عقيدة الزيدية والقرآن الكريم من سورة البقرة (ح 1)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في موقع الزيدي عن عقيدة الخلود في ميزان الثقلين (كتاب الله – أهل البيت): قال الله تعالى: "يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة 20) الشّاهد: هُنا استلهِم أخي الباحث أنّ المانعين لخلود أصحاب الكبائر في النّار هُم المُتعذّرون بالمشيئة الإلهية من قول الله تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا" (النساء 48)، فقالوا: أنّ مشيئة الله تعالى هي غفران جميع الذّنوب (صغائر أو كبائر) التي دون الشّرك، وبالتّالي سيُدخلُهم الله الجنّة، ونحنُ نقول أنّ مشيئة الله تعالى لغفران الذّنوب في الآية ليسَت تنطبقُ على العُصاة المُصرّين وإنّما تنطبقُ على التّائبين من الذّنوب منهم، فإنّ الله تعالى سيغفرُ لهُم، إذ لا غُفران لكبيرةٍ بدون توبَة، فمشيئة الله تعالى لغفران الذّنوب في آية النّساء القريبة مشروطَة بالتوبَة، وزيادَة في البيان لأبعاد ومعاني إطلاق الله للمشيئة في القرآن، نستحضرُ آية البقرَة السّابقة (ونَنْحَى فيها مَنحىً آخَر في النّقاش للمسألة مُقرّب للفَهم) وفيها تأمّل مشيئة الله تعالى في إذهاب سمع وأبصَار الكفّار، تجدهُ يَقولُ: "وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ"، ولكن في الحقيقة والواقع أنّه لم يُذهِب بسمعهِم ولا أبصارِهِم، وهذا دليلٌ على أنّه (لا يشاء) أن يُذهِبَ سمعَهُم ولا أبصارَهُم، ومِثلَه نقول لِمَن تعلّل بأنّ الله قادرٌ على أن يُدخِل مُستحقّ النّار الجنّة إذا شاءَ ذلك، وعليه فدخول أصحاب الكبائر إلى الجنّة أمرٌ غير ممُتنِع على الله تعالى، وعلى هذا نردّ ونَقول: تسليماً وتسايراً معكم في الجِدال كيلا يَطول، أخبرونَا هل مشيئة الله تعالى التي أخبرَ عنها في القرآن قد تُخالف مشيئة الله التي قد يشاؤُها يوم القيامَة؟ إن قُلتُم: نعم، قد تُخالف مشيئة الله التي شاءها ونطقَ بها القرآن مشيئته يوم القيامة. قُلنا: فهذا القَول منكم يَجعلُ وُعودَ الله ووعيدَه الذي اشتمل عليه الكتاب وصرّحت بها السّنة غير مركونٍ إليها، ولا موثوقٍ فيها، فعلَى قولِكم أنّ الشفاعة لأهل الكبائر نصيبٌ منها، نقولُ: قولُكم مردودٌ بالمشيئة الأخروية التي آمنتُم بها، إذ قد يشاءُ الله ألاّ يُشفَعَ لأهل الكبائر، وقد يشاءُ الله أن يُخلِّدَ أصحاب الكبائر في النار كما تقول الزيدية، وقد يشاء الله ألاّ يَجعلَ الشّفاعَة العُظمى من نصيب نبيّنا محمد عليه السلام فيجعلَها لإبراهيم عليه السلام، وقَد يشاء الله ألاّ يُقيمَ مهديّاً في آخر الزّمان، وقد يشاء الله ألاّ تكون هناك قيامة بل تكون حياةً سرمديّة أبديّة. إن قلتُم: ما هذا يا رحمَكُم الله، كيف بنيتُم أصل كلامكم هذا؟.قُلنا: بنيناهُ على أصلكِم الذي يقول: أنّ الله قد يشاء في الآخرَة بما لَم يشأهُ في القرآن أو السنّة، لأنّ الله على كلّ شيءٍ قدير.إن قيل: وضّحوا ذلك أكثر ودّعموه بالأدلّة. قُلنا: مشيئة الله في القرآن تقولُ في حقّ مَن تعدّى حدود الله من المُسلمين في المواريث ولم يُنصف في القِسمَة وأجحفَ فيها مُطيعاً هوى نفسهُ، ومؤثراً طمع الدّنيا على الآخرَة: "تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (النساء 13-14)، فمشيئة الله تعالى تقول في حقّ المتعدّي في قسمَة المواريث أنّه: "يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ"، وذلكَ لأنّه عصى الله وتعدّى حدُودَه، وقولُكَ أيّها المُخالف: أنّ الله تعالى قد يشاءُ في الآخرَة أن يُدخِل ذلكَ العاصي الغير تائب إلى الجنّة بدون مرورٍ على النّار، وقد تَقول أيضاً: أنّ الله قد يشاء أن يُدخِلَ ذلك العاصي الغير تائب إلى النّار ولكنّه لا يشاءُ أن يُخلِّدَهُ فيها، بل سيُخرجُه بعدَ زمَن إلى الجنّة، فهل هذا أخي العاقِل إلاّ عينُ ما ذكرنَا لكَ من الأمثلَة القريبة، انظُر إلى قول الله تعالى أخي الباحث: "وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا" (الكهف 58)، وهنا تأمّل مَوعِد الله تعالى في هذه الآيَة هَل هُو حقّ على قاعدتُكم أخي المُخالف؟ نعم فإن بانَ لكَ أخي المُخالِف عوَار هذا القَول من جهَة العَقل، فاعلَم أنّ ما بُنيَ على باطلِ فهو باطِل، وقاعدَتكم هذه باطلَة فما ابتنى عليها لاشكّ باطِل. نعم وأمّا إن قلتُم: لا، إنّ مشيئة الله في القرآن لن (تفيد النفي والتأبيد) تُخالف مشيئة الله في الآخرَة، فقَد رجعتُم إلى قول أهل البيت عليهم السلام، ووافقتُم الكتاب وصحيح السنّة المحمديّة، فالله تعالى يقول في مُحكم كتابه: "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا" (النساء 87)، ويقول: "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً" (النساء 122).
عن موقع عرفان: التقت الزيدية في العدل والتوحيد، مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والاَدوار، رفض الجبر، والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الاَصلين عيال على الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام. كما أنّهم التقوا في الاَُصول الثلاثة: 1 ـ الوعد والوعيد. 2 ـ المنزلة بين المنزلتين. 3 ـ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الاَُصول في مذهبهم، وحكموا بخلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة لاَنّها للعدول دون الفساق، فهي إذاً بمعنى ترفيع الدرجة لا الحط من الذنوب كل ذلك أخذاً بالاَصل الاَوّل، كما جعلوا الفاسق، في منزلة بين المنزلتين فهو عندهم لا موَمن ولا كافر بل هو فاسق، أخذاً بالاَصل الثاني، ولكنّهم تخبّطوا في الاَصل الثالث وزعموا أنّه أصل مختص بالمعتزلة والزيدية، مع أنّ الاِمامية يشاركونهم في هذه الاَُصول عند اجتماع الشرائط، أي وجود دولة إسلامية يرأسها الاِمام المعصوم أو النائب عنه بإسم الفقيه العادل. إنّ الزيدية التقت في القول بحجّية القياس والاستحسان والاِجماع بما هو هو، دون كونه كاشفاً عن قول المعصوم، وحجية قول الصحابي وفعله، مع أهل السنّة ولذلك صاروا أكثر فرق الشيعة اعتدالاً عند أهل السنّةـ وميلاً إلى التفتح معهم. ولكنّ العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة التي تميز هذا المذهب عما سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى التفتح مع الاِمامية والاِسماعيلية هو القول بإمامة علي والحسنين بالنص الجلي أو الخفي عن النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم والقول بأنّ تقدم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلاً. هذا هو واقع المذاهب، وعموده الفقري، فقد أخذوا من كل مذهب ضغثاً. نعم كانت عناية مشايخ الزيدية في العصور الاَوّلية، بالنقل عن الصادقين والاَخذ بقولهما أكثر من الذين جاءوا بعدهم. وهذا أحمد بن عيسى بن زيد، موَلف الاَمالي فقد أكثر فيها النقل عنهما وعن غيرهما من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولكن أين هو من البحر الزخار لابن المرتضى (764 ـ 840هـ) أو سبل السلام للاَمير محمد بن إسماعيل الاَمير اليمني الصنعاني (1059 ـ 1182هـ) أو الروض النضير للسباعي، أو نيل الاَوطار في شرح منتقى الاَخبار للشوكاني (1173 ـ 1250هـ)، فإنهم لايصدرون في عامـة المسائل إلاّ ما شذ، إلاّ عما يصدر عنه فقهاء أهل السنة، فالمصادر الحديثية هي الصحاح والمسانيد، والحجج الفقهية بعد الكتاب والسنّة، هي القياس والاستحسان، وكأنّه لم يكن هنا باقر ولا صادق، ولاكاظم ولا رضا ( عليهم السلام ) ونسوا وتناسوا مقاماتهم وعلومهم. نحن نأتي في هذه العجالة بأُصول عقائدهم مستندين إلى ما ألفه الاِمام المرتضى في مقدمة البحر الزخار، مقتصرين على الروَوس دون الشعب المتفرقة منها. وفي هذه القائمة لعقائدهم يتجلى مدى انتمائهم، للمعتزلة أو للسنّة والشيعة، والنص لابن المرتضى بتلخيص منّا. 1 ـ صفاته عين ذاته، ويستحق بها صفاته لذاته لا لمعان (زائدة) خلافاً للاَشعرية حيث يقول: (لمعان قديمة بذاته ليست إياه ولا بعضه ولا غيره ). وقد أشار بذلك إلى المعاني الزائدة التي أثبتها الاَشعري وهي ثمانية مجموعة في قول بعضهم: حياة، وعلم، وقدرة، وإرادة كلام وإبصار وسمع مع البقاء 2 ـ لا يُرى سبحانه، ولا يجوز عليه الروَية وإلاّ لرأيناه الآن لارتفاع الموانع الثمانية. ولا اختص بجهة يتصل بها الشعاع. 3 ـ ليس بذي ماهية: وعليه المعتزلة والزيدية وأكثر الخوارج والمرجئة. 4 ـ حسن الاَشياء وقبحها عقليان، وأكثر الزيديـة على أنّه يقبح الشيء لوقوعه على وجه من كونه ظلماً أو كذباً أو مفسدة إذ متى علمناه كذلك، علمنا قبحه. 5 ـ مريد بإرادة حادثة: هو سبحانه مريد بإرادة حادثة. خلافاً للكلابية والاَشعرية حيث قالوا بإرادة قديمة، وقالت النجارية بإرادة نفس ذاته، قلنا: إذاً للزم إيجاده جميع المرادات، إذ لا اختصاص لذاته ببعضها. 6 ـ متكلم بكلام: وكلام اللّه تعالى فعله الحروف والاَصوات. 7 ـ فعل العبد غير مخلوق فيه: وخالفت الجهمية وجعلت نسبته إلى العبد مجازاً كطال وقصر. وقالت النجارية والكلابية وضرار، وحفص: خلق للّه وكسب للعبد، لنا وقوعه بحسب دواعيه وانتفاوَه بحسب كراهيته مستمراً بذلك يعلم تأثير الموَثر (العبد) سلمنا لزوم سقوط حسن المدح والذم، وسبّه لنفسه، تعالى اللّه عن ذلك. 8 ـ تكليف ما لا يطاق قبيح: وكانت المجبرة لا تلتزمه حتى صرح الاَشعري بجوازه، لنا تكليف الضرير بنقط المصحف ومن لا جناح له بالطيران، معلوم قبحه ضرورة وقوله تعالى: إلاّ وسعها". 9 ـ المعاصي ليس بقضاء اللّه. 10 ـ لا يطلق على اللّه أنّه يضل الخلق. 11 ـ الوعد والوعيد: وهو أصل في كلام المعتزلة والزيدية وقد عقد ابن المرتضى باباً وفرع عليه فروعاً والغاية المتوخاة منها، الحكم بخلود المسلم الفاسق في النار، وإن شئت قلت: خلود مرتكب الكبيرة الذي مات بلا توبة فيها ولم أعثر على نصّ في كلام ابن المرتضى، ولكن صرّح به غير واحد من علمائهم ونأتي بنص العالم المعاصر الزيدي في كتابه (الزيدية نظرية وتطبيق) قال: أمّا الزيدية وسائر العدلية فقالوا: من مات موَمناً فهو من أصحاب الجنّة خالداً فيها أبداً، ومن مات كافراً أو عاصياً لم يتب فهو من أصحاب السعير خالداً فيها أبداً لقوله تعالى: "ومَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيها أبَداً" (الجن 23) وقوله: "وإنّ الفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ* يَصْلَوْنَها يَومَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ" (الانفطار 16) وقوله تعالى: "بَلى مَنْ كسَبَ سَيِّئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئتُهُ فَأُوْلئِكَ أصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدونَ" (البقرة 81).
جاء في موقع الزيدي عن عقيدة الخلود في ميزان الثقلين (كتاب الله – أهل البيت): قال الله تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ" (البقرة 275-278). الشّاهد: هُنا يُخاطبُ الله المؤمنين، ويُحذّرهُم من الوقوع في الرّبا، والرّبا من الكبائر الموبقة، فيُسألُ المُخالف: عن المُسلم الذي مات وهُو مصرّ على التعامل بالرّبا، هَل تجوزُ له شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل سيُخرجُه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النّار إلى الجنّة؟. إن قال: نعم. قُلنا: فكيف إذاً؟ أنتّهم ربّنا، أم نتّهمُك؟، والله يقولُ عن هذا وأمثالِه: "فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، والله المُستعان. نعم وبمعنىً آخرَ سَلوا أصحاب الشّفاعة لأهل الكبائر من أهل القِبلَة وقولوا لهُم: مَن ماتَ مِن أهل القِبلَة وهُو مُصرٌّ على المُتاجرَة بالرّبا، هل سيشفَعُ لهم الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟ إن قالوا: نعم وهُو قولُهُم، فقولوا: إنّ الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم ذلك اليوم سيكونُ حرباً عليهِم لا عَوناً لهُم، سيكونُ عليهم أقسَى من كلِّ قاسٍ، لا أرحمَ من كلّ رحيم: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ"، فكيفَ توفّقون بين هذا وبين مُعتقدكم؟. نعم فإن وَقفتَ أخي الباحث على الخلل، فاعلم أنّ كتاب الله تعالى لا يردّ بعضُه على بعض، بل يُصدِّق بعضه البعض، فمَن استحقّ حرب الله ورسوله من أهل الكبائر (كالرّبا)، فقد استحقّ الخلود في النّار، وعدم الشفاعة، وهذا صريحُ قول الله تعالى: "فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، فحقّقَ الله عليهم الخلود. نعم ثمّ تأمّل ثانيةً قول الله تعالى: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ"، تَجِد أنّ الإيذان بالحرب من الله والرّسول لن ينقطعَ إلاّ بالتوبَة النّصوح، فما حالُ مَن ماتَ وهُو مصرٌّ غير تائب؟ الله تعالى يقول: "وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ"، فإن كان كَسبُ النّفس ذلك اليوم هُو الإصرار على الكبائر والفواحش (كالرّبا) فماذا ستُوَفَّى؟ لاشكّ لن تُوفَّى إلاّ بذات الإيذان بالحَرب من الله والرّسول صلى الله عليه وآله وسلم، الخلود في النّار، والعياذ بالله.
قال العلامة الحسن بن الإمام الهادي القاسمي، مُجتهداً في إحقاق الحقّ والردّ على ما بثّه صاحبُ (الروض الباسم)، وإثبات عقيدة عدم خروج أهل النار وتخليدهم، قال عليه السلام: (هَـذا وقد ورد من غَير مَا سَبق التّصريح بأنّ الظالم والفَاجر مِن أهل النار، قلنـا: التّخصيص بيان وآيات الوعيد وإن عم لفظها فالمَقام صَيّرها مِن قسم الخاص، لو لم يكن كَذلك لكان قد تعبّدنا بما ليس واقعاً من عدم خُروجِهم عِند نُزول الآية، فظهرَ أنه لا يَجُوز تأخير البَيان عن وَقت الحاجة، وبِهذِه المقَالة يُعرَفُ أنهم فُتِنوا كَما فُتِن بنوا إسرائيل (حين) قَالوا: "لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً" (البقرة 80) قالوا: يُطهِّرُهم مِن الذنوب الدنيوية، فردّ الله عنهُم هذه المقَالة بقوله سبحانه وتعالى: "قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 80-81)، فعمّت كلّ مَن أحاطَت بِه خَطيئته فِي مَقام بَيان وتَعليم ومُحاجّة بين الفريقين. ونزولها جَواباً على الجميع، فامتنع تخصيصها فِي غير مَقام البَيان مع قوله تعالى: "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ" (النساء 123)).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat