صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

مسكينة اعمدة الكهرباء
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 رزقت بزيارة المانيا عدة مرات وعدد من البلدان الاوروبية مرة واحدة لكل منها وها انا اقيم في الولايات المتحدة منذ عقد ونصف العقد تقريبا ، في جميع هذه الزيارات قاطبة لم تخدش نظري صورة لزعيم او رئيس او قائد او رجل دين . علما ان المانيا لو تريد ان ترفع صور قادتها وادبائها وفلاسفتها ومصلحيها الدينيين لاستطاعت ان تملا بها شوارعها الجميلة عن اخر . لكنني لم ار شيئا من هذا القبيل او قريبا منه اطلاقا . في اخر زيارة لي وكانت الى برلين وضواحيها ، جلب نظري ان صورة شاب يبدو في عقده الثالث من العمر تكاد تملأ شوارع المدينة الانيقة . واشهد الله على قولي وانا في اخر ايام الصيام ان تلك الصور على كثرتها كانت توزع بشكل لا يخدش جمال المدينة . هذا التحول الدراماتيكي باستخدام الصورة اثار فضولي للسؤال عن صاحبها فاخبرني احد المارة بانها استذكار لـ "روبرت انكه" حارس مرمى نادي "هانوفر" الكروي الذي وضع حدا لشعوره الدائم بالاسى من خلال القاء نفسه قبل عام - بكل كرامة - تحت عجلات الترام التي لا ترحم ، وبلغ به النبل حدا انه ترك رسالة للشرطة تبرىء ساحة سائق الترام  الذي فوجىء - وعلى حين غرة - بجثة الشاب تحت دواليب قاطرته  الفولاذية . نعم قد تجد صورا عملاقة للكثيرين اغلبها في مجال الاعلان الرياضي خاصة لاعبي "المانشافت" حيث لهم حصة الاسد في هذا الاعلان ، وهذا الصور تزيد المناطق التجارية الحاشدة جمالية . فحسبها انها مطبوعة في البلد الذي قدم نقلة رائدة للحضارة في مجال الطباعة  . اما صورة سياسي او رجل حزب او زعيم ديني فباختصار اقول لك : "فورگيت اباوت اِت" . وشاءت الصدف ان تجمعني جلسة عابرة مع شاب عشريني في اعلى برج ببرلين واظنه برج التلفزيون حيث المطعم الدوار في قمته يعطي للرائي صورة بانورامية مبهرة من العاصمة اجل من ان يصفها مثل قلمي . كنا الوحيدين العازبين وسط سلسلة متصلة من الطاولات العائلية تدور جميعها حول محور . وكان هذا سبب اجتماعي بالشاب فقد قادنا النادل الى طاولة واحدة . وجرى الحديث عن امور كثيرة واتضح لي انه طالب جامعي ترك الولايات المتحدة طفلا واستقر به المقام في المانيا وهو يجيد اللغتين كلغة الام  بالاضافة الى اللغة الاسبانية . وتعمدت ان اسوق الحديث الى قضية الصور - التي تهرس وتفرس ببقايا دماغي باستمرار - في بلداننا والتي تشوه كل وجه حضاري - ان وجد هذا الوجه - . في البدء استغرب من سؤالي وفهمت تماما وجه الاستغراب هذا ، لانه لم يعش الحالة لذا فانه يتصور كل العالم كبلده فيها اعمدة الكهرباء خصصت للمصابيح وللاعلان السياحي العام ،فقط  لاغير !!! سالته : الا تشعر باهمية المستشار العملاق الذي يعتبر مهندس الوحدة الالمانية وكنت اعني به هلموت كول ؟ رد علي ساخرا : اعرف انه كان عملاقا !!! لكنني لا اتذكر حتى اسمه لاني كنت طفلا ، ولا يفترض بي ان اعرف ذلك ،لانه ادى واجبه ومضى ولو اننا نريد ان نرفع صورة لكل الماني حقق انجازا لهذا البلد لما استطعنا انا وانت ان نحصل على مكان نجلس عليه في هذا المطعم ... ثم عزز حديثه الصارم والساخر في آن بان رفع سبابته غير المؤدبة قائلا : وهذه للسياسيين الالمان الان وفي السابق وفي اللاحق ، ثم اكمل : لا اظن ان احدا يجرؤ على رفع صورة مسؤول في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة كالتي نمر بها اليوم . الان بدات اتصور كم انا اغضبت هذا الشاب الوديع بسؤالي الساذج . انا فهمته تماما لكنه كان - واظنه مازال حتى اليوم - عاجزا عن فهمي . فقد نشات في ظرف كانت حتى الساعات اليدوية تعج بصور القائد ، وعندما مضى صاحبنا الى سبيله المخزي تنازلت اعمدة الكهرباء عن مهمتها التي خلقت من اجلها فاصبحت تحمل كل شيء عدا شحنة كهرباء بطاقة دمية طفل . وراحت تتزاحم عليها الاقمشة والفلكسات وصور القادة والسادة والذادة . كل هذا السقوط المريع وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا . الا يدرون ان الناقم على صاحب الصورة لو افرغت في جيبه جبل أحُد ذهبا لن يكف عن لعنك قبل وعقب كل صلاة ولكم في صدام اسوة . ربما سيعطيك صوته !!! لكن ما قيمة هذا الصوت المخزي الذي تجلبه هدية مخزية مثله طالما هو يكنّ لك كل هذا الاحتقار . هذه العلاقة التي تتاسس حاليا بين المواطن ومسؤوله او ممثله في البرلمان هي اشد فتكا بالعراق واهله من الحربين ضد الجارين لو كانوا يعلمون .. اقول قولي هذا ونحن نحث الخطى للانتخابات التشريعية القادمة . يا اعمدة الكهرباء انحني باجلال وتقديس للقادمين ولا تكلفيهم عناء ارتقاء السلالم لنصب صور القادة . خففي ما امكنك التخفيف من مهمتهم الشاقة . وهذا ايسر تضامن منك مع قادتنا المظفرين وبرلمانيينا القادمين . ايها الناس !!! هل عرفتم الان لماذا المانيا هي المانيا ونحن نحن ... اذا لم تعرفوا بعد انظروا الى اعمدة الكهرباء في البلدين ، فهي جهينة التي عندها الخبر اليقين ولا ينبيك مثل خبير

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/18



كتابة تعليق لموضوع : مسكينة اعمدة الكهرباء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net