ألمُفلِسون وسياسة تخوين الآخرين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 يُعتبَر أسلوب التخوين من أسهل الطرق تشويهاً وتسقيطاً للآخرين، لأنه قائم على أساس الإشاعة الخالية من الدليل، والتي من السهولة أنْ تجد لها الأرضية المناسبة والخصبة بين المجتمعات الغير واعية، أو المجتمعات التي تتعامل بمكيالين، أو التي تنظر بعين المصلحة لجهة دون أخرى، أو المجتمعات المتزلزلة واللاهثة خلف المصالح الضيقة، أو المجتمعات التي لا تنظر بعين التورع، والتي سيطر عليها سوء الظن خصوصاً تجاه الخصماء، لذا سمعنا انَّ معاوية استطاع وبسهولة أنْ يفرض واقعاً مريراً على الإمام الحسن عليه السلام، وذلك من خلال استغلاله للكثير من أنصار الإمام الحسن ومواليه، وبث مبدأ التخوين بينهم تجاه إمامهم وقائدهم، حتى وصل بالأمر إلى أنْ يُناديه اشد أنصاره وأتباعه كلما رأوه بـ (مُذِلّ الشيعة).
وهذا النهج اللاانساني واللااخلاقي والبعيد عن القيم العرفية والاجتماعية، مَكَّنَ في حينها معاوية من فرض أجنداته على معسكر الإمام الحسن عليه السلام، حتى وصلت الوشاية والعمالة إلى قادة معسكر الإمام، بل إلى اقرب مقربيه.
وهنا لست بصدد شرح أو سرد جزء من التاريخ، وإنما ابتغيت أنْ يكون الحديث به هو المقدمة التي يمكن أنْ ننفذ منها إلى موضوعنا الذي اشرنا له في عنوان هذه المقالة المتواضعة.
وحديثنا لازال يدور حول موضوع الإصلاح الذي قام به سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد مقتدى الصدر اعز الله ونصره، والذي أصبح حديث الساحة الداخلية والخارجية وبشكل ملفت لأنظار الجميع، وقد تشعبت تفاصيل النقاش حوله، فترى مجموعة تؤيد وأخرى تعارض وثالثة متوقفة على التل، وتنوع أسلوب نقاش هذه المجموعات، بين النقد البناء والهادف، وبين المغالاة في الطرح، وبين التفريط في التشويه، بل وصل الأمر إلى اختلاق المواضيع كيفما يرغب الطرف المعارض للآخر، لمجرد الوصول لغاية التسقيط والتشويه، وإنْ كان هذا الأمر قائماً على أساس الكذب والتحريف .
ومن ابرز ما لفت انتباهي وقد يكون انتباه الآخرين هو موضوع التخوين، أي بعبارة دبلوماسية أخرى، مسالة التدخل الإقليمي الخليجي في الأزمة والذي دُفِعَتْ الأموال الطائلة من اجل إنجاحه كما يقولون.
حتى زعمَ البعض انَّ الوضع الشيعي اليوم مُعرَّض لازمة داخلية قد تؤدي به إلى الانهيار، نتيجة لهذه المؤامرة التي تُحاك في الخارج ويُطبق فرضياتها مَنْ يرغبون بحجب الثقة في الداخل.
ولنا على هذا الكلام وغيره مؤشرات كثيرة جداً، سأكتفي بذكر بعضاً منها، كي لا أطنب في الحديث تارة، ولعدم فضح البعض من التفاصيل التي سيأتي لها يوم أنْ ترى النور إنْ بقيت الحياة تارة أخرى:
ألمؤشر الأول:انَّ موضوع حجب الثقة لم يطل الحكومة الشيعية على وجه التحديد كما يزعمون، بل انه استهدف منصب رئاسة الوزراء حصراً، وقد اصدر المجتمعون في اربيل بياناً بهذا الخصوص، أكدوا فيه على أنْ يكون البديل عن رئيس الوزراء الحالي في حال حجب الثقة عنه شخصاً يختاره التحالف الوطني دون سواه، وهذا يعني انَّ رئيس الوزراء لن يخرج من هذه الدائرة، بل سيكون حصراً منها.
ألمؤشر الثاني:انَّ البعض ممن ذهبوا إلى سماحة السيد كاظم الحائري اعزه الله إلى مقر استراحته في مشهد المقدسة، افهموه على انَّ السيد مقتدى الصدر وبقية الكتل المطالبة بتغيير رئيس الوزراء سيرشحون شخصاً علمانياً من القائمة العراقية، فاصدر سماحته اعزه الله على اثر تلك المعلومات المغلوطة استفتاءه الذي حمله احد أعضاء التحالف الوطني والذي فشل في الحصول على مقعد برلماني في هذه الدورة الانتخابية، وبعد أنْ تبين انَّ الخبر ليس كما نُقِلَ له اعزه الله، أثار هذا الأمر حفيظته، لانَّ ذلك النائب افهمه على غير ما هو حقيقي وواقعي، بل زيّف في الكلام وحرّف، وليت شعري أين المطالبون اليوم بفتاوى السيد الحائري اعزه الله عن ممانعته لهم بالأمس القريب على التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الإدارة الأمريكية المحتلة وتحريمه لها؟؟!!، أفَهُم ممن يصدق عليهم القول القرآني، (يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض)؟.
ألمؤشر الثالث:انَّ البعض ممن يجتمعون بنا من السياسيين الشيعة وعلى انفراد يخبروننا بأنهم مستاؤون من نهج وسياسة رئيس الوزراء وهم معنا في مشروعنا الإصلاحي، إلا انهم يخافون أنْ يصرحوا بذلك علناً، لأسباب عديدة، منها داخلي وآخر خارجي، بل تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك، فهم عندما يذهبون إلى بعض المراجع القريبة إلى توجهاتنا يخبرونهم بأنهم يساندون موقفنا وينقلون عن رئيس الوزراء كلاماً كثيراً يتعلق بتصرفاته الشخصية تجاه شركائه، وسياساته الخاطئة في إدارة البلاد، ولمجرد ذهابهم إلى المراجع الآخرين ممن نُقِلَ لهم انَّ موضوع حجب الثقة يستهدف التشيع، فانهم يخبرونهم عكس ما يخبرون المراجع الآخرين، من انَّ موضوع حجب الثقة هو مخطط خليجي بمعاونة تركية، وانَّ عليهم أنْ يوقفوا هذا المشروع لأنه لا يخدم التشيع، وهذا الأسلوب المُشَكَّك من التعاطي مع شديد الأسف يثبت من جهة زيف البعض من السياسيين، وكذلك فشلهم في إدارة هكذا ملفات، لخروجهم عن القواعد السليمة من الناحية الشرعية والدبلوماسية المتعارفة من جهة أخرى، وهم بذلك جنوا على أنفسهم سياسياً، إذ سيكونون في المستقبل محلَّ نقاش، إنْ لم نقل موضع عدم ثقة.
ألمؤشر الرابع:قبل تولي رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي لأول رئاسة وزراء، وقع اختيار الائتلاف الوطني في حينها - إذ لم يكن اسمه التحالف الوطني - على الدكتور إبراهيم الجعفري كمرشح الائتلاف لرئاسة الوزراء، ولكن المفاجئة التي حدثت والصاعقة التي نزلت هي انَّ بعض أطراف الائتلاف الذين خسروا مرشحهم فاجئوا الجميع برسالتهم السرية إلى القوى السياسية الأخرى القاضية برفضهم لهذا المرشح، ومطالبتهم هذه القوى بإرسال طلب إلى الائتلاف لتبديله، ولم يقل أحداً في حينها انَّ هذه مؤامرة، أو انَّ هذا الفعل سيضعف الشيعة ويفقدها الحكم، على عكس ما فعلوا وصنعوا وقالوا اليوم للسيد مقتدى الصدر، فاقرأ ولاحظ التناقض واحكم بنفسك.
ألمؤشر الخامس:هناك بعض المواقف السريعة التي تناساها الشارع وبسرعة ولا اعلم السبب في ذلك، تُبيّن مَنْ هو الحريص على المذهب دون سواه، فمثلاً لم ينتقد احد على الإطلاق موقف الحكومة القاضي بتسليم كبار قادة تنظيم القاعدة إلى المملكة العربية السعودية ممن تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء، الذين كانوا يقودون عمليات التفخيخ والتفجير ضد المدنيين العزل، في الوقت الذي يتهمنا الآخرين بأننا مجرمون، وذلك لاعتقادهم بانَّ مَنْ حجّمَ دور تنظيم القاعدة ووقف بوجهها هم التيار الصدري، واعتبروا ذلك سبة وشنعة علينا، فكان الجزاء لذلك صولة ليس فيها أي معاني الصولة انتهت في النهاية بقولة شهيرة لقائدها: إنني قتلت من الشيعة أكثر مما قتلت من السنة؟!!..
ولم يتحدث شخص عن تقصد عدم ذكر الموضوع البحريني ومظلومية أهله هناك في قمة بغداد الأخيرة، والتي أعطت الضوء الأخضر قانونياً ودستورياً وبإمضاء عربي على جواز كل فعل تقوم به السلطة الحاكمة الظالمة في البحرين ضد الشعب الأعزل الصابر، في الوقت الذي لم تنفك بيانات وخطابات سماحة السيد مقتدى الصدر عن البحرين ودعمه لثورتهم الشريفة، وليس هذا وحسب، بل انَّ رئيس الوزراء أمر بمنع التظاهرات التي تؤيد الشعب البحريني وثورته، والتي انفرد بها أبناء التيار الصدري دون سواهم، بحجة عدم خلق جو من التناحر مع المملكة البحرينية، فاقرأ واحكم أيضاً أيها القارئ المُنصِف.
ومَنْ منا لم يسمع الاتهامات المتكررة من قبل رئيس الوزراء للجارة سوريا عند حدوث أي خرق امني، حتى طلب في حادثة تفجير الوزارات المدمرة تدخلاً اممياً في ذلك، والغريب اليوم نسمعهم يتحدثون على خلاف ما كانوا يقولون، من وجوب حماية الوضع الداخلي السوري من السقوط حتى لا يتحكم به المتشددون، وقد تناسى هؤلاء انتقاداتهم اللاذعة لنا عندما كنا نرفض اتهام السوريين، كوننا كنا نرى انَّ ذلك يخدم أمريكا وإسرائيل، لأنَّ سوريا تعتبر من دول الممانعة والداعمة لحركات التحرر والمقاومة.
وهنالك شواهد كثيرة أخرى لا أود الخوض في تفاصيلها كونها أصبحت واضحة كوضوح الشمس، لذا فابعد عنك الغربيل أيها المُعانِد، لانَّ أشعة الشمس وكما تعرف لا توقفها فتحات غربيلك من النفاذ.
ألمؤشر السادس:وقد يكون الأخير، وفيه مثال واضح لا يحتاج إلى اللبس في مَنْ يقول انَّ الصدريين شقوا الصف الشيعي وأضعفوه، وهنا اسأل كل مُنصِف معتدل موضوعي، أليس ائتلاف دولة القانون وعلى رأسهم رئيسه هم مَنْ شقوا الصف الشيعي في بداية الانتخابات عندما رفضوا الدخول تحت خيمة الائتلاف الوطني؟، والذي اتهمه الجميع بكونه طائفياً بما فيهم دولة القانون أنفسهم، فالذي ابتدأ بشق الصف الشيعي إنْ جاز التعبير هم ائتلاف دولة القانون لا غيرهم، وذلك لا لشيء إلا تقديم المصالح الحزبية الضيقة على المصالح العامة، والدليل انهم ما إنْ خسروا رهان تشكيل الحكومة حتى لجأوا إلى القائمة العراقية للاتفاق معها قبل اتفاقهم مع الائتلاف الوطني، إلا انه وبعد الضغوطات والمجهود الإقليمي والداخلي من جهة، ولتوقف عجلة الحياة بسبب تمسك رئيس الوزراء بالمنصب من جهة أخرى، اضطر تكتل الائتلاف الوطني إلى القبول بواقع لا يرغب به، كمن يأتيه الموت صادّاً هو عنه غير راغب به كارهاً له.
وسأكتفي هنا عند ذكر هذه المؤشرات المختصرة التي أوردتها لجنابكم الكريم، عسى أنْ توضّح ولو على النحو اليسير قسماً من المُلابسات والمؤاخذات التي لدى البعض تجاه ما قام به سماحة السيد مقتدى الصدر، وفي الختام أقول وأُذكِّر مَنْ أنسته السنون القريبة الماضية، انَّ مَنْ وَجَّهَ التُهَم جزافاً إلى ولي الله وحجته السيد الشهيد الثاني محمد الصدر قدس سره، لا احسبه يجد صعوبة في النيل من ابنه، لأنْ الولد على سِرِّ أبيه، ومَنْ كان على سِرِّ أبيه، فله أسوة حسنة فيه.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/17



كتابة تعليق لموضوع : ألمُفلِسون وسياسة تخوين الآخرين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net