صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح 59 سورة النساء
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم 

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً{84}
تتضمن الاية الكريمة امرين وتوضيحين , الامرين : 
1- (  فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ) : امر صريح ومباشر بقتال الكافرين , ولكن ليس كل الكافرين , بل من عادا منهم الاسلام وتربص به . 
2- (  وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) : امر بتحفيز المؤمنين على القتال في سبيل الله تعالى , نصرة للاسلام . 
بعد الامر بالقتال وحث المؤمنين عليه , يأتي دور رفع الحالة المعنوية لهم , فكان في هذه الاية الكريمة بتوضيحين : 
1- (  وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً ) . 
2- (  وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ) .          
مما يروى في سبب النزول ,  لما عاد ابا سفيان وقريش منتصرين من واقعة احد , توعدوا المسلمين المواجهة مرة اخرة في موسم بدر الصغرى , أي في وقت اقامة السوق التجاري في شهر ذي القعدة الحرام , الذي يعقد في منطقة بدر ,  حينما حان الوقت المعلوم , دعا النبي محمد (ص واله) المسلمين للاستعداد والتوجه , الا ان نفرا من المسلمين رفضوا التحرك , متذرعين ببعض الحجج . 
       
مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً{85}
تذكر الاية الكريمة نوعين من الشفاعة : 
1- (  مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ) : الشفاعة الحسنة المرضية في الاسلام . 
2- (  وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ) : الشفاعة السيئة المرفوضة في الاسلام .       
ثم تترك الاية الكريمة المجال مفتوحا للاختيار , فما على من تتوفر لديه مؤهلات الشفاعة كالجاه والمال ان يختار بينهما , لكن عليه ان يأخذ بالحسبان (   وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً ) . 
      
وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً{86}
تسلط الاية الكريمة الضوء على موضوع التحية في الاسلام ( السلام عليكم ) , بتخيير من المحيى بين امرين : 
1- (  فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) : وهي ( السلام عليكم = وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ) ,  وهو الافضل والاجزل اجرا وثوابا عند الله تعالى . 
2- (  رُدُّوهَا ) : اجابة المحيي بما حيا به ( السلام عليكم  = وعليكم السلام ) , وهو اقل اجرا وثوابا .          
للتحية اداب كثيرة , فتجوز في حالات , وغير جائزة في حالات اخرى ,  كما وانها مستحبة على المحيي , وواجبة وجوبا كفائيا على المحيى الى غير ذلك من التفاصيل . 
 
اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً{87}
تضمنت الاية الكريمة تصريح (  اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ) , وحده المتفرد بالإلوهية , وبيان (  لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ) , وتوضيح (  وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً ) . 
ما يلفت النظر اختتام الاية الكريمة بــ (  وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً ) , التي تعود بما فيها الى تصرح الاية وبيانها , فما اروع واجمل التعبير ! .      
الاية الكريمة من ايات التهليل , ولها خصائص وفضائل للشفاء من سائر الامراض , كما وجاء في كتاب مكارم الاخلاق , فصل الاستشفاء بايات التهليل . 
 
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً{88}
تروي الاية الكريمة ما دار بين المسلمين عند عودتهم من واقعة احد , حيث انقسموا بشأن المنافقين الى فريقين  , فريق ذهب الى قتلهم , والفريق الثاني كان له رأي اخر .
الملاحظ في الاية الكريمة , ضمير المخاطب , فمن سياقها يلاحظ ان الكلام موجه الى المسلمين , بصيغة المخاطب الجمع (   لَكُمْ -  أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ ) , وفي اختتامها بصيغة المخاطب المفرد (  فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) . 
       
وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً{89}
تضمنت الاية الكريمة موضوعين : 
1- بيان حال المنافقين بــ (  وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ) . 
2- اوامر : حيث تضمنت ثلاثة اوامر : 
أ) (   فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) . 
ب)  (  فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ ) . 
ج) (  وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ) .        
 
 
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً{90}
بعد ان امرت الاية الكريمة السابقة المؤمنين بثلاثة اوامر او احكام بخصوص المنافقين , استثنت الاية الكريمة الحالية ثلاثة طوائف : 
1- (   إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ) . 
2- (   أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ ) . 
3- (   أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ ) .  
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , ان قبيلة بني ضمرة عقدت مع النبي ( ص واله ) اتفاقا بترك النزاع وكانت حليفة لاشجع , المعادية للنبي (ص واله ) , فشكك بعض المسلمين في امر هذه القبيلة , وقدموا اقتراحاتهم للنبي (ص واله) ان يهاجما قبل ان تبادر هي بالهجوم , فرفض النبي الكريم (ص واله) اقتراحاتهم .       
 
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً{91}
تسلط الاية الكريمة الضوء على مجموعة من الناس , يظهرون اسلامهم للمسلمين , بغية ان يأمنوا على انفسهم , ويظهرون كفرهم عند قومهم , خوفا من بطشهم , لذا فهم يتقلبون بين هؤلاء وهؤلاء , فوضعت الاية الكريمة العلاج الناجع لهم (  فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ ) .        
 
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً{92}
تذكر الاية الكريمة جملة من الاحكام الشرعية في قتل المؤمن لمؤمن خطئا . 
عادة تحدث المشاحنات بين ذوي القاتل والمقتول , مما يفرق وحدة المسلمين , فجاءت الاحكام تعزيزا لتماسك المجتمع الاسلامي . 
 
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً{93}
بعد ان تطرقت الاية الكريمة السابقة الى ذكر قتل المؤمن لمؤمن خطئا , وبينت احكامه , عرجت الاية الكريمة الحالية الى ذكر قتل المؤمن عمدا , وتوعدته بأربعة انواع من العقوبات , ولم تذكر أي احكاما تسري على القاتل : 
1- (  فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ) . 
2- (  وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ ) . 
3- (  وَلَعَنَهُ ) . 
4- (  وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) .              
الملاحظ في الايتين الكريمتين , ان المؤمن لا يقتل مؤمنا اخر , الا خطئا , اما عمدا فذلك محال , فلا يمكن ان يكون قاتل المؤمن عمدا مؤمنا ! .  
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/09



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح 59 سورة النساء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net