على الرغم من إغراق " ساهرة " تلك الأم الرءوم في النوم متأخراً لشدة تعبها نهاراً ، وفي سبيل راحة طفلها الودود "محسن " ليلا ً ، الذي بدت أحاسيسه ومشاعره تتجه نحو الأشياء الطبيعية فيأنس بها ؛ إذ يومئ لها بلحاظ عينيه المورقتين كأنّها غدير ماء رقراق في غابة خضراء إلا أنّها استيقظت مدهوشة للتو بسبب بكائه المفاجئ .
اعتادت " ساهرة " في الليالي الحارة أن تصعد بولدها المدلل إلى سطح الدار عند انطفاء التيار الكهربائي في فصل الصيف قهراً ، حيث الهواء برقته مع صفائه وسكون الليل بشفافيته ، فلا أصوات ولا ضجيج تسمع إلا ما ندر .
أخذت توادده حيناً ، وتهمس في أذنه حيناً ، وتحنو بيدها على صدره ، فتضمّه ، وتشمّه ، لكنّه ازداد شدة في بكاء غير اعتيادي .
لم تشعر أمّه في حينه أنّ عيونه ترنو إلى شيء ما ، ولم تنتبه أنّ يده اليسرى تؤمي إلى الأعلى ؛ لتمسك شيئاً تناله ، فالظلمة إلى الأرض عامة في كل جانب ، والضياء في أطراف السماء يبدو منتشراً بطلعة القمر المنير .
ألحّت في تحننها على " محسن " ولم تفلح في أن تهدأ من روعه في هدأة الليل البهيم ، فانتابها من الحزن الذي يصيب كلّ أمّ تسهر من أجل أولادها .
وأخذت " ساهرة " تنظر إلى حركة يده نحو الأعلى سرعان ما انتبهت إليه ، وهو ينظر إلى الأعلى ، ويبكي بحسرة ولوعة غارقة بالدموع ولهفة ظامئة للقاء .
وأغرقت في حيرة من أمر ولدها إنّه يومئ إلى هالة القمر ويريد أن يمكسه فلا تصل يده ، أخذت تفكر برهة من الزمن ، ماذا تعمل لجلب نور غير محسوس إلا بالرؤية ؟ .
أعيتها الحيلة ، فلم تستطع ، ثم فكرت ملياً بأن تجلب له قدح ماء ريثما يشرب منه فيبرد قلبه بعد عناء من البكاء وذرف الدموع ، ثم سكت الطفل فجأة إذ شعر بوجود القمر أمامه في قدح ماء رقراق ، فتعجبت " ساهرة " ضاحكة مستبشرة أنّ سبب بكاء " محسن " رؤيته نور القمر الوضاء في كبد السماء !!! .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat