صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى ! [ الجزء الثالث ]
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بقلم ؛ الدكتور طه حسين ، المفكر والأديب المصري المعروف

أعده وعلّق عليه وقدّم له الملاحظات ؛ مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية

[ وقد نزل القرآن منجما ، ولم يوح الى النبي جملة، وإنما كان ينزل بين وقت ووقت ، يتتابع أحيانا ويبطيء أحيانا أخرى  . وقد تساءل المشركون من قريش لماذا لم ينزل القرآن جملة ؟ (1) . ولو قد أنزل عليه مرة واحدة لما أطاقوه . وإنما أراد الله أن ينزله منجما ليتابع به حياة النبي والعرب وما آختلفا عليهم من الأطوار في هذا الأمد الذي قضاه النبي بينهم مبشرا ومنذرا ! .

وكان ماينزل يكتب في إثر تنزيله (2) . ثم جمع القرآن أيام أبي بكر ، ثم نسخ في المصاحف وأرسل الى الأمصار أيام عثمان (3) . وجعل المسلمون يروونه سماعا ويقرأونه في المصاحف ، حتى وصل الينا كاملا كما هو الآن . فهو متواتر (4) لايجد الشك الى شيء منه سبيلا ، لم يختلف المسلمون فيه وإنما تناقلوه مجمعين عليه . وتناقلوه مسموعا ومكتوبا ، فجملته وتفصيله فوق الشك وفوق الجدال ! .

وقد تختلف قراءة المسلمين لبعض ألفاظه مدّا وقصرا وإمالة وإطلاقا ، ولكن سبعا من هذه القراءات وصلت الينا متواترة وأجمعت عليها الأمة ، ولابأس منها على النص لا في لفظه ولا في معناه ! .

وقد رتّب القرآن – كما هو بين أيدينا – سورا منذ أيام النبي وقدمت في المصحف طوال السور على أوساطها ، وأوساطها على قصارها . ولم يراع في هذا الترتيب نزول السور والآيات في مكة ، أو في المدينة ولاتاريخ نزول الآيات ، وإنما وضعت الآيات حيث كان النبي يأمر أن توضع من السور .

ونحن نجد البقرة وآل عمران والنساء والمائدة في أول المصحف بعد الفاتحة مع أنها مدنية . ونجد الأنفال والتوبة – وهما مدنيتان – بين سور مكية ، وربما وجدنا في السورة المدنية آيات أنزلت بمكة ، وفي السور المكية آيات أنزلت بالمدينة . ذلك أن هذا الترتيب حسب مكان النزول وزمانه لم يراع . وإنما القرآن واحد جاء كله من عند الله وتلاه النبي على المسلمين كله كما أنزل ! .

وقد بين الرواة الأولون والعلماء من بعدهم أماكن نزول الآيات وتاريخها وحاول بعض المستشرقين أن يرتب القرآن حسب تاريخ نزول السور ، فلم يصنعوا شيئا . وترجم القرآن الى بعض اللغات الأجنبية (5) أحيانا على هذا الترتيب التاريخي فكان هذا النحو من الترجمة والترتيب عبثا لايدل على شيء ، وإنما ينأى عما ألف المسلمون من الترتيب المعروف في المصحف .

وما أكثر العلم الذي آستنبطه المسلمون من القرآن . فهم إستنبطوا منه شرائع الدين ، وجزء غير قليل من تاريخ المسلمين بمكة والمدينة ، وهم جعلوا من تفسير ألفاظه وتوضيح معانيه عِلما مستقلا هو علم التفسير ، وهم درسوا لهجات القرّاء كما تظهر في القراءات المختلفة ، وجدوا في توجيه هذه القراءات توجيها نحويا . وهم إستخرجوا علم تلاوة القرآن كما سمع من القراء الأولين ، ونظّموا قواعد المد والقصر واللغة وإخراج الحروف لأحسب القراءات المختلفة . وهم إعتمدوا عليه آعتمادا شديدا في تسجيل اللغة العربية في المعجمات ووضع الأصول التي يقوم عليها النحو والصرف . وهم إعتبروه مثلا أعلى لروعة البيان (6) ، وعسى أن يكونوا قد آعتمدوا عليه أشد الاعتماد فيما وضعوا في علوم البلاغة ولاسيما البيان والمعاني .، الى آخر العلوم الكثيرة التي آستنبطت منه ، وألّفت فيها ومازالت تُؤلّفُ فيها كتب لاتحصى .

ومع إن علم الكلام (7) قد آعتمد على الفلسفة ، والفلسفة اليونانية خاصة فإنه يعتمد آعتمادا شديدا على القرآن في قسم السمعيات في أقسامه ، وفي أبوابه النظرية .

والمتجنبون من المتكلمين للتأويل والإغراق فيه قد آعتمدوا على القرآن والسنة وحدهما في العقائد الاسلامية  ، وآتخذوا الفلسفة خادما له يدافعون بها عن نصوصه ويخاصمون بها المؤوّلين والمتكلّفين ويردون بها على الذين قصروا جهدهم على الفلسفة الخالصة ولم يعرضوا للنصوص ، وإنما آعتمدوا في إثبات الله ووجوده على النظر وحده يذهبون في ذلك مذاهب القدماء من فلاسفة اليونان .

وربما أثارت العناية بالقرآن بعض الخصومات بين المسلمين . كالذي كان حين ذهب المعتزلة الى أن القرآن مخلوق . وتابعهم على ذلك بعض الخلفاء من بني العباس .، فأثاروا بين الناس شرا عظيما وآمتحنوا خيار العلماء بألوان من البلاء شداد (8) .

على أن هذه الخصومات الخطيرة لم تلبث أن صارت الى ما ينبغي أن تصير اليه الخصومات من الجدل الخالص بين العلماء ، وذلك حين آنصرفت السياسة لما يسرت له ، ولم تدخل في شؤون مايكون بين العلماء من آتفاق وآختلاف (9) .

وما أكثر ما توارثت الانسانية من آيات الأدب وروائع البيان في اللغات المختلفة منذ العصور القديمة . لكنا لانعرف شيئا من هذا التراث عني به الناس على نحو ما عني الناس بالقرآن . فهم يقرأون روائع البيان هذه ويشرحونها ، ويكثرون البحث والدوران حولها ولكن هذا كله لايتجاوز الخاصة الذين يقفون أنفسهم على هذا النحو من الدرس ! .

فأما القرآن ، فالعناية به لاتشبهها عناية . فليس من المسلمين على كثرتهم وآختلاف أجناسهم وتعاقب أجيالهم من لايحفظ القرآن قليلا ، أو كثيرا ، لأن أداء الصلاة لايتم ولايستقيم إلاّ بقراءة شيء من القرآن فيها  !!! .

فليس بد للمسلم من أن يحفظ منه ما يؤدي به صلاته . وما نعرف أحدا يحفظ أثرا من الآثار البيانية على ظهر قلب كما يحفظ كثير من المسلمين القرآن . يحفظه كثير منهم حفظا يصاحبه فهم النصوص ، ويحفظه أكثرهم حفظا دون أن يفهموه فهما واضحا ؛ أولئك وهؤلاء يرون حفظه تعبدا وقربى الى الله (10) . وما أكثر المسلمين الذين يحفظون القرآن ليتخذوا تلاوته مهنة يكسبون بها قوتهم . ولو لا ان المسلمين جميعا يحرصون على أن يسمعوا القرآن تتلى عليهم آياته في كل يوم ، وفي بعض الظروف الخاصة لما وُجدت هذه الصناعة ولما نفقت سوقها ولما كثر أولئك الذين يدخلون بالقرآن كثيرا من البيوت يصبحون الناس بآيات منه ويمسونهم . ولما كثر المصوتون به أولئك الذين يجتمع لهم الناس ليسمعوهم ويعجبوا بأصواتهم وتلاواتهم في ظروف الحزن والفرح . وجاءت إختراع الإذاعة فكثرت إذاعة القرآن يصوت به أصحاب الأصوات الحسان في البلاد الاسلامية ، وفي البلاد الأجنبية التي توجه الإذاعة الى المسلمين لأسباب سياسية وغير سياسية ! .

فالقرآن يتلى في الاذاعات الأوربية والأمريكية ، وهو يتلى على أنه إمتاع للمستمعين بحسن الأصوات . ولكن كثيرا من المستمعين يسمعونه لنفسه أولا وللأصوات التي تتلوه ثانيا وما يكون فيها من التطريب . وقد تذاع بعض روائع البيان في اللغات الحية ، ولكنها لاتذاع في نظام وآضطراد كما يذاع القرآن ! .

وجملة القول أن القرآن قوام لحياة المسلمين يرضون به ربهم حين يأتون ما أمر به ويتجنبون مانهى عنه ، وحين يقيمون صلاتهم مجتمعين ، أو متفرقين يقرأونه أو يسمعونه متعبدين بقراءته أو سماعه ، وحين يستنبطون منه العلم ويلتمسون فيه الروعة والجمال ويستمتعون بقراءته أو سماعه بالأصوات العذاب ! .

وليس في التراث الانساني كله شيء يشبه القرآن في تقويم الألسنة العربية حين تلتوى باللهجات العامية المحتلفة ، والأجنبية حين تلتوى بلغاتها المتباينة ، فالين يحفظون القرآن في الصبا ، ويكثرون قراءته ويجودونها أصح الناس نطقا بالعربية وأقلهم تخليطا فيها . ومن أجل ذلك كانت الأجيال السابقة الى عهد قريب تأخذ الصبية حين يتعلمون الكتابة والقراءة بحفظ القرآن كله ، أو بعضه وتجويد قراءته ، يرون في ذلك محافظة على الدين وتقويما لألسنة الصبية والشباب ، وكان الذين يحفظون القرآن ، أو شيئا منه أجود نطقا بالعربية حين يتكلمون ، وأجدر أن يفقهوا دقاق اللغة حين يتعلمونها . وقد أهمل حفظ القرآن وتمرين الصبية على قراءته وتجويده في المدارس الحديثة حينا ، فآلتوت ألسنة الشباب وفسد نطقهم وضاقوا بدروس اللغة في مدارسهم ، ثم أعرضوا عنها بعد الخروج من المدارس ، ثم مال كثير منهم الى العامية فآثروها على الفصحى وحاولوا أن يجعلوها لغة الكتابة ، فلم تستقم الأمور . ولأمر ما عاد القائمون على شؤون التعليم فراجعوا مناهج المدارس وبرامجها وجعلوا لقراءة القرآن وحفظه فيها مكانا مرموقا (11) .

والقرآن بعد هذا كله هو الذي حفظ اللغة العربية أن تذوب في اللغات الأجنبية التي تغلبت على اللغة العربية بحكم السياسىة في عصور كثيرة وظروف مختلفة . فقد تفرقت كلمة المسلمين في السياسة وآنحلّت الخلافة العربية القديمة وخضع العرب لإستعمار الأعاجم . حكمهم الفرس في دار الخلافة نفسها أولا ، وحكمهم الترك بعد ذلك قرونا متصلة ، وجاء العصر الحديث فخضع العرب لسلطان الأجنبي الأوربي يقهرهم مرة بالإستعمار والحكم المباشر لهم ، ويقهرهم مرة أخرى بالتفوق في الحضارة المادية والمعنوية جميعا ويضطرهم الى أن يتعلموا اللغات الأوربية إرضاءا لحكامهم من الأوربيين وآلتماسا لما في هذه اللغات من علم وأدب وفلسفة وفن . وكان هذا كله جديرا أن يمحق اللغة العربية محقا ويذهب شخصية الشعوب العربية ، ولكن القرآن عصم هذه اللغة من الضياع وحال بين الخطوب الجسام وبين التأثير فيها . حرص العرب على القرآن ، لأنه يحفظ عليهم دينهم ، ولأنه قوام حياتهم ، فقرأه عامتهم وخاصتهم وحفظوا منه القليل والكثير ودرسه علماؤهم في المساجد والمدارس وآختلف اليهم ألوف كثيرة من الطلاب على تباعد الأمكنة والأزمنة وآضطروا من أجل فهم القرآن ودرسه في تعمق أن يدرسوا اللغة العربية التي أنزل بها (12) !!! .

وأكثر من ذلك أن بعض الأمم الاسلامية التي خضعت لسلطان العرب في وقت مضى طوت قلوبها على بغض العرب والعروبة وآذتهم حين آستطاعت إيذاءا شديدا ، ولكنها على رغمها إحتفظت بالقرآن لمكان الاسلام منها ، أو لمكانها من الاسلام فدرست القرآن ودرست لغته العربية (13) .

واذا كانت الآن وحدة إسلامية عامة ، أوشيء يشبه هذه الوحدة فبفضل القرآن وجدت ، وبفضل القرآن ستبقى مهما تختلف الظروف وتدلهم الخطوب . واذا كانت هناك وحدة يحاول العرب أن يعودوا اليها ويقيموا عليها أمرهم في الحياة الحديثة كما قامت عليها حياتهم القديمة . فالقرآن هو أساس هذه الوحدة الجديدة كما كان أساسا للوحدة القديمة (14) !!! .

وليقرأ العرب إن شاؤوا قول الله عزوجل في الآية الكريمة من سورة آل عمران ؛ { وآعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وآذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } ! . فهذه الآية الكريمة التي أنزلت وتلاها النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من العرب كانوا يخرجون من جاهليتهم ويدخلون في الاسلام ، فهم حديثو عهد بالكفر وحديثو عهد بالعصبية القديمة وحديثو عهد بتفرق القبائل وآختصامها وآحترابها لأِيسر الأمور وأهونها شأنا . هذه الآية الكريمة مازالت قائمة بعد قريب من أربعة عشر قرنا وستظل قائمة . وهذا الأمر للمسلمين بأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولايتفرقوا لم ينقض بإنقضاء عهد الخروج من الجاهلية والدخول في الاسلام ، وإنما هو قائم دائما مادام في الأرض مسلمون . فمثل هذا الأمر في القرآن لايخص قوما بأعينهم ولاعهدا بعينه ولامكانا بعينه ، وإنما هو أمر شامل عام واجب الاحترام في كل زمان ، وفي كل مكان . والعرب أجدر الناس ان يفهموه وينفذوه فهو أنزل فيهم وأنزل في لغتهم وآتجه اليهم أول ما أنزل !!! ] .

التعليقات والملاحظات ؛

1-/ مُنَجّما ؛ مقسّما ، مجزّءا ، مفرّقا ومقسطا ، أي قسما قسما وجزءا جزءا وقسطا قسطا وهكذا . تقول العرب للمفرق ؛ منجما . يقول إبن منظور في موسوعته اللغوية المعروفة [ لسان العرب ] عن المنجم ؛ ( جعلتُ مالى على فلان نجوما مُنَجّمَة يؤدِّي كل نَجْمٍ في شهر كذا . وقد جعل فلان ماله على فلان نجوما يؤدي عند إنقضاء كل شهر منها نَجْمَا ) . أنظر قاموس [ لسان العرب ] لمؤفله إبن منظور ، ج 14 ، ص 203 . أي على أجزاء وأقسام وأقساط .

وقد نزل القرآن الكريم آيات آيات ، وعلى أقسام وأجزاء مفرّقة على الغالب على رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ، وآكتمل تنزيل القرآن عبر الوحي الإلهي على قلب محمد خلال ثلاث وعشرين سنة . وفي يومه أثار المشركون في مكة هذا الإشكال على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وسألوه ؛ لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة ودفعة واحدة . وقد سجّل القرآن الكريم هذا الإشكال والتساؤل في سورة الفرقان ، الآية الثانية والثلاثون ؛ { وقال الذين كفروا لولا نُزِّلَ عليه القرآنُ جملة واحدة * كذلك لِنُثَبِّتَ به فؤادك ورتّلناه ترتيلا } . وفي الآية السادسة بعد المئة من سورة الإسراء يقول الله تعالى عن نزول القرآن الكريم على محمد عليه الصلاة والسلام على شكل أيات متفرِّقات وأجزاء متفرقات ؛ { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مُكْثٍ ونَزّلناه تنزيلا } .

الحكمة وأسباب نزول القرآن على أجزاء متفرّقة ؛

*-/ التثبيت أكثر فأكثر لقلب رسول الله محمد ( عليه الصلاة والسلام ) الطاهر على المضي في الدعوة والإستمرار في تبليغ الناس ما نُزّلَ عليه من التعاليم والآيات .*

*-/ السهولة واليُسْرِ في حفظ القرآن الكريم والتدبّر والتأمّل في أبعاده البالغة . مضافا ان هذه الطريقة هي الأسهل والأجدى لحفظ القرآن على ظهر قلب .

*-/ إستمرار التحدّي بالطول الزمني المقرون بالحِكَمِ والإعجاز اللغوي والبياني والفصاحتي والعلمي والمعرفي والتاريخي . 

*-/ متابعة الأحداث والوقائع والمستجدات ومسايرتها في مكة بخاصة ، وفي الجزيرة العربية بعامة .

*-/ الرد والأجوبة على مختلف الأسئلة والإشكالات والشبهات . *-/ التدرّج في بيان الأحكام والتعاليم والقضايا التربوية والتشريعية ، وفي بناء صروح الحضارة والمدنية الاجتماعية والسياسية الجديدة محل العادات والتقاليد غير السوية والجائرة التي كان يعاني منها العرب في شبه الجزيرة .

*-/ الإستدلال والبرهنة على أن هذا القرآن ليس من صنع أحد من البشر إطلاقا ، بل هو مُنّزّلٌ من عند الله تبارك وتعالى ، لأن  فصاحته ولسانياته وبياناته ومعلوماته وعلومه ومعارفه تفوق كل ما عند البشر إجماعا ، وذلك بدء بالرسول الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام ، ثم بالعرب كافة ، ومن ثم بالشر بشكل أعم ! .

2-/ كل ماكان ينزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم من كلام الله سبحانه عبر وحيه من آيات القرآن فإنه كان يجمع كُتّاب القرآن ، أو كتّاب الوحي كما آشتهروا ، فيقرأ عليهم مأ أنزل عليه ، وهم يكتبونه كما سمعوه من رسول الله محمد عليه السلام ، ثم بعد الإنتهاء من كتابة الآيات القرآنية التي أملاها عليهم رسول الله محمد كان يقول لكل واحد منهم أن يقرأ عليه ما كتبه ! .

3-/ بالحقيقة إن الجمع الأول للقرآن الكريم كان في حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وعهده الكريم ، ومن قِبَلِهِ مباشرة . لهذا فإنه روحي فداه كان الجامع الأول للقرآن بداية ونهاية ، ثم جمع ثانية في عهد خليفته الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه نُسِخَ القرآن على أساس الجمعين الأولين له في المصاحف على عدة نُسَخٍ ، ومن ثم أرسلت ووزعت على الأمصار والبلدان .

4-/ التواتر ؛ التواتر في اللغة معناه التتابع والمتابعة الجمعية لجماعة كبيرة من الناس . أما معناه الإصطلاحي فهو نقل جماعة من الناس لخبر واحد ، أو حادثة واحدة وإتفاقهم عليها إتفاقا كليا وجامعا . وهذا التواتر يستحيل عليه الكذب والخِلافَ ، وللمثال ؛ في عام 1988 من القرن المنصرم أقدمت الحكومة العراقية السابقة بقصف مدينة حلبجة بجنوب كوردستان بالقنابل والأسلحة السامة والكيماوية . عليه فإن أهالي حلبجة كلهم يُمِعُون على أن مدينتهم في يوم كذا ، وفي شهركذا ، وفي عام كذا قد قصفت من جانب النظام العراقي السابق بالأسلحة الكيماوية ، فهم يروون هذا لأولادهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم وهكذا ... فهذا الرواية تسمى ب[ التواتر ] ، وبعد آلاف السنين فإن أهالي حلبجة والكورد والعالم بعامة سوف يصدّقون هذه الرواية ، لأنها قد وصلت اليهم بالتواتر الجمعي التاريخي الذي يستحيل عليه الكذب !!! .

وكان رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أوّل حافظ للقرآن الكريم ، وهو الذي قرأه على أصحابه ، وبخاصة كتاب الوحي ، حيث هم أيضا حفظوه على ظهر قلب حفظا كلاملا وبدون آنقطاع على الإطلاق . عليه لما توفي رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان القرآن مُجمعا عليه كل الإجماع ومحفوظا كل الحفظ في صدور غالبية صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم ، وبشكل أخص أهل بيته الطيبين الطاهرين ، ثم في صدور التابعين وتابعي التابعين وقس على هذا ... بهذه الطريقة التواترية الصادقة واليقينية وصل القرآ الكريم عبر الإمتدادات الزمنية الطويلة الينا . وهذا التواتر القرآني هو فريد من نوعه إطلاقا ، إذ لايحظى أيّ كتاب سماوي بهذا التواتر بتاتا !!! .

5-/ إن القرآن الحكيم الذي هو بين أيدينا الآن هو كما كان في عهد سيدي رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام من حيث التقسيم والتنظيم والترتيب للسور إذن ، فهذه حالة توقيفية مُذ ذلك العهد الكريم , وقد ترجم القرآن ، أو بالأحرى معانيه الى الكثير من لغات الشعوب في العالم ، منها اللغات الأوربية كالانجليزية والفرنسية والألمانية والايطالية والسويدية وغيرها ، منها اللغات الموجودة في أفريقيا ، منها اللغات الموجودة في قارة آسيا كالكوردية ، الفارسية ، البلوجية ، البشتو ، الروسية ، التركية ، الصينية والهندية وغيرها .

6-/ يعتبر القرآن الكريم مدار حياة المسلمين في العالم كله ، وهو دستورهم ومنهجهم على الصعيد الديني والدنيوي . وكما أشار الدكتور طه حسين حيث أصاب فيما أشار اليه ، إن المسلمين قد آستخرجوا شتى العلوم والمعارف من القرآن التي سُمّيت بالعلوم القرآنية . وحول اللغة العربية ، فالقرآن الحكيم هو المنبع والمصدر الأساسي لها ، حيث هو قوّمها وسدّدها وطوّرها وأثراها وحفظها من الإندثار والإندراس ! .

7-/ علم الكلام ؛ هو علم مستحدث في تاريخ المسلمين ، وهو يبحث ويتناول الأصول والأركان الاسلامية ، وفي مقدمتها قضايا التوحيد والنبوة والمعاد وغيرها . وسمي بعلم الكلام لأنه يتضمن الحجاج والبحث في العقائد الايمانية بالأدلة العقلية والرد والأجوبة على التساؤلات والشبهات والإشكالات .

بعد ظهور الفِرَقِ والمذاهب الدينية والمذهبية والفلسفية والسياسية كالخوارج والمعتزلة والجهمية والمُجسّمة وغيرها وتوسّعهم في المسائل المختلفة جاءت الحاجة الى علم الكلام للرد والتوضيح على الأخطاء والأسئلة والشبهات عن الاسلام والقرآن الكريم وتعاليمه ونظرياته . لاشمن أبرز علماء الكلام ومفكريه في التاريخ هم ؛

·       أبو الحسن الأشعري .

·       أبو منصور الماتريدي .

·       أبو حامد الغزالي .

·       أبو المعالي الجويني .

·       أبو بكر الباقلاني .

·       فخرالدين الرازي .

·       أبو إسحاق الإسفراييني وغيرهم .

8-/ المعتزلة ؛ تيار ومذهب كلامي وفكري ظهر في أواخر العصر الأموي ، ثم أخذ في الازدهار والتطور في العصر العباسي ، وبخاصة في عهد المأمون سابع الخلفاء العباسيين . وآعتمد المعتزلة العقل في تشكيل أفكارهم وعقائدهم ، وإنه قدّم العقل على النقل في ذلك . إن أصول المعتزلة هي ؛

التوحيد ، العدل ، الوعد والوعيد ، الأمر بالمعروف ووالنهي عن المنكر والمنزلة بين المنزلتين . يذكر إن مؤسس مذهب المعتزلة هو واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري التابعي رحمه الله تعالى .

في عهد المأمون قويت شوكة المعتزلة وذلك بإنتصار الخليفة لهم فقاموا بإضطهاد غالبية المسلمين ، وإنهم إستخدموا العنف والقهر في إشاعة مذهبهم . وفي هذا الصدد فإن محنة الامام أحمد بن حنبل معروفة ، حيث تم إضطاده ومساءلته ؛ هل القرآن الكريم هو مخلوق أم لا !؟ ، فكان رد الامام أحمد ؛ هو كلام الله ! .

البعض إعتقد خطأ إن المعتزلة هم من مذهب أهل السنة ، إنهم كانوا في البداية كذلك ، لكنهم إعتزلوا أهل السنة ولذلك سموا بالمعتزلة . وبعد الاعتزال وتأسيس مذهبهم مالوا الى الشيعة ، لكنهم توقفوا بعد ذلك فأصبحوا وسطا بين السنة والشيعة من حيث الآراء الفكرية والدينية والسياسية . لاشك ان العديد من آراء المعتزلة في القضايا التاريخية والسياسية معقولة ومقبولة ! .

9-/ من المفترض أن يبقى الاختلاف الفكري والفلسفي والتباين في الآراء والاجتهادات في دائرة الأخذ والرد ، وعلى مستوى الرأي بالرأي والحجة بالحجة لا بإستخدام القوة والعنف كما فعل المعتزلة في العصر العباسي الأول ! .

10-/ وهو كما ذهب اليه الدكتور طه حسين ، فإنه لايوجد كتاب ولانص في العالم كله يحفظ على ظهر قلب ، وفي الصدور بشكل كامل تماما كالقرآن الكريم . فمن بين جميع الشعوب والقوميات المسلمة والجماعات المسلمة في المعمورة كلها ، مثل الشعوب الكوردية والعربية والفارسية والهندية والأفريقية وغيرها إلاّ وفيهم جماعات من حُفّاظِ القرآن . وهذا هو معنى التواتر ومغزاه الإجماعي الحالي له ، حيث بداهة سينتقل هذا الإجماع التواتري الى الأجيال الأخرى والأخرى من بعدنا بهذا الشكل من التواتر ، كما وصلنا بهذه الطريقة التواترية من عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيه وتابعي تابعيه ، فالذين من بعدهم حتى يومنا هذا . على هذا الأساس الراسخ سيبقى هذا التواتر مستمرا الى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، وهذا هو حقيقة مصداق هذه الآية الكريمة وأحد معانيها ؛ { إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون } ! .

11-/ لما وصل الإهمال عن القرآن ولسانياته وتعاليمه وروائع بيانه وجماليات لغته ظهرت الغرابة والضعف في لسان الكثير من المتكلمين بالعربية قبل غيرهم ، فالقرآن هو المعين والمصدر الأساسي اللغوي الثري جدا على صعيد اللغة والمفردات والبيان والبلاغة والفصاحة . لهذا لايمكن الإستغناء عنه أبدا ، وبخاصة اذا علمنا أنه دستور ديننا ودنايانا ! .

12-/ بالحقيقة إن القرآن الحكيم لاينهى من تعلم لغات الأمم والشعوب في العالم ، بل بالعكس إنه آعتبرها من آيات الله سبحانه في الكون ، وإنه يحض على ذلك ، وعلى التعارف الحضاري والانساني والقيمي بين الشعوب والقوميات كافة كما ذكره القرآن الكريم . لكن مع هذا لاينبغي أن يكون تعلم اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية ، لأنها المفتاح والمدخل الأساسي لفهم القرآن وآياته إذن ، بدون المعرفة والإلمام والدراية الصحيحة باللغة العربية يستحيل فهم الآيات القرآنية ! .

13-/ لاشك ان الأكثر والغالب الأعم من الحكام الأمويين والعباسيين كلنوا ظلمة ومستبدين ، وقد كان ظلمهم وإستبدادهم لايطال الشعوب غير العربية وحسب ، بل كان على العرب أنفسهم ، وكم إرتكب هؤلاء الطغاة العتاة البغاة من المجازر المرعبة ومذابح القتل الجماعي والأعمال الإجرامية والعدوانية والوحشية حيال العرب ، وربما بشكل أفدح وأكثر عدوانية وتوحشا ! .

إذن ، فالشعوب المسلمة ميّزت بين الحكام وبين الاسلام والقرآن حيث آحتفظوا به كل الإحتفاظ وآمنوا به كل الإيمان والإعتقاد ودافعوا عنه وجاهدوا في سبيله وذبّوا عن حياضه وقدموا الغالي والنفيس من أجل عزه وشموخه ورفعته .

14-/  ماذهب اليه الدكتور طه حسين من أن القرآن الكريم له الفضل الكبيرفي الوحدة الاسلامية هو الصواب ، بل بالحقيقة لهذا الكتاب الحكيم العظيم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه الفضل الأكبر والمن الأعظم في وحدة المسلين من جميع الأقطار والبلدان والقارات ، ومن جميع الأمم والشعوب والقوميات والأعراق ، ومن جميع الألوان والأجناس ، وصدق الله العظيم إذ قال في محكم كتابه ؛ { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات / 13 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/22



كتابة تعليق لموضوع : القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى ! [ الجزء الثالث ]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net