صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

تكنوقراط بالمشمش
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ربما كانت فقاعة (التكنوقراط) من أغرب الفقاعات الطارئة على حياتنا الجديدة بعد بزوغ فجر الألفية الثالثة, فقد كانت هذه الفقاعات ولا تزال هي البالونات الوردية المنفوخة بدخان السراب, والمحلقة في فضاءات أحلامنا التي أودت بها المحاصصة, وقبرتها بمعاول وأد الكفاءات, وربما كانت وعود (التكنوقراط) هي الأكثر التصاقا بخطابات رجال السياسة, حتى صارت هي النغمة التي تليفت حول أوتارهم الصوتية, وارتبطت بحناجرهم المعتادة على بث التصريحات الخنفشارية الطنانة, ففقد الاصطلاح معناه الحقيقي بين تقلبات معجم الخداع, وتجرد من مفهومه المتداول, فتحول إلى سحابة رمادية مريبة, حجبت خلفها نور العدالة الوظيفية, فقفز الشخص غير المناسب ليتبوأ مركز الصدارة في طليعة الخبراء, ويصادر استحقاقات أصحاب الكفاءات العالية, ويسد منافذ الارتقاء بوجوههم. .

في البصرة (مثلا), وفي فترة من الفترات القريبة, وفي أوج انتشار موضة (التكنوقراط), وقع الاختيار على رجل لا يحمل المؤهلات الأكاديمية الأولية ليترأس اللجان التخصصية المعنية بتنفيذ مشاريع البناء والتعمير, في الوقت الذي كانت فيه جامعة البصرة وتفرعاتها تحتضن أكثر من (300) أستاذ يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية والمدنية والكهربائية والميكانيكية والزراعية والكيماوية والبحرية, وهندسة النفط والمعادن والطيران والاتصالات والحاسبات, ففهم الناس إن التكنوقراط يعني الفهلوة, ويعني الكلاوات والحركات الوصولية الحنقبازية. .

كان التكنوقراط (رحمه الله) هو الإيقاع الرئيس في السيمفونية الدعائية, التي عزفتها الفرق المشاركة في الانتخابات السابقة, لكن قادة الفرق لجئوا فيما بعد إلى تطبيق مبدأ (خالتي وبت خالتي وللغريبة فضالتي) في الاستحواذ على المناصب الإدارية المرموقة.

ومن عجائب الأمور وغرائب الدهور إن البصرة على عظمتها لم يتأهل منها إلى المناصب الوزارية سوى وزير واحد فقط في الدورة السابقة, ولم يكمل مهمته الوزارية المقررة, فقد اختار الابتعاد عن الأضواء بمحض إرادته, بينما حملت المحافظات الوسطى على ظهرها أثقل الحقائب الوزارية, وتأهل أبناؤها لمعظم المواقع القيادية, وكانت لهم حصة الأسد في السفارات والقنصليات, ففهم الناس إن للتكنوقراط هوية مناطقية, وإن جذوره العراقية ترتبط بالمدن القريبة من مواقع صنع القرار. .

في المملكة النرويجية صار فاروق عبد العزيز القاسم هو المستشار النفطي الأول في بحر الشمال من دون أن تتحزب النرويج لقبائل الفايكنغ, وصار الدكتور (آرا درزي) وزيرا للصحة في بريطانيا من دون أن يتحسس الانجليز من هذا الطبيب العراقي المكافح, وصار العالم الفلكي عبد العظيم السبتي كوكبا يسبح لوحده في كبد السماء بين كواكب المجموعة الشمسية من دون أن تتصدع طبقة الأوزون, وصارت الشواطئ البعيدة ملاذا للعلماء العراقيين, الذين رحلوا بقطارات الغربة نحو محطات اللاعودة, فاكتشف الناس إن شبكات خطوط الطول والعرض المحيطة بكوكب الأرض, ارحم بكثير من سياسات التخبط (شاطي باطي), بالطول والعرض, فأضحى الحديث عن التكنوقراط ورقة محترقة في مهب الريح, بعد أن كان هو البطاقة الرابحة في مواسم الانتخابات, وهكذا جاءت النتائج لصالح عفاريت السيرك السياسي في عروض ملوك الطوائف, فكانت المحاصصة هي الخنجر الذي أودى بمستقبل أصحاب الكفاءات, حين أصبح مصطلح (التكنوقراط) من ضمن المفردات السومرية البالية, وكان أقرب إلى (الماكو), أو (المامش), أو (المش ممكن), أو (المشمش), وعيش وشوف. . .

والله يستر من الجايات

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/07



كتابة تعليق لموضوع : تكنوقراط بالمشمش
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net