الدكتاتورية ولعبة الانتصارات المؤقتة
لطيف القصاب
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نوري المالكي دكتاتور، نوري المالكي صدام آخر، نور المالكي دكتاتور الشيعة، المالكي يصنع دكتاتوريته الأمنية.
مثل هذه التعبيرات أو (المانشيتات ) كانت قد تكررت منذ شهور طويلة على السنة المتحدثين وفي أقلام الكتاب المناوئين لسياسة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي في إدارة الدولة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وقد تصاعدت وتيرة هذه الحملة بعد حادثة القبض على حمايات نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بتهمة الإرهاب.
لقد كان هذا الأسلوب الممنهج يمثل حملة تعبئة إعلامية مكثفة ضد شخصية المالكي الذي بدا أحيانا يدافع عن كرسي رئاسة الوزراء باعتباره حقا شخصيا لا حقا لكتلة سياسية نالته نتيجة فوزها بأكثرية الأصوات في نظام سياسي برلماني، ما عزز صورته كدكتاتور في نظر الكثيرين على الرغم من احتمال كونه بريئا من هذه التهمة، فعلى الملأ ظهر المالكي في مؤتمر صحفي وهو يقول ردا على سؤال احد الصحفيين الذي تخوف من احتمال سحب الثقة عنه برلمانيا: " لقد سمعنا هذا الكلام منذ ست سنوات وسوف نظل نسمعه طوال ست سنوات قادمة أخرى". وكما يظهر فإن السؤال لم يُعط حقه من الإجابة الموضوعية والدستورية بل أخذ جواب المالكي بعدا شخصيا بحتا معتبرا فرض احتمال سحب الثقة عنه احتمالا مثيرا للسخرية.
وبالنسبة لفريق المالكي الذي يضم مساعديه ومستشاريه فقد بدا هؤلاء وكأنهم يعيشون نشوة الارتياح لمفردات حملة اتهام المالكي بالتفرد والاستبداد بدلا من الانهماك في التخطيط لمواجهتها والرد على ما تستند إليه من أفكار ونوايا.
تُرى هل رأى فريق المالكي حقا أن التهرب من مواجهة حملة نعت المالكي بالدكتاتور بأخرى مضادة يُعد انتصارا لزعيمهم السياسي وأن هذه الحملة تمثل بنفسها رصيدا يضاف إلى شعبية الرجل وتزيد من حظوظه السياسية لا حملة تسيء الى سمعته وتمهد السبيل إلى إزاحته ومن الأولى عدم التصدي لها بل دعمها إذا أمكن!
إن مضامين الأسئلة المتقدمة تستلهم واقعيتها من خلال ردود الأفعال المتشنجة التي ظهرت على مواقف بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على فريق المالكي ضد متهميه بالتسلط والدكتاتورية حيث كان الرد في اغلبه يدور في فلك البحث عن مثالب خصوم المالكي وتسقيطهم أمام الرأي العام لا في اطار تنزيه سيدهم من آفة التسلط والاستبداد وتهمة صناعة دكتاتورية جديدة في العراق.
لقد انخرط عدد من المحسوبين على فريق المالكي بتوسيع نطاق حملة اتهام المالكي بالدكتاتورية لا التخفيف من غلوائها عبر اشاعة أن العراقيين ميالون الى حكم الرجل القوي او أن المصير الذي سوف ينتهي اليه العراق من دون وجود المالكي هو الفوضى والمجهول. وهذا أسلوب معروف دأب على التعايش معه العراقيون في فترة النظام السابق الذي أشاع على مدى عقود طويلة فكرة أن الشعب العراقي لا يصلحه الا حكم دكتاتور مثل صدام وان العراق من دون صدام سينتهي الى هاوية ما بعدها هاوية.
للأمانة فإن تاريخ السيد المالكي لا يشي بقدر كبير من الزهو والخيلاء بل يُروى عن طيبته وتواضعه الشيء الكثير لاسيما في فترة معارضته للنظام السابق وإقامته على الأراضي السورية لكن طبيعة الشعب العراقي تلعب دورا مهما في صناعة الدكتاتور بل خلقه من العدم أيضا، هذا ما أكده تاريخ هذا الشعب منذ أقدم العصور وهو في تاريخه البائس هذا يشابه جميع الشعوب التي تسمح اللعبة السياسية فيها بتأليه الأفراد وتخليدهم في الحكم. لكن حاضر العراق السياسي لا يسمح باستصحاب تاريخه القديم ابدا في ظل وجود لعبة سياسية مغايرة بالكامل.
ليس ثمة رقم معروف لعدد مستشاري السيد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ولكن هناك من يتحدث عن وجود عدد كبير منهم والسؤال الأهم: هل أوصل احد هؤلاء المستشارين رسالة للمشار اليه مفادها انه يسير في بعض مواقفه في حقول استبداد قد تفضي به إلى نهاية سياسية غير سعيدة.
هناك من يؤكد استحالة أن يجرؤ احدهم على التصريح للمالكي بمثل هذه الاستشارة خوفا على نفسه من بطش الرجل! هناك من يروي قصصا تظهر المالكي وكأنه صدام في أوج استبداده، وهي قصص تحمل بين طياتها نذرا خطيرة على مستقبل بطلها فيما لو صدقت فعلا.
لقد استطاع السيد المالكي الصمود بوجه مخططات حجب الثقة عنه من قبل خصومه السياسيين وذلك لعدم توفر النصاب القانوني الكافي لعمل ذلك حتى الآن لكنه لم يفلح بتبديد صورته كمستبد في نظر الكثيرين فقد قال السيد المالكي مؤخرا: " إن الأزمة التي تشهدها البلاد مرت وانتهت ولن يكون لها تأثير " مضيفا إن "الالتفافات والتزويرات والتهديدات لن تمر بدون حساب".
إذا بقي الأمر هكذا فربما يستطيع المالكي الإبقاء على منصبه رئيسا للحكومة الحالية ويتجنب الى اجل ما وصفه برئيس الحكومة السابق.
ولكن ماذا سيكون الامر عليه بعد أن يحل موعد مغادرته كرسي الحكم ويتحقق نصاب ازاحته بشكل او آخر. أغلب الظن أن الرجل لن ينجو من وصفه بالدكتاتور السابق.