صفحة الكاتب : محمود الربيعي

محمد وعيسى في القرآن والسنة المحمدية ... بين الجهل والحقيقة
محمود الربيعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 المفدمة الموضوعية
 
إذا اردنا الوقوف على حقيقة العلاقة الجدلية القائمة أصلاً بين المسيحية والإسلام كان لابد من النظر الى الأسلوب والمنهج الذي تعامل به كل من محمد ومادة القرآن الكريم مع أهل الكتاب، فالقرآن قد وقف على سماعه كل أهل الأجيان ممن سكنوا الجزيرة العربية، وقد سجل هؤلاء جميع الآيات التي نطق بها محمد، وتعاملوا معه على هذا الأساس، ولذلك فامت العهود بين محمد وأهل الكتاب، ولم يكن هناك عقد ظاهر  سابق قد جرى بين محمد وعيسى، لكن محمد وبرغم عدم وجود عيسى على قواعد الأرض تعامل مع المسيحيين واليهود والصابئة معاملة إنسانية، إذ لم يمنعهم من البقاء على دينهم والتكسك به، لكنه ترك لهم الخيار في الخيار بين أن يدخلوا الإسلام أو يبقوا على ملتهم وقد نصت مادة القرآن الكريم على ذلك ( لكم دينكم ولي دين) ولقد كان هذا النداء موجهاً الى أبعد من أهل الكتاب لا أهل الكتاب فحسب.
 
ولقد إهتم محمد بتنظيم حقوق المواطنة وفق أسس قانونية ونصوص شرعية حفظت لأهل الكتاب حقوقهم، بل أن من الدقة أن نقول أن في مسألة الواجبات فالإسلام أنصفهم إذ كانوا يدفعون بما يسمى الجزية بدلاً عن الخمس والزكاة،  وكذا في  مسائل ملكية الأرض إذ كانت حقوق الكتابي أكبر من حق المسلم بملكيته للأرض، وبإمكان الكتابي الإحتفاظ بجميع حقوقه الدينية بحسب التعاليم التي يؤمن بها، كما أن محمد لم يجبرهم على المشاركة في الحروب الخارجية مع أعداءه وفي الأخير وليس آخراً فإن الحدود الشرعية في مجل تطبيق الشريعة وفي مجال العقوبات فإنها إقتصرت في مجال التنفيذ على المسلمين دون أهل الكتاب في مسائل الخمر وغيره.
 
عيسى في القرآن
 
إن عيسى في نظر الإسلام ونص القرآن هو ابن مريم العذراء المقدسة، وهي عندهم معصومة ومنزهة عن إرتكاب الفواحش، فلايتطرق  اليها الشك فهي سيدة نساء عالمين زمانها، وأن عيسى قد أوتي البينات، ومؤيد بروح القدس، وقد لاقى الغطرسة والتكذيب ومحاولة القتل من قومه رغم أنه كان يدعو الى المحبة.
 
وقد ذُكِرَ عيسى في القرآن ومحمد مرات ومرات، وبألفاظ متعددة كالمسيح وابن مريم الى غير ذلك من الألقاب المفخمة والمعظمة، وقد حاولنا إحصاءها وعرضها على شكل حلقات ليطلع عليها العقلاء من طلبة العلم ورجال البحث لتكون لهم مناراً وهدى وتبصرة لمن يفهم، ولعل أحدهم يكون سبباً لنشر الحقيقة عن الإسلام ونبيه، ولقد إعتمدنا المنقب القرآني لموقع السراج في الطريق الى الله والذي يشرف عليه الشيخ حبيب الكاظمي ليكون الضبط في النقل لآيات القرآن التي سنأتي على ذكرها والمشتملة بالتحديد على ذكر لفظ عيسى ، وسنبين في تفسير تلك الآيات إعتماداً على تفسيري تقريب القرآن الى الأذهان، والميزان في تفسير القرآن، ثم نعرج الى تسجيل بعض الملاحظات في ذيل كل فقرة:
 
أولاً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان الآية 87 من سورة البقرة ومن موقع السراج في الطريق الى الله جاء فيه:                         
 
((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ))، أعطينا التوراة إياه، ((وَقَفَّيْنَا))، أي أردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض ((مِن بَعْدِهِ))، أي بعد موسى، ((بِالرُّسُلِ))، رسولا يتبـع رسولا، ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ))، جمع بينة، أي الدلالة الواضحة، وهي المعجزات التي أعطيت لعيسى (عليه السلام) من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ((وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ))، التأييد التقوية وروح القدس إما جبرائيل (عليه السلام) أو روح قوية من الله سبحانه فيه تقوية على التبليغ والإرشاد مـع كثرة أعدائه، ((أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ)) أيها اليهود ((رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ)) ولا يمثل إليه من الأحكام ((اسْتَكْبَرْتُمْ)) وتكبرتم عن قبول أحكام الله سبحانه، ((فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ)) - كعيسى ومحمد صلوات الله عليهما، ((وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)) - كزكريا ويحيى (عليهما السلام)؟ وهذا استفهام إنكاري عليهم.
 
ملاحظة الباحث: يلاحظ في النص السابق وبالنظر الى تفسيره ما لعيسى من بينات، وماله من تأييد في مواجهة عناصر الإستكبار.
 
ثانياً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير الآية 136 من سورة البقرة من موقع السراج في الطريق الى الله:          
 
((قُولُواْ)) أيها المسلمون ما يجب عليكم، أي تعتقدوا بها، وما هي خلاصة الأديان السابقة واللاحقة، الذي يعين زيف العقائد النصرانية واليهودية وغيرهما، ((آمَنَّا بِاللّهِ وَ)) آمنا بـ((مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا)) من القرآن الحكيم ((وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ)): أحفاد يعقوب فإن كثيراً منهم كانوا أنبياء نزلت عليهم الصحف، ((وَ)) آمنا بـ((مَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَ)) آمنا بـ((مَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ)) قاطبة ((مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ))، أي من الأنبياء ، فإنا نعترف بالجميع ((وَنَحْنُ لَهُ))، أي لله سبحانه ((مُسْلِمُونَ)) فإن دين الأنبياء كلهم يتلخص في أصول وفروع وأخلاق، فالأصول: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد، فإن كل نبي كان يصدق من سبقه ويبشر بمن يلحقه كما أن الإمامة بمعنى الوصاية، فإن كل نبي كان له أوصياء، والفروع هي: الصلاة والصوم والزكاة وما أشبه من العبادات وأحكام المعاملات بالمعنى الأعم، وكل الأديان كانت مشتركة فيها مع تفاوت يسير حسب اقتضاء الزمان والأمة، فمثلاً كان صوم الصمت في بعض الأمم وليس في الإسلام وهكذا، والأخلاق هي: الصدق والأمانة والوفاء والحياء وما أشبه، وكلها فطريات نفسية كانت الأنبياء تأمر بها وينهى <وتنهى> عن أضدادها.
 
ملاحظة الباحث: تشير هذه الفقرة الى احترام المسلمين للأديان بالصورة التي لاتفرق بينهم ولاتدعو الى العداوة بينهم على وجه العموم.
 
ثالثاً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 253 من سورة البقرة من موقع السراج في الطريق الى الله:              
 
 ((تِلْكَ الرُّسُلُ)) الذين أُشير إليهم في قوله: (إنك لمن المرسلين) ((فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) فهم وإن إشتركوا في أصل الرسالة إلا أنهم مختلفون في الفضيلة ((مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ)) إياه وهو موسى (عليه السلام) وحيث أن هناك محل سؤال هل يمكن للإنسان أن يرتقي هذا المرتقى العظيم حتى يكلّمه الله سبحانه ألمحت الآية الى ذلك قائلة ((وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)) لا درجة واحدة، حتى سببت تلك الرفعة أن يتمكن من مكالمة الله مباشرة ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ)) وإنه لمن تفنن القرآن الحكيم في التعبير حيث لم يصرّح باسم موسى وصرّح باسم عيسى (عليه السلام) والبيّنات هي الدلالات الواضحات على نبوّته من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ((وَأَيَّدْنَاهُ))، أي قوّيناه فإن التأييد بمعنى التقوية ((بِرُوحِ الْقُدُسِ))، أي روح مقدسة -كما مر سابقاً- فلم يكن إنساناً عادياً ولا خالقاً ورباً وإنما نبي مؤيّد من عند الله سبحانه، وحيث كان هنا مجال سؤال هو أن الأنبياء حيث أتوا بالدلالات لم يكن مجال لتشكيك الناس فيهم فكيف تقع الحروب بين الناس حول الأنبياء إثباتاً أو نفياً أو إثباتاً لنبي دون نبي، أتى السياق مشيراً الى جواب ذلك ((وَلَوْ شَاء اللّهُ)) بأن ألجأَ الناس واضطرهم على الإنقياد والإهتداء ((مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم))، أي من بعد الرسل، أي بعد مجيء كل واحد منهم ((مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ))، أي جاءت الناس الأدلة الواضحة ((وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ))، أي الناس ((فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ)) بالرسول ((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ)) تكريراً للتأكيد وأن المشيئة الإلجائية لم تتعلق حول التشريع وإن تعلّقت حول التكوين ((وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) من إعطاء الإختيار بيد الإنسان ليؤمن من آمن عن إختيار ويكفر من كفر عن إختيار ليثبت الجزاء والحساب وبم يذكر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأن الخطاب موجّه إليه (وإنك لمن المرسلين).
 
ملاحظة الباحث: هنا نوع من الإشارة الى الإختلاف الحاصل بين الناس لا بين الأنبياء أنفسهم، وهو إختلاف بين أهل الكفر والنفاق من جهة، وبين المؤمنين، ولافرق بين أن يكون أولئك المؤمنين من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أو غيرهم من أهل الكتاب، لأن  تمتعهم بذلك الإيمان لايفسد الود فيما بينهم. 
 
رابعاً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير الآية 45 من سورة آل عمران من موقع السراج في الطريق الى الله:
 
واذكر يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ )) مخاطبة لمريم (عليه السلام) ((يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ))، أي بولد هو كلمة الله تُلقى عليك ويخرج منك بصورة عيسى المسيح (عليه السلام) ((اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) قيل سمّي مسيحاً لأنه كان يمسح الأرض ويسير فيها، وذكر في الكلام أمه دحضاً لمن يفترس قائلاً أنه إبن الله، في حال كونه ((وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))، أي ذا جاه وقدر وشرف ((وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)) لله تعالى قرب شرف وجاه لا زمان ومكان.
 
ملاحظة الباحث: في هذه الآية الدلالة على المنزلة الرفيعة التي يتمتع بها كل من عيسى ومريم في نفوس المسلمين. 
 
خامساً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان سورة آل عمران في تفسير نص الآية 52 من موقع السراج في الطريق الى الله:
وبعد هذه الحجج لم يزدد بني إسرائيل إلا عناداً وإستكباراً ((فَلَمَّا أَحَسَّ )) من الحس، أي وجد ((عِيسَى )) (عليه السلام) ((مِنْهُمُ الْكُفْرَ )) وأنه لم تنفعهم الحجة والدليل ((قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ )) الذين ينصرون ديني للوصول إلى ثواب الله تعالى إذ المسلم يقطع طريق الوصول إلى الله لينتهي إلى ثوابه ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ )) هو جمع حواري من الحور بمعنى شدة البياض وسمّي خاصة الإنسان بالحواري لنقاء قلبه وصفاء باطنه ((نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ )) الذين ننصر دينه ونتابعك على ما أنت عليه ((آمَنَّا بِاللّهِ )) إيماناً لا يشوبه شرك ((وَاشْهَدْ )) ياعيسى ((بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) في أدياننا.
 
ملاحظة الباحث: هذه الآية تشير الى الموقف الثابت لعيسى والحواريين ممن كانوا معه، من كفر الكفار وعداوتهم.
 
سادساً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير الآية 55 من سورة آل عمران من موقع السراج في الطريق الى الله:
واذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ اللّهُ )) أو ذاك إذ قال، أو ومكر الله إذ قال ((يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ))، أي آخذك وافياً فإن معنى توفّاه أخذه وافياً ويُقال : توفى الله فلان حين يأخذ روحه وافية من الوفاء وهو في أخذ الروح والجسد أقرب إلى الحقيقة من أخذ الروح فقط فإنه بعلاقة الكل والجزء، أي أخذك ((وَرَافِعُكَ إِلَيَّ )) فإنه (عليه السلام) رُفع إلى السماء الرابعة كما في بعض الأحاديث، وقد يُظن أذ ذلك ينافي ما اشتُهر في العلم الحديث من عدم سماوات ذات حجوم لكنه ظن غير تام إذ السماء حتى لو كان يُراد بها المدار -كما هو معناه لغة- تكون هناك سماوات وللتوضيح راجع "الهيئة والإسلام" تأليف العلامة الشهرستاني ((وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) فإنهم أرجاس أنجاس فكما أن الجسم المحاط بالنجاسة إذا غُسل يطهر عنها كذلك إن الإنسان الطيب في أُناس كفرة عصاة إذا خرج من بينهم كان تطهيراً له في المعنى عن لوثهم وكفرهم ((وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ )) من النصارى ((فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك من اليهود ((إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) وهذا من معاجز القرآن الحكيم فإنّ النصارى دائماً فوق اليهود إلى يومنا هذا وسيكونون كذلك إلى يوم القيامة ((ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ )) جميعاً أنت وأصحابك والكفار، وذلك يوم القيامة ((فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) من التوحيد والشرك ومن كونك نبيّاً وسائر الأصول والفروع التي كنتَ تنادي بها وتبشّر من أجلها وكانت اليهود يكفرون بها.
 
ملاحظة: وهنا بيان واضح واشارة لطيفة الى طهارة عيسى وعلو منزلته ومنزلة أصحابه.
 
سابعاً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 59 من سورة آل عمران من موقع السراج في الطريق الى الله:
وهنا تتهيّأ النفوس لإدراك حقيقة عيسى هل كان بشراً وكيف وُلد من غير أب فقال سبحانه ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ )) فليس ولادة عيسى من غير أب عجيباً وبدعاً ولا يدل ذلك على أنه رب فآدم أعجب منه أليس الله سبحانه ((خَلَقَهُ ))، أي خلق آدم ((مِن تُرَابٍ )) صنعه وجسّده ((ثِمَّ قَالَ لَهُ : كُن )) إنساناً حياً ((فَيَكُونُ)) كما قال، ومقتضى القاعدة أن يُقال "فكان" إلا إن هذه الجملة أخذت صِبغة المثالية نحو "الصيف ضيّعت اللبن"، ولذا يُؤتى بها على لفظها وقد تقدّم أن كلمة "كن" تعبّر عن الإرادة الأزلية لا أن في اللفظ خصوصية.
 
ملاحظة: ومما تجدر الإشارة إليه الإلتفات الى وحدة الموقف في ذكر منازل الأنبياء كآدم وعيسى وشدة الإرتباط بينهما في العديد من الأمور.
 
ثامناً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 84 من سورة آل عمران من موقع السراج في الطريق الى الله:
هنا يأتي دور إظهار الأمة المسلمة إيمانها بجميع الأنبياء فإنه مقتضى وحدة الرسالات ومقتضى ما سلف من إيمان كل سابق باللاحق وتصديق كل لاحق للسابق ((قُلْ )) يارسول الله صيغة الإيمان التي يجب الإعتراف بها على كل أمتك ((آمَنَّا بِاللّهِ )) إلهاً واحداً ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ عَلَيْنَا)) من القرآن الحكيم وسائر الأحكام ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ )) أولاد يعقوب الذين كانوا أنبياء ((وَ)) بـ ((مَا أُوتِيَ ))، أي أُعطي ((مُوسَى)) من التوراة ((وَعِيسَى )) من الإنجيل ((وَ)) بما أُعطي ((النَّبِيُّونَ مِن )) قِبَل ((رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء الأنبياء لا كاليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا كالنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَنَحْنُ لَهُ ))، أي لله ((مُسْلِمُونَ)) منقادون فيما أمرنا ونهانا.
 
ملاحظة الباحث: في هذه الآية تأكيد على وحدة الموقف من جميع الأنبياء وأنهم سواء في نظر المسلمين إذ لافرق بينهم.
 
تاسعاً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 157من سورة النساء من موقع السراج في الطريق الى الله:
((وَ)) بسبب ((قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )) وهذا القول موجب لسخط الله تعالى لأنه (عليه السلام) رسوله، وقوله ((رَسُولَ اللّهِ )) أما قول اليهود على وجه الإستهزاء، وأما قول الله تعالى فليس مقول قولهم، وأما أنه إعتراف منهم بأن الرسول كما إعترف أهل الكوفة بأن الحسين إمام وقتلوه لهوى النفس ثم ردّهم الله سبحانه بقوله ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ )) لأنهم كانوا يقولون قتلناه صلباً ((وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ )) بأن ألقى شبه عيسى على بعض اليهود فقتلوا ذلك الشبيه لعيسى (عليه السلام) لا أنهم قتلوا نفس المسيح ((وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ))، أي في المسيح (عليه السلام) هل أنه قُتل أم لم يُقتل ((لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ )) فإنهم صاروا فرقين قسم يقولون لم نقتله وإنما قتلنا شبيهاً له ولم يكن قولهم عن يقين وإنما عن شك وتردد ((مَا لَهُم بِهِ))، أي لهؤلاء القائلين بقتله ((مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ )) هذا الإستثناء منقطع فإنه كثيراً ما يُستثنى من أصل الكلام لا من قيوده فكأنه قال هنا : ما لهم من حالة نفسية حول هذا الموضوع إلا إتباع الظن، فمن يقول قتلناه يظن ذلك لا أنه يستيقن ولا يخفى أن الشك بمعناه اللغوي يلائم الظن وليس الشك بمعنى تساوي الطرفين حتى ينافر الظن الذي بمعنى ترجيح أحد الطرفين ((وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا))، أي باليقين والقطع لم يقتلوا عيسى (عليه السلام).
 
ملاحظة الباحث: في هذ الآية وماقبلها من الآيات التي ذكرناها تعبير عن الطريقة المثلى التي كان يتحدث بها نبي الأسلام عن عيسى وغيره من الأنبياء، فكيف يتسنى للبعض أن يصور نبي الأسلام بالصورة التي صدرت عن مثل منتج الفلم الذي أساء له وبالشكل الذي يتقاطع مع حقيقة وجوهر المثل العليا التي كان يتمتع بها نبي الأسلام.
 
 عاشراً: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 163 من سورة النساء من موقع السراج في الطريق الى الله:
ثم ذكر سبحانه أن مجادلات اليهود باطلة وأن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوحِيَ إليه كما أوحي من قبله الى سائر الأنبياء، فقولهم بإنزال الكتاب عليهم بحيث إذ قد كثر في الأنبياء السابقين مَن أوحِيَ إليه فقال تعالى ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) يارسول الله، الوحي هو الإلقاء في القلب بواسطة مَلَك أو إبتداءاً بدون مَلَك في اليقظة أو المنام ((كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ))، أي من بعد نوح (عليه السلام) ثم ذكر بعض الأنبياء بالإسم تعظيماً وإن كانوا داخلين في عموم "النبيّين" ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ )) وقدّم "إسماعيل" لأنه أرفع شأناً من إيمان وإن كان الثاني أكبر سناً -كما هو المشهور- ((وَيَعْقُوبَ )) وهو حفيد إبراهيم إبن إسحاق جد اليهود كما إن إسماعيل جدّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَالأَسْبَاطِ ))، أي الأنبياء المبعوثون من أولاد يعقوب، ويُسمّون الأسباط لأنهم أحفاد يعقوب كيوسف وغيره (صلوات الله عليهم أجمعين) ((وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ )) ولم يذكر موسى (عليه السلام) لأنه نزل عليه الكتاب من السماء الذي كان محل إحتجاج اليهود -كما تقدّم- ((وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)) جمع زُبُر، أي شيئاً فشيئاً ولم ننزّل على هؤلاء الأنبياء كتاباً كاملاً بل أما وحياً وأما جزءاً -كداود (عليه السلام)-.
 
ملاحظة الباحث: انظر عزيزي القارئ الى الكلمات التي وردت في القرآن الكريم والدقة الفائقة التي يتميز بها الكتاب الكريم وهو يأتي على ذكر جملة من الأنبياء على لسان نبي الأسلام وكم نتمنى على المسيحين واليهود وغيرهم من أهل الكتاب الإجتهاد في قراءة هذا القرآن للتعرف على الأدب الرفيع الذي هو عليه، وكيف أنه يليق بمثل محمد نبي الأمة، تلك التي تعظم أنبياء الأمم السابقة.
 
احد عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان الآية 171 من سورة النساء من موقع السراج في الطريق الى الله:       
ثم توجّه السياق الى أهل الكتاب الذين تقدّم الكلام عنهم لكن هنا يُراد بهم النصارى فقط فقال سبحانه ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ )) الغلو هو مجاوزة الحد والإرتفاع ومنه غلى في دينه، أي تجاوز الحد الى الإرتفاع فقد كان المسيحيون يقولون بتعدد الآلهة الأب والإبن وروح القُدُس ويريدون بالأول هو الله وبالثاني المسيح وبالثالث جبرئيل (عليه السلام) ((وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ ))، أي لا تفتروا على الله بأن تقولوا أن الله أمَرَنا بعبادة آلهة ثلاثة أو المعنى لا تقولوا بالنسبة الى الله ما ينافي عظمته من قولكم أن له شريكاً ((إِلاَّ الْحَقِّ )) وهو أنه لا شريك له ولم يأمر إلا بذلك ((إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ )) قيل إنما سُمّي بالمسيح لأنه كان يمسح الأرض ويسيح في البلاد، و"عيسى بن مريم" بيان لقوله "المسيح" يعني أنه إبن مريم لا أنه إبن الله و"رسول الله" خبر لقوله "المسيح" ((وَكَلِمَتُهُ ))، أي كلمة الله وهذا تشبيه فكما أن المتكلم إذا قال الكلام حدث منه في الخارج شبه إلقاء كذلك الله سبحانه يلقي الأشياء الى الخارج فهي كلماته، ولذا يُقال للمخلوقات كلمات الله وإنما هنا للحصر الإضافي مقابل النبوة والإلوهية ((أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ))، أي أوجدها في رحمها الطاهرة بدون إزدواج وإقتراب من رجل ((وَرُوحٌ مِّنْهُ )) سبحانه والروح هو القوة -الطاقة- التي تتحرك وتحرّك الى أن عيسى روح من الله، ومن المعلوم أن الإضافة تشريفية نحو بيت الله ((فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ )) إيماناً صحيحاً بالإذعان بوحدته وأنه لا شريك له ولا ولد وأن المسيح رسول الكريم ((وَلاَ تَقُولُواْ)) أيها النصارى أن الإله ((ثَلاَثَةٌ )) أب وإبن وروح القُدُس ((انتَهُواْ )) عن هذا الكلام البشع وائتوا ((خَيْرًا لَّكُمْ)) في دنياكم وآخرتكم من التوحيد والتنزيه (( إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ )) لا شريك له فليس المسيح شريكاً له في الإلوهية فإن من كان له شريك لا يصلح أن يكون إلهاً إذ الشركة تلازم التركيب والتركيب يلازم الحدوث فإنّ كل مركّب لابد له من مركِّب وأجزاء سابقة ولو رتبة وما سبقه غيره ليس بإله ((سُبْحَانَهُ ))، أي أسبّحه سبحانه بمعنى اُنزّهه تنزيهاً ((أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ )) كما قال المسيحيون من أن المسيح إبن الله فإنه لو أُريد بالولد المعنى المتعارف مما يستلزم الولادة فإنّ ذلك من صفات الممكن لا من صفات الإله إذ لا يعتري التغيير على الإله وإلا كان حادثاً ولو أُريد المعنى التشريعي كما يقول الكبير لبعض الناس -إذا أراد تشريفهم- فلان ولدي فإن ذلك لا يجوز بالنسبة الى الله سبحانه إذ شؤونه كلها توقيفية فقد إذِنَ أن يُقال فلان خليله ولم يأذن أن يُقال إبنه أو ولده، والمراد بالآية هو المعنى الأول ((لَّهُ ))، أي الله تعالى ((مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ )) ومن يكون كل شيء مُلكه لا يمكن أن يكون شيء وَلَداً له إذ الولد جزء والجزء لا يكون مُلكاً لعدم أحقّيّة كون المالك المنفصل عنه من كونه المنفصل ((وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً)) للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في إنفاذ أمره وهو وعيد للقائلين بالتثليث.
 
ملاحظة الباحث: هذه الآية تتحدث الى الناس كافة وتدعوهم الى التوحيد، والى تعظيم وتنزيه الإله الواحد الأحد.
 
اثنا عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 172 من سورة النساء من موقع السراج في الطريق الى الله:
ثم ذكر سبحانه أن المسيح (عليه السلام) هو يعترف بأنه عبد الله فلِمَ يقول هؤلاء بأنه إبن الله أو شريك الله؟ ((لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ ))، أي لن يأنف عيسى (عليه السلام) ((أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ )) بل إعترف هو (عليه السلام) حين ولادته بذلك (قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب) ((وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ )) الذين قرّبهم سبحانه من ساحة لطفه ولعل هذا إشارة الى ردّ مَن زعم أنهم أولاد الله كما حكى سبحانه بقوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) ((وَمَن يَسْتَنكِفْ )) يأنف ويمتنع ((عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ )) فيرى نفسه أكبر وأعظم من أن يعترف لله بالعبودية ((فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا)) الحشر هو الجمع، أي يجمعهم يوم القيامة جميعاً ليُجازيهم باستكبارهم وإليه ليس للمكان لأنه سبحانه منزّه عنه بل المراد المحل المعدّ لقضائه وجزائه.
 
 
ملاحظة الباحث: انظر الى الطريقة القرآنية المهذبة التي جاءت على لسان نبي الإسلام في الدعوة الى التوحيد والى معرفة الإله الواحد الأحد، والى معرفة عيسى وحقيقة رسالته، وحقائق مواقفه من مسائل الكفر والإيمان.
 
ثلاثة عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير الآية 46 من سورة المائدة من موقع السراج في الطريق الى الله:   
ولما ذَكَرَ سبحانه اليهود إتجه الكلام إلى ذِكر النصارى مبيّناً أنّ الأنبياء من سلسلة واحدة وإنّ كتبهم كلها هدى ونور وأنّ بعضها يصدّق بعضاً ((وَقَفَّيْنَا )) من التقفية أصله القفو بمعنى إتّباع الأثَر يُقال قفّيته بكذا أي إتّبعته به ((عَلَى آثَارِهِم ))، أي آثار الأنبياء حيث قال سبحانه (يحكم بها النبيّون) ((بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ))، أي إتّبعنا على آثار النبيّين عيسى بن مريم فقد بعثناه رسولاً من بعدهم ((مُصَدِّقًا ))، أي في حال كون المسيح (عليه السلام) يصدّق ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ))، أي ما تقدّمه ((مِنَ التَّوْرَاةِ )) بيان ما ويُقال للسابق الزماني بين يديه تشبيهاً بالسابق المكاني الذي هو بين يدي الإسنان، أي في قباله ((وَآتَيْنَاهُ ))، أي أعطينا عيسى (عليه السلام) ((الإِنجِيلَ ))، أي أنزلنا عليه ((فِيهِ هُدًى وَنُورٌ )) تقدّم معنى ذلك ((وَمُصَدِّقًا ))، أي في حال كون الإنجيل مصدّقاً ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ )) فقد كان عيسى (عليه السلام) يصدّق التوراة وكتابه إنجيل يصدّها أيضاً ((وَهُدًى ))، أي أنّ الإنجيل كتاب هداية وإرشاد ((وَمَوْعِظَةً ))، أي واعظاً ((لِّلْمُتَّقِينَ)) الذين يتّقون الآثام، فهو يحذّرهم عن العقاب ويرشدهم ويحرّضهم إلى الثواب، وقد كرّر التصديق والهداية تأكيداً وتركيزاً .
 
ملاحظة الباحث: هنا انتباهة الى الصورة الجميلة التي يتحدث فيها الإسلام ونبيه عن كتابي الإنجيل والتوراة، وكيف يصفهما بأنهما هدى ونور وموعظة، وكيف يصدق عيسى بالأنبياء من قبله بالصورة التي تدفع المتقين الى السير في طريق معرفة الإله الواحد الأحد بما يعزز وحدة الموقف عند اهل التوحبد.
 
اربعة عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 72 من سورة المائدة من موقع السراج في الطريق الى الله:
هكذا كان حال اليهود حيث كفروا بعد أن أرشدهم الله الطريق، أما النصارى فإنهم كإخوانهم اليهود في العمى عن الحق بعد الرشاد ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)) وهؤلاء قالوا إنّ الله إتّحد بالمسيح فصار شيئاً واحداً، ولا يخفى أنّ الإتحاد غير معقول إذ لو بقي الشيئان إثنين بعد الإتحاد لم يكن إتحاد وإن عدم أحدهما كان واحداً وإن عدم الإثنان لم يكن شيء، ثم أنهم قالوا بأنّ المسيح هو الله بينما المسيح نفسه إعترف بأنه عبد الله ((وَ)) الحال أنه ((قَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ )) وحده ((رَبِّي وَرَبَّكُمْ )) فإنّا جميعاً عبيده ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ )) ويجعل له شريكاً سواء إعترف به وبالشريك أم إتخذ إلهاً غيره فإنه أيضاً من جعل الشريك لله ((فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ )) فلا بدخله فيها أبداً ((وَمَأْوَاهُ ))، أي مصيره ((النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ )) الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرونهم من بأس الله وعذابه .
 
ملاحظة الباحث: هنا يدعو القرآن الإنسان الى عبادة الإله الواحد الأحد والى تنزيهه ومعرفته،  فمنهج نبي الإسلام وحياته كان الإخلاص من أجل هذه الفكرة وكان الشغل الشاغل لإنجاز المهمة التي كلفه الله بها.
 
خمسة عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 78 من سورة المائدة من موقع السراج في الطريق الى الله:
((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ )) فاللعنة عليهم من قديم الزمان حيث لم ينفكّوا يعملون القبائح ويكفرون بالأنبياء وينسبون إلى الله ما لا يليق به ((عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ )) النبي (عليه السلام) في الزبور ((وَ)) على لسان ((عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )) في الإنجيل، فقد لعنهم داود (عليه السلام) لما إعتدوا في السبت فصاروا قِرَدة، ولعنهم عيسى (عليه السلام) لما كفروا بعد فصاروا خنازير ((ذَلِكَ )) اللعن إنما إستحقوه ((بِمَا عَصَوا ))، أي بسبب عصيانهم ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ))، أي يتجاوزون حدود الله سبحانه .
 
.ملاحظة الباحث: انظر الى النقل التاريخي الدقيق والوصف القرآني لإستنكار الأنبياء لظواهر الكفر على لسان داوود وعيسى، وإجتهاد نبي الإسلام في رفع ظلمة الجهل
 
ستة عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 110 من سورة المائدة من موقع السراج في الطريق الى الله:
((إِذْ قَالَ اللّهُ ))، أي يقول، فإنّ المضارع المتحقّق الوقوع ينزل منزلة الماضي، ومحل (إذ) نصب على (إتّقوا)، أي إتّقوا زمان يقول الله : ياعيسى، أو على تقدير (إذكُر) ((يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ)) وذَكَرَ (ابن مريم) إستنكاراً لقول النصارى أنه إبن الله (( اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ )) والمراد بالنعمة جِنسها، لا نعمة واحدة، ومعنى ذِكر النعمة شُكرها، والإتيان بما يستحق المنعم بها، ومن المعلوم أنّ النعمة على الوالدة بالعفاف والطهارة وغيرهما من أعظم النِعَم على الولد، فهي مما تستحق الشكر، ثم فسّر سبحانه بعض نعمه بقوله ((إِذْ أَيَّدتُّكَ ))، أي قوّيتك ونصرتك ((بِرُوحِ الْقُدُسِ ))، أي الروح المنزّه عن الأدران، وهو جبرئيل (عليه السلام) أو مَلَك آخر، أو روح منفوخة فيه تحفظه عن الزلل، فإنّ الأنبياء والأئمة مزوّدون بروح طاهرة تحفظهم وتُرشدهم بأمر الله سبحانه ((تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ))، أي في حال كونك صبيّاً، فإنه (عليه السلام) قال (أنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مُباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حيّا) .. إلخ ((وَكَهْلاً ))، أي في حال كونك كهلاً، وهو قبل سن الشيخوخة، وهذا من تتمة الكلام، يعني أنك تكلّم الناس في الحالين، لا كسائر الناس الذين لا يتكلّمون إلا في حالة واحدة ((وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ ))، أي جِنس الكتاب المُزل من السماء، فإنه كانت كُتب نازلة على الأنبياء السابقين، وقد كان (عليه السلام) تعلّمها بتعليم الله سبحانه ((وَالْحِكْمَةَ )) وهي علم الأشياء على واقعها فإنّ معرفة الكتب غير معرفة الحكمة، وأن يكون الإنسان بحيث يعلم الأمور ومواضعها ((وَالتَّوْرَاةَ )) وهي الكتاب المنزَل على موسى (عليه السلام) ((وَالإِنجِيلَ )) وهو الكتاب المنزَل على المسيح نفسه (عليه السلام) ((وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ))، أي على قالب الطير وهيكله، ومن المعلوم أنّ هذا النحو من التجسيم لم يكن حراماً لأنه كان بأمر الله وليس للتحريم عقلياً حتى لا يمكن التخصيص فيه ((بِإِذْنِي )) ولعلّ بإذني إشارة إلى ذلك، أو إنّ الخلق إنما كان بقدرته، إذ لو لم يأذن الله لم يتمكن أحد من خلق شيء وصنعه ((فَتَنفُخُ فِيهَا ))، أي في تلك الهيئة التي خلقتها، ولا يخفى أنّ الروح جسم لطيف فيمكن أن ينفخ المسيح (عليه السلام) بإذن الله ذلك الجسم في الهيكل المصنوع ((فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ))، أي طيراً حقيقياً كسائر الطيور بأمري وإرادتي ((وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ))، أي تُشفي الذي وُلد أعمى ((وَالأَبْرَصَ )) الذي به البَرَص ((بِإِذْنِي ))، أي بأمري وإرادتي ((وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى )) من القبور فتجعلهم أحياءاً ((بِإِذْنِي )) وإرادتي فإنك تدعوني لهذه الحوائج وإنما أستجيب دعائك ((وَإِذْ كَفَفْتُ ))، أي منعتُ ((بَنِي إِسْرَائِيلَ )) اليهود ((عَنكَ )) فلم يقدروا على قتلك ((إِذْ جِئْتَهُمْ ))، أي حين أتيت إليهم ((بِالْبَيِّنَاتِ )) ، أي بالأدلة القاطعة على صحة نبوّتك وصدق كلامك ((فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك وجحدوك ولم يؤمنوا بما جئتَ به ((مِنْهُمْ ))، أي من بني إسرائيل ((إِنْ هَذَا ))، أي ما هذا الذي نرى من خوارقك ((إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ))، أي سحر واضح .
 
ملاحظة الباحث: انظر الى الإستعراض القرآني العام لمسيرة حياة عيسى من المهد الى الكهولة وكيف تميز بالعلم والحكمة ومعرفة العلوم الربانية كالتوراة والإنجيل وبالبينات التي خرج بها على الناس من المعاجز والخوارق، أفلا ينبغي أن نستوعب هذا الدرس نحن البشر.
 
سبعة عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير الآية 112 من سورة المائدة من موقع السراج في الطريق الى الله:
واذكر نعمتي عليك ياعيسى بن مريم (عليه السلام) حينما جرى الحوار بينك وبين الحواريّين حول إنزال الله المائدة فطلبتَ من الله فاستجاب لك وأنزل المائدة ((إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )) ولعلّهم ذكروا اللفظ بتأديب وإنما نَقَلَ سبحانه المعنى، أو كان مثل هذا الخطاب من دستور عيسى (عليه السلام) نفسه، أو كان لديهم متعارفاً ((هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء )) أما المراد الإستطاعة بحسب القدرة، وكان ذلك حين عدم كمال إيمانهم، وأما المراد الإستطاعة بحسب الإرادة، أي هل يريد ؟ ، وكان سؤال إستعطاف، والمائدة مشتقّة من ماد يميد إذا تحرّك، فهي فاعلة سمي بها الخوان لأنه يميد ويتحرك من مكان لمكان آخر وقت البسط والجمع، وقد أرادوا إتيان عيسى بهذه المعجزة ليروها ويلمسوها ويأكلوها، فلا يبقى محل ريب لهم في صدق الدعوة، ولعلّ ذلك كان قبل سائر الآيات من إبراء الأكمه والأبرص، ولذا ((قَالَ )) لهم عيسى (عليه السلام) ((اتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوه فلا تسئلوا سؤال جاهل ذي ريب ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالله بماله من صفات الكمال التي منها الإستطاعة على مثل هذا الأمر المهين .
 
ملاحظة الباحث: انظر الى الأدب القرآني كيف ينقل صورة الحوار بين عيسى وبين حوارييه دون الإساءة في التعبير في حالات الوصف، إنما يركز فقط على الإعتقاد والوحدانية دون الإهتمام بالجوانب التافهة.
 
ثمانية عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 114 من سورة المائدة من موقع السراج في الطريق الى الله:
((قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) داعياً الله سبحانه ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا )) وكان الإتيان بلفظ الرب للمبالغة في الدعاء، أنت الذي ربّيتنا فتفضّل علينا بتتميم التربية ((أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء ))، أي خواناً عليه طعام يأتي من طرف العلو ((تَكُونُ )) المائدة ((لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ))، أي نتّخذ ذلك اليوم الذي تنزل المائدة عيداً، فإنّ الأعياد في الأمم إنما هي بمناسبة ذكريات إنتصارهم، ومن المعلوم أنّ تكريم جماعة بنزول المائدة عليهم من قِبَل الله سبحانه من أعظم الذكريات التي ينبغي أن يُحتفل بها، أول القوم الذين نزلت عليهم، وآخر القوم أي مَن يأتي من بعدهم من أبنائهم ((وَآيَةً مِّنكَ ))، أي دليلاً وعلامة من قِبَلك على التوحيد والنبوّة وما أشبههما ((وَارْزُقْنَا )) من المائدة ((وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) فإنك تتفضّل بالنِعَم كرماً وجوداً ولا تريد عوضها شيئاً تنتفع به بخلاف الناس إذا أُعطوا شيئاً فإنهم يريدون بدلاً يصل إليهم .
 
ملاحظة الباحث: انظر الى الدور الذي يؤديه عيسى في تقوية الإرتباط بين الخالق والمخلوق بما أوتي من البينات والمعاجز من أجل عبادة الإله الواحد الأحد.
 
تسعة عشر: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان في تفسير نص الآية 116 من سورة المائدة
من موقع السراج في الطريق الى الله: 
تقدّم أنّ الله سبحانه يسأل الأنبياء عن جواب الأمم لهم، ثم ذُكر جملة من معاجز عيسى المقتضية لإيمان الناس به إيماناً عادلاً، لكن النصارى رفعوه فوق مقامه إذ جعلوه إلهاً، ولذا يتوجّه السؤال إليه (عليه السلام) في مشهد القيامة حول هذا الإفتراء الذي نُسب إليه (عليه السلام) حتى يظهر تبرّيه من ذلك، فيكون المجال فسيحاً أمام عقاب من إدّعى ذلك كذباً وبهتاناً، في يوم يجمع الله الرُسُل فيقول : ماذا أُجِبتُم ؟ ((وَإِذْ قَالَ اللّهُ ))، أي يقول، فإنّ المستقبل المتحقّق وقوعه ينزل منزلة الماضي ((يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ ))، أي هل أنتم على نحو الإستفهام التوبيخي لمن إدّعى ذلك، والتقريري بالنفي بالنسبة إلى المسيح (عليه السلام) ((قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ))، أي سوى الله، لا إنهم لا يعتقدون بإلوهيّة الله تعالى ((قَالَ )) عيسى (عليه السلام) في جواب ذلك : أسبّحك ((سُبْحَانَكَ ))، أي أنزّهك يارب تنزيهاً عن مثل هذا الكلام ((مَا يَكُونُ لِي ))، أي ليس يجوز بالنسبة إليّ ((أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ )) فآمرَ الناس باتّخاذي إلهاً ((إِن كُنتُ قُلْتُهُ ))، أي قلتُ للناس إتّخذوني وأُمّي إلهين ((فَقَدْ عَلِمْتَهُ )) لكن لا تعلم ذلك -على نحو السالبة بانتفاء الموضوع- فلستُ قلته ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ))، أي سريرتي فكيف بأقوالي العلانية ((وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ )) وهذا على جهة المقابلة، وإلا فليس لله سبحانه نفس، وقوله (ولا أعلم) لبيان ضراعته (عليه السلام) إليه سبحانه وإلا فلم يكن الكلام مسوقاً إليه ((إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ))، أي تعلم كلّ غيب عن للحواس، ولستُ أنا كذلك فأنت تعلم أني لم أقل (إتّخذوني وأُمّي إلهين) للناس.
 
ملاحظة الباحث: هنا يشير القرآن الى الحوارات بين الإله الواحد الأحد وبين عيسى وكيف ينقل لنا نبي الإسلام الصورة المثالية التي يتمتع بها عيسى وأمه مريم، وفيها النص على تنزيههما من الإنحرافات العقائدية.
 
عشرون: من تفسير تقريب القرآن الى الأذهان الأنعام في تفسير نص الآية 85 من موقع السراج في الطريق الى الله:        " وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ " الأنعام الآية 85.
((وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى)) إبن زكريا ((وَعِيسَى)) بن مريم ((وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ))، أي إنّ كل واحد من الذين أصلحوا.
 
ملاحظة الباحث: لاحظ هذه الآية كيف أنها تأتي على ذكر أنبياء بني إسرائيل بكل إحترام وتصفهم بالصالحين.
 
واحد وعشرون: من الميزان في تفسير القرآن في تفسير نص الآية 34 من سورة مريم.
قوله تعالى: «ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون» الظاهر أن هذه الآية و التي تليها معترضتان، و الآية الثالثة: «و إن الله ربي و ربكم» من تمام قول عيسى (عليه السلام).
و قوله: «ذلك عيسى ابن مريم» الإشارة فيه إلى مجموع ما قص من أمره و شرح من وصفه أي ذلك الذي ذكرنا كيفية ولادته و ما وصفه هو للناس من عبوديته و إيتائه الكتاب و جعله نبيا هو عيسى بن مريم.
و قوله: «قول الحق» منصوب بمقدر أي أقول قول الحق، و قوله: «الذي فيه يمترون» أي يشكون أو يتنازعون، وصف لعيسى، و المعنى: ذلك عيسى بن مريم الذي يشكون أو يتنازعون فيه.
و قيل: المراد بقول الحق كلمة الحق و هو عيسى (عليه السلام) لأن الله سبحانه سماه كلمته في قوله: «و كلمته ألقاها إلى مريم»: النساء: 171 و قوله: «يبشرك بكلمة منه»: آل عمران: 45، و قوله: «بكلمة من الله»: آل عمران: 39، و عليه فقول الحق منصوب على المدح، و يؤيد المعنى الأول قوله تعالى في هذا المعنى في آخر القصة من سورة آل عمران: «الحق من ربك فلا تكن من الممترين»: آل عمران: 60.
 
ملاحظة الباحث: في هذه الآية وصف عقائدي محض يريد به القرآن إلقاء الضوء على الحقيقة، وبودنا أن نشير الى إن بعض المشككين بنبي الإسلام إتخذوا طريق الكذب والرواية الكاذبة لتضليل الناس وتنفيرهم من نبي الإسلام وهذا مانريد الإشارة إليه لذا ندعو كافة المسيحيين واليهود للبحث عن الحقيقة وذلك بقراءة القرآن بصورة جيدة واللجوء الى المصادر النظيفة بعيداً عما علق في كتب الأكاذيب وليس لنا في ذلك إلاّ مصلحتهم وهانحن بصدد ذلك إذ ننشر ونساعد على إشاعة مايساعدهم على تناول المادة التاريخية والدينية بصورة معتدلة.
 
اثنتان وعشرون: من الميزان في تفسير القرآن. في تفسير نص الآية 7  سورة الأحزاب.
" وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا " سورة الأحزاب الآية 7.
إضافة الميثاق إلى ضمير النبيين دليل على أن المراد بالميثاق ميثاق خاص بهم كما أن ذكرهم بوصف النبوة مشعر بذلك فالميثاق المأخوذ من النبيين ميثاق خاص من حيث إنهم نبيون و هو غير الميثاق المأخوذ من عامة البشر الذي يشير إليه في قوله: «و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم قالوا بلى»: الأعراف: 127.
و قد ذكر أخذ الميثاق من النبيين في موضع آخر و هو قوله: «و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال أ أقررتم و أخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا»: آل عمران: 81.
و الآية المبحوث عنها و إن لم تبين ما هو الميثاق المأخوذ منهم و إن كانت فيها إشارة إلى أنه أمر متعلق بالنبوة لكن يمكن أن يستفاد من آية آل عمران أن الميثاق مأخوذ على وحدة الكلمة في الدين و عدم الاختلاف فيه كما في قوله: «إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون»: الأنبياء: 92، و قوله: «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه»: الشورى: 13.
و قد ذكر النبيين بلفظ عام يشمل الجميع ثم سمى خمسة منهم بأسمائهم بالعطف عليهم فقال: «و منك و من نوح و إبراهيم و موسى و عيسى بن مريم» و معنى العطف إخراجهم من بينهم و تخصيصهم بالذكر كأنه قيل: و إذ أخذنا الميثاق منكم أيها الخمسة و من باقي النبيين.
و لم يخصهم بالذكر على هذا النمط إلا لعظمة شأنهم و رفعة مكانهم فإنهم أولوا عزم و أصحاب شرائع و كتب و قد عدهم على ترتيب زمانهم: نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى بن مريم (عليهما السلام)، لكن قدم ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو آخرهم زمانا لفضله و شرفه و تقدمه على الجميع.
و قوله: «و أخذنا منهم ميثاقا غليظا» تأكيد و تغليظ للميثاق نظير قوله: «فلما جاء أمرنا نجينا هودا و الذين آمنوا معه برحمة منا و نجيناهم من عذاب غليظ»: هود: 58.
 
ملاحظة الباحث: في هذه الآية يظهر أهمية دور الأنبياء خصوصاً أولي العزم ولابد للبشر أن يحترموا هذه الرموز المقدسة التي قادت البشرية، وأما أمر إنتهاك هذه القدسية فعواقبه وخيمة، أجلَّنا الله عن الوقوع في أدنى شئ منها ونسأل الله التوفيق.
 
خاتمة
 
الذين منعوا نشر الفيلم المسئ لنبي الإسلام .. روسيا إنموذجاً
لقد منعت بعض الدول الأوروبية نشر هذا الفيلم، والحد من جملة الإساءات كفرنسا وروسيا، ولقد إستنكر بعضها ذلك وبشكل رسمي، ورفض المساس بالرموز الدينية وكان ذلك على نسب، فقد حاولت هذه الدول أن تمتص المواقف المتشنجة لمختلف الأطراف من أجل وقف العنف الذي سببه هذا الفيلم وساعد ذلك على زيادة الكراهية بينهم، وعلى الرغم من أن الفيلم قد أساء لنبي الإسلام وجرح مشاعر المسلمين إلا أنه كان دافعاً للمسيحيين وغيرهم في البحث عن حقيقة الإسلام الذي يحاول البعض تشويه معالمه ومواقفه الإنسانية، ودفعهم الى الحصول على المعرفة والإطلاع على الإسلام وحياة محمد، ومن جهة أخرى أيقظ المسلمين الى رفع مستوى العمل والجهد في سبيل التقريب بين المسلمين وأهل الكتاب، من المسيحيين واليهود وغيرهم، ولقد علمنا بأن المسلمين قد نظموا مسيرات توعية في عواصم بعض الدول الغربية كالعاصمة البريطانية لندن والتي ينشط فيها التقريب بين أهل الأديان، وبين أهل المذاهب، كما تساهم حكومتها في نشر الوعي الوحدوي،  وتعميق المواقف السلمية والإنسانية والمساهمة في زرع روح المحبة والإعتدال بدلاً عن العنف والكراهية كما دأبت عليه بعض المؤسسات الإسلامية والمسيحية واليهودية وغيرها من المذاهب والأديان.
 
 
 
المصادر

القرآن الكريم

تفسير تقريب القرآن الى الأذهان

الميزان في تفسير القرآن                  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود الربيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/06



كتابة تعليق لموضوع : محمد وعيسى في القرآن والسنة المحمدية ... بين الجهل والحقيقة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net