ليبيا توقع خطوات "جيدة" تؤدي الى كشف مصير الصدر ورفيقيه "قريباً"

طرابلس - سوسن أبوظهر
ليبيا توقع خطوات "جيدة" تؤدي الى كشف مصير الصدر ورفيقيه "قريباً"
ووجود السنوسي وكوسا خارج قبضة العدالة يبقي الكثير من المعلومات محجوباً
حين سقط النظام الليبي، تنفس كثيرون الصعداء. صار ممكناً السؤال عن مصير أشخاص "اختفوا" في غياهب السجون. لكن الضحايا كثيرة، وخيوط الحقيقة مبعثرة بين من بقي من أركان حُكم معمر القذافي على قيد الحياة، ومعظمهم ليس في قبضة العدالة الليبية. واللغز الأكبر لا يزال مصير الإمام موسى الصدر.

إنها القضية التي لا تموت في العلاقات الليبية - اللبنانية، فيها الكثير من الأسرار الاستخبارية في دول عدة، عربية وغربية.
ليبيا "17 فبراير" التي تحمل تركة ثقيلة من السياسات الخارجية للقذافي، تسعى جاهدة إلى طي الملفات، ليس بدفع الأموال كما دأب العقيد، بل بكشف الحقائق متى كان ذلك ممكناً. يعنيها فك لغز مصير أحد أبرز زعماء لبنان الروحيين، وإعادة رسم مسار الساعات والأيام والسنين التي تلت مغادرته فندق الشاطئ في طرابلس.
والمعروف أن القذافي نفسه اعترف بأن الصدر "اختفى" في ليبيا، وذلك في خطاب ألقاه في سبها في آب 2002، مع العلم أن نظامه تمسك سنوات برواية أنه سافر إلى روما، وهذا سيناريو انتهى تحقيق إيطالي إلى عدم صحته. ومما قاله القذافي: "فقدنا أحد رموز المقاومة الوطنية اللبنانية، أحد رجالات الأمة الإسلامية اختفى، ومش عارفين كيف اختفى. اختفى في ليبيا. الرجل صديق لليبيا وثوري من الرجال المهمين. خسارة كبيرة. فقدنا موسى الصدر".

الكوني: "قريباً"
بعد إعلان رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" مصطفى عبد الجليل العثور على رفات قد يكون للأمام، ونفي الأمر في طرابلس وبيروت، خيم الصمت على الملف.
قال لنا عضو "المجلس الوطني الانتقالي" موسى الكوني إن ثمة اتفاقاً مع الجانب اللبناني على عدم الإدلاء بتصريحات، فالقضية تُتابع بعيداً من الإعلام بين الدولتين مباشرة ومع أسر الإمام والشيخ حسن يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. ولكن "ستكون هناك خطوات جيدة قريباً تؤدي إلى الحقيقة". ولدى استيضاحه ما إذا كانت الفترة المقصودة لا تتجاوز الأشهر، عاود القول :"قريباً، إن شاء الله خيراً".
كيف يمكن احراز هذا التقدم ومدير المخابرات السابق عبدالله السنوسي لم يسلم إلى بلاده، وهو كان ظهر مساء 25 آب 1978 في مطار طرابلس بعد هبوط الطائرة التي نقلت الإمام من بيروت. يجيب الكوني بأن المجلس يسعى الى استعادته، فهو "أخطبوط يمسك بأذرعه المتعددة مفاتيح الجرائم المرتكبة في ليبيا وخارجها، في حق مواطنين وأجانب. الرجل لديه كم هائل من المعلومات. لا بد من ضغط دولي على موريتانيا لتسليمنا إياه اليوم قبل الغد، فالعالم بأسره يدرك مدى قربه من القذافي... السنوسي خزان معلومات. لديه أسباب سجن الإمام وما حصل معه، ولماذا ارتكبت هذه الجريمة المفجعة. ومن حق الشعب الليبي وأسر الضحايا الاطلاع على تلك الخفايا".
وفي انتظار استرداد السنوسي، هل سئل سيف الإسلام القذافي عن الأمر. صحيح أنه كان ولداً عام 1978، ولكن لا شك في أنه سمع الكثير في ما بعد، من والده أو من زوج خالته السنوسي. يجيب الكوني: "من المؤكد أن لديه معلومات".

السنوسي وكوسا
المعادلة، استناداً الى الصحافي عيسى عبدالقيوم هي كالآتي: "الخبر اليقين ليس عند ليبيا بل في موريتانيا حيث السنوسي. وبما أن الاستخبارات الفرنسية كانت الأسرع إليه، فالإجابات لديها. ولئن كان الرجل أدار رحى خصومات القذافي، فهو يعرف الكثير عن دور فرنسا، خلال سني حكمه وفي الثورة. واذا شعرت باريس (النافذة في نواكشوط) بالحاجة إلى موته، فإنها ستسلمه إلى ليبيا التي ينص قانونها الجنائي على عقوبة الإعدام. وفي حال إبرام صفقة أو تسوية، قد ترحله إلى محكمة الجنايات الدولية" حيث يمكن ضمان بقائه حياً، سواء بالنسبة إلى الأحكام أم الى الإجراءات الأمنية.
وكانت صحيفة "الأخبار" الموريتانية وصفت السنوسي بأنه "ورقة سياسية رابحة في المزاد العلني"، وسط أنباء عن تدهور كبير في صحته. ويذكر أنه دين في باريس غيابياً عام 1999 بالسجن المؤبد لدوره في تفجير طائرة قتل فيه 54 فرنسياً.
ويلفتنا عبدالقيوم إلى رجل آخر مهم في قضية الصدر. إنه أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي موسى كوسا الذي ورد اسمه في رسم سيناريو تزوير سفر الإمام إلى إيطاليا، وهو بدوره خارج قبضة العدالة الليبية والدولية. إنه "رجل بريطانيا في آخر عهد القذافي، لم ينشق، هي أخرجته لسلامة المعلومات التي في حوزته. أدركت لندن أن المستقبل للثورة، مع أنها تورطت مع القذافي" في التجسس على معارضين ليبيين في أراضيها، وعبد القيوم احدهم.
ولعل لندن أرسلت كوسا إلى الدوحة لئلا يمثل أمام قضائها لدوره في قضية لوكربي ومقتل الشرطية ايفون فلتشر. وكشفت صحف بريطانية أنه كان عميلاً مزدوجاً يساعد جهاز الاستبخارات "أم آي 6" منذ سنوات.
ويعتبر عبد القيوم أن كوسا الذي قال معتقلون في سجن أبوسليم إنه أشرف على تعذيبهم، سيتحول عبئاً على حُماتُه. ومع أن سجله والسنوسي ملوث بدماء كثير من الليبيين، فإن "المجلس الوطني الانتقالي" لن يغضب فرنسا وبريطانيا، أبرز داعميه الغربيين. غير أن ذلك سيتغير "في المفصل الثالث للثورة الذي يلي المرحلة الانتقالية ويشهد ولادة برلمان ودستور".

فوضى الوثائق
وحيال تعقيد المشهد الدولي الذي يحول دون استرداد الرجلين، سعى ثوار إلى التحرك فردياً لتقصي حقائق إخفاء الإمام.
قال لنا مصدر إعلامي متابع للملف طلب عدم ذكر اسمه إن القضية فتحت على مصراعيها بعد سقوط النظام، و"تدخل فيها صحافيون وعملاء استخباريون عرب وغربيون". وأشار إلى أنه واكب توجه إحدى مجموعات الثوار إلى منزل السنوسي قرب باب العزيزية في طرابلس. لم يُعثر على وثائق في المكان، بل في مكتب لا يُدخل من قلب البيت وإنما من الجهة الخلفية المفتوحة على حديقة. هناك خزائن لملفات. الكثير منها، ما ملأ ثلاث سيارات. فجأة ظهر أجانب أوروبيو الملامح، "بريطانيون على الأرجح، فجهاز أم آي 6 كان منتشراً بيننا". ادعوا أنهم صحافيون، مع أنهم لم يحملوا كاميرات. وكان ارتداؤهم سترات في آب مستغرباً، فقدَر الثوار أنهم مسلحون وأمروهم بالانصراف. وبعد عشر دقائق من خروج الجميع، شب حريق في المنزل أشعلته قنابل "لطمس ما في داخله".
وأكد المصدر أن الوثائق سليمة، وفي حوزة ثلاثة أشخاص يريدون استخدامها للتأريخ للثورة وفك ألغاز حكم القذافي. وهو اطلع على جزء منها واستنتج أن "لا ملف خاصاً بموسى الصدر، وإنما أوراق متفرقة، بعضها يتعلق بأماكن احتجازه".
وإذ نسأله عن خلاصة ما توصل إليه، يجيب بأنه يمكنه الجزم بأن الصدر كان حياً حتى عام 1996. احتجز بداية نحو سنة في زنزانة فردية في "مكتب النصر"، وهو سجن تابع للمخابرات الليبية لم تتمكن "النهار" من زيارته. ثم نقل إلى خارج العاصمة.
وماذا بعد 1996؟ يتحدث عن انقطاع في المعلومات، وإن يكن بعضها يتجه إلى وفاة محتملة للإمام، إما قتلاً وإما لأسباب مرَضية. وهو لم يدفن، بل أُبقي الى حين نشوب الثورة في ثلاجة يُرجح أنها في سجن أبوسليم، ونقل في آب 2011 إلى جهة مجهولة.
ويذكر أن الكثير من المعارضين انتهوا جثثاً في ثلاجات، وهو مصير القذافي نفسه في سوق الخضار بمصراتة. واكتُشفت أخيراً 28 جثة في مركز للمخابرات في طرابلس ويُرجح أن أصحابها أعدموا عام 1984. ويُقال إن شركة فرنسية تتولى فحوص الحمض الريبي النووي "دي أن آي" المتعلق بقضية الصدر.
وعن مصير يعقوب وبدرالدين، يقر المصدر بأن الثوار أخطأوا في عدم التركيز عليهما. ويكشف عن توقيف شخص يُعتقد أنه انتحل هوية الإمام واستخدم جواز سفره للسفر إلى إيطاليا.
وفي المقابل، يتبنى معارض ليبي شارك في تقصي الحقائق في هذا الملف نظرية الخلاف الديني بين الصدر والقذافي التي كان عبدالرحمن شلقم أشار إليها. ويرى أن العقيد قرر معاقبة الصدر على توبيخه إياه ووصمه بالجهل، وأن الإيذاء الجسدي أتى لاحقاً بعدما خرجت الأمور عن السيطرة وتصاعدت التحركات لجلاء مصير الرجال الثلاثة. ويتحدث بدوره عن وفاة محتملة عام 1983 أو 1984. وفي رأيه أن العقيد لم يدع الإمام إلى طرابلس قاصداً قتله، لأنه "لو أراد التخلص منه لتم له ذلك في بيروت على أيدي الفصائل الفلسطينية. القذافي اعتبر لبنان منطقة نفوذه، والصدر كان غير خاضع له. يبدو أنه رغب في استمالته، لكنهما خاضا نقاشاً حاداً في السيرة النبوية والتشيع فضح جهل القذافي بالعلوم الإسلامية".
وفي طرابلس التقينا أحد ثوار مصراتة ممن دخلوا باب العزيزية. قال إنه يملك أوراقاً عن سجن الإمام في أماكن متعددة، بينها سبها في الجنوب والجنزور على مسافة 12 كيلومتراً غرب طرابلس. وحين طالبناه بإطلاعنا على ما في حوزته، تهرب بالقول إنه أُغري بـ"الملايين من جهات داخلية وخارجية، لكنني أرفض بيع ما لدي". لماذا إذاً لا يقدمه إلى السلطات، أجاب :"أسلمها حين تكون هناك دولة". وعرض تزويدنا "أدلة" تفضح "فساد" مسؤولين حاليين.
ولم نجد في وثائق اللجان الثورية السابقة المعروضة على العموم في مصراتة ما يشير إلى لبنان، في ما عدا واحدة تتعلق بإنفاق أموال في بلدنا في "مهمة سياسية"، وكنا نشرنا نصها في مقال سابق. وأكد المسؤولون عن المكان أن ليس في عهدتهم أي نص يتعلق بالصدر. ولم يكن لدى رئيس الغرفة الأمنية لقوة طرابلس الكبرى العقيد يزن الفيتوري الذي استقبلنا في مكتبه معلومات عن القضية.

مذكرات مبارك؟
وحين التقينا العقيد أحمد باني في بنغازي، كلفنا نقل شكره الى مراسلَين "لبنانيَين مارونيَين" لشبكة "آي بي سي" الأميركية للتلفزيون اسماهما حنا وجورج واكبا الثورة. وأضاف من دون سؤاله: "يعترينا الخجل ونشعر بالحزن على الإمام. لأن الغادر (القذافي) لم يراع كرم الضيافة والأخلاق".
ولدى استيضاحه ما إذا كان يعلم شيئاً عن الأمر، تحدث عن تقارير عن تولي القذافي نفسه تعذيب الصدر "لأن موسى رفض الطائفية وتصفية الموارنة في لبنان". وأضاف أن ذلك ورد في مذكرات الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
والواقع أن تلك المذكرات التي نشرتها جريدة "روز اليوسف" أثارت جدلاً وشُكك في صحتها. وقال عنها يسري عبدالرزاق، أحد وكلاء الدفاع عن مبارك، إنها "مفبركة وكاذبة".
وكان جاء في الحلقة 12 منها أن القذافي تخلص من الصدر "بسبب ما أعتقد أنه سوء أصاب عناصر مخابراته في لبنان عام 1977 عندما تعرضوا للقتل واختفت مستندات مهمة في حوزتهم". واتهمه بأنه "صديق لـ(الرئيس المصري الراحل أنور) السادات على حساب ليبيا".
و"على أكلة سمك وجمبري"، كما نُسب إلى مبارك، سأل القذافي الصدر عن الأمر وضربه. و"بينما أمر بقتل مرافقي (رفيقي) الإمام الصدر على الفور، أمر رجاله بإحضار أدوات التعذيب، وعذب الإمام بنفسه الذي سقط صريعاً بعد أربع ساعات...".
"قريباً، إن شاء الله خيراً"، كما توقع موسى الكوني، تصل الحقيقة إلى أسر الصدر ويعقوب وبدرالدين، علها تجد بعض العزاء بعد عقود من الألم. ومثلها ينتظر ذوو كثيرين من الليبيين "المختفين"، من منصور الكيخيا إلى الكاتب عمر النامي، والمعارضين عزت يوسف المقريف وجاب الله حامد مطر، وجمال الحاجي وآدم الحواز وعمر الواحدي وسواهم. عبء كبير ستحمله ليبيا سنوات وهي تلملم جروحها.
ثمة قول للإمام يحتاج اليه الليبيون ليمضوا قدماً، ولا يزال اللبنانيون بعيدين منه. اقرأوا جيداً، "الوحدة الوطنية لا تُعالج بالقبلات بل بالتمسك بالوطن، بالأيدي المتينة لا بالأيدي المهزوزة".
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/20



كتابة تعليق لموضوع : ليبيا توقع خطوات "جيدة" تؤدي الى كشف مصير الصدر ورفيقيه "قريباً"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net