تتحدّث آيات القرآن الكريم، عن جمال الكون، وثروات الطبيعة، وتسخير كلّ الإمكانات لخدمة الإنسان.
وإنّما التأكيد على طبيعة المعاناة في الدنيا ليتهيأ الإنسان لمواجهة واقع الحياة، ويستعدّ لتحمّل أعبائها، بإرادة ووعي، حتى لا يسيطر عليه الإحباط واليأس، ولا يعيش في خيال الرغبات والتمنّيات.
التحدّيات طريق لتكامل الإنسان
لماذا قدّر الله تعالى للإنسان أن تكون رحلته في هذه الحياة محفوفة بالمشقّة والمعاناة؟
لأنه تعالى شاء أن تكون الحياة دار امتحان يصقل فيها الإنسان إرادته، ويعتصر فكره، ويفجر قدراته النفسية، وينمّي خبرته ومهاراته.
إنّها الطريق لتكامل الإنسان روحًا وفكرًا وسلوكًا.
وحين يدخل الإنسان إلى قاعة امتحان وتدريب، عليه ألّا يتوقع الترفيه، بل مواجهة تحدّي الأسئلة، والمواقف الصعبة، سواء في الامتحانات العلمية الاكاديمية أو التدريبات الرياضية والعسكرية، أو حتى امتحان رخصة القيادة للسيّارة والطائرة.
وهذا الاختبار والامتحان ليس لتعذيب الإنسان وإيذائه، وإنّما لتربية الإنسان، وزرع التطلّع والطموح للكمال والنجاح في نفسه.
وفي القرآن الكريم والأحاديث نصوص كثيرة تؤكّد على هذه الحقيقة.
يقول تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. 
وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. 
ورد عنه (ص): «لَولا ثَلاثٌ فِي ابنِ آدَمَ ما طَأطَأَ رَأسَهُ شَيءٌ: المَرَضُ، وَالفَقرُ، وَالمَوتُ، كُلُّهُم فيهِ، وإنَّهُ مَعَهُنَّ لَوَثّابٌ».
وجاء عن الإمام جعفر الصادق (ع): «اَلْمَصَائِبُ مِنَحٌ مِنَ اَللَّه». 
التطلّع إلى الآخرة
كما أنّ صعوبات الحياة وآلامها، تحفّز الإنسان للتطلّع إلى حياة أفضل، تخلو من الصّعوبات والآلام، كما يدفع الظمأ الإنسان للبحث عن الماء، لذلك تتحدّث النصوص الدينية، عن نعيم الجنة، والخلود فيها، لبعص الشوق في نفس الإنسان إليها.
يقول تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
ويقول تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ‎﴿٧٠﴾‏ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 
ويقول تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ‎﴿٢٥﴾‏ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا}
ورد عن أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ علي بن أبي طالب (ع) فِي صِفَةِ اَلْجَنَّةِ: «دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ، وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ، لاَ يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا، وَلاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا، وَلاَ يَهْرَمُ خَالِدُهَا، وَلاَ يَيْأَسُ سَاكِنُهَا».
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسن الصفار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/12



كتابة تعليق لموضوع : لماذا تواجهنا تحدّيات الحياة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net