صفحة الكاتب : محمد صالح الهنشير

تاويل لا تفسير
محمد صالح الهنشير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أنزل الله معجزته الكاملة الدائمة و اختار لها آخر الأنبياء و سيدهم و اختار له الجزيرة و منها قبيلة بني هاشم المعروفة بين العرب بسؤددها.اختار الجزيرة دون سواها, لما برع فيها أهلها من حسن نظم للكلام, حتى أنهم كانوا يرتجلون الشعر بموازينه, لذلك رغم اختلاف المنطق القرآني عن منطقهم فقد كانوا يستسيغون كلام الله و يفهمونه مليا بل إنهم يعتبرونه سلسا, فهذا أبو جهل كان يسترق السمع قرب دار الأرقم ابن الأرقم, و يعترف لبعض الخاصة من قريش بأن فيه حلاوة و طلاوة.وجد فيه إيقاعا لكنه ليس إيقاع الشعر و موسيقاه, وجد فيه بلاغة أدبية لكنها ليست بلاغة البلغاء من فطاحلة عصرهم, وجدوا فيه حديثا بعيدا عن إدراكهم يرتب الأشياء و يبنيها و ينظمها, وجدوا فيه تلك القصص التي يسمعونها من الوافدين في رحلة الشتاء و الصيف و على ألسنة الأحبار, لكنها بأكثر وضوح و إتقان, من أسلم منهم قد علم من الكتاب أشياء و لم يدرك أشياء إما لموته أو لإدراكه أنه لم يأت بعد خبره و ذكره لأنهم أدركوا أن هذا الكتاب يعجز و الناطق به ليس من مصلحة أنانية أو ذاتية في طرحه على الناس. لذلك لا يمكن بالقطع لمن أراد فهمه من خلال قانون اللغة, لأن اللغة الحق نبعت منه و لا يمكن فهمه بما يجري لأنه و إن جرى مجرى الأحداث لكنه يتخذها مثلا و ذكرا.و لا يمكن فهمه من أحداث نزوله لأن تلك الأحداث ما هي إلا مناسبة للنزول, لأن هذا الكتاب ليس رصدا لمذكرات أناس أو لتاريخ قبيلة.و من مكتسبي العلم الدنيوي من أراد الجمع بين كل ذلك ليخرج على الناس” بتفسير”, حيث أن هذه الكلمة ”تفسير” نرى أنه لا يجوز إطلاقها على فهم كتاب الله, لأن التفسير عادة يكو ن للغامض و المعقد و لكن الله يتحدث عن كتابه بأنه ميسر للذكر جلي واضح وضوح الشمس, إذن لماذا أصبح الكتاب غريبا؟

 

إن الناس هم من صاروا غرباء عنه لأنهم تركوا درسه و منبع تأويله و الاشتغال بعلومه.إن التأويل غير التفسير, فالتأويل هو العبارة الاصطلاحية التي يجب أن تطلق على فهم القرآن.يجب أن يعتني عامة أهل العلم المكتسب بفهم التأويل, لا بالفهم المباشر للكتاب, هم فقط يتأملون و يتدبرون و يستعينون بالكتاب لأغراض علمية كالأدب, التاريخ, الفلسفة, الفلك لكن و الحال أن حكمة الله العظيمة جرت بأن ضاع التأويل على الوجه المطلوب و اختلط به الآخذ بالرأي و اضطهاد أهل العلم الراسخين الموكل إليهم تأويله

 

ـ” وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا” 7 آل عمران

 

إن التفسير هو إيجاد موقف واحد لشخص واحد قد يخطأ أو يصيب, لكن التأويل هو كشف عن أحد الأغطية المتوفرة عليها الآية أو الموقف القرآني, فالآية لأنها من الإعجاز بمكان منفتحة على اللغة و التاريخ و الحساب و العلوم الغيبية.

 

ألا إن لكل آية ظاهرا و سبعين باطنا

 

إننا لما نفسر كلام الله, فقد ساويناه بأي كلام قابل للتفسير و الاختلاف و هذا إثم مبين, إن التعامل المباشر مع الكتاب لا يكون إلا من خلال أناس بأعينهم و إلا وقعت الإساءة ووقع الإثم. و الأنكى و الأدهى و الأمر على الذين يريدون أن يتبصروا, أن يجدوا التضارب و التناقض و هذا لعمري فسق و كفر و جرم في حق الكتاب و الناس أجمعين.

 

ـ” ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا” 82 النساء

 

يجب أن يأتي الرأي بعد رأيهم لمن خول له ذلك, وهذا لا ينطبق على الكتاب فحسب بل كل ما أتى به الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و لا يؤول إلا من خلالهم و متى ترك الناس في أي عصر علمهم فقد ضلوا.

 

ـ” إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ” 9 الحجر

 

إن هذه الآية كمثال و إلى حد الآن فهمت خطأ, فالحفظ هنا يهم حفظ الله الذكر في المطلق فمن المفروض أن الكلام محفوظ, لا يمس في قدسيته, فكيف يأتي أناس ظلموا أنفسهم فيختلفون فيه ذلك أنهم فهموا ضمير ”إنا نحن ” بأن الله وحده يتحدث دون تسخير, لو قال الله ” إنا نحن أنزلنا ” لكان فعل الإنزال لا يحتمل إلا مفردا لكنه قال ” نزلنا ” و قد ذهبوا إلى أن ذلك من التعظيم و لكن وقعيا يفيد هنا المشاركة الضمنية لأن تنزيل الذكر يتطلب, منزل بأمر, و منزلين “ملك الوحي” و منزل عليه محمد صلى الله عليه و آله و سلم و البيت الذي يرعى التنزيل حتى يتم , إذا فالله لا يعظم نفسه لأن هذا لا يحتاج إلى تأكيده بقدر ما يعظم كتابه و نبيه و آل بيت نبيه ممثلين في الإمام علي عليهم السلام, و إذا فقدت حلقة صار الكتاب المنزه بلا روح ذهبت قدسيته و حلت حوله الفقاقيع و الزبد و الذباب وهو بريء كل البراءة بعيد النوال مبهما في عقول الناس.

 

إن الكتاب هو تأويل أكبر من الله لما خلق و صور و أحكم و أراد فيه أن يطاع, فالكتاب يؤول ذاته بذاته و لكن من يفقه تأويله؟عندما يعطي الله أحد أنبيائه معجزة ما هل يكفي ذلك ؟ إنه يردفها بالبينات.

 

” اذهب إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا “

 

” قال إني عبد الله آتاني الكتاب “

 

” يا قومي اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد “

 

إن الناقل جبريل عليه السلام, و المتقبل محمد صلى الله عليه و آله و سلم و الباث هو و جمع من صحابته على رأسهم الإمام علي عليه السلام.إذا لا بد للكتاب من ترجمان, فهو في حد ذاته معجزة و لكن في تبيانه و تأويله لا بد من مستوى معين من العلم الإنساني العلم الذي يتوسط علم الله و علم البشر إنه الرسوخ في العلم, إنه علم الكتاب.

 

ـ” القرآن كتاب الله الصامت و أنا كتاب الله الناطق ” الإمام علي عليه السلام

 

إن المسألة لهذا الحد واضحة فالإمام يتمم دور النبي في القيام على الوحي بإرشاد الناس إلى أعمالهم و شؤونهم مهما اختلفت الأزمنة و الأمكنة على ضوء من الشرع الذي نزله الله, لذلك فالإمامة مستمرة حتى يكون الكتاب شاهدا على كل العصور كما الأئمة عليهم السلام, و لذلك تكون المعجزة الأخيرة خالدة بقاء الإنسان لا ترفع إلا بقيام الساعة بعد تحقق كل حرف منها.

 

” و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين و نمكن لهم في الأرض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون ” 5-6 القصص.

 

إن المن هو ” قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ” الحجرات

 

إن تحقق كتاب الله في الهداية ” إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم “إن هجر الكتاب و علوم الكتاب لن يوصلا إلا إلى الهلاك, فهجر الكتاب ليس بقلة قراءته أو عدم حفظه و لكنه بترك الإمام الذي هو مفتاح التقرب إلى فهمه بالأخذ بتأويله.

 

تحدثنا عن المهمات الموكولة بالتأويل متمثلة فيمن يؤول؟ أما موضوع التأويل فهو بناء كامل, و كل بناء يقتضي أسسا عليها يبنى و جدرانا تحميه الرياح و سقفا يحميه المطر و نوافذ تدخل منها الشمس و النسمات.

 

أما أسسه فهو فصل الله الصريح في أمر كقوله تعالى مثلا ” يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا و بشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ” 45 -46-47 الأحزاب

 

عندما يحدد الله عز و جل مهام النبي ثم يرتبها هل يأتي أيا كان و يخالف الله في إقراره ثم إنه لا يقوم بشيء إلا بإذنه ثم يربط ذلك بالمؤمنين الذين لهم فضلا من الله كبيرا.

 

فالله قد عرّف رسالته في منطق سلس واضح لا يمكن معه تسبقة دوره كمبشر عن دوره كشاهد و هذا من المفاهيم العامة أما في التشريع المتعلق بالعبادة مثلا فهي تنفذ دون أدنى تفكير لأن فيها إخضاع للعبودية,” و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا “أما الجدران التي تحميه فهي لازمة لكي يكون للأسس دور تتوجها الجدران المتينة الصلبة و تحيط بها واقعا ملموسا

مع تحياتي 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد صالح الهنشير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/09/29



كتابة تعليق لموضوع : تاويل لا تفسير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net