صفحة الكاتب : رافع البصري

المرأةُ بين شقوق الجدران
رافع البصري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 كلما تقدمَ بي العمر أتذكر شقوق الجدران التي نحتها في ذاكرتي احد إخوتي حيث كان مولعاً بسخونة الكلمات
لاحظتُ عندها إن جدران ذاكرتنا بدأت تتشقق كلما عبرنا محطة جديدة من العمر فتظهر للعيان شقوق الجدران 
 في بلداٍ ..مثل العراق تشمخ جدران عمرها آلاف السنين تمتدد عبر حضاراتِ حفظتها ذاكرةُ المكان . تُذهلني هذه الشقوق التي تشبهُ ثعابين فرعونية .
جدران الاثار في بابل وحصن الاخيضر جدران الزقورة في ذي قار جدران الأضرحة والمساجد والكنائس المقدسة جدران الوجوه الوجوه المتهالكة جدران القلوب المحطمة .. جميعها تُفضي الى شقوق حتمية .
ألام العراقية تحتفل بشقوق جدرانها التي ستنهار من شدةِ تشظي الدمع الذي ينفجرُ ... طالم ألفِتهُ أنا !
كل  نساء العالم يتعطرن  بعطرالورود البيضاء إلا ( ست الحبايب العراقية ) تتلقى التعازي بأستذكار أبناءها الذين فقدتهم في الحروب كل الحروب وهي تسمح للدموع ان تاخذ مجالها لتشق جدران وجناتها المتعِبة !
كل نساء العالم يرتدينَ في يومهن ابيض الثياب  إلا أمنا العراقية !  الدمع وسواد الثياب يلازمها حد الوداع الأخير .
كل ما في الكون تختصرهُ مساحات الحزن في كلماتها التي تنعي بها ابنها في الغربة ..          ظليت مثل طير لمخنجر .
                         مشدوه بالي وبـيـك افكر
                         جاني المسه جـا وين أوكر ..
إن هذه الكلمات تنزع ما في فؤادها من آهات لتطرحه ُ دما عبيطاَ بين شقوق أظافرها حينما تمر بقسوة على وجهها المتعب لتجرف الدم واللحم معاً .
كل نساء العالم اعتدنَ ان يودعنَ أيامهن بالفرح المتناهي في صالات الأزياء  . إلا أمنا العراقية تودع التوابيت الى مدينة النجف وهي تشد على خصرها عباءة الفراق الأبدي . فالموت هي أفضل من تصفهُ ..
بين شقوق الجدران تدفن بقايا شعرها الأشيب ليظل شاهداً على قسوة الليالي . وبين حنايا الروح تظم أنغام الحنين لزمنٍ مضى وزمن سيمضي .
كلما ممرت بمدينتي شاهدة  الشقوق تتسع اكبر وهذا دليل على استسلامها لرياح الزمن . إلا ان السؤال كيف نعالج تلك الشقوق ! تلك الشقوق التي وصلت الى شراييننا الدقيقة . فشقوق جدران البصرة تشبه شقوق جدران الموصل وكل محافظات العراق  كيف السبيل الى ان تلتئم . أخشى ان تتسع تلك الشقوق فيبصرنا الغرباء من بعيد ! فالجدران  التي تتشقق سرعان ما تنهار   والضوء الغريب الذي يخترقها سيمتهن البوح بإسرار قلوبنا ونحن نرتق الجراح بعويل الثكلى وصرخات الأيتام.
فتماسكي جدران روحي إنني
                    قد أنزوي خوفاً فلا تنهاري
تلك الشقوق إذا اعتلتكِ فربما
                      هي لوحة التاريخ فوق جداري

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رافع البصري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/17



كتابة تعليق لموضوع : المرأةُ بين شقوق الجدران
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net