شرح دعاء اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك
الشيخ محمود الحلي الخفاجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمود الحلي الخفاجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
- (اللّـهُمَّ اجْعَلْني فيهِ مِنَ الْمُتَوَكِّلينَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْني فيهِ مِنَ الْفائِزينَ لَدَيْكَ، وَاجْعَلْني فيهِ مِنَ الْمُقَرَّبينَ اِلَيْكَ، بإحسانك يا غايَةَ الطّالِبينَ).
تعرض الدعاء إلى(ثلاثة) مفاهيم لها علاقة مع الوجود الروحي للإنسان وارتباطه بالله تعالى وهي:
- المفهوم الأول:
التوكل: (إجعلني فيه من المتوكلين عليك)، ومعنى التوكل هو انقطاع الإنسان إلى الله عز وجل في جميع أموره والإعتماد عليه و تفويضها إليه والإعراض عمن سواه، ومنشأ هذا الإنقطاع هو قوة اليقين في القلب، وأن التوكل هو حصول كفاية العبد بالله تعالى واستغناؤه عن الآخرين, والتوكل ليس بمعنى إغفال الأسباب المادية وعدم الأخذ بها، بل لابد من إيجادها ثم التوكل على الله باعتباره هو مسبب الأسباب ومدبر الأمور ومصدر الخير وفيض العطاء اللامتناهي وهو القادر على كل شيء وبيده إيجاد كل شيء.
إذن.. إيجاد المقدمات و تهيئة الأسباب الطبيعية ثم التوكل على الله أمور لابد منها. فالسعي للتكسب والعيش واكتساب بعض الحرف والمهارات وتعلم بعض العلوم ماهي إلا أسباب لذلك ولابد من الأخذ بها والإلتزام بقوانينها ثم نتوكل على الله ونستعين به: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). وورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) انه قال: (من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤونة ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع الى الدنيا وكله الله إليها). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى مناجاته أنه قال: (كيف أخاف وأنت أملي، وكيف أضام وعليك متّكلي). وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (من توكل على الله لا يُغلب، ومن اعتصم بالله لا يُهزم).
إذن.. التوكل طريق إلى الله فيرتشف الإنسان منه المدد والعون والتوفيق بعد إيجاد الأسباب والمقدمات الطبيعية.
- المفهوم الثاني:
الفوز والنجاح: (واجعلني من الفائزين). الفوز هو النجاح والظفر ، ولو استعرضنا الآيات الشريفة لوجدنا أن الفوز في المفهوم القرآني هو ليس مجرد رؤية أو نظرية، بل لوجدناه حقيقة تتعلق بمصير الإنسان في الدنيا والآخرة ، فالفوز كمفهوم تعرض له القرآن الكريم و هو ليس حصول السلامة في الدنيا أو أن الإنسان ينال مكسباً معيناً أو يحصل على موقع اجتماعي أو تتحقق أمانيه في مجال معين أو ينجز عملاً ما أو أن يخترع شيئاً في مجالات الحياة.. و غيرها. هذه كلها لا تحقق الفوز بالمعنى القرآني لأن موضوع الفوز القرآني هو إنجاز العمل الناجح على ضوء الموازين والمعايير القرآنية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ). و(فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْفاز)، وأيضا (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) و(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) وغيرها من الآيات القرآنية التي أشارت إلى هذا المعنى.
إذن.. هذا هو الفوز الحقيقي (الإيمان، الجهاد، تقوى الله، خشية الله، طاعة الله وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله)، من زحزح عن النار وأدخل الجنة...).
إذن.. الصفات هي التي تقتضي الفوز، وهذا هو الفوز والفلاح الحقيقي وهو عندما يفوز الإنسان هناك (من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز). وهذه الصفات لا توجد إلا من تحلى بها واختارته السماء بأن يكون مصداقها الحقيقي وهو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (حيث أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله: أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فاقبل علي عليه السلام، فقال صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة).
إذن.. مع إحراز الصفات المتقدمة الأخذ بولاية من أمر الله بولايته وهي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وبقية أهل بيت العصمة (عليهم السلام).
- المفهوم الثالث:
القرب إلى الله: (واجعلني من المقربين). والقرب المراد به هنا هو القرب المعنوي وليس القرب المكاني، وهو أعلى المراتب التي يتوسم بها العبد بقربه الى سيده ومولاه، حيث لا يحصل على هذا المقام وهذه المنزلة إلا من صلحت سريرته وحسنت معرفته وافعاله. وأهم مقتضيات القرب الإلهي هو الإعتقاد الصحيح إضافة إلى إتيان العبادات والطاعات التي أمرنا الله تعالى بها واجتناب كل محرم والإبتعاد عن كل رذيلة والتحلي بالأخلاق الفاضلة. وللتقرب إلى الله عز وجل وهو السير بمنهج أهل البيت (عليهم السلام) فإنهم هم الطريق إلى ألله عزوجل كما ورد في مضامين الزيارة الجامعة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat