صفحة الكاتب : د . حازم عبودي

دراسة على هامش المعرض الشخصي الرابع طقس سومري للفنان النحات الدكتور محمود عجمي الكلابي
د . حازم عبودي

 

Sumerian ritual aesthetic   
تنحصر أهمية الارث التاريخي بكونه الحضور الحق لحضارة شعب لازالت تستمر على اراضي الزمان والمكان في بلاد سومر ,والذي استوطن العراق القديم بداية الالف الرابع ونهاية الالف الثالث قبل الميلاد , في القسم الجنوبي من بلاد بابل القديمة , لما لهذا الشعب من أثر سبق ,لأية حضارة على سطوح الخليقة ,ورفد عجلة الزمن بأختراعه الكتابة المسمارية كنواة سعت أغلب حضارات مابعد التدوين في العالم من نشدانها واقتباس قواعدها بل وتطويرها وتفريعها في اثبات كينونتها الثقافية , ونخص بالذكر جميع شعوب ,الشرق الادنى بالتحديد ,فتقدم السومريون بتقديم ملكة الكفاءة العقلية ملكة العقل البشري الموقوفة على الجنس البشري في الكفاءة والأداء حسب رأي (نعوم تشومسكى)في مجال علم النفس واللغة والتعلم ,الى شعوب العالم اللاحقة عبر ماتوصلوا اليه من مفاهيم دينية وروحية متطورة ,نفذت الى عوالمنا المعاصرة بتمدينها ونضوجها ,فضلا عن وجود تآلف المنتج الملحمي والاسطوري والترتيلي ,وابرزها ماظهر في حوالي (1750 ق.م) من صياغة وتصنيع للآلآف من الالواح الطينية التي حملت نتاجها الذهني ,حتى اصبحت مرجعا للعديد من علماء الآثار والانتروبولوجيا والاديان والأدب.
وفي تناولنا لنماذج طقس سومري في منتج النحات (محمود عجمي الكلابي) نجد ان التراص الطقسي يسمو مع المتن (مضمون الاشكال) ليشكل جوا من قوى التلاقح مع فنون السحر وقوى الماورائية الطبيعية التي تضع نفسها في الموقع المناظر للأدب ,حيث تناول (العجمي) مفردات كالمرأة والرجل والثور ورموز المثلث والقرون وحلقة الدورات ورموز كتابية مسمارية عبر عنها  بشفرات في الحجم والحركة والمبالغة والاقصاء والترديد والفضاء لاعبا بذلك على انساق مختلفة تطلبها الحضور الشكلاني وفق معطيات الشفرة في الدال والمدلول ,موشاة بمصدر الشفرة الاسلوبي ,والظاهر بنوع الدلالة المرجعي والسياقي ,ولعلنا نواجه بذلك تمعننا بآليات اشتغال تقنياته لاستحداث تلكم المفردات المشفرة التي لاتعمل في مجال ضيق اوحد من التشكيل ,وانما في مجال فضاوي اكثر شمولا من مجال النحت البارز ذاته ,فأنتقل الى مجالي الرسم والخزف (من حيث التخطيط والتنفيذ) ,واتجه الى قولبة افكاره وتطلعاته القديمة المستحدثة نحو المعاصرة ,فصهرها ببوتقة التكنو غرافيك (لما تطلبته من حفر وطباعة) فأرتقى النحت الفخاري(S.pottery) بثراء بيني نكاد نطلق عليه سمة (الايروتك في المشهد الشكلي البشري والحيواني فكليهما يمتلك الحق في نشدان (الخصب لينسج بهذا وذاك الوشائج المخيلاتية عند القارىء وعبر اطناب الحضارة القديمة التي استحضرها روحانيا والممتدة قبل (6000 الالف عام) دالا عليها زراعية قروية ريفية خارج تمدينها في النشأة والاستمرار ,وفي الفكر والاخصاب ايضا .فقدمها (العجمي) بنقاء سومري لايستند بالرجوع الى المصادر والاساطير المكتبية ,وانما اعتمد بلا شك على مصادرها الملحمية المتضمنة المفهوم السومري الفرداني والروحي في ان الاشكال الانثوية كانت مخصبة ,تحمل في ارحامها اجنة إرثية خطت بنزعاتها وفكرانيتها عصور (جرمو وحسونة والعبيد )وتضمنت بابل وأكد واشور.فصورها منتفخة البطون مكتنزة الاعضاء متدلية الصدور عريضة الوروك وتلك هي مرضعاتها على مر الازمان والعصور .
فجاءت نصوصه النحتية مترجمة للديمومة معلنة خطابها السوسيولوجي في التركيب والتحليل ,فعكست للقارىء صورة واضحة لطبيعة الاصول مزينة بالجهد ,ولعل مايستدركنا في مطالعة النماذج الفنية تلكم الرموز الكتابية السومرية (المسمارية) المنقولة (المقصود بها نقل الحروف من النص الاصلي المدون على القطعة الاثارية الى الشكل المعاصر)    التي حملت تعبيرا عن مواضي النشأة 
التدوينية والتوثيقية التي رعتها ثقافة الجدود ,الا انها كانت بحاضرها تستقي ماضيها وحسب ,اذ لم يألف (العجمي) من خلالها ان يطالعنا ,سوى بأقامة الجسور خلال السنين المرتحلة ,فأبى ان يدون حقيقة تلك الرموز الكتابية ,وانه لم يحمل أشكاله النصوص المترجمة التي تحكي حقيقة النصوص المسمارية , لا لانه لايريد ان يجعل منها حقيقة تشابه او تستنطق , بل اراد ان يستحضرها مستنطقة معاصرتها وحسب , عبر تضمينها الادب المقدس في الدلالة والاشارة المعبرة عن سومر الخلود ,هكذا انتفظت سومر بيد (العجمي) ولادة للبكر الفني الانساني في ظل التمدن والتمدين في سالف العراق القديم ,هكذا اتجه النص النحتي مثقلا بالرموز الأرثية المشفرة عصيا متمترسا علينا نحن القراء. محققا بذلك ثلاثية النص (التشكيل) والمتلقي(القارىء) والفنان .
عليه ان ماإتجه اليه (العجمي)هو التنقيب عن مفردات اشكاله مضمنا اياها(irotic) ايروتك الصورة في التشويق الشكلاني المحدث (القارىء والمتلقي) فهو لم يغيب ذوي الخبرة والاختصاص في قراءة منتجه وكذلك المتلقي الذي يضطلع بأمور الفن ,مما جعل الاثنان في حراك استبصاري للذات المتفحصة ,التي شأنها ان تكتب وتقرأ هذه المكتبة اللوحية (مكتبة الواح الطين ) على غرار ماقدمته المكتبة السومرية وماتلتها سابقا من فترات حضارية ويضعها بين ايدينا ,مستهلا عنونة المنتج الحفري الذي لايختلف عما توصل اليه المنقب الامريكي (دي ساررزك ) في موقع تللو (لكش)القديمة حينما توصل الى( كتابات ايشاكوس أمراء لكش والتي احصيت بمئة الف لوح ,او  المنقب (رولصن) الذي نقب في الكتابات غير السامية المنقوشة على الآجر والالواح في مواقع (نفر,لارسا,الارك),لذا ان ماتم اكتشافه في حفريات التاريخ ,هو بعداد المشفر في اللغة والشكل , واليوم  يقدمها (محمود)بصيغة (coding)مشفرة في تشكيلاتها , مثالها ثلاثة رجال او نساء يحتضن كل منهم الآخر ,او رموز القرون تعلو المثلث ,فهو يقدم التكرار على أساس من الاستجابة التصويرية لمغزى الذاكرة النحتي ,والتي تمثل موضوعات حياتية واقعية لاتفسر ذاتها بذاتها ,بالرغم من تعريفها بمضامينها المحايثة المدعمة بالشعور والقيم المتميزة لتحل بالتالي ثيماته النحتية ايقاعا في عملية التشفير .
فما اجده مثيرا كنه سيادة عناصر الشكل المتمثلة بالخط واللون وما تحدثه من حركات ايقاعية منسجمة ومسطحات التكوين ,كالهندسية منها في(صدور النساء مربعة الشكل وبضمنها الاثداء المكورة التدوير , او السيقان المخروطية الشكل او حتى الرؤوس المثلثية الشكل , ناهجا بذلك اصطحاب التجريد(cancelation) كسمة إئتلافية اسلوبية مشفرة في نشأة الشكل بل واجناسية بين الواقع والتجريد ,ليجىء النص النحتي رسالة ابلاغية تحمل خطابها الشكلي بين المرسل والمرسل اليه عبر تاريخ الذهنية العراقية ,ومن خلال توظيف العناصر الاخرى تم الحصول على الجمالي بهدف التوائم في الذوق الفني الهادف الى تربية الذوق السائد والعام 
ومما لاشك فيه ان قراءة النماذج العجمية بما حملته من أوصاف شديدة الحساسية للقيم الشكلية الفنية ,لايمكن ان تنقل الينا تجربة شخصية ,احس بها الفنان احساسا عميقا ,فحاول ان يبرز ماينطوي عليه العمل الفني من رموز ودالات الى جانب كشفه عن حقائق وقيم كانت دستورا لما قبل وبعد العمل الفني ,لذا وجه الفنان عنايتنا الى اسلوب الشكل المشفر ذي الدلالة في الموضوع ووحدة الموضوع ,فقدم لنا اشكالا مقنعة لمعنى الشكل الاسطوري والواقعي (كلكامش العجمي)مما جعلنا ننظر الى الشكل على انه نمط تشفيري للخط واللون الاوحد(mon color) ,والذي اعتقده باستثارة الانفعال الجمالي وهو الانفعال الذي يثيره الكل ذي الدلالة ,فجاءت نماذجه رشيقة رفيعة المستوى في بعديها البصري والتكويني , مما شكلت مادة غنية للنقد ,وفق بنيتي الخط واللون , وقدمت فنا جميلا هو في اساسه تنظيم شكلي يعدو التذكير بغرض فرض القصد الجمالس عبر ماتناولته نظرية الجمالية والفن ,حيث المقصد مرتبط بحالة الفنان الذهنية خلال الابداع ومن ثم هو جزء من الموضوع او الشىء او العمل الفني .
5/5/2011
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حازم عبودي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/01



كتابة تعليق لموضوع : دراسة على هامش المعرض الشخصي الرابع طقس سومري للفنان النحات الدكتور محمود عجمي الكلابي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net