صفحة الكاتب : كريم مرزة الاسدي

8 - عيوب القافية المغتفرة وغير المغتفرة للمولدين
كريم مرزة الاسدي
قبل ما نشرع بالبحث عن عيوب الشعر , أرى من المستحسن أن أشير لغير المتخصصين , بأن الزحافات المفردة التي تدخل في سبب واحد , والمركبة التي تدخل في سببين من أجزاء  حشو البحورالشعرية ومجزوءاتها , والعلل التي  تختص بثواني الأسباب التي تقع في العروض أو الضروب سيان بالزيادة أوالنقص , والضرورات الشعرية المقبولة التي وافق عليها علماء العروض والقوافي واللغة , لا تعد من عيوب الشعر . 
يمكن تقسيم دراسة عيوب القافية على نحويَن , قديم متشدد , وللمولدين حديث  متساهل:
1 - المنحى الأول إما:
أ   - تـُلحق العيوب بحرف الروي أوحركته (المجرى) , وهي ستة .
1 -  الإقواء والإصراف , وهما يختصان بحركة حرف الروي (المجرى) . 
2  - الإكفاء والإجازة يصيبان (حرف الروي)  .
 3 - الإيطاء و التضمين , وهما ملحقان بهذه العيوب .
ب - السناد : يـُلحق بالحروف أوالحركات التي ما قبل حرف الروي , وأنواعه خمسة , اثنان متعلقان بالحروف , وثلاثة بالحركات . (190)
2 - المنحى الثاني : هو أن تـُقسم العيوب إلى ما أجازها العرضيون للمولدين , ومما لم يجيزوها لهم .
 أ - التي لم يجيزوها لهم : الإقواء والإجازة  والإكفاء والإصراف(191) , وإن وردت في شعر القدماء لا يمكن القياس عليها , والقبول بها .
ب - ما أجازوها للمولدين :الإيطاء والتضمين والسناد بجميع أنواعه الخمسة ,(192) 
فمجموع العيوب سبعة  , و(السناد) لوحده منها له خمسة أنواع , ويضيف الخطيب التبريزي إليها الرّمل والتجريد (193) .
نأتي أولاً على ما تلزم الشعراء قديماً وحديثاً , وإذا ما تعداها الشاعر يُعتبر عيباً في الشعر , وخللاً من الشاعر , وإذا كرره مراراً ينطبق عليه شويعر , وهي كالآتي :
عيوب حركة المجرى:
1 - الإقواء : ويعني اختلاف المجرى بضم وكسر , يفقد القصيدة انسجام سبكها , وتنافر لفظها مما يثير اشمئزاز السامع , أو انتباهه للخلل المفاجئ , إلا أنّ الصوت الكمي للمقطع الأخير متساوٍ , ورد في شعر الجاهليين , وهذبه الإسلاميون , ولا يعرف سبب إكثار الجاهليين منه تماماً , ويثير الإنتباه إقواء الحارث بن حلزة اليشكري (ت أواخر القرن السادس الميلادي ) في قوله :
ليس ينجي الذي يوائل عنا*** رأسُ طودٍ أو حرّة ٌ رجلاءُ
فملكنا  بذلك النـــاس حتى ***ملك المنذر بن ماء السماءِ
أبيات المعلقة حركات المجرى فيها الرفع , ولما وصل إلى المنذر بن ماء السماء , كسر الهمزة , ربما ليثير أسماع  الملك , وينبهه لمدحه وإطرائه وكسب ودّه , لحكمة الشاعر ودهائه , فإذن كان الإقواء مقصوداً , وهذا رأي , ولكن النابغة الذبياني (ت 605 م) , شاعر النعمان المهيب في  قصيدته التي تعرض فيها لـ (المتجردة) امرأة النعمان  , وعلى إثرها هاجر (حيرته) لاجئاً لبلاد الغساسنة , مر بالإقواء في أجمل قصائده التي تعرض فيها للمتجردة :
سقط النصيف ولم تردْ إسقاطه *** فتناولته واتقتنا باليدِ
بمخضبٍ رخص البنــان كــــأنه** عنقود من فرط الحلاوة يعقدُ (195)
كل (مجرى) أبيات القصيدة بالكسر  سوى البيت الأخير مجراه بالضم , ونـُبّه إلى ذلك بحيلة لطيفة وممتعة في (المدينة ) , فقال : " دخلت يثرب وفي شعري بعض العاهة , فخرجت منها وأنا أشعر الناس "   
      2- الإصراف : هو تغيير حركة المجرى بفتح وضم أو فتح و كسر , وما هما إلا عيبين أصعب , وأشكل من الإقواء , لطول موجة الصوت الكمي للفتحة  بالنسبة للكسرة والضمة , وإليك إصراف الفتح والكسر :
ألمْ ترني وددت على ابن ليلى ***منيحتهُ فعجلتُ الأداءَ
وقلت لشــــاته لمّــــــــا أتتنا **رماكَ اللهُ من شاة ٍ بداءِ
ثم الفتح مع الضم قول الشاعر :
أريتك إذ منعت كلام يحيى *** أتمعني علــى يحيى البكاءَ
ففي طرفي على يحيى سهادٌ**وفي قلبي على يحيى البكاءُ (196)
كما ترى الشواهد كلها قديمة , لان كل ما لايُجاز به للمولدين منذ العصر العباسي , لا يمكن  الاستشهاد به  عروضياً أو نحوياً  , فالعرضيون كانوا  يلفظونها حسب إعرابها الصحيح فتختل القافية  , أما النحويون  فكانوا يلفظونها حسب حركات القافية  لمقتضى عامل حركة الروي عملاً.      
عيوب حروف الروي:  
3 - الإكفاء: الإكفاء في اللغة   بمعنى القلب أوالمخالفة , فالمُكفأ المخالف به من جهة العادة ,  اما اصطلاحاً فهو أختلاف حروف الروي في القصيدة , بأن يؤتى بحرفين متجانسين في المخرج  , لا في اللفظ كـ (شارخ وشارح  ,( قارس و قارص) .  , إليك الشاهد الشعري والإكفاء بين (صُدُغ ْ و صُدُعْ ) :
قـُبّحتِ من سالفةٍ ومن صُدُغ ْ
كأنـّها كشية ُضبٍّ فــي صُقـُع (197)
الإجازة :  هو إكفاء لكن الحرفين غير متجانسين في المخرج , بل مختلفين فيه مثل
(عبيد وعريق) , و (جاهل وشارب) يمجهما الذوق , وتأنفهما السليقة . وسمي بذلك لتجاوزه الحدود المرسومة وتعديها، مثل
خليليَّ سِيرا واتركا الرحلَ إنني *** بِمَهْلَكَةٍ والعــــاقباتُ تَدُوْرُ
فبيناه يشري رحلَهُ قال قائلٌ *** لِمَنْ جملٌ رِخْوُ الملاطِ نَجِيْبُ؟
البيت الأول رويه الراء، والثاني الباء، والحرفان مختلفان ومتباعدان في المخرج (198)
انتهينا مما لا يُجاز للمولدين من عيوب الشعر , والآن نأتي لما أجازوه ولا يُعدّ ُ عيباً :
العيبان الملحقان بالروي :
5 - الإيطاء: أصل الإيطاء أنْ يطأ الإنسان في طريقه أثر وطء , فيعيد الوطء على ذلك  الموضع (199) ,  وفي الشعر أن تجمع في قصيدة واحدة كلمتين بلفظ واحد ومعنى واحد بين سبعة أبيات , لأنهما لو وردتا بعد السبعة , كأنهما وردا في قصيدتين مختلفتين , هكذا تعارف العرب , ومن الجدير ذكره , لو كانت الكلمتان بلفظ واحد ومعنيين مختلفين لا يعدان إيطاءً .
والفراهيدي يتشدد في أن لو اجتمع اللفظان المتشابهان حتى لو كانا مختلفين في المعنى بشرط إتحاد المكررين في الاسمية أو الفعلية يُعتبرهما إيطاء  (  200) , ولكن نرى  هذا   جناساً تاماً , وهو من المحسنات البلاغية , مثال قول الجواهري في (رسالته) ,إذ يتعمد الجناس للتفنن المفصود :
أبا الفرسان أنك في ضميري *** وذاك أعــــزُّ دارٌ للحبيبِ
فلا عجبٌ فقبلي ضقن ذرعاٌ***بخير الناس أحمد والحبيبِ 
ولا يخفى في البيت الثاني عنده خير الناس ( أحمد) ويقصد المتنبي , و(الحبيب) يعني به ( أبا تمام) , ومع هذا وقع الجواهري بالإيطاء  في أهم قصائده ( يا دجلة الخير) مفضلاً إلهامه , إذ نظم القصيدة في ليلة (براغية) واحدة , ضارباً عرض الحائط ما يسميه القدماء بـ (الإيطاء ) من عيوب الشعر المغتفرة , فضمن خمسة أبيات نجد كلمة (هون) بلفظها ومعناها  :
وما البطولاتُ إعجازٌ وإنْ قنعتْ *** نفسُ الجبان عن العلياء بالهون ِ
ألفيتهُ فرطَ َما ألوى اللــواة ُبهِ***يشكو الأمرين منْ عسفٍ ومنْ هونِ (201)  
6 -التضمين : هو اعتماد آخر البيت على مستهل البيت الثالي حتى يتم المعنى , وهذا يخالف ما كان يؤمن به العرب بضرورة وحدة البيت وأهميته قبل وحدة القصيدة على العموم , لذلك يلجأون إلى أفضل بيت قاله العرب في كل غرض (202)  , والتضمين الذي كان يُحسب عيباً  :جواب القسم و الشرط والفاعل والخبر مثل قول النابغة :
همُ وردوا الجفار على تميم ٍ***وهمْ أصحابُُ يوم عكاظ إني
شهدتُ لهم مواطنُ صادقاتٍ*** بخيرهمُ بنصح الصدر مني (203)
لاحظ أن خبر (إن) الجملة الفعلية في البيت الثاني , وأسمها ياء المتكلم في البيت الأول . أما الصفة أو التفسير عندما يأتي في البيت التالي ما كان يعتبر عيباً 
7 - السناد : يعني الأختلاف , وهو مجموعة عيوب  مغتفرة للمولدين تسبق حرف الروي , وحركته (المجرى) , وهو على خمسة أنواع  , أمّا أن  يختلف حرفا ن , أحدهما عن حرف ردف القصيدة ( الألف أو الياء أو الواو الساكنة) , وثانيهما عن حرف تأسيس (الألف) في أبيات قصيدة أخرى , لأن الردف والتأسيس لا يجتمعان , وكذلك ردف الألف لا يمكن أن يلتقي  مع ردفي الواو والياء في قصيدة واحدة    , وثلاثة تصيب حركات الحذو والإشباع في القافية المطلقة , وسناد التوجيه يصيب القافية المقيدة   , وكلّ عيوب السناد تقع ما قبل حرف الروي , و حركته (المجرى) , وقد ذكره عدي بن زيد بن الرقاع العاملي (ت 95هـ / 714م) في شعره حيث قال :
وقصيدةٍ قد بِتُّ أَجمَعُ شملَها***حتى أَقوِّمَ مَيْلَها وسِنادَهـا 
السناد الذي يصيب الحروف ما قبل الروي : 
أ - سناد الردف: هو أن يأتي بيت عير مردوف , أو العكس  في قصيدة واحدة ,  وهو مقبول إذا جاء بشكل شاذ , أو لسمو المعنى كما في البيتين الآتيين من قصيدة منسوبة لعدة شعراء ( طرفة بن العبد  وللزبير بن عبد المطلب  وحسان بن ثابت وصالح بن عبد القدوس , وعبد الله بن معاوية بن جعفر !!) , ولا أرجحها جاهلية لمفرداتها , أميل أنها للقدوس كما ورد في حماسة البحتري (204) :
إذا كنت في حاجة مرسلا ***فارسلْ حكيما ولا توْصهِ
وإن باب أمر ٍ عليك التوى *** فشاور لبيبا ولا تعْصهِ
حرف الروي - في البيتين - الصاد وحركة مجراه الكسرة , والهاء وصل وحركة نفاذها الكسرة عند إشباعها تتحول إلى حرف الى حرف الخروج , ولكن الواو الساكنة (حرف لين معتل) في البيت الأول فهو حرف ردف , بينما البيت الثاني العين الساكنة حرف صحيح غير معتل فهو ليس بردف . وكقول الشاعر :
ندمتُ ندامة ً لو أنّ نفسي *** تطاوعني إذن لبتكتُ خمْسي (205) 
تبيّن لي سفاهُ الرأي مني***  لعمر الله حين كسرتُ قْوْسي
الروي السين , ياء المتكلم وصل ,الميم في البيت الأول حرف صحيح ساكن , والبيت الثاني الواو الساكنة حرف ردف (معتل لين )
2- سناد التأسيس :
التأسيس:  كما مرّ علينا الألف التي بينها وبين الروي حرف واحد يسمى حرف الدخيل، فقول السيد حيدر الحلي :
ألفتُ قراع الخطب مذ ْأنا يافعُ *** فكيف تروع اليوم قلبي الروائعُ (206)
الألف في (يافعُ) و (الروائعُ) ألف التأسيس , والفاء والهمزة بعدها في الكلمتين  حرفان ( دخيلان) , والعين حرف الروي , والضمة حركة (المجرى ) عند إشباعها لواو ساكنة تصبح (الوصل) , فسناد التأسيس هو ترك هذه الألف في بيت، دون غيره , كقول ابن العجاج: 
 عند كريم ٍ منهم مكرّم ِ*** معلم آى الهــدى معلم ِ
              ِ مبارك للأنبياء خاتم ***وخندف هامة هذا العالم ِ(207)
وينقل الأستاذان الدكتوران شرف وخفاجي في كتابهما (النغم الشعري ..) قوله:
يا دار مية اسلمي ثم اسلمي    فخندف هامة هذا العالم
ويعقبان  " وكان رؤبة بن العجاج يقول : أبى همز العالم فلا يكون على هذا سناداً " (208) , ويزيد أبو يعلى في (قوافيه) " وكذلك الكلام في قوله فيها :
مكرّمٌ للأنبياء خاتمُ
إما أن يهمز فلا يكون سناداً " (209)
والحقيقة (رؤبة) من أحد أفخاذ تميم , ولهم  لهجتهم الخاصة , وقد أوردت فتحهم للجزأين لـ (إنَّ) وأخواتها  في كتابي ( نشأة النحو العربي ...) , وقد تأثر الجواهري بهم في مطلع إحدى قصائده  ( (نحن الكبار ليتنا صغارا***ولم نزلزل بعضنا زلزالا )(210)
وكذلك قول أحمد شوقي في خلافة السلطان عبد الحميد :
قومٌ على الحبِّ والأخلاص قد ملكوا*** وحســــبُ نفيك إخلاصٌ يزكيـــها
خلافة الله في أحضـــان دولتـــــــهمْ*** شاب الزمانُ وما شابتْ نواصيها (211)
القافية في البيتين (كيْها) و (صيْها) , حرف الروي (الياء) , الهاء (الوصل ) , الألف الأخيرة (الخروج), وفي البيت الثاني (نواصيها) الألف الأولى ( ألف التأسيس)  , والصاد (الدخيل) , أما البيت الأول غير مؤسس, وهذا الكلام يجرنا إلى الشاعر العراقي المعاصر سامي العامري , إذ نظم قصيدة جميلة من البحر (الكامل ) غير مؤسسة , ولكن أحد أبياتها يتضمن (ألف التأسيس) , إليك بعض أبياتها :     
قالت  إذا الإخلاص شَعَّ فلا أسىً *** وعلى أمانينا انتزاعُ الفرقدِ 
ما همَّني إنْ كنتَ تَغضبُ ساعة***وتعود ترضى يا لسحرالمشهدِ           
كلماتُكِ المترقرقــــاتُ حَمَلنَني *** لشذا الفـــــرات وخدهِ المتوردِ 
وشعرتُ إذْ هـــاتفتِني وكأنني *** أحيا ودجلة تحت ســـقفٍ واحدِ (212)
الأبيات جميلة عندي ورائعة , ولا يعيبها مطلقاً هذا البيت الأخير المؤسس بـ (واحدِ) , حيث الألف ألف تأسيس و (الحاء) حرف دخيل , والدال حرف (الروي) , و(مجراها) الكسرة التي تشبع إلى حرف (الوصل) الياء الساكنة  ,  , لا يعيبها , لأن هذا العيب أصبح مغتفراً للمولدين منذ العصر العباسي ( أولهم بشار بن برد), وأتيت بمثال لأمير الشعراء شوقي , على أنه غير مستساغ بأن يتكرر في القصيدة الواحدة من حيث طول موجة الكم الصوتي للألف والفتحة التي تسبقه لزوماً , وفي مثالنا  لا يمكن أن تبدل كلمة  ( واحد ) بـ ( أوْحد ) , ونمنعها من الصرف , بهذا البيت كلـّه يسقط , لأن شتان بين معني الكلمتين ( الأوحد )هو الله , أو الإنسان الذي لا نظير له , ولا يقال عن السقف ( أوحد ) ,  , وخصوصاً حين تربط الجملة يالمثل السائر ( نعيش تحت سقف واحد) , وهذا تضمين بلاغي بليغ ,لا يمكن الأستغناء عنه ,بل لا توجد كلمة في العربية تحل محله , والبيت غاية الروعة يضفي جمالاً ومضومونا على القصيدة لا يُعوض .
السناد الذي يصيب الحركات ما قبل الروي :
3 - سناد الحذو : عرفنا الحذو هو حركة ما قبل حرف الردف الساكن , والفتحة ملازمة لما قبل الألف ,والكسرة تسبق ياء الردف , والضمة تسبق الواو  ,  وقـُُبل من العروضيين أن تتبادلا الكسرة والضمة للحرف السابق للواو والياء , لأن الحركتين لهما كم صوتي واحد , ولكن المشكلة مع الفتحة فهي أطول منهما - وإن غفروا من بعد للمولدين  -  ومن هنا  لا يجوز للفتحة أن تسبق ردفي الياء والواو  كما ورد في معلقة عمرو بن كلثوم :
إذا وضعتْ عن الأبطال يوماً ***رأيتُ لها جلود القوم جُوْنا
كـــأنَّ غضونهنَّ متون غــدر ٍ*** تصفقها الرياحُ إذا جرَيْنا
ورثنـــاهنَّ عن آباءِ صـــدق ٍ*** ونورثها إذا متنـــــا  بنِيْنا (213)
سناد الحذو في البيت الثاني , الراء مفتوحة , وسبقت ياء الردف , وسبقت الضمة الواو في الأول , والكسرةالياء في الثالث , ولشوقي سناد حذوه في البيتين التاليين :  
السِّحْرُ من سود العيون لَقِيْتُهُ ***** والبابِلِيُّ بلحْظِهِنَّ سُقِيْتُهُ
الناعساتُ الموقظاتُ من الهوى *** المُغْرِياتُ بهِ وكُنْتُ سَلَيْتُهُ (214)
البيت الأول حركة القاف الكسرة ثم تأتي الياء الساكنة الردف والتاء حرف الروي والمجرى الضمة , والهاء الوصل وحركتها النفاذ التي تشبع إلى واو الخروج , أما البيت الثاني  فحركة اللام الذي سبق الياء الفتحة , وهذا سناد.
4  - سناد الإشباع : حركة الإشباع هي حركة حرف الدخيل الذي يدخل بين ألف التأسيس وحرف الروي , ويجب أن تكون حركة الإشباع  متشابهة , مهما كان حرف الدخيل , وأخذ يكثر في الشعر العربي لتعود الأذن العربية على التهجين , وضعف السليقة , وقلة الاهتمام بالأدب العربي للجهل الفاشي وتداخل الشعوب  , ونخص هذا العصر بالذات , ومن (الإشباع ) قول أبي الفراس من قصيدة مطولة تبلغ 225 بيتاً من البحر (الطويل) , قالها مفتخرا , لابد أن تجد فيها هنات غير معيبة للمولدين , ولم أجد البيت الثاني في (يوانه ) , تحقيق د . التونجي , و إنما  في مصادر قديمة  , وبالتأكيد يعرفها وغض الطرف عنها:
 لَعَلَّ خَيــــالَ العـامِــــــــرِيَّةِ زائِرُ *****فَيُسْعَدَ مَهْجُورٌ ويُسْعَدَ هاجِرُ
ِذا سَلَّ سَيْفُ الدَّوْلةِ السَّيْفَ مُصْلَتاً *** تَحَكَّمَ في الآجالِ يَنْهَى ويامُـرُ(215)
الحقيقة كل القصيدة المطولة الملحمة دخيل كل أبياتها  وهذا المعتاد والجار , إلا البيت الثاني دخيله مضموم , وتذكره بعض المصادر , ومن قبل ففي العصر الجاهلي قال النابغة :
حلفتُ فلم أتركْ لنفسك ريبة ً*** وهل يأتمنْ ذو أمّةٍ وهو طائِعُ
بمصطحباتٍ من لصاقٍ وتبرةٍ*** برزن إلالا  ســيْرهُنَّ التدافُـُعُ (216)
السناد واضح في البيت الأول  حرف الدخيل حركة إشباعه الكسرة , وفي البيت الثاني حرف دخيله القاف  وحركة إشباعه الضمة . زهذا سناد الإشباع , وهو عير مغتفر , لأن شاعره جاهلي .
5 - سناد التوجيه : وهو يصيب القافية المقيدة , لأن حرف التوجيه الذي يسبق حرف الروي الساكن ,على أغلب رأي العروضيين
فلا وأَبيكٍِ ابنةَ العـامِـريّ ***لا يَدَّعِي القَوْمُ أَنِّـي أَفِـرْ 
تميمُ بنُ مُرٍّ وأَشـياعُـهـا*** وكِنْدَةُ حَوْلى جَميعاً صُبُرْ (217)
كما ترى القافية مقيدة ( حرف الروي الراء في البيتين ساكنْ) , ولكن في البيت الأول حركة التوجيه للفاء الكسرة , وحركة الباء في البيت الثاني الضمة , وهذا سناد التوجيه , ولم يكن مغتفراً لامرئ القيس , ولكن رد المتنبي على رسالة سيف الدولة من الكوفة , إذ الأخير دعاه للمجيء إلى حلب , وقع في سناد التوجيه , وهو مغتفر له :
     فهمت الكتــــاب أبــــــرّ الكتُبْ ***فســـمعا لأمر أمير العرَبْ
وما عاقني غير خوف الوشاةِ*** وإن الوشاياتِ طرْق الكذِبْ (218)
الراء الني تسبق الروي المقيد حركة توجيهها الفتحة , بينما حركة الذال في البيت الثاني الكسرة.
8 - عيوب قديمة  ثقيلة وثقيلة جديدة ! : الحقيقة الشعر فن وذوق وبلاغة , ويعرف كوامنه وأسراره , من يمتلك الموهبة , ويكثر الممارسة , ويبحث البلاغة ,ويتفهم لغة الإشارة , ونضيف إليك عموماُ  على وجه السرعة , بلا ترقيم ولا تغديد :
البدل : أن يبدل الشاعر قافية البيت بكلمة أخرى غير متعارف عليها بلغة العرب , إما للهجةٍ انقرضت لبعض أفخاذ قبائل العرب , أو لعاهة في لسان الشاعر كالتأتأة , أو لارتباك الشاعر وتؤخذ عليه مثل :
" يا قبّح الله بني السّلاتِ *** عَمراً وفانوساً شرار الناتِ
ليسوا بأخيار ٍ ولا أكياتِ " (219)
وعنى الشاعر بـ (النات)الناس , ومثلها (أكيات) أراد (أكياس),
المعاضلة : أن يستخدم الشاعر اللفظ في غير محله , " قال أبو الفرج قدامة : هو قبيح الاستعارة , كقول أوس بن حجر:
وذات هدم عار ٍ نواشرها *** تصْمت بالمساء توّلباً جدعا
فاستعار التولب وهو ولد الحمار للصبي " (220)"
هذا مما يسيء المعنى , وربما يفلبه , ويا ويله لو ألقاه أمام السلاطين والخلفاء , يذكرني هذا أن الخليفة المهدي كان يستاك , وبقربه مؤدب الرشيد , قال له كيف تأمر بالسوك ؟  فأجابه (استك يا أمير المؤمنين) , فقال المهدي : إنا لله وإنا إليه راجعون , ثم قال :التمسوا لنا من هوهو أفهم من هذا , فأمر بجلب (الكسائي) من الكوفة , فسأله السؤال نفسه , فرد عليه (سك فاك يا أمير المؤمنين ) فعينه لتأديب أولاده (221) .
التجريد :  , ومعناه الميل , أي يميل عن الطريق الصواب , فهو تنويع الضرب في البحر الواحد :
إذا أنت فضلت امرأ ذا براعة ***على ناقص كان المديح من النقصِ
ألم تر أن السيف ينقص قدره ***إذا قيل هذا السيف خير من العِصِي (222)
 كما ترى  تفعيلة  ضرب الأول التي تتضمن  القافية ( من النقص) (مفاعيلين  //0/0/0)
وتفعيلة الضرب الثاني التي تحتوي  القافية ( من العصي) ( مفاعلن //ه//ه ) , ومر علينا هذا قي موضوع ألفاظ  القافية , فلفظ قافية البيت الأول متواتر  , والثاني متدارك , وأنا استحسنته لعدم الرتابة , وهنالك عيوب في القافية يدركها الشاعر المتمكن  بعدم توارد الحروف الثقيلة عمودياً أو أفقياً , وعدم توالي حروف متشابه في قوافي أبيات القصيدة بشكل متسلسل , قد تؤدي إلى ملل أذن السامع , واختيار لفظ القافية بما يناسب الوزن والمناسبة , وعدم تكرار التقفية في عروض وضروب أبيات القصيدة دون داع ٍمما يشير إلى ضعف مقدرة الشاعر .
انتهينا من عشرين حلقة عن علمي العروض والقوافي , وإذا مدَّ الله في عمرنا , وأكسبنا نعمة الصحة , سنواصل مسيرتنا مع التجديد في الشعر العربي , وإنَّ غداً لناظره قريبُ .     
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم مرزة الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/05



كتابة تعليق لموضوع : 8 - عيوب القافية المغتفرة وغير المغتفرة للمولدين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net