صفحة الكاتب : كلنار صالح

أطباء أم جزّارون ؟؟ !
كلنار صالح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 كنت انتظر دوري للدخول إلى طبيب الأسنان عندما خرجت سيدة من غرفته واتجهت نحو ابنتها الشابة التي كانت تجلس قربي بانتظارها، وما أن سألت البنت أمها إن كان قد الطبيب قد انتهى من أصلاح أسنانها ، حتى جلست السيدة قرب ابنتها وراحت تحدثها بصوت يشوبه اسىً عن الطريقة غير اللائقة التي تحدث بها طبيب الأسنان معها عندما سألته عن سبب غلاء حشوات الأسنان. فقد طلب منها أما أن تقبل بالأسعار الموجودة أو تجد لها طبيب آخر يعالج أسنانها فهو غير مستعد لمناقشتها حول أسعاره.
كلام المرأة ووجهها الذي علاه الأسى بوضوح أثار انتباهي، وشعرت بضرورة السؤال عن أسعار الحشوات التي كنت اجهلها أيضا قبل الدخول إلى غرفة الطبيب والتفاجئ بها كما حصل مع هذه السيدة، فبادرتها بالسؤال فأجابتني أن عنده ثلاث أنواع من الحشوات الأولى بلاستيكية ( ضوئية) سعرها 40 ألف دينار والثانية والثالثة خزفية لكن بدرجات مختلفة وأسعارها 50 و 60 ألف دينار ، ثم استرسلت معي كأنها وجدت أخيرا من تبوح له قائلة: قبل سنتين تقريبا أصلحت احد أسناني وكان سعر حشوة البلاتين التي وضعها لي نفس الطبيب 15 ألف دينار وعندما جئت اليوم لعيادته خمنت أن الأسعار تضاعفت لكن لم أتوقع أن ترتفع كل هذا الارتفاع ، ولم يكن عيبا أن ابدي استغرابي من هذه الارتفاع، لكنه رده كان عصبيا وطلب مني أن أجد طبيبا غيره أن كانت الأسعار لا تعجبني، ولم يكتفِ بهذا بل أنكر أن أكون قد راجعته من قبل واني ادعيت هذا فقط لأطلب أن يخفض لي الأسعار، وانه أصبح يفهم ويحزر تصرفات ونوايا المراجعين أمثالي ما أن يدخلوا من باب.عيادته. !
وهنا قربت السيدة رأسها مني اكثر وقالت بصوت أكثر انخفاضاً : والله أنا اعترضت لأني وجدت سعر ارخص حشوة عنده كبير بالنسبة لي فهل صار حراماً أن نعبر حتى عن رأينا في هذا الغلاء وجشع واستغلال الأطباء للمرضى ؟؟!!..وما يؤلم أكثر أسلوبه الذي لا يصلح إلا لقصاب في سوق شعبي بوجه متجهم، يخير الواقفين على دكانه أن يشتروا بأسعاره أو أن يذهبوا.. واكلمت كأنها تكلم نفسها، حتى في السوق الشعبي يحق للزبون أن يعترض على سعر البضاعة أن وجد سعرها مبالغ فيه حتى أن كان هناك عدد كبير من الذين " لا يهمهم" ويدفعون ثمنها دون اعتراض أو " وجع قلب" !!.. 
هذا حال الكثير من الأطباء في العراق ألان، بمختلف اختصاصاتهم وليس فقط أطباء الأسنان. فمبلغ " كشفية" الطبيب يرتفع حسب اختصاصه وموقع عيادته وهو عادة لا يكتفي به بل يضاف له ثمن الفحوصات الإضافية التي يستخدم فيها أجهزة أخرى موجودة داخل عيادته أذا كان اختصاصه يستدعي ذلك مثل عمل تخطيط للقلب أو للدماغ وغيرها، عندها يدفع المريض ما بين 20 إلى 50 ألف دينار أخرى قبل أن يستلم وصفة الدواء. وكانت نقابة الأطباء قد طرحت قبل شهر تقريبا مسودة لتحديد أجور الأطباء في العيادات الخاصة لتكون 15 ألف للطبيب الممارس و25 ألفا للطبيب الاختصاص و40 ألف دينار للطبيب الاستشاري. وهذه الاسعار موجودة بالفعل ومعمول بها ألان وكل ما قامت به النقابة هي تثبيتها على الفقراء ومن لا يتمكنون من دفع هذه المبالغ إضافة إلى ما يتبعها من أدوية وغيرها من العلاجات والتحليلات.الخ.
وقد يرى البعض أن المستشفيات الحكومية والعيادات الاستشارية التابعة لها إضافة للعيادات الشعبية يمكن أن تكون ملجأ الفقراء ومن لا يتمكن من دفع أجور العيادات والمستشفيات الخاصة وهذا صحيح إلى حد ما لكن حالات استغلال مرضى المستشفيات الحكومية ودفعهم من قبل الأطباء لتلقي العلاج وإجراء العمليات الجراحية بالأخص في مستشفياتهم الخاصة معروف أيضا وشائع، يشجعهم في ذلك الإهمال الموجود في المستشفيات الحكومية من قبل كوادر التمريض والأطباء أنفسهم !. وكانت وزارة الصحة قد أقدمت بداية العام الحالي على فتح أقسام خاصة في المستشفيات الحكومية تابعة لدائرة العيادات الشعبية في الوزارة، للحد من هذه الظاهرة . حيث يقوم نفس أطباء المستشفى بإجراء عمليات لمرضى المستشفى الذين يختارون دخول هذه الأقسام بعد دفع رسوم مناسبة. لكن هل أنهت هذه الأقسام جشع الأطباء وبعض الكوادر الطبية التي تدير المستشفيات الحكومية ؟
هذه قصة انقلها عن لسان رجل مسن دخل إلى مستشفى اليرموك لإجراء عملية، فمرت ثلاثة أسابيع دون أن يصله الدور لإجرائها، فملّ هو ومرافقه من الانتظار والبقاء في المستشفى.دون إشارة إلى اقتراب موعد إجراء العملية. وذات ليلة اخبر الممرض المناوب الذي يتابع إعطائه الدواء عن تعبه من المرض وطول الانتظار، فاخبره الممرض أن بإمكانه تقريب موعد إجراء العملية وجعلها في الغد أن هو قام بالتحول إلى القسم الخاص في مستشفى اليرموك بعد دفع رسم قدره 300 ألف دينار، ونصحه أن يفعل هذا أن كان بإمكانه دفع المبلغ. فالأطباء يقدّمون ويجرون بأسرع ما يمكن عمليات الأقسام الخاصة لان الجزء الأكبر من أجورها يذهب للطبيب، وفي نفس الوقت عندهم الاستعداد الكامل لتأجيل عمليات الأقسام المجانية إلى آجال غير مسماة !!
الرجل المريض صاحب القصة لم يكن يعرف بوجود هذه الأقسام لكنه اخذ بنصيحة الممرض ودفع المبلغ وانتقل إلى القسم الخاص فأجريت له العملية في اليوم التالي وخرج من المستشفى قبل أن يحين الموعد التالي لمناوبة الممرض الذي نصحه، ليشكره !
الأقسام الخاصة في المستشفيات الحكومية تدار من قبل دائرة العيادات الشعبية في وزارة الصحة وتعتمد أسلوب التمويل الذاتي لتوفير الأدوية وكافة المعدات الطبية اللازمة، وكان قد تم افتتاحها في المستشفيات الحكومية لتكون اختيارية أمام المرضى دون أن تؤثر على الخدمات قليلة الرسوم في المستشفيات ، فإذا بها تتحول بطريقة غير معلنة إلى وسيلة لابتزاز المرضى وإجبارهم على دفع المال أو البقاء في طابور انتظار انتهاء جشع الأطباء والمستفيدين من الأقسام الخاصة. والاسوء أن هذه الأقسام صارت توفر الأدوية والمعدات الطبية اللازمة لها بسحبها من مخازن وصيدليات المستشفى المخصصة لمرضى الأقسام المجانية، بدل شرائها من خارج المستشفى كما يفترض ومقرر! 
بعد هذا هل يمكن أن نستغرب أو نستنكر خطوة وزارة الصحة التي أعلن عنها أخيرا، بالتعاقد مع وزارة الصحة الهندية لاستقدام 150 طبيب و 1000 ممرضة من الهند للعمل في المستشفيات الحكومية ؟! .. أن هذه الخطوة تدل على أمرين، الأول أن الأطباء العراقيين هم الأكثر أنانية ونرجسية، فهم مازالوا يفضلون السفر إلى خارج العراق والعمل في ظروف صعبة وتحت شروط مهنية صارمة على البقاء في العراق والعمل بجد أكثر من اجل إصلاح المشاكل الأزلية في المؤسسة الصحية العراقية، منها تحسين وتطوير مهنية الطبيب العراقي !. والثاني أن المجتمع والفرد العراقي بالرغم من تقديره واحترامه الكبير للطبيب والنظر إليه كشخص بمرتبة أعلى من باقي أصحاب المهن الأخرى، إلا انه واقعا لا يحمل تجاهه نفس القدر من الثقة !، وان حالة انعدام الثقة بقدرات وبراعة الطبيب العراقي إضافة إلى جشعه تعود إلى عدة عقود مضت وحتى ألان ، وهذا أدى إلى ترسخ فكرة أن الطبيب العراقي هو شخص مجرد من العاطفة الإنسانية لدرجة تشبيهه بالجزار ( القصاب) بينما لم يبذل الطبيب العراقي عموما الكثير من الجهود لتحسين هذه الصورة !. ولهذا وبعد تحسن الظروف الاقتصادية خلال السنوات الماضية صار المريض يفضل السفر وتلقي العلاج خارج العراق بمبالغ مضاعفة على أن يكون تحت رحمة التشخيص الخاطئ الذي يروى عنه الكثير والعلاج غير المناسب فضلا عن تردي الخدمات في المستشفيات الحكومية والمبالغ الكبيرة لتي تتقاضاها المستشفيات الخاصة . لذا جاءت خطوة وزارة الصحة صحيحة باستقدام الأطباء الهنود إلى العراق بدل سفر العراقيين إلى الهند لإجراء العمليات الجراحية الذي شاع خلال السنوات الأخيرة. ولهذا نأمل من خلال هذه الخطوة أن يتعلم الأطباء العراقيين من زملائهم الهنود أساسيات التواضع والمهنية والإنسانية في التعامل مع المرضى !
أن السنوات والظروف الكثيرة التي مررنا بها، غيرت وبدلت ورفعت مهن وأصحابها وحطت من آخرين وأوقفت إعمالهم، إلا الأطباء حيث بقي عملهم مزدهرا في كل الأحوال والظروف ومازال، وهذا ما يدعو للتساؤل عما يخشاه الطبيب العراقي؟ ولماذا هذا الإصرار على الاستمرار في الجشع وابتزاز المرضى والتعامل اللا أنساني الذي حولهم إلى جزارين يستهينون بحياة الناس من اجل المال، ومتى يكفون عن التعالي فينظرون للمريض كانسان يحتاج المساعدة لا كمحفظة نقود يجب التفنن في افراغها ؟! 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كلنار صالح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/26



كتابة تعليق لموضوع : أطباء أم جزّارون ؟؟ !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net