صفحة الكاتب : سمير داود حنوش

عاصفة الصحراء التي عَصفت بالعراقيين
سمير داود حنوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في ذلك الزمن توقفت الساعات والدقائق عن الدوران، فقد فَتَح الجحيم أبوابه للعراقيين.

لم تَكُنْ ليلة (16-17) من كانون الثاني 1991 حَدثاً عاديّاً للعراقيين الذين كانت أعينهم وآذانهم صَوب شاشات التلفاز بإنتظار القرار الأممي الذي سَيُقرّه المُجتمع الدولي بِحق حماقة الرئيس صدام حسين حين أوهمه الغرور بإحتلال دولة الكويت.

لَم تمضِ سوى ساعات قليلة بعد مُنتصف الليل حتى صَدَر القرار الصعب بإسترجاع الأراضي الكويتية من مُحتلّيها، كان النظام يتغنّى بأنّها المُحافظة (19) التي إنضمّتْ إلى مُحافظات العراق الـ(18).

لَم يكتفِ التحالف الدولي بِقيادة أمريكا بأعماله العسكرية ضِمن حدود دولة الكويت، بل إمتدّت أسراب الطائرات المُقاتلة المُتعددة الجنسيات وعَبَرت المساحة الجُغرافية للعراق وإجتازت حدوده لِتصل إلى بغداد، وقبل أن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود من صبيحة الـسابع عشر من كانون الثاني كانت أسراب الطائرات تَقصُف البُنى التحتيّة من مباني ومحطات المياه والكهرباء ومُعسكرات الجيش والوقود والشوارع التي لم تنجو من ذلك القصف.

يُمكن توصيف المشهد بأن الأرض كانت كأنّها تلتهم البشر ومصانعهم ومبانيهم.

لَم يَنمْ العراقيون ليلتهم، فقد كان يوم الحِساب بإنتظارهم وذلك الفزع، الرعب، الخوف، الإرباك، والقلق من مصير مجهول، كل تلك المشاعر مُجتمعة كانت تتصاعد أنزيماتها في عقول العراقيين ومشاعرهم.

مشاهد الحِمم وبراكين النار التي تَفتح أفواهها عندما كانت الطائرات تقصف كل شيء يُديم حياة المواطن.

قصفوا محطات الوقود فإختفتْ السيارات والمركبات من الشارع وتقطّعتْ أوصال الطُرق عندما غاب الوقود عن المكائن ومحطات الماء التي لم تَعُد تُجّهز المواطنين بالماء الصالح للشرب فإضّطروا لإستعمال مياه الأنهار.

أسراب الطائرات التي كانت ترمي بِشررها على العراق وشعبه لم تُدرِك حينها أنها تُعاقب شعباً لاحول له ولاقوة دفع ثمن أخطاء نظام مغرور كان مُستعدّاً أن يُشعِل سيجارته حتى ولو إحترق الشعب بأكمله.

في تلك الأيام تحوّلت بغداد إلى مدينة غادرتها الأشباح خصوصاً تلك الليالي الظلماء التي كانت تُخيّم على أهلها حين لم يجدوا غير الشموع والفوانيس مصادر الطاقة التي يتجمعون حولها.

كان الراديو وسيلة الإتصال الوحيدة التي تربطهم بالعالم الخارجي عندما كانت آذانهم تسترّق السَمع لِصوت إذاعتي (مونت كارلو) والـ(بي بي سي) وهي تُسارع في نشراتها أخبار الهزائم والحرائق والإنفجارات وقُصص الموت التي تخطف الجنود المهزومين.

كان السُخط على صدام حسين ونظامه قد ظهر ويتعالى لِما وصل إليه الشعب نتيجة خطاياه ، لكنه في النهاية كان الإستسلام للواقع.

كان البعض مِنهم يوجّه اللوم لأولئك الجنود الذين يتّخذون مدارس الطلبة القريبة من المناطق المأهولة مَقرّات لهم خوفاً من قصف طائرات التحالف، لكن في النهاية كان يُدرِك هؤلاء الغاضبون أن الجنود ليسوا سوى مساكين فُرض عليهم التجنيد الإلزامي.

بغداد تحوّلت إلى كابوس، أو المدينة التي إستقرّت في قعر الجحيم عندما غادرها أهلها إلى المُحافظات أو الملاذات التي كانوا يعتقدون أنّها آمنة هرباً من القصف والموت، لكن الموت كان يُلاحقهم في كل مكان.

لَم يَتبق من ذلك الزمن سوى بعض الذِكريات التي تحتفظ بها ذاكرة مُنهكة غادرها الكثير ممن يحتفظون بِقُصص أهوالها ومآسيها.

ربما لو أُتيح للحجر أن ينطق، والنخيل يتكلم، والتاريخ يسرد قِصصاً عن تلك الأيام فهل كانت تكفيه مُجلدات؟.

سَقطتْ الأبنية حجراً على حجر، إحترقتْ المصانع والمعامل، إمتلئتْ الشوارع بِجُثث مُحترِقة ومُتهرّئة مجهولة الهويّة، أصبح الوطن في تلك الأيام كالشرار التي تنفُثُها النار بإتّجاهات مُتعددة ليصبح في النهاية رماداً يستحق الرثاء.

دفع العراقيون ثمناً باهضاً لِنزوات رئيس وفاتورة أخطائه حين أوحى له شيطانه المُستتر أن يحتل دولة عربية مُجاورة ويضمُها لِمملكته، فكانت النتيجة أنه إختبئ في الملاجئ المُخصّصة له ولعائلته، فيما كان الشعب وقوداً لِتلك المحرقة.

إنتهت عاصفة الصحراء بإنسحاب الجيش العراقي من الكويت بأبشع المشاهد وأقسى ثمن لِتبدأ بعدها رِحلة إنتفاضة الشعب ضد النظام...وتلك قُصة أخرى.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

سمير داود حنوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/17



كتابة تعليق لموضوع : عاصفة الصحراء التي عَصفت بالعراقيين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال

 
علّق سنان السعداوي الاسدي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : الله حيوا رجال بني أسد في السعديه.

الكتّاب :

صفحة الكاتب : احمد الخالصي
صفحة الكاتب :
  احمد الخالصي


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net