أهميّةُ صَلاة الجَماعة
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صلاة الجماعة هي واحدة من أهم الأركان التي يرتكز عليها الدين الإسلامي ، وهي مصدر تَعَاظُم المسلمين وتماسكهم وحَيَوِيَة تواصلهم وتوادّهم ، وهي من المستحبات المؤكدة .
بالجماعة أقام الدينُ بُنْيانهُ ، واستقامَ عُودهُ ، وثبتتْ أسسَهُ ، ومتُنتْ أركانهُ ، وأرْسِيَتْ دعائِمهُ ، وسما مَكَانهُ ، وتحققت وحدتهُ .
والمسجد أول بنيانٍ اتخذه النبي بعد الهجرة إلى المدينة ، وأول مكانٍ اجتمع فيه المسلمون .
فتعالتْ به أحكامُ الدين ، وانبثقتْ منه معالمه ، ومنه اتخذ المسلمون قواعدَ الجهاد ، وعنده تكفّل المسلمون بعضهم البعض ، وصارَ منبراً يشاعُ من خلاله الخيرَ والصلاح والمحبة والتآخي والقوّة .
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يترك الصلاة جماعة حتى في حالة المواجهة من الأعداء ، وأنه صلى جماعة في أرض الحديبية صلاة الخوف ، فنزلت هذه الآية قال تعالى : وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤئفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَإۤئكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤئفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ . النساء 102
فإذا سجدت جماعة وانقضت الركعة الأولى من الصلاة ، على النبي أن يقف في مكانه فتؤدي الجماعة - سريعا - الركعة الثانية وتعود إلى ساحة القتال لمواجهة العدو.
وتأتي بعد ذلك الجماعة الثانية التي لم تصل بعد، وتأخذ مكان الجماعة الأولى فتصلي مع النبي: فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معكم... وعلى الجماعة الثانية أن لا تضع أرضا لامة حربها ، بل تحتفظ بها معها: وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم . تفسير الأمثل ج ٣ - الصفحة ٤٢٥
قال الشيخ مكارم الشيرازي في كتابه الأمثل وفي ذيل تفسير هذه الآية :
( من الواضح أن أداء الصلاة جماعة ليست واجبة في الإسلام ، لكنها من المستحبات المؤكدة كثيرا ، وهذا الآية تعتبر أحد الأدلة الحيّة على التأكيد بالنسبة لأهمية مراسيم صلاة الجماعة في الإسلام ، بحيث إن هذه الصلاة - صلاة الجماعة - تقام حتى في ساحة الحرب بالاستفادة من أسلوب وطريقة صلاة الخوف ، ويستدل من هذا الموضوع على أهمية الصلاة نفسها بالإضافة إلى أهمية إقامتها جماعة ) انتهى.
وأن الإمام الحسين عليه السلام قد صلى ظهرَ يوم العاشر جماعة وهو في مقابل الأعداء ، واشتداد القتال مع جيش عمر بن سعد ، فأقامها رغم تمالك الخوف من هجوم القوم الذين " لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً " .
من هنا تتبين أهمية الصلاة جماعة ، فإذا كانت أهميتها في الحرب أو الخوف من الأعداء بهذا الشكل ؛ فما بالك في مواضع السلم !؟؟؟
سنبيّن بعون الله تعالى أهمية صلاة الجماعة ؛ ومن ثم فضلها وأثرها على المسلمين من خلال الآيات والروايات .
أهميتها :
لصلاة الجماعة فوائد جمّة نذكر بعضاً منها :
1- المسجد هو مقر تجمع المسلمينَ للصلاة في مكان واحدٍ ، مما يولّد قوّة فيما بينهم وهيمنة على قلوب أعدائهم ، ومنه يكون منطلقا لخطب أئمة الجماعة .
2- يتخذ المسلمون القرارات المفصليّة الدينية منها والسياسية والعسكرية انطلاقا من المسجد والجماعة .
3- في المسجد تُدرّس أحكام الدين ، وتعلّم القرآن ، إضافة إلى المسائل الفقهية والعقائدية ، والإرشادات الاجتماعية .
4- يكون المسجد انطلاقا لمعرفة أحوال المسلمين ، وتفاصيل حياتهم واحتياجاتهم المعيشية ، ومنه يبدأ التكافل الإجتماعي الخيري فيما بينهم ، بمساعدة المحتاجين ، وإعانة المظلومين ، والكثير من الأمور التي تنسجم مع الحالات الإنسانية الواجبة ، بل ويصل إلى غير المسلمين أيضا ؛ فكلها تنطلق منه وببركة صلاة الجماعة .
5- المسجد والجماعة يدفعان المسلم في بث روح العبادة والخشوع أكثر من غيرها في كثير من الأحيان .
فضيلة المساجد والصلاة فيها من خلال الآيات والروايات :
قال تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ . [التوبة: 17، 18] نزلت هذه الآية في حق أمير المؤمنين عليه السلام.
وقال تعالى : قُلۡ أَمَرَ رَبِّی بِٱلۡقِسۡطِ وَأَقِیمُوا۟ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدࣲ وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ كَمَا بَدَأَكُم تَعُودُونَ ، والمعنى المراد في هذه الآية هو المشاركة في المساجد أثناء الصلوات اليومية على رأي بعض المفسرين .
وقال تعالى : یَـبَنِي ءَادَمَ خُذُوا۟ زِینَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدࣲ وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ وَلَا تُسۡرِفُوا۟ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِین . الأعراف 31
إذاً يُعتبرُ المسجد هوية المسلمين والأساس في نشر الدينِ ، لهذا استفاضت الروايات في صلاة المسجد وإتيان الجماعة فيه ؛ حتى قال النبي الأكرم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه : مَنْ أَتَى اَلْجَمَاعَةَ إِيمَاناً وَ اِحْتِسَاباً اِسْتَأْنَفَ اَلْعَمَلَ . ثواب الأعمال ص٣٧
( استأنف العمل : أي غُفِرَ لهُ ماتقدّم من ذنبه فليستأنف العمل فيما بعد ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لاَ صَلاَةَ لِجَارِ اَلْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي اَلْمَسْجِدِ . مستدرك الوسائل ج۳ ص۳5
وقَالَ رَسُول اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : صَلاَةُ اَلْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ اَلْفَرْدِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. وسائل الشیعة ج۸ ص۲۸۹
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : إِجَابَةُ اَلْمُؤَذِّنِ رَحْمَةٌ وَثَوَابُهُ اَلْجَنَّةُ وَ مَنْ لَمْ يُجِبْ خَاصَمْتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَطُوبَى لِمَنْ أَجَابَ دَاعِيَ اَللَّهِ وَمَشَى إِلَى اَلْمَسْجِدِ وَلاَ يُجِيبُهُ وَلاَ يَمْشِي إِلَى اَلْمَسْجِدِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ . البحار ج ۸۱، ص 154
وقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ : مَنْ مَشَى إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اَللَّهِ فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ خَطَاهَا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَ يُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَ يُرْفَعُ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ . البحار ج٨٠ ص ٣٦٧.
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَنْ أَجَابَ اَلْمُؤَذِّنَ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً بَيْنَ يَدَيِ اَللَّهِ وَغَفَرَ اَللَّهُ لَهُ اَلذُّنُوبَ سِرَّهَا وَعَلاَنِيَتَهَا وَكَتَبَ لَهُ بِكُلِّ رَكْعَةٍ يُصَلِّي مَعَ اَلْإِمَامِ فَضْلَ سِتِّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَلَهُ بِكُلِّ رَكْعَةٍ مَدِينَةٌ . بحار ٨١ ص ١٥٤
قَالَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مَنْ أَحْسَنَ اَلطَّهُورَ ثُمَّ مَشَى إِلَى اَلْمَسْجِدِ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ . البحار ج٧٧ ص ٢٣٧. والمراد أن من أحسن الوضوء ومشى إلى المسجد فهو في ثواب أجر المصلي ، وفي رواية عن النبي قال ( يُحدث بمعنى يَغْتاب ) .
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ الصادق عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : مَنْ مَشَى إِلَى اَلْمَسَاجِدِ لَمْ يَضَعْ رِجْلَهُ عَلَى رَطْبٍ وَ لاَ يَابِسٍ إِلاَّ سَبَّحَتْ لَهُ اَلْأَرْضُ إِلَى اَلْأَرَضِينَ اَلسَّابِعَةِ . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ج ۱، ص ۲۷
نسأل الله تعالى أن يغرس في نفوسنا روح المواضبة على إتيان المساجد والحضور في صلوات الجماعة دائماً طاعةً إلى الله تعالى .
14/ربيع الأول/1446 هـ
18/9/2024 م
والحمد لله رب العالمين .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat