صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة انطباعية في كتاب المصابيح للسيد أحمد الصافي ج 5
علي حسين الخباز

 
كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي المخصص لشرح أدعية مختارة من الصحيفة السجادية ، يبحث في الأسس الفكرية  التي تشكل مجموع  القيم المعرفية الساعية لبناء المجتمع ، أثر  موائمة الواقع الذي أفرزته واقعة الطف ، والوضع الخاص الذي عاشه الأئمة "عليهم السلام ". نظر السيد الصافي الى مرحلتين  ، الاولى ما قبل الواقعة والمرحلة الثانية ما بعد الواقعة  ، وهذا الفصل بين الزمنين هو الخطوة الاولى  ، لفهم المعرفة الأنسانية  وتحليل المجتمعات ، مجتمع ما قبل واقعة  الطف . يشهد التأريخ  أن هناك إنحرافاً  كبيراً قد حصل وتراكم في جميع  مجالات  المجتمع الإسلامي وإنحراف الكثير من القيم  والافكار وظهور قيم  جديدة إنعكست على الدين نفسه  ، رغم  ان زمن الارتقاء  والإيمان  الذي  ترسخت  فيه المبادئ  الخلاقة  التي أسسها النبي الكريم ما زالت أزمنة  ندية لا يفصلها عن هذا الانحراف زمناً  قريباً  ،  حتى أن بعض من عاصروا الإمام الحسين عليه السلام كانوا قد أدركوا النبي "صلى الله عليه وآله وسلم "، وهذا يوضح  ما تعرض له الفكر الديني  من تحريف وهذا الانحراف أبعد المسلمين عن الحق ، وهذه  التشوهات  الفكرية  التي تسللت الى بنية الإنتماء  ، استطاعت أن تخلق إنحرافاً حقيقياً ، وبما اننا قسمنا  التأريخ  الى مرحلتين قبل وبعد الواقعة  سنصل الى مفهوم قيادة كل مرحلة  التعرف على بنية المجتمع وحجم الانحراف ، والأبعاد السياسية والإجتماعية  التي تتشكل في تربية مجتمع ما قبل الواقعة .  الانحراف شكل بعداً في مفاهيم  المجتمع  وتغيير مضامين الدين  ، حتى أن أهل البيت "عليهم  السلام" الذين هم أساس  الإنتماء الفكري  لمنهج  النبي" صلى الله عليه وآله وسلم " جعلوهم في عزلة إجتماعية وهذا يعني أن البدائل التي وضعها الفكر القيادي القبلي أعاد المجتمع الى مرحلة ما قبل الدين ليستبدل الهوية الدينية  بهوية سياسية  قبلية  تنتظم على شكل دولة  ، وحكومة وسلطة  ؛ بمعنى  أقرب المجتمع  ضيع الإيمان والفكر المؤمن وفقد  الفطرة  الإنسانية وأبعد المسلمين عن الحق ، سوء  كان هذا الإقصاء  هو عن جهل أو بمنشأ قصدي ، والمعروف علمياً  أن إجتماع  الناس على قضية ما ليس دليلاً على صحتها ، هذا التحريف  المموه  بإسم الدين إستطاع أن يسيطر على عقل المجتمع ، فيكون الانحراف قادر على إنهاء  الدين والأخلاق ، هذا مما دعا الإمام الحسين الى النهوض  الى قيادة  الأمة في حركة  تصحيحية  تبعد  ما تعرض  له ، فكان قائد هذه المرحلة هو الامام الحسين "عليه السلام" . نصل الى المرحلة الثانية مرحلة ما بعد واقعة الطف . لقد  تم تقويض المرتكز الإسلامي وأصبح المجتمع  يحارب الدين بإسم  الدين ويقتل إماماً معصوماً بإسم الدين، ويشتت أهل بيت النبي  "عليه الصلاة والسلام " بإسم خلافة النبي ،  فلابد لهذه المرحلة  من قيادة  فكرية قادرة على أعادة بناء الإسلام ، فكان رائد هذه المرحلة هو الإمام السجاد "عليه السلام" ومهمته هي إعادة المجتمع  الى منزلته كما هي في زمن النبي . القضية تحتاج الى وقفة تأملية  أذ أن إعادة  المجتمع  الى نهضة هو لا يؤمن  بها  فهو لا يؤمن  بوجود الانحراف أساساً ،  ولا يدرك أن المنهج الرسالي قد غيروه  وبدلوه بمنهج آخر ،لا يعرف أن هناك متاهة  فكرية وضياع  أمة ، هناك  تأثيرات  مصلحية  غيرت الفعل الروحي الى  فعل مادي  . سماحة  السيد الصافي  نظر الى  واقعية  مهام  الإمام السجاد "عليه السلام" . أول  مهمة مجابهة هذا المتغير ، واجتثاث  جذر البغي والانحراف  في الأمة ، تقرير السعي الإيماني إعادة  قدر الفطرة  وتكوين نخبة أو نخب بمستوى الإيمان الذي عند أصحاب الحسين "عليه السلام"  ، ولصناعة مثل هذا المجتمع ، نحتاج  الى ولاء المجتمع   الى قيم  النهضة الروحية ، دون تحريف  في منهجية  الإنتماء ،  ومثل هذا الموقف  يحتاج الى نشر الوعي وإستنهاض في قيم  الروح ،  لذلك كان  التميز   الذي  شخصه السيد الصافي  بالبركة ، وميزة  هذه البركة الكثير من الأدعية  التي هي محط إهتمام  المفكرين  بهذا الموروث الذي وصل الينا بأمانة  ، الفكر الدعائي، وقدم لنا  ثقافة المناجاة ؛مناجاة  الله سبحانه تعالى  وطلب  الحوائح  الدينوية والاخروية ،  ولأن مشروع  الإمام علي "عليه السلام"  هو مشروع  الإمام. السجاد هو مشروع  مستمد  من مشروعية  إصلاح الإنسان  فنجده إرتبط بمفاهيم  وأفكار  تستنهض الأنسان الى الارتباط  بالقيم الإنسانية .
الامام السجاد  "عليه السلام " من حالة العجز الفكري الى استنهاض  العقل وتأسيس النهضة الفكرية  القادرة على تصحيح المسار وتعديل الانحراف  السياسي الذي غير معالم الدين ،  لتوضيح  مهام أدب الدعاء هو أن يجعل  الدعاء تسليم يقيني  يقدم التحميد والتهليل والثناء ، وتعقيب الصلاة على النبي وآله ، ثم يشرع بالدعاء  بالقدرة العقلية  لفهم معنى الإرتباط بالله سبحانه  ، بالاقناع  العقلي  والتسليم لله سبحانه .الدعاء

هو قصد وهدف الدقة . والدقة  بمعناها الأسمى  تعني قداسة التمثيل  بين يدي الله سبحانه  وتعالى وبما إنه مطلع على كل الأمور  ، لابد من ترتيب مطلبي  دقيق  يضمن الاستجابة  ، أسلوب انتقاء الصفة التي تتوسل  بها ، هي  ممكن أن نسميها الموائمة  بين الصفة والطلب ، ويرى  سماحة  السيد  الصافي  أن الموائمة هي مصدر معرفي  لابد أن يرتبط  بمفهوم العصمة التي هي أقرب الى فهم العلاقة  والصفات  ومفاهيم  ترتيب الأسماء  ولو  أرتكزنا على التجربة  الرسالية لأدعية النبي "صلى الله  عليه وآله " لوجدنا  أن  النبي كان يدعو الله سبحانه بالحرب بشكل يختلف عن الدعاء  في السلم  ، ودعاء  نصف الليل غير دعاء الزوال  ، ودعاء رمضان  يختلف  عن أدعية الأشهر الأخرى  ؛ دعاء عرفة يختلف عن دعاء عاشوراء . منظومة كاملة  للأدعية ،  يمثل الفكر ثقافة الإنسان ، والثقافة تشكل الموقف الفكري الذي يتكفل بفهم المعاني الدقيقة ، معرفة  كيف ندعو الله وقيمة الرحمة ومفهوم سماحة السيد بالموازنة  ، مثلاً قول الامام "عليه السلام " أنت الذي  وسعت كل شيء  رحمة وعلماً)  وسع العلم ووسع الرحمة والرحمة غير العلم ؛ الرحمة  شملت كل شيء  ، والعلم لا تخفي عليه خافية ومع  هذا  جعل الملائكة  شهداء، والأعين والأرجل  الأفواه؛  فهذا من باب الزام الحجة  . الله سبحانه مطلعاً على كل شيء ، وسعة الرحمة،  ونقمة الله تشمل أي مخلوق  ، ولا أحد قادر على أن يمتنع  عن إرادة  الله سبحانه  ولكننا  لا نجد في الدعاء ( الهي وسعت  نقمتك كل شيء )  أذن  تقديم الرحمة   والعفو والمغفرة . قدم  كتاب  المصابيح   التحليل  والتأمل  والفكر  ، دروس تربوية  تعلمنا  كيف نتعايش  مع الابتلاء  مثلاً يقول الامام "عليه السلام ":- ( وأنت  الذي جعلت  لكل مخلوق   في نعمك سهماً )  وأوضح  الابتلاءات و هي سوء الظن بالله تعالى   في مسألة الرزق  ، ويرى سماحة  السيد أن مفهوم الرزق  في التعامل الروحي  أكبر  مما هو تعامل  مادي ، بينما عند الضرر ينقطع  الإنسان الى ربه ؛ يصوم ويصلي  يزور  وعند زوال  الضرر ، ينشغل  عن هذا الإنقطاع  الى الله  . العاقل يتمنى  وجود الضيق المادي  كي لاتشغله عن الله  . يوجه  سماحة السيد   الحديث  الى   العاقل الذي يحاسب نفسه  يومياً.  العاقل يتمنى وجود الصفاء . سماحة  السيد  الصافي يشير الى أبرز قضايا المعرفة المؤسسة للوعي الإنساني   وهي الإيمان  بأن مسألة الرزق  عبارة  عن تربية ؛  الله يربينا بالأرزاق  ، والامام  عليه السلام يؤسس لنظرية  أن رحمة  الله وسعت  كل شيء  وعلم  الله وسع كل شيء ،  والرحمة  تسبق الغضب  ، وأن الله سبحانه تعالى  بعد أن يخلق الإنسان يتكفل برزقه  ، التأمل يمثل  هذه الإشراقات  تمنحنا  حيوية  الإيمان  وتجعلنا  نعيش الأمل والسعادة  والشعور  برحمة الله.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/12



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في كتاب المصابيح للسيد أحمد الصافي ج 5
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net