صفحة الكاتب : د . مسلم بديري

مونودراما(( رحيـق )) نصٌ مسرحيّ
د . مسلم بديري

 المنظر ( المكان ) : 

مكانٌ ما , فناءُ منزل ٍ ؟ ربما , فالمكان يشبه فناء المنزل , مساحة أمام أربعة أبواب مغلقة , لكل منهما لونٌ مختلف عن الآخر , يبدو انها أبواب لغرف نوم أو ما شابه ذلك , وربما لا تكون  كذلك ؟! , ولربما كانت مجرد أبواب , ربما لو فتحت لأفضت الى غرفٍ اخرى, الى شارعٍ , الى منزلٍ آخر ,  " لو " فتحت , ربما تفضي الى أبوابٍ أخرى , وربما أفضت الى جدارٍ كونكريتي صلب  ولكنها لم تفتح ولربما لن تفتح , من يعلم ؟! 

على الجدار هنالك صورتان , لكليهما  بروازٌ أنيق , يعتليه شريطٌ أسود , أنيقٌ هو الآخر , احداهما صورة لرجل يبدو في الصورة عابسا , أو ربما كانت ملامحه على شيء من الجدّية , يبدو طاعنا في السن , رغم ان شعره ما زال يحتفظ بلونه الاسود , لكن ما يميزه حقا هو  " آذانه   " فقد وضعتا بطريقة تعطي لمن يراه احساسا بأنه قد تعرض لعملية مسخ , والصورة الأخرى لسيدة , تبدو وقورة جدا , ولا ترتسم على شفاهها اية حركة , الا انك حين تنظر في الصورة , تعطيك احساسا وكأنها تبتسم  , ومن قراءة الوضع الذي تعلق وفقه الصورتين يصل احساس بعدم الاتفاق , لذا يمكن التخمين بانهما لم يكونا على اتفاق تام في حياتهما , 

وعلى أية حال رغم خلوّ المكان مما قد يجعلك تصفه بالأنيق , الا أن هنالك احساسا داخليا بالأناقة والتحضر 

وهذا ما يجعله أقرب الى كونه منزلا , لولا تلك الدكة الصغيرة المرتفعة , التي تتوسط المكان  , والتي تشبه تماما دكك القبور ( تلك التي يكتب عليها اسم المتوفى ) , لا بل رؤيتها تجعلك موقنا بانها دكة قبر ,

قبل فتح الستار : نسمع موسيقى , والافضل ان تكون مقتطعة من معزوفة *

( seaside of your dreams)  

للموسيقار  التركي (murat sakary ali)   

بعد فتح الستار نرى  ( رحيق ) وهي امرأة في الثلاثين أو الأربعين من العمر , جميلة وأنيقة , تحيطها غلالة ضوء باهت , تقف أمام احدى الصورتين دون ان تظهر لنا الاضاءة تلك الصورة , 

 

( تنظر صوب مكان الصورة )  صمت ( ثم تخاطبها بطريقة الهمس ) أبي .. أبي .. نعم , ما زلت أبي حتى وأنت في الصورة , أ تعلم ؟ أريد أن أخبرك شيئا , ( صمت) ولكن قبل ذلك اريد منك وعداً , أبي .. أبي هذه المرة فقط , اسمعني أرجوك , هذه المرة فقط , أعدك بذلك , أعلم انك ستقول ككل مرة , اعرف تماما , أحاديث النساء بالنسبة لك ثرثرة تافهة , لكني بحاجة الى ان تسمعني , ( تصيح  بهستيرية) أبي ( يبقى صدى الكلمة يتردد )  ( تسير في المكان جيئة وذهابا بقلق واضح ) صمت ( تتوقف أمام صورة المرأة المضاءة ) أمي , أمي , أريد أن اهمس لكِ , لا .. لا .. لا أريده أن يسمع فما أقوله يبقى بيني وبينك , ( تبتسم بخجل وتهمس ) نعم , لا .. ليس سرا ولكن قد يزعجه ما أقوله لكِ , أمي.. لقد أصبحتُ فتاةً كما ترين , ( تدور حول نفسها ) امرأة , ( تضحك بخجل ) امي ما زلت انتظر ولكني سعيدة , ( بنبرة مرتبكة ) صدقيني ..  قد يأتي الآن أو بعد لحظة , من يدري ؟ ربما غدا ؟ من يدري ؟ ( صوت طرق باب ) صمت ( يعود الطرق مجددا ) أمي سأذهب لأرد على الهاتف  , لا لن أجيب , ( تقف برهة ثم تسير ببطء ) لا بد وانها صديقتي , ليس لها من حديث سوى ذلك الحديث , لا يمكنني سماع اي حديث الآن , ( صمت ) ( يطرق الباب مجددا ) اووووه , لن أجيب , أعلم انها ستسألني بكل برود " هل أنتِ بخير ؟ " لا , من غير الممكن اطلاقا , انها تتعمد تذكيري بأني لستُ بخير .. ستقول : ( تقلد صوتا آخرا ) ..  " الو .. نعم هو جميل جدا , ولا ينغص عليّ سعادتي اي شيء " ستقول كل شيء لكنها لن تقول – طبعا – ان زوجها حين دعا مُدينه على العشاء , تعمد الى ان يترك البيت ويخرج , ويتركها معه وحدهما ( تعود الى نبرة صوتها ) , ( تضحك بألم وجنون )  الكل يهرب من الألم بابتسامة زائفة , نعم , يهربون !!,  الا انا  فالألم يلاحقني ولا مناص منه , ( يرن الهاتف ) اووووه امي , لابد وان الطارق على الباب نفسه , لا .. لا .. لا يمكنني ان اسمعه وهو يقرأ على القرار بصوته الأجش ( تحاول تقليد صوته ) :  " لقد قررت البلدية ازالة القبور من المنازل , لأنها تبعث روائح سامة , حسب ما توصل اليه خبراء محليون " 

( تعود الى نبرة صوت حزينة وتجلس عند الدكة )

 هل سمعت ؟ يقولون ان هذا قبر ؟! لا .. لا تصدقهم .. سأقول لهم جميعا هذا ليس قبرا , انه حديقة جميلة  خبأت فيها زهرتي الأخيرة .. لأهديها لك حالما تعود  , حتى وان لم يتعلموا الفرق بين الحديقة والقبر , سأمنعهم من ان يزيحوا حديقتي الجميلة  .. هنا وردتي الأخيرة , ( تنهض مسرعة وتجلب كأسا من الماء ) عليّ ان اسقيها كل يوم كي لا تذبل , ( تنظر في الكأس حيث ترتسم صورتها )  ( يطرق الباب .. مازالت رحيق تنظر في الكأس , صمت , ثم تصيح بصوت طفولي , ) أمي .. أمي .. افتحي الباب لابد وانها صديقتي , لقد اتمت واجباتها المدرسية وجاءت لكي نخرج , اليوم هو يوم مميز يجب ان أبيع كل الورد , لا لن ارجع والسلة فارغة , سأعود بأجمل وردة فيها  , واسقيها كل يوم , ( بنبرة صوت شبابية ) حتى أكبرُ واهديها له ,  ( تعود الى نبرة صوت حزينة ) .. ومرت كل تلك الأعوام ومازالت الزهرة معي , أسقيها كل يوم , كل لحظة , حتى جاء ذلك اليوم وظننتُ ( يقاطعها صوت طرق الباب ) ( تخفت اضاءة المشهد لمدة ثوان , مع صوت لباب قديم يُفتح ) ( تعود اضاءة المشهد مع وجود كرسي فوقه مانيكان لرجل يرتدي ملابس طبيب يوضع على الكرسي ووجه يتجه صوب صورة الأب )  ( تقف رحيق بحيث يصبح ذلك المنظر منظرا خلفيا ,   .... (صمت ) ومن ثم صوت لأنفاس مترقبة , ومن ثم تهمس ) وبقيت اسمع .. واسمع صوت أبي وهو يقول له ( تقلد صوت الأب )

- من قال لك ان عندي بنت ؟! 

- صمت 

- أين رأيتها .. لاحظ انك لا تُحاسِب على كلامك .. وربما يرجع ذلك الى انك ترى الناس بعين طبعك 

- صمت 

- لا يوجد عندي بنات لا للزواج ولا للحب , أنا رجل أعزب هل تفهم ... كيف تدعي ان لي بنت ؟! 

( تعود الى نبرة صوت حالمة وقد بقي صدى كلمة حب يتردد في اذنها ) حب .. حب كنت لا اعرف معنى هذه الكلمة .. حتى أعطيت تلك الفتاة وردة , كانت حمراء.. لا .. فحبيبها يرتدي قميصا ابيضا , لم اعد اتذكر لونها لكني اتذكر اني احسست بان الله كان يبتسم , وقتها -فقط -عرفت معنى الحب ,  ( تبقى كالمتأملة حتى يقاطعها صوت طرق على الباب , ( بنبرة شبابية ) لا بد وان الصديقات حضرن ليحتفلن معي فاليوم هو ذكرى ميلادي , ( تصيح بأدب) أمي هل ان كل شيء جاهز للاحتفال , نعم سنحتفل , وسيحضرن جميعهن ونطفئ الشمع , ( تخفت الإضاءة ) صمت لبرهة ( تعود الاضاءة حيث تظهر لنا طاولة صغيرة فوقها شموع ) سنحتفل وستقترب أنفاسنا جميعا وتتحد وان كانت مصادرها مختلفة , ( تقترب من الشمع ) نعم , ستنفخ معي مهى الطيبة الجميلة وليلى المغرورة , وهيفاء السمراء الرشيقة , سيفرح الجميع وانا معهم وسيمضى من عمري عام لن يعود , ويأتي عام آخر وربما سيأتي " هو " معه ( تخفت الاضاءة ) صمت  ( تعود الإضاءة لتظهر لنا رحيق وهي تحتضن الدكة ) لا لن أدعهم يزيحوا آنيتي الجميلة , فهنا زهرتي , سأصرخ .. لا..  ( يبقى صدى الكلمة يتردد في المكان حتى يقطعه صوت طرق على الباب ) ( تخفت الإضاءة لثواني , صمت , تعود بعدها لتظهر لنا كرسيا يجلس فوق مانيكان يرتدي ملابس لرجل مهندس بالمواجهة مع صورة الأب  بينما تقف  رحيق الى جانب المنظر ) لا أسمع ماذا يقول ولكني أحاول . . ليس بداعي الفضول ولكن لأخبر صديقاتي عمّا حصل , نعم ( تمد رأسها وتضع يدها خلف أذنها محاولة استراق السمع ,) 

نعم هكذا افضل .. ( تصيح بشهقة ) ماذا .؟ هل سأخبر الصديقات بما قاله أبي ؟ ( تقلد صوت الأب )

- تفضل من غير مطرود .... لا يوجد عندي بنت 

( تعود الى نبرة صوتها ) نعم , ربما ؟ ( تتلمس شعرها وقد ابيضّ ) هل أنا بنت ؟ من أنا ؟  ( تتصنع الجديّة ) ليس مهم هذا , المهم هو كيف امنعهم من ازاحة حديقتي الجميلة , ( تنهض وتدور في المكان جيئة  وذهابا بقلق واضح )  لم يتبق المزيد من الوقت , بعد قليل سيأتي عمال البلدية ومعهم رئيسها بكرشه الضخم , أوووووه لا اعتقد ان المكان سيتسع له , سيتنفس كل الأوكسجين الموجود في العالم , لا يهم أن أختنق أنا , ولكني أخشى أن تختنق زهرتي الجميلة , فرئيس البلدية قد يجلس فوقها ويصيح بذوق " ممكن شااااااي " وقد ينظر بذوق كبير أيضا الى العمال وهم يزيحون حديقتي الجميلة وربما داس أحدهم " بذوق كبير " فوق زهرتي 

( تجثو على ركبتيها وتصرخ ) لا ..... لا ... لا يمكنني تخيّل ذلك , صحيح انهم لا يعرفون الحب , لكنهم  لن يفعلوها , ربما يعرفون الجمال , وربما لا.. من يعرف ؟ لكنها كارثة حقيقية ان لم يعرفوا ذلك , ربما قد يأتي الآن وسيمنعهم من فعلهم وسيلقنهم درسا في الجمال والحب .. ربما لكن عليّ أن أفعل شيئا احترازيا فربما تأخر أو وصلوا قبله , ( صوت طرق على الباب )

( تخفت الإضاءة الا بقعة ضوء على رحيق وهي تدور في أحد الأركان بقلق ) 

ياااااااااااه ماذا ؟ لا أصدق رئيس البلدية عندنا .؟ ماذا يريد ؟ لا أسمع بالضبط , انه يضحك ...  وكذلك أبي ؟! لا أعرف ما الذي يحدث ؟! 

( عودة الإضاءة )

( تظهر لنا رحيق وهي جالسة بقرب الدكة وممسكة بيدها جريدة , وتقرأ بصوت مسموع وهي تقلب صفحات الجريدة) " كلام في الحب , ( تواصل ) ربما كنت جميلة سابقا , لكنني اليوم أجمل , نظرت في المرآة , صورتي ذاتها , لكنني أجمل , عرفت أنه شيء لا يرى لكنه احساس بالوجود , بالكينونة "

( تقلب الصفحة وتطلق آه وزفير حارق ) ( ثم تقرأ )

 

" ولاحظ الخبراء ان اسباب التشوه الخلقي الجنيني  الذي يزداد هذه الايام نتيجتها تأخر النساء عن الزواج , ولكن الحل أصبح ممكنا , فبإمكان المرأة الإنجاب من غير زواج .... " 

( ترمي الجريدة دون ان تكمل قراءة الخبر وقد اصابها الذهول والاشمئزاز )

 لا .. ذلك مستحيل العلم يتطور بصورة غريبة ومعه تتحجر العقول .. عليّ أن أخفي .. لا بل .. احرق الجريدة , حتى لا يراها أبي فيغضب , ( تنهض ) ولكن الاحراق يسحب الأوكسجين من الجو وربما ماتت زهرتي اختناقاً , عليّ أن أخفيها في مكان ما , حتى تموت – الجريدة طبعا- , مكان لن يصله أحد ٌ , ربما هنا خير مكان , معي هنا ستموت حتما وتختفي , ( تدور في المكان بقلق وتخاطب نفسها ) هل اصبح الوقت أوان اليأس ؟ هل سألجأ الى الجريدة واعتذر منها صاغرةً ؟ لا .. لا يمكن ذلك مازال الوقت مبكرا , نعم لو كان عندي ولد لما خشيت من البلدية أو رئيسها لكن الوقت مازال مبكرا فقد يأتي بين اللحظة والأخرى ,  وربما أتى الآن ( تجلس قرب الدكة ) آه .. اشعر بتعب حيال ذلك , يمكنني ان أصبر قليلا وربما كثيرا , لكن الامر مرهون في العواقب , لذا عليّ ان اصنع العواقب لا انتظرها , ( تخفت اضاءة المشهد  مع صوت رنين الهاتف ) 

( تنهض رحيق  بتثاقل وتضع يدها فوق اذنها ) 

الو .. الو  .. نعم يمكنني السماع بشكل جيّد , 

- لا افضل الخوض في الموضوع مجددا

- صمت

- آه .. نعم زهرتي انها بخير الى الآن وما زلت انتظر لأضعها في المكان المناسب

- صمت 

- ماذا تقصدين ؟ بليلة واحدة فقط 

- صمت

- وماذا يكلف ذلك ؟

- صمت 

( يُضاء المكان بضوء خائف متراقص مع مؤثرات صوت رقاص ساعة تُسمع تكاته بشكل توافقي ..)

( تتحدث رحيق بهستيرية واضحة ) نعم كل شيء بطعم الابتذال , انا اسعى لغاية سامية , الجميع يمتلك الحلول الرخيصة , لا يمكن ان نلمع الوسائل الرخيصة لنسلك بها الى غايات سامية , 

( صوت رنين الهاتف ) عليّ ان افتح الباب , ( تتحرك خطوة واحدة ثم تتسمر في مكانها ) لا ينبغي ان افتحه انا , ربما ظنّ بي السوء ؟ من يعلم ؟ الناس يهمها المظاهر , لا يعرفون ان محتوى الماس هو فحم !!

( تخفت انارة المشهد , مع صوت فتح باب , الا بقعة ضوء  تتركز على رحيق التي تجلس القرفصاء )

هل سمعتِ ؟ لقد اصبح ابوك كما هي أمكِ , حساسا لما تلاقين , يشكو ما تحسين , ( تضع رأسها على الارض بحيث تلامس أذنها الأرض ) 

يااااااه ما أجمل صوته الرخيم وهو يأن الما ً لأجلي , كم كنت قاسيةً بحقك أبي , 

( تنهض ) يا الهي انه يلعنك بشدة لأجلي , سامحه لأجلي يا رب ,   فهو أبي 

( ترجع الى وضعها السابق بسرعة ) لا .. عليّ ان ارهف السمع اكثر , ( صمت) ..

( تتغير ملامح وجهها بسرعة ) تفوووو ... ما هذا القرف 

( يرن الهاتف)    .. لا لن أجيب , أعرف من المتصل , لا بد وأن صديقتي ولدت , نعم أعرف ماذا انجبت ربما صبي , نعم سيكون لها زوج واربعة اولاد ,

( صمت ) لا .. لا ليس في قلبي أي حسد تجاهها , أنا فرحة , أنظري ( تتصنع الابتسام )  ربما ليس بينهم ابدا واحد على الاقل يمكنه ان يحمي زهرتي الجميلة , ( صمت ) وربما كان , من يدري ؟ 

( تنهض ) عليّ ان اجد الجريدة ( صمت ) لا .. لا لن اعود الى الخبر ذاته , أنا ابحث عنها فقط لكونها جريدة , نعم لأتسلى بها ربما أضيع بها بعض الوقت حالما يعود , ( صمت ) ولكن عندي غيرها الكثير , ( صمت ) هل سأبحث عن غيرها ؟ نعم فذلك يسهل لي استهلاك المزيد من الوقت , ( صمت )  ولكن هذه متوفرة وربما كان البحث اضنى عليّ من أي شيء , ( صمت ) صعبان لا ثالث لهما , الانتظار والبحث , ربما لو تناولت هذه الجريدة لوفرت على نفسي عناء البحث , ورضيت بهم الانتظار , أضعف الايمان  , نعم , 

( تتناول الجريدة من الارض وتقرأ ) " اغرب تحقيق صحفي "  ( صمت ) ( ثم تقرأ ) " ظاهرة غير مسبوقة ربما ..... ) ( صمت )  ( تواصل ) " وقالت مراسلتنا في حديثها مع رحيق , ( صمت ودهشة )

الفتاة التي حرص والدها لسنوات على منع اي خاطب من الزواج بها ليتزوجها هو بعد ذلك ( صمت عميق وبكاء )

( تواصل القراءة وهي في شبه غيبوبة )

, وفي سؤالنا عمّا سوغ لهم الاقدام على مثل هذا الامر قالت رهف : ان والدي لم يكن يعترف باي من القوانين وكلها كان يصفها بالمادية التي لا تراعي انسانية الفرد " 

( تنهار ببكاء متصل )

( اظلام المشهد لبرهة .... ثم تضاء رحيق فقط حيث نراها وهي تلف يديها حول رقبتها ثم تنتزعهما بقوة كمن يحاول تخليص نفسه من حبل  ملفوف على رقبته , تدور حول نفسها ببطيء , تتلمس شعرها خصلة بعد أخرى , تدور ثم تدور حتى تقع على الارض ) 

( تعود لنا الاضاءة على شكل هلامي يحيط رحيق بلون اصفر مخضر وهي تصرخ ) حلم .. حلم .. حلم ... لا بد وانه حلم .. انا متأكدة من ذلك لقد قصصته على صديقتي الطيّبة , لم أكن اعلم بانه سيشاع , كل ذلك كان حلم , لم يكن سوى طيبة مني ( تصرخ ) حماااااااااااقة .. نعم ... بلااااااااااهة 

 ( تخفت الاضاءة الى بقعة ضوء شاحبة ,تبقى تدور في المكان كمن يبحث عن شيء ثم تستقر اخيرا لتظهر لنا " رحيق " وقد تغيرت كثيرا وقد اصبح التعب والهم باديين على ملامحهما وقد سلبها ذلك لمحة الامل والجمال )

( تنهض بتثاقل وتهمس ) لم يبق أمل من قدومه عليّ ان افكر في الحلول الممكنة فالطموح اصبح وهما أو ضربا من الهذيان , عليّ ان اجد الجريدة , لا بد وانها شاخت ولم تعد حلولها ممكنة اليوم  فقد مضى من الوقت نصف ساعة , آه كم كان ذلك كثيرا , نصف ساعة !! ربما ماتت الناس وتغيرت الاسواق واوراق العملة , وانا ما زلت اقبع في ذاتي ,  ( تجد الجريدة بعد بحث قليل , تجلس قرب الدكة وتقرأ ) " عمليات الاخصاب الاصطناعي مكنت كثيرا من النساء من الحصول على اطفال بصحة جيدة وشوارب يقف عليها الصقر , وحتى فتيات لم يتزوجن بعد أصبح بإمكانهن الحصول على الاطفال بالمواصفات التي يرغبن فيها " 

( تجلس وتفكر ثم تهمس) نعم الآن وبعد كل ما مضى , سيصبح لي ولد , ربما هو اضعف الايمان , حتى لو لم يتكمن من الحفاظ - لي- على زهرتي لأهديها لأبيه , سيحافظ عليها لنفسه ويهديها يوما لمن سيحب  , لا يهم ان يكون له اب , المهم ان يكون ذاته ( تضحك بهستيرية ) 

( تأخذ الجريدة وتواصل القراءة ) " ولا يتطلب ذلك الامر كثيرا , كل ما هو مهم ان لا تكون المتقدمة ممن يرغبن بالاحتفاظ بكونهن فتيات لان ذلك سيُذهب ما يجعلهن كذلك " 

( ترمي بالجريدة بعيدا وتصرخ ) لا يمكنني ذلك , ( تتجه نحو صورة الام ) امي انا ما زلت  فتاةً ولا تصدقي الاحلام ( تصيح ) امــــــــــــــــــــــي , ( صوت طرق شديد على الباب يصل الى حد توقع ان الباب سيكسر )

( تنصت رحيق ) نعم هل تسمعين يا امي ؟ انهم يريدون قتلي ؟! ( تضحك بهستيرية ) أمي ينعتوني بالعاااااا ( تصيبها غصة ) يقولون اني حامل !! ( تضحك بجنون ) أمي هل سمعتِ  .؟ يدعون باني فقد كوني بنتا !! أبي ( تصرخ)  هذا تأويل رؤياك , أبـــــــي ( تزيح الدكة وتدخل في الحفرة ) ( صوت طرق شديد على الباب , ينكسر بعدها الباب مع صوت جلبة وضجة )

                                                               ستــــــــــــار 

                                             ستار

ملاحظة مهمة : 

لا يجوز إخراج النص , أو الاشتغال على أفكاره وصوره , أو حتى نشره في مكان آخر دون الرجوع للمؤلف 

مسلم بديري

العراق / 

تلفون :  009647703205506

ايميل : Muslim_tyrant@yahoo.com

*   http://www.youtube.com/watch?v=Z3uzvKyg9V0

 

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مسلم بديري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/11



كتابة تعليق لموضوع : مونودراما(( رحيـق )) نصٌ مسرحيّ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 9)


• (1) - كتب : سفيان ، في 2019/01/20 .

ارجو الموافقه باعطائي الاذن لتمثيل المسرحيه في اختبار لي في كليه الفنون الجميله ...ارجو الرد


• (2) - كتب : مسلم بديري ، في 2013/12/29 .

يرجى مراسلتي على المعطيات الواردة في اسفل النص ،

د. مسلم ..

• (3) - كتب : زهراء ، في 2013/12/27 .

ارجو الموافقه باعطائي الاذن لتمثيل المسرحيه في اختبار لي في كليه الفنون الجميله ...ارجو الرد

• (4) - كتب : زهراء ، في 2013/12/26 .

مسرحيه رائعه جدا ومضمونها اروع

• (5) - كتب : مسلم بديري ، في 2012/08/15 .

المخرج الذكي والمميز الاستاذ عباس عبد الغني ....شكرا لمرورك الجميل وروحك الاجمل واتمنى لك كل التوفيق في تقديم النص....محبتي الابدية

• (6) - كتب : عباس عبد الغني ، في 2012/08/15 .

يحمل النص مضموناً فكرياً سريالياً يحتاج الى لغة اخراجية حلمية تتمتع بسرد للواقع بلون سريالي متخم باللامعقول والواقع على السواء , وهو نص استهويته وانوي اخراجه وتقديمه لاهم مهرجانات المغرب. شكرا للمبدع د. مسلم على انجازه الآخر الذسي يضاف الة مجمل انجازاته التي عهدناها فيه.

• (7) - كتب : مسلم بديري ، في 2012/08/12 .

http://www.youtube.com/watch?v=Z3uzvKyg9V0

رابط المقطوعة الموسيقية التي اشرت لها في دخول النص
للموسيقار : murat sakary ali
عنوان المقطوعة : seaside of your dreams

• (8) - كتب : مسلم بديري ، في 2012/08/12 .

الأب الصديق علي حسين الخباز .. دمت بالف خير ومحبة وشكرا لمرورك .. دمت تحت قبة ابي الفضل

• (9) - كتب : علي حسين الخباز ، في 2012/08/12 .

صديقي الدكتور مسلم بديري ، تحية طيبة سلمت ايها الرائع في هذه المسرحية اراك قد اخضعت تقنية كتابة القصة الى المسرحية وتم الاعتناء بالجانب الوصفي لتهيئة المشهد بشكل دقيق تقبل المودة والدعاء





حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net